تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22

أول مستعمرة لـ «الدولة الإسلامیة» فی لیبیا

یواصل تنظیم «الدولة الإسلامیة»/«داعش» هجماته فی العراق وسوریا، وفی الوقت نفسه یکتسب باطراد دعماً من أفراد وجماعات فی جمیع أنحاء العالم
رمز الخبر: ۶۱۰۲۳
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۸:۱۸ - 31October 2014

أول مستعمرة لـ «الدولة الإسلامیة» فی لیبیا

 یواصل تنظیم «الدولة الإسلامیة»/«داعش» هجماته فی العراق وسوریا، وفی الوقت نفسه یکتسب باطراد دعماً من أفراد وجماعات فی جمیع أنحاء العالم. وقد یکون التطوّر الأکثر أهمیة [الذی طرأ أخیراً هو الإعراب الذی صدر] من قبل جماعة جهادیة عالمیة جدیدة نسبیاً نشأت فی لیبیا باسم «مجلس شورى شباب الإسلام» [عن تأییدها لهذا التنظیم]، وأعلنت أیضاً فی نهایة الأسبوع الماضی بأن مدینة درنة تُعتبر الآن جزءاً من "خلافة" «الدولة الإسلامیة». وعلى الرغم من أنّ قادة «داعش» لم یعلّقوا على هذا الإعلان ولم "یضمّوا" المدینة رسمیاً إلى «الدولة الإسلامیة»، تبیّن خطوة «مجلس شورى شباب الإسلام» («المجلس») نهجاً للتوسّع یُحتمل اعتماده فی المستقبل یختلف عن نموذج تنظیم «القاعدة» [القاضی بمنح امتیازات لتنظیمات مختلفة فی جمیع أنحاء العالم]. ویمکن أن توضِّح هذه الخطوة أیضاً کیف أنّه قد لا تکون هناک أیّ أهمیة للحدود الوطنیة والمساحات المتجاورة فیما یتعلق بالکیفیة التی سیوسّع بموجبها تنظیم «داعش» خلافته إلى ما هو أبعد من بلاد الشام وبلاد مابین النهرین.

من هو «مجلس شورى شباب الإسلام»؟

فی 4 نیسان/أبریل، أعلن تنظیم «مجلس شورى شباب الإسلام» عن وجوده عندما نزلت عناصره الملثمة إلى شوارع درنة - مدینة یبلغ عدد سکانها حوالی 80,000 نسمة وتقع على ساحل البحر المتوسط ​​على بُعد 150 کیلومتر تقریباً شرق بنغازی. وأعلن أولئک الملثمین، الذین کانوا یرتدون الزیّ العسکری، ویقودون الشاحنات، ویلوّحون بقاذفات قنابل تدفعها الصواریخ، والمدافع الرشاشة، ومدافع مضادة للطائرات، أنهم سیشکّلون القوة الأمنیة الجدیدة فی المدینة ویطبّقون فیها حکم الشریعة. ویقیناً، لا یشکل «مجلس شورى شباب الإسلام» التنظیم المتمرد الوحید القائم فی درنة، کما أنه لم یتمکن من احتکار التحکّم بشؤون المدینة منذ نیسان/أبریل. بید، فی الوقت الذی لا یُعرف الکثیر عن قادة الجماعة وأعضائها الفردیین، من الواضح أنّها حاولت الالتزام برسالتها الأصلیة.

فی 13 أیار/مایو، بدأ «المجلس» بإجراء دوریات أمنیة فی أجزاء من درنة، وبحلول منتصف آب/أغسطس، کان قد سیطر على مستشفى "الهریش"، فی خطوة تذکّرنا بالکیفیة التی قام  بها الفصیل الجهادی الآخر، کتائب «أنصار الشریعة فی لیبیا»، بتأمین مستشفى "الجلاء" فی بنغازی، مما جعل هذه الکتائب تظهر کجماعة تتمتع بحسن النیة بعد معارضة الکثیر من المدنیین لها فی أعقاب الهجوم الذی وقع على القنصلیة الأمریکیة عام 2012. وعلاوةً على ذلک، ففی 18 أیار/مایو، بدأ «مجلس شورى شباب الإسلام» بملء صفحته الرسمیة على موقع الـ "فیسبوک" ببیانات من لجنته الشرعیة عن أفراد - من بینهم أعضاء فی الحکومة اللیبیة "المرتدة" وقوات متمردة أخرى، وعینة عشوائیة من المواطنین - کانوا  قد "تابوا" وانضموا إلى صفوف الجماعة، وهو تکتیک یستخدمه أیضاً تنظیم «الدولة الإسلامیة». ومنذ ذلک الحین، تمّ نشر بیانات عن حوالى مائة أو أکثر من هؤلاء الأفراد. بالإضافة إلى ذلک وفی 12 آب/أغسطس، نزل کثیرون من أعضاء «مجلس شورى شباب الإسلام» إلى الشوارع للمطالبة بتطبیق الشریعة، فی حین نشرت لجنة الشریعة أطروحة معادیة للدیمقراطیة على شبکة الإنترنت بتاریخ 20 آب/أغسطس.

وفی الوقت نفسه، بدأ «المجلس» بتطبیق "الحسبة" (المساءلة) فی درنة، مطالباً الأفراد بتفسیر سلوکهم "غیر الإسلامی،" وکان ذلک یتمّ أحیاناً من خلال الاقتصاص غیر القانونی. على سبیل المثال، نشر التنظیم على صفحاته على وسائل التواصل الاجتماعی فی 1 حزیران/یونیو و 30 آب/أغسطس کیف قام بمصادرة مخدرات وکحول. وبدأت الجماعة أیضاً بتطبیق "الحدود" الشرعیة (عقوبات جنائیة بموجب الشریعة) فی منتصف تموز/یولیو، وتمادت فی ذلک إلى حدّ أنها نفّذت إعداماً علنیاً فی ملعب لکرة القدم فی 18 آب/أغسطس ، یذکّر بعملیات الإعدام التی نفّذتها حرکة طالبان. وقد جلبت تلک الإجراءات سمعة سیّئة لـ «المجلس» بین بعض السکان، ولکنها زرعت أیضاً خوفاً کبیراً فی قلوبهم.

«مجلس شورى شباب الإسلام» و «الدولة الإسلامیة»

فضلاً عن استخدامه أیقونیة «داعش»، وأبرزها رایة التنظیم السوداء، أصدر «مجلس شورى شباب الإسلام» أیضاً بیاناً فی 22 حزیران/یونیوأظهر فیه دعمه لـ «الدولة الإسلامیة» وزعیمه أبو بکر البغدادی. ومن جملة ما قال فیه: "لزاماً علینا نحن فی مجلس شورى شباب الإسلام، نصرة هذه الدولة الإسلامیة المظلومة، التی عاداها القریب و البعید سواءً من الکفار، أو المنافقین، أو مرضى النفوس". وتابع البیان: "فدولة الإسلام باقیة - بإذن الله - لأنه ما کان لله دام واتصل، وما کان لغیره انقطع وانفصل".  

وقد جاء ذلک البیان قبل الإدعاء الرسمی الذی صدر فی 3 أکتوبر/تشرین الأول، والذی اعتبر الأراضی التی یسیطر علیها «مجلس شورى شباب الإسلام» فی مدینة درنة جزءاً من الخلافة، تلک الأراضی التی أطلق علیها فیما بعد اسم "ولایة درنة" التی هی جزءاً من «الدولة الإسلامیة». وقد یکون إصدار هذا الإدعاء الأخیر قد جاء رداً على مزاعم تحدّثت عن إرسال «داعش» مؤخراً 15 من عناصرها من سوریا إلى درنة. وللاحتفال بالإعلان، نظّم «مجلس شورى شباب الإسلام» منتدىً فی "جامع الصحابة" باسم "الخلافة على منهاج النبوة،" وهو شعار کان تنظیم «الدولة الإسلامیة» یستخدمه فی العام الماضی. وقد شارک المئات من الناس فی تلک الفعالیة. فبالإضافة إلى الخُطب والألعاب الترفیهیة للأطفال، کشف المنتدى عن عَلَم «داعش» وسیارات تابعة لـ «مجلس شورى شباب الإسلام» کُتبت علیها عبارة "الشرطة الإسلامیة"، بالإضافة إلى کلمة "الحسبة" بالخط العریض على القسم العلوی من بعض السیارات، بینما کُتبت عبارة "الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر" على القسم السفلی منها وفی نص أصغر من سابقاتها من الکلمات. کما قدّم المنظمون أیضاً "نشیداً" نشرته "مؤسسة أجناد للإنتاج الإعلامی"، التی هی المنفذ الإعلامی التابع لـ تنظیم «الدولة الإسلامیة».

وفی خضمّ أجواء الاحتفال موضع الحدیث، لم یکن الجمیع فی درنة راضیاً عن ذلک التحول فی الأحداث. وفی 7 تشرین الأول/أکتوبر، أعرب الفصیل المتمرد الرئیسی «کتیبة شهداء ابوسلیم» - إلى جانب بعض السکان المحلیین - عن عدم رضاه عن إعلان «مجلس شورى شباب الإسلام»، بقوله أنه لن یعلن "البیعة" مطلقاً إلى أی شخص خارج لیبیا. ویعتقد إنّ الجماعتیْن متورطتان فی معرکة ضروس فی أجزاء من درنة، الأمر الذی خلّف العدید من القتلى والجرحى فی الأسابیع القلیلة الماضیة. وتُلقی مثل هذه التطورات ظلالاً من الشک على إمکانیة استدامة مشروع «مجلس شورى شباب الإسلام»؛ یتعیّن على هذا التنظیم أن یشحذ المزید من القدرات إذا أراد لولایته التابعة لـ "الخلافة" أن تستمرّ على المدى الطویل. ولکن مع ذلک، لا یمکن تجاهل تاریخ درنة الملیء بالعلاقات مع حرکات جهادیة فی بلدان أخرى. فعلى سبیل المثال، عندما عثرت القوات الأمریکیة فی العراق على قائمةً بأسماء المقاتلین المتمردین الأجانب فی البلاد عام 2007، کان 52 من اللیبیین الـ 112 المذکورین على تلک القائمة من درنة.

نموذج جدید؟

على الرغم من غیاب البیانات الرسمیة من «داعش» بشأن هذه المسألة، قد تشکّل المناورة التی قام بها «مجلس شورى شباب الإسلام» فی لیبیا نموذجاً لاستحواذ تنظیم «الدولة الإسلامیة» مستقبلاً على أراضٍ خارج قاعدته فی العراق وسوریا. ولا تزال قدرات القیادة والسیطرة موضع أسئلة، حیث قد تکون هناک حاجة إلى تلک القدرات لتحقیق سیناریو مشابه، فضلاً عن الشؤون اللوجستیة المترتبة على حشد مقاتلین أجانب وشبکات تیسیر على نطاق واسع. وسیختلف هذا النموذج أیضاً اختلافاً هائلاً عن طریقة عمل تنظیم «القاعدة» فی الماضی، إذ کان هذا الأخیر یعتمد بالأساس على الامتیازات [التی منحها] للمنظمات المحلیة المستقلة.

ومهما یترتّب عن الإعلان الذی أصدره «مجلس شورى شباب الإسلام»، فإنه یسلط الضوء على الجاذبیة المستمرة التی تتمتع بها «داعش» فی أنحاء کثیرة من العالم خارج حدود العراق وسوریا، وعلى کادر المقاتلین الأجانب المتوفّر فی تلک البلدان وحولها. یتعیّن على الحکومات فی مختلف أنحاء العالم أن تدرک أنه لا یمکن تجاهل «داعش» أو غضّ النظر عنها، وأن الجماعة غیر محدودة فی بقعة جغرافیة معیّنة. بل على العکس من ذلک، یبدو أنّ تنظیم «الدولة الإسلامیة» یبعث الصحوة فی قلوب الکثیر من أتباعهه المحتملین فی مختلف أصقاع الدنیا.

المصدر: جریدة معهد واشنطن

رایکم
الأکثر قراءة