تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22

ترکیا و«التحالف» و«داعش»: کیف ستکون النهایات؟

وکانت السلطات الترکیة، طوال الأعوام الثلاثة الماضیة، تمارس سیاسة الدعم والتسلیح عبر غض الطرف عن نشاط المقاتلین الأجانب على حدودها والسماح لهم بالدخول والخروج من دون أی قیود أو اعتراضات، بالإضافة إلى تحویل المعابر الحدودیة إلى مستودعات أسلحة ضخمة مثل معبر باب الهوى الذی کانت تصل الیه شحنات الأسلحة من لیبیا وأوکرانیا عبر الأراضی الترکیة.
رمز الخبر: ۶۰۳۳۵
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۵:۲۲ - 04October 2014

ترکیا و«التحالف» و«داعش»: کیف ستکون النهایات؟

عبد الله سلیمان علی 

بعد لعبة شدّ حبال استغرقت أسابیع عدة، تراجعت أنقرة عن موقفها السابق وقررت المشارکة فی «التحالف الدولی» ضد تنظیم «الدولة الإسلامیة فی العراق والشام» - «داعش».
وبرغم أن القرار الترکی کان متوقعاً، إلا ان التداعیات التی یمکن أن تترتب علیه مفتوحة على کثیر من الاحتمالات التی لا یمکن توقع مآلاتها، خصوصاً أن العلاقة بین أنقرة من جهة وبین «داعش» من جهة ثانیة شدیدة التعقید والتشابک، وکل طرف یملک أوراق قوة فی مواجهة الطرف الثانی، الأمر الذی ینذر بمواجهة شرسة فی حال ذهبت العلاقة بینهما إلى الانفجار، وهو ما یعتبر القرار الترکی صاعق حدوثه.
وهددت ترکیا على لسان رئیس وزرائها أحمد داود أوغلو بأنها لن تسمح بسقوط عین العرب بید تنظیم «داعش» وأنها «ستعمل کل ما یلزم لمنع ذلک». کما شدد وزیر الخارجیة مولود جاویش أوغلو على أن «داعش سیدفع ثمن اختطافه الدیبلوماسیین الأتراک» الذین أفرج عنهم فی وقت سابق من الشهر الماضی. أما رئیس هیئة الأرکان نجدت أوزال فقد وعد حراس ضریح سلیمان شاه بأن القوات المسلحة الترکیة «ستکون إلى جانبهم فوراً بمجرد سماع خبر عنهم». وتأتی هذه التهدیدات، التی یسمع قرع طبول الحرب منها، لتطوی صفحة «المرونة» الترکیة فی العلاقة مع التنظیم المتشدد وفتح صفحة جدیدة عنوانها «إعلان الحرب».
وکانت السلطات الترکیة، طوال الأعوام الثلاثة الماضیة، تمارس سیاسة الدعم والتسلیح عبر غض الطرف عن نشاط المقاتلین الأجانب على حدودها والسماح لهم بالدخول والخروج من دون أی قیود أو اعتراضات، بالإضافة إلى تحویل المعابر الحدودیة إلى مستودعات أسلحة ضخمة مثل معبر باب الهوى الذی کانت تصل الیه شحنات الأسلحة من لیبیا وأوکرانیا عبر الأراضی الترکیة.
وکان تنظیم «الدولة الإسلامیة» یستفید من هذه الإجراءات الترکیة من دون أن یکون مقصوداً بذاته للاستفادة منها، حیث عمل فی ظل التهاون الحکومی الترکی، على تشکیل شبکات واسعة لتجنید المقاتلین وتأمین عبورهم الحدود إلى مناطق سیطرته فی سوریا، کما عقد اتفاقات شراکة مع عدد من عصابات المافیا الترکیة المتخصصة بالتهریب سواء السلاح أو النفط أو آلیات المصانع التی استولى علیها، وإذا کانت أجهزة الاستخبارات الترکیة تراقب قسماً من هذه الأنشطة فلا شک فی أن قسماً آخر کان یجری بعیداً عن أنظارها، لکنها فی الحالین لم تکن تمانع مثل هذه الأنشطة ما دامت تصب فی خانة إسقاط النظام السوری ولا تسبب أی ضرر مباشر لأمنها ومصالحها، خصوصاً أن تنظیم «داعش» لم یظهر للعیان إلا فی نیسان 2013 حیث کان حتى ذلک التاریخ یقاتل تحت اسم «جبهة النصرة» التی کانت تعتبر من قبل طیف واسع من المعارضة السوریة وبعض الدول الداعمة لها جزءاً مما کانوا یسمونه «الحراک الثوری»، لذلک لا یمکن لأحد تقدیر حجم الدعم والمساعدات التی تلقاها «داعش» تحت ذلک المسمى.
والجدیر بالذکر هنا أن السیطرة على معبر باب الهوى، وهو أول معبر یسقط بأیدی المسلحین، فی الشهر التاسع من العام 2012 جرت من قبل فصیل ثبت أنه تابع لـ«الدولة الإسلامیة» وکان یدعى «مجلس شورى المجاهدین» بقیادة محمد العبسی شقیق أبی أثیر العبسی الذی شغل فی ما بعد منصب والی «داعش على حلب».
لکن الأمور اختلفت بعد الظهور العلنی لتنظیم «الدولة الإسلامیة» ورفض زعیم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولانی الاندماج معه فی کیان واحد، وتراوحت العلاقة بین تقاطع المصالح وبین التوتر والعداء، حیث بدا جلیاً أن السلطات الترکیة وإن لم تتخذ أی إجراءات لمنع «داعش» من الاستفادة من الدعم والمساعدات وشحنات الأسلحة، إلا انها أعطت إشارات واضحة تدل على حذرها منه وعدم ثقتها به، ومثال ذلک رفضها فتح معبر تل الأبیض الحدودی بسبب سیطرة الأخیر علیه، واشترطت أن یکون المعبر تحت إدارة «حرکة أحرار الشام» برغم أن السیطرة على مدینة تل ابیض کانت بیده.
وأثناء أحداث مدینة أعزاز بین «داعش» و«لواء عاصفة الشمال» فی أیلول العام الماضی، قامت المدفعیة الترکیة بقصف مواقع لـ«داعش» بعد سقوط قذائف فی أرضها اتهمت التنظیم المتشدد بإطلاقها، وفی الشهر الأول من هذا العام قامت طائرات ترکیة بقصف رتل لـ«داعش» کان متوجهاً إلى بلدة الراعی الحدودیة ودمرت عدة آلیات منه.
وکان متوقعاً أن یتصاعد التوتر بین الطرفین بعد سیطرة «داعش» على محافظة الرقة وأریاف دیر الزور ومدن جرابلس ومنبج والباب فی ریف حلب، إلا ان ما جرى هو العکس تماماً.
فقد فتحت ترکیا معبر جرابلس الحدودی الذی یدیره مقاتلون من «داعش»، وعقدت صفقة مع قیادة التنظیم المتشدد تتیح لها تبدیل حرس ضریح سلیمان شاه بشکل دوری، بل نُشرت صور للحرس الترکی وهو یتنقل بحمایة عناصر من «داعش»، فضلاً عن أن تجارة النفط لم تتوقف وسارت کسابق عهدها مع «أحرار الشام» و«جبهة النصرة». وحتى بعد اختطاف الدیبلوماسیین الأتراک عقب سیطرة «داعش» على مدینة الموصل واقتحام القنصلیة الترکیة، لم یظهر ما یشیر إلى توتر العلاقة بین الطرفین، وتعاملت ترکیا مع ملف اختطاف دیبلوماسییها بأعصاب باردة ریثما جرى إطلاق سراحهم فی صفقة غامضة لم تکشف أسرارها بعد.
وجاء إطلاق سراح الدیبلوماسیین الأتراک مع بدایة الحدیث عن تشکیل تحالف دولی لمحاربة «داعش»، وکانت ترکیا ترفض الانضمام إلى هذا التحالف بذریعة ما یشکله ذلک من خطر على مختطفیها، لیحدث انقلاب تام فی مواقف أنقرة بعد إطلاق سراح الدیبلوماسیین، حیث قررت الانضمام إلى «التحالف»، بل زایدت علیه بانتقادها القصف الجوی ومطالبتها بالتدخل البری وإقامة منطقة عازلة.
وفی حال کانت أنقرة جادة فی محاربة «داعش» ومنعه من السیطرة على عین العرب، وهو ما ترجحه الوقائع حتى الآن، فإن ذلک یعنی أن المنطقة مقبلة على حرب ضروس لا یعرف أحد کیف یمکن أن تنتهی، خصوصا أن ترکیا تملک ترسانة قویة من الأسلحة الحدیثة یمکنها إحداث دمار هائل فی بنیة «داعش» العسکریة وغیر العسکریة، إضافة إلى أن بین یدیها معلومات استخباریة لا یستهان بها عن قیادات «داعش» وعدد من أمرائه البارزین تستطیع استخدامها لتنفیذ عملیات اغتیال، بالإضافة إلى قدرتها على تضییق الخناق على «داعش» بعدة طرق وأسالیب منها إغلاق المعابر الحدودیة وما یمثله ذلک من منع إدخال الکثیر من المواد اللازمة لاستمرار المعیشة فی مناطق سیطرته، فضلاً عن تقلیل أعداد المقاتلین الأجانب عبر اعتقال من یقع بین یدیها منهم، وکذلک قطع میاه نهر الفرات أو تخفیض منسوبها وتأثیر ذلک فی تولید الکهرباء وری المزروعات، وکذلک منع الاتجار معه أو بالمختصر تنفیذ قراری مجلس الأمن 2170 و2178 بما یتعلق مع «داعش» فقط.
ولکن ذلک لا یعنی أن «داعش» لا یملک أوراقاً من شأنها إیلام السلطات الترکیة. فهناک حوالی ثلاثین جندیاً ترکیاً یقومون بحراسة ضریح سلیمان شاه فی ریف مدینة منبج التی یسیطر علیها وبالتالی سیکون اختطافهم أمراً سهلاً بالنسبة إلیه، فهل یمکن أن تضحی ترکیا بجنودها مع أول طلقة تطلقها باتجاه التنظیم المتشدد؟
کذلک هددت قیادات من «داعش» بضرب الاستقرار فی ترکیا عبر تنفیذ عملیات انتحاریة، مشددة على أن ذلک من شأنه إنهاء موسم السیاحة فی ترکیا الذی یدر علیها أکثر من 30 ملیار دولار. وما زال «داعش» یملک شبکة علاقات واسعة داخل ترکیا سواء مع الخلایا النائمة التابعة له أو مع عصابات المافیا التی یتعامل معها، الأمر الذی قد یمکنه من توجیه ضربات مؤلمة ضد الداخل الترکی، خصوصاً فی ضوء وجود حوالی ألف مقاتل ترکی فی صفوفه.
یضاف إلى کل ذلک أن قوة «داعش» التی تهاجم مدینة عین العرب تتألف قوتها الضاربة من حوالی 400 کردی، فهل ستکون ترکیا مستعدة لأن یکون إلى جوارها «أکراد داعشیون»، وهی التی عانت الویلات بسبب «الکردستانیین»؟ وماذا عن الدبابات والمدفعیة التی یصل مداها إلى العدید من المناطق المسکونة داخل ترکیا والتی تتمرکز على مسافة قریبة من الحدود سواء فی ریف حلب أو ریف الحسکة أو ریف الرقة؟.
هذا ولم یجر التطرق إلى «حزب العمال الکردستانی» وموقفه من ترکیا فی حال سقوط مدینة عین العرب بین یدی «داعش»، لا سیما أن زعیمه عبد الله أوجلان هدد بإنهاء عملیة السلام، وبالتالی عودة حالة الحرب، فهل ستکون ترکیا مستعدة للمحاربة على جبهتین؟ وإذا فعلت فماذا سیکون المآل بالنسبة إلیها؟

 

المصدر: جریدة السفیر

رایکم
الأکثر قراءة