تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22
بمناسبة ایام الحج المبارکة

الإمام موسی الصدر: رحلة الحج هی رحلة إیمان ببعدیه السماوی والأرضی

إن القرآن الکریم یقرن بین فرض الحج على المستطیع وبین اعتبار التخلف کفرًا، والتأکید على ﴿إن الله غنی عن العالمین﴾ ]آل عمران،97]، وبإمکان الباحث المتعمق فی مفاهیم الآیات أن یستخرج من آیة الحج معانٍ عدیدة منها:
رمز الخبر: ۶۰۲۶۸
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۲:۴۳ - 02October 2014

 الإمام موسی الصدر: رحلة الحج هی رحلة إیمان ببعدیه السماوی والأرضی

مقال لسماحة الإمام موسى الصدر إثر عودته من رحلة الحج بتاریخ 1977/12/09

إن القرآن الکریم یقرن بین فرض الحج على المستطیع وبین اعتبار التخلف کفرًا، والتأکید على ﴿إن الله غنی عن العالمین﴾ ]آل عمران،97]، وبإمکان الباحث المتعمق فی مفاهیم الآیات أن یستخرج من آیة الحج معانٍ عدیدة منها:

عموم الوجوب للقادر وهو الذی یملک حسب نص الأحادیث، الزاد والرحلة والعودة للکفایة، ومعنى هذا أن الرؤیة والمسلک والإحساس عناصر ثلاثة تتحول فی الحج إلى الله.

وهذا التحول ضروری فی حیاة المسلم الفردیة والجماعیة. ومنها أن رحلة الحج هى رحلة إیمان ببعدیه: البعد السماوی والبعد الأرضی، وأن الإنسان عندما ینتقل بجسده إلى الکعبة وإلى المقامات والمناسک، فإنه ینتقل أیضًا من الخلق إلى الحق، ومن الفرد إلى الأمة:

*رحلة الخلق إلى الحق تتحقق بقطع الالتزامات المادیة والعروج إلى عالم التحرر والتجرد عن المادیات، فالحاج یترک بیته وأهله وعاداته وبلاده، ثم یصل إلى المیقات فیترک ملابسه ویهمل جسمه، وبعد أن یمارس أعمال الحج یترک إرادته ووقاره وتساؤلاته العقلانیة ویستسلم لأوامر الله ویتبرأ من أعداء الله خلال رمز الرمی، وأخیرًا یتنازل عن ماله فى رمز الأضحیة. وهکذا یتحرر الإنسان عن کل ما سوى الله، وعن جمیع علاقاته المادیة والحیاتیة.

*ورحلته من الفرد إلى الأمة تتحقق بترک الممیزات والمشخصات الفردیة والعائلیة والوطنیة والقومیة والطبقیة فیذوب فی صورة موحدة تقترب من قلب الإسلام: الکعبة المکرمة ثم من الصفا والمروة، وهنا تندمج أمواج الأفراد والجماعات بحرکة دائریة حول الکعبة، وبحرکة أفقیة بین الصفا والمروة فتکون وحدة متمازجة متحدة البدایة والنهایة والسلوک والحرکات، وهکذا یخرِّج مصنع الحج من الفرد جماعة.

ومنها أن الإعراض عن الحج بمنزلة الکفر والتکبر والأنانیة، وهذا ما تعبِّر عنه فقرة ﴿فإن الله غنی عن العالمین﴾ ]آل عمران،97].

ومنها أن الحج غنى للإنسان بعد فقره، وعطاء من الله فی مختلف النعم، وأنه علاج لآلام الإنسان ولحاجاته. وآیات الحج تؤکد فوائد الحج، وتعددها تارة وتجملها أخرى عندما تطرح کلمة ﴿لیشهدوا منافع لهم﴾ ]الحج،28].

وفی رحلتی المبارکة، حاولت أن أختار هذا السبیل، وفی هذه الظروف القاسیة بالذات، لأنی أدرکت حاجتی وحاجة وطنی ومنطقتی وأمتی وطائفتی وصنفی ومؤسستی وحرکتی، ولمست بوضوح عواصف الریاح العاتیة التی تسلب کل مبادرة وکل علاج.

التجأت إلى حرم الله وإلى أمن الله وإلى بیت الله والتجأ معی کل ما أمثِّل، وکل من أمثِّل، وکنت واثقًا من أنی بهذا اللجوء، وفی هذه الرحلة سوف أجد غنى من عند الله الذی هو غنی عن العالمین، وسأشهد منافع لکل الجهات التی تلازمنی وألازمها.

وکانت عنایة الله وستکون:

فقد توفقت بهذه العبادة الجلیلة بما لها من معانٍ سامیة وبما فیها من ظروف الدعاء والاستجابة. وکان وطنی والجنوب بالذات وأهلی جمیعًا معی هناک.

وقد التقیت بنخبة من المسلمین القادمین من أقطار الأرض وبخاصة إخوانی الإیرانیین الذین یعانون من موجة الإعلام المضلل ومن رحلات مضللة قلقًا على إخوانهم هنا، وکذلک اللقاء تم مع رجال العلم والفکر والتأثیر فی العالم العربی.

وکانت اللقاءات موضحة ومبددة للغرض الذی أراد الإعلام المتآمر نشره فی العالم. فقد کان الإعلام أحد عناصر التآمر الرئیسیة التی لعبت فی أحداث لبنان.

وتوفقت من مواقف خطابیة مسؤولة أمام رجالات الإسلام، حتى إن جمیعهم أدرکوا المسؤولیة الثقیلة التی یحملونها أمام الأحداث فی لبنان والجنوب بالذات.

وقد أکد کثیر من المسؤولین أن خطابک أخرجنا من دائرة التقلید وکنا فی منى نستمع إلى حدیث مسؤول ونحسُّ بمعنى المسؤولیة العامة التی یحملها ویحملها الحج على المسلمین فی کل عام.

وکانت اللقاءات مع قادة المملکة العربیة السعودیة استعراض عام للأحداث وتطوراتها، وصورة المستقبل فی المنطقة وفی العالم الإسلامی.

والحدیث عن الجنوب والأخطار المحدقة به، وضرورة إبعاده عن الصراع المسلح، وضرورة إبعاد لبنان عن دائرة الصراع العربی، ومطالبة المملکة باستعمال نفوذها لدى الأطراف اللبنانیة والأطراف العربیة لمعالجة المحنة التی تجاوزت کل حدّ.

أقول أن الحدیث عن ذلک کان النقطة الأساسیة فی حواری مع قادة المملکة والذی وجد قلوبًا متعاطفة وآذانًا صاغیة وهممًا مستنفرة أمامه، والحمد لله.

ثم أن القسم الآخر من البحث کان حول وحدة المسلمین وضرورة نبذ الخلافات والتنبه لما یدس العدو فی صفوفهم، وبواسطة بعض أفرادهم من تهم وافتراءات وتشکیکات، وکان بیدی بعض أمثلة جاهزة للتقدیم.

ویشهد الله أن اهتمام المسؤولین هناک کان یفوق اهتمام السادة علماء الدین فی إیران والعراق الذین زودونا برسائل حول هذا الأمر.

وصدرت الأوامر بمنع استمرار هذا النوع من النشرات والکتب مع ملاحظتین:

الأولى: عدم صدور أمثال هذه الأخطاء فی المجتمعات الإسلامیة الشیعیة.

الثانیة: ضرورة تمتین العلاقات بین علماء الدین من مختلف المذاهب الإسلامیة من أجل معالجة الجذور لهذه التصرفات اللامسؤولة التی تخدم عدو الإسلام والإیمان.

وهکذا خرجت من المقابلات متأکدًا ومکررًا ما قلته یوم منى وأمام قادة المسلمین فی العالم:

"إن الله قد أکرم قادة المملکة العربیة السعودیة بخدمة قلب الإسلام الکعبة المکرمة وبخدمة ثغور الإسلام".

"والثغور التی تحفظ لیست على الأرض وفی التاریخ وحدهما، بل إنها فی القلوب والعقول أیضًا".

"وقد سمع المسلمون قبل ثلاثة أیام قول ملک المملکة العربیة السعودیة: بضرورة الجهاد لتطهیر المسجد الأقصى والصلاة فیه، وهذا یدل على التزامه بحفظ ثغور الإسلام. کیف لا، وقد قدمت المملکة فی هذا السبیل أغلى شهید".

"وها أبناء ثغر من ثغور الإسلام -أبناء الجنوب- أولئک الذین حفظوا الأمانة وصمدوا ورفضوا التعامل مع العدو رغم التهدیدات والاغراءات، ها هم یقولون لکم ما قال أهل الثغور یومًا لأحد أسلافکم: وامعتصماه".

إننی کثیر التفاؤل بنتائج هذه الرحلة! کیف لا، وقد أدینا ما لله علینا رغم ضعف استطاعتنا؛ ولذلک، فإن المؤکد أن الکریم سیعطینا ما علیه لأنه قادر ولأنه کریم...

المصدر:  مرکز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات

رایکم
الأکثر قراءة