تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22

«الغزوات» تتکرر.. ماذا بعد بریتال؟

لبنان بلا رئیس للجمهوریة للیوم السادس والثلاثین بعد المئة على التوالی. ... ولبنان صارت تتحکم بدروبه وشرایینه «النصرة» و«داعش»، سواء بتوزیع برنامج یومی لذوی العسکریین المخطوفین، یحدد الطرق الواجب قطعها تحت طائلة تهدید حیاة أبنائهم من عسکریی الجیش وقوى الأمن الداخلی، أم من خلال إدارة دفة السیاسة عند فریق سیاسی لبنانی سارع لاستثمار ما جرى من تطورات أمنیة بالغة الخطورة یوم الأحد الماضی فی سلسلة جبال لبنان الشرقیة، عبر تحمیل «حزب الله» مسؤولیة ما حصل ودعوته للانسحاب فورا من سوریا، کما ردد سمیر جعجع والأمانة الع
رمز الخبر: ۶۰۴۰۷
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۳:۳۳ - 07October 2014

«الغزوات» تتکرر.. ماذا بعد بریتال؟

کتب المحرر السیاسی:
لبنان بلا رئیس للجمهوریة للیوم السادس والثلاثین بعد المئة على التوالی.
... ولبنان صارت تتحکم بدروبه وشرایینه «النصرة» و«داعش»، سواء بتوزیع برنامج یومی لذوی العسکریین المخطوفین، یحدد الطرق الواجب قطعها تحت طائلة تهدید حیاة أبنائهم من عسکریی الجیش وقوى الأمن الداخلی، أم من خلال إدارة دفة السیاسة عند فریق سیاسی لبنانی سارع لاستثمار ما جرى من تطورات أمنیة بالغة الخطورة یوم الأحد الماضی فی سلسلة جبال لبنان الشرقیة، عبر تحمیل «حزب الله» مسؤولیة ما حصل ودعوته للانسحاب فورا من سوریا، کما ردد سمیر جعجع والأمانة العامة لقوى «14 آذار».
وکان لافتا للانتباه أیضا أن بعض وسائل الإعلام العربیة واللبنانیة تعاملت مع الشریط الذی عممته «النصرة» بما تضمنه من موسیقى تصویریة وأناشید وصور وکأنه «غنیمة سینمائیة» استوجبت ضیوفا وتعلیقات!
ووسط هذا «الصدى اللبنانی»، السیاسی والإعلامی، مع تطورات جرود بریتال، کشف مصدر لبنانی واسع الاطلاع لـ«السفیر» أن البطریرک المارونی بشارة الراعی، وعشیة سفره إلى الفاتیکان، ردد أمام حلقة ضیقة فی الصرح البطریرکی فی بکرکی أنه «لو سئل المسیحیون فی لبنان الیوم عن رأیهم بما یجری من تطورات، لرددوا جمیعا أنه لولا «حزب الله» لکان «داعش» قد أصبح فی جونیه».
ما حصل فی جرود بریتال، أمس الأول، على مسافة نحو شهرین من «غزوة عرسال»، هو جرس إنذار، یضع البلد أمام أسئلة الحد الأدنى من التماسک الداخلی فی مواجهة الخطر التکفیری، فماذا فی الوقائع؟

وقائع المواجهات

تقول مصادر أمنیة موثوقة لـ«السفیر» إن مقاتلی «حزب الله» خاضوا، أمس الأول، مواجهات شرسة فی جرود بریتال وأفشلوا هجوما شنه مسلحون ینتمون إلى «جبهة النصرة» فی اتجاه مواقعهم هناک، ما أدى إلى سقوط ثمانیة شهداء للحزب، فیما سقط للمجموعات الإرهابیة عشرات القتلى والجرحى وبینهم أحد القادة المیدانیین.
وأشارت المصادر إلى أن مئات المسلحین التابعین لـ«النصرة» قَدِموا من جرود عسال الورد وفلیطا وحام وسرغایا فی منطقة القلمون، وشنوا ظهر الأحد الماضی هجوما واسعا على نحو 15 نقطة لـ«حزب الله» موزعة بین منطقة «النبی سباط» فی جرد بریتال وصولا إلى جرد یونین المتصل بجرد عرسال، ممهدین لذلک بقصف تمویهی طال منطقة جرود عرسال، وفی الوقت ذاته، بقصف عنیف استهدف نقاطا عسکریة للحزب قبل الهجوم علیها.
ولفتت المصادر إلى أن الهجوم تم لحظة صلاة الظهر، ولکن العناصر التابعة لـ«حزب الله» تمکنت من صد الهجوم ووقف تقدم المسلحین فی معظم النقاط باستثناء خرق أصاب مرکز «عین الساعة» المؤلف من ثلاث نقاط، ویقع فی نقطة متقدمة فی منطقة الحدود اللبنانیة السوریة المتداخلة فی جرد النبی سباط الذی یبعد عن بریتال نحو ثلاثین کیلومترا.
وقالت المصادر إن المسلحین تمکنوا من السیطرة لبعض الوقت على نقطة واحدة لـ«حزب الله» فی «عین الساعة» وتمکنوا من قتل ستة من عناصر الحزب کانوا بداخلها، قبل أن یعید الحزب الإمساک سریعا بزمام المبادرة عبر هجوم مضاد وسریع أمکن بنتیجته استعادة النقطة وقتل وجرح عدد من المسلحین.
وبحسب المصادر نفسها، فإن الاشتباکات استمرّت ساعات عدة، واستخدمت فیها الأسلحة الرشاشة والصاروخیة والمدفعیة، وکان اللافت للانتباه اندفاع المئات من أبناء بریتال والقرى المحیطة بها بأسلحتهم الفردیة للمشارکة فی التصدی للمجموعات المهاجمة.
وأشارت المصادر إلى أن مقاتلی «حزب الله» نجحوا فی الإطباق على تلک النقطة التی سیطر علیها المسلحون، بعدما استخدموا قوة ناریة کبیرة بالتوازی مع استخدام «التشریک» وتکتیک العبوات الناسفة التی زرعت فی بعض التلال والطرق الجبلیة، إلى جانب المدفعیة والراجمات الصاروخیة التی استهدفت المهاجمین وأدَّت إلى قتل أعداد کبیرة منهم.
وأوضحت المصادر أن المجموعات المسلحة نفسها کانت قد شنت قبل عشرة أیام هجوما مماثلا على بعض المراکز فی المنطقة نفسها، وسعت للنزول إلى بلدة عسال الورد، لکن تم إفشال الهجوم.
ولفتت المصادر الانتباه إلى أن هذا الهجوم سبقته أیضا محاولات عدة فی الأسابیع الأخیرة من قبل مجموعات إرهابیة متمرکزة فی جرود القلمون وعرسال یقدر عددها بنحو ثلاثة آلاف مسلح بقیادة أمیر «النصرة» فی القلمون المدعو أبو مالک التلی، وذلک فی اتجاه خطوط حدودیة أمامیة محصنة وحساسة یسیطر علیها الجیش السوری و«حزب الله».

أهداف الهجوم

وقالت المصادر إن هجوم مسلحی «النصرة» یهدف، على الأرجح، إلى الآتی:
أولا، تحقیق هدف معنوی تکتیکی، یتمثل بتسجیل نصر عسکری على «حزب الله»، أیًّا کان شکل هذا الانتصار أو حجمه.
ثانیا، تحقیق هدف تکتیکی یتمثل فی محاولة إحداث ثغرة تُمَکِّن المسلحین من إیجاد «معبر آمن» للنفاذ منه إلى «مأوى دافئ»، فی مواجهة «جنرال البرد والصقیع» فی جرود القلمون، خصوصا فی ظل شح المحروقات ووسائل التدفئة، ناهیک عن الشح فی المواد التموینیة والطبیة، بعدما کانوا قد رفضوا عرضا قدمه الجیش السوری لهم باستعداده لتوفیر ممر آمن لهم فقط باتجاه مناطق البادیة السوریة!
ثالثا، توجیه رسالة مفادها أنه «برغم الحصار لسنا فی حالة سکون بل لدینا قدرة على وضع الخطط وتنفیذها واختیار التوقیت والظرف المناسبین لذلک».
رابعا، محاولة تحقیق هدف استراتیجی یتمثل فی الإطباق على کل النقاط التی یسیطر علیها «حزب الله» فی جرود بریتال ویونین ونحلة، والتی یقطع من خلالها الحزب الطریق ما بین جرود القلمون شمالا وبین الزبدانی جنوبا داخل الأراضی السوریة.
خامسا، إذا تعذر تحقیق البعد المیدانی السوری من المعرکة نتیجة الکماشة السوریة التی تمنع تمدد المسلحین فی العمق السوری، خصوصا وأنهم یسجلون تراجعا تلو الآخر، یوما بعد یوم، فإن البعد اللبنانی (خصوصا السیاسی) صار حاضرا فی حسابات المجموعات المسلحة ورعاتها الإقلیمیین.
وتقول المصادر إن سیطرة المجموعات المسلحة على النقاط بین جرود القلمون والزبدانی من شأنها أن تقدم نصرا معنویا وعسکریا، ویتیح لها إعادة تعدیل لا بل تغییر قواعد المیدان الدمشقی، فضلا عن تأمین عمق استراتیجی یمتد من جرود القلمون إلى الزبدانی وصولا إلى منطقة المصنع الحدودیة ومنها إلى بعض قرى البقاع الغربی الحدودیة، وفی الوقت ذاته، جعل منطقة بریتال وجوارها مشرعة على احتمالات شتى، تماما کما کان المسلحون یخططون فی «لیلة القدر»، لاقتحام بلدات بقاعیة وخطف وقتل کل من یعترض طریقهم من المدنیین والمسلحین اللبنانیین على حد سواء.
ولفتت المصادر الانتباه إلى أن «حزب الله» کان مستعدا لاحتمالات وسیناریوهات عسکریة خطیرة، وهذا العنصر أدى إلى إفشال معظم أهداف المهاجمین التکتیکیة والاستراتیجیة، وقالت إن الحزب یدرک أبعاد المشروع الخطیر الذی یسعى له هؤلاء التکفیریون والذی یریدون من خلاله إدخال لبنان فی أتون فتنة قاتلة وشر مستطیر.

خیارات أمام المسلحین

ماذا بعد فشل «النصرة» فی تحقیق أهداف «غزوة بریتال»؟
تقول المصادر نفسها إن المسلحین لن یتوقفوا عن محاولة اختراق الطوق المفروض علیهم فی جرود القلمون وعرسال، وبالتالی أمامهم خیارات متعددة:
أولا، الذهاب فی اتجاه القلمون السوری، وهذا خیار فاشل بسبب إغلاق الجیش السوری و«حزب الله» کل المنافذ أمامهم.
ثانیا، إعادة تکرار محاولة اقتحام جرود بریتال، وهذا الخیار سیکون مکلفا أکثر من المرات السابقة، خصوصا محاولة الأحد الماضی فی ضوء الإجراءات التی اتخذها «حزب الله» وبینها الاستعانة بـ«قوات النخبة» فی المواقع المتقدمة.
ثالثا، القیام بـ«محاولات إشغال» فی أماکن متعددة بدءًا من شبعا والعرقوب والبقاع الغربی (مجدل عنجر) عبر بعض الخلایا، وصولا إلى الشمال لا سیما فی طرابلس، وکذلک إلى الداخل وخط الساحل جنوبا، وهذا ما یوجب رفع مستوى الیقظة والتنبه.
رابعا، محاولة الترکیز على بعض النقاط الرخوة والضعیفة، لا سیما فی القاع ورأس بعلبک لتوجیه ضربات، وشن هجمات على قرى تلک المنطقة، وربما ارتکاب مجازر إذا استطاع المهاجمون الوصول الیها.
خامسا، وهذا الأخطر والأرجح، وهو محاولة تکرار «غزوة عرسال» خصوصا أن قائد الجیش العماد جان قهوجی توقع صراحة قبل أیام قلیلة عودة المواجهات مع المجموعات المسلحة فی عرسال .

المصدر: جریدة السفیر

رایکم
الأکثر قراءة