تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22
أرشیف کلمات و خطب سماحة القائد/15

کلمة الإمام الخامنئی فی اجتماع مسؤولی الدولة و الناشطین الاقتصادیین لشرح سیاسات الاقتصاد المقاوم

أرحب بکل الإخوة و الأخوات الأعزاء، و أشکر لکم استجابتکم لهذه الدعوة و حضورکم فی هذا الاجتماع، لیمکن من خلال ما یطرح فی هذه الأجواء التفاهمیة اتخاذ خطوات عملیة على سبیل تقدم البلاد، و من أجل الوصول للمطامح السامیة فی البلد إن شاء الله.
رمز الخبر: ۶۰۶۷۸
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۴:۴۱ - 19October 2014

کلمة الإمام الخامنئی فی اجتماع مسؤولی الدولة و الناشطین الاقتصادیین لشرح سیاسات الاقتصاد المقاوم

بسم الله الرحمن الرحیم
أرحب بکل الإخوة و الأخوات الأعزاء، و أشکر لکم استجابتکم لهذه الدعوة و حضورکم فی هذا الاجتماع، لیمکن من خلال ما یطرح فی هذه الأجواء التفاهمیة اتخاذ خطوات عملیة على سبیل تقدم البلاد، و من أجل الوصول للمطامح السامیة فی البلد إن شاء الله.
الهدف من الجهد و العناء الذی حمّلناکم أیّاه، أیها الإخوة و الأخوات، بقدومکم إلى هنا هو التحدث قدراً ما حول سیاسات الاقتصاد المقاوم التی تم تبلیغها و الإعلان عنها فی الآونة الأخیرة (1) لیجری الکلام عنها بمقدار ما، و أیضاً التأکید على لوازم هذه السیاسات و الواجبات التی تلقیها هذه السیاسات المهمة و الأساسیة على عواتقنا جمیعاً. سبق أن أُبلغتْ سیاسات متنوعة فی المجالات الاقتصادیة، من قبیل سیاسات الطاقة، و سیاسات الإنتاج الوطنی، و سیاسات المادة 44 ، و سیاسات أمن الاستثمار، و سیاسات الماء، و غیر ذلک. و ما کان قطب الاهتمام فی کل قطاع بالنسبة لتلک السیاسات هو عرض خارطة طریق، أی أردنا فی مجالات الإنتاج الوطنی مثلاً أو الماء أو الطاقة أو غیرها، عرض خارطة طریق یتقدم المسؤولون على أساسها بأعمالهم و أنشطتهم إلى الأمام. و لکن فی هذه السیاسات لیست القضیة مجرد خارطة طریق، إنما تطرح هنا أیضاً مؤشرات السیر الصحیح فی الطریق. إنها أشبه بعلامات المرور. فی بنود مختلفة من هذه السیاسات تمّ تعیین واجبات تضمن فی الواقع السیر الصحیح فی الطریق. إنها سیاسات عامة و شاملة و کلیة، لکنها تحدّد فی کل قطاع مؤشرات ترسم الأعمال التی یجب إنجازها.
مجموعة سیاسات الاقتصاد المقاوم هی فی الواقع نموذج محلی و علمی نابع من ثقافتنا الثوریة و الإسلامیة، و مناسب لوضعنا الیوم و غداً. و سوف أشرح بأن هذه السیاسات لا تختص بوضعنا الحالی و ظروف البلاد الراهنة، إنما هی تدبیر طویل الأمد لاقتصاد البلاد، و یمکنها تحقیق أهداف نظام الجمهوریة الإسلامیة على الصعد الاقتصادیة، و بوسعها رفع المشکلات، و هی فی الوقت نفسه حرکیة متوثبة، بمعنى أننا لم ننظر لهذه السیاسات داخل إطار مغلق و متحجّر، بل هی ممکنة الاستکمال و ممکنة الانطباق على ظروف متنوعة قد تطرأ فی فترات من الزمن، و تأخذ اقتصاد البلد عملیاً إلى حالة من المرونة، أی إنها تعالج هشاشة الاقتصاد و ضعفه حیال الهزّات المختلفة التی سوف أشیر لها. تم إعداد هذا النموذج بجهود و تعاضد أفکار الخبراء و بعد مناقشته فی مجمع تشخیص مصلحة النظام و بحضور رؤساء السلطات و المسؤولین. و تمّت الاستفادة بشکل تام من مساعدات الخبراء الاقتصادیین فی إعداد هذا النموذج. و الواقع أن من حسنات هذا النموذج أنه موضع إجماع و اتفاق. لقد تمّ تنضیجه فی مجمع تشخیص مصلحة النظام، و رؤساء السلطات موجودون فی مجمع تشخیص المصلحة، و المسؤولون غیرهم أیضاً موجودون هناک و قد بحثوا الموضوع و ناقشوه، و خرج النموذج بعد کل الملاحظات و التدقیق و التعضید اللازم.
و لیس المیل للاقتصاد المقاوم أمراً خاصاً بنا. ففی الکثیر من البلدان الیوم - و خصوصاً فی هذه الأعوام الأخیرة - و بعد الهزات الاقتصادیة الشدیدة التی وقعت فی العالم، سعت العدید من البلدان لجعل اقتصاداتها مقاومة، و طبعاً لکل بلد من البلدان ظروفه الخاصة. لقد انحدر هذا الاقتصاد الرأسمالی بما فیه من مشکلات من الغرب و أمریکا إلى الکثیر من البلدان، و الاقتصاد العالمی فی المجموع کل مترابط بعضه ببعض، و بطبیعة الحال فقد تأثرت البلدان بهذه المشکلات بدرجات مختلفة، بعضها تأثر بشدة و بعضها أقل. و علیه فقد سعت الکثیر من البلدان لجعل اقتصادها مقاوماً منیعاً، و بعبارة حاولت التخطیط لهذا الاقتصاد المقاوم و تحقیقه بما یتناسب و بلدانها. و اعتقد أن حاجتنا للاقتصاد المقاوم أکبر من البلدان الأخرى. الحاجة عندنا أمسّ و أکبر لأن نجعل اقتصادنا مقاوماً. أولاً لنفس السبب المشترک بیننا و بین البلدان الأخرى. إننا مرتبطون بالاقتصاد العالمی، و نرید مثل هذا الارتباط، فنحن لا نروم الانفصال عن الاقتصاد العالمی بأیّ حال من الأحوال، و هذا غیر ممکن فی الظروف الحالیة فی العالم. إذن، نحن نتأثر بما یحدث فی الاقتصادات العالمیة. ثانیاً للخصوصیة التی فینا، فنحن بسبب استقلالنا و عزتنا و إصرارنا على عدم التأثر بسیاسات القوى الکبرى، نتعرّض لهجمات و نوایات سیئة، أی إن دوافع المعارضة و الإخلال و العرقلة و خلق المشاکل ضدنا أکثر من الکثیر من البلدان الأخرى، و هذا ما نشهده فی الظروف الراهنة التی نعیشها. إذن، علینا أن نهتم أکثر بتمتین رکائز الاقتصاد، و جعل اقتصادنا مقاوماً. یجب أن لا نسمح بوضعیة تؤثر فیها الأحداث و الهزات الحتمیة أو حالات سوء النوایا على اقتصادنا. إذن، نحن بحاجة لهذه السیاسات.
أطرح هنا لائحة إجمالیة بمکوّنات و عناصر و خصوصیات نموذج الاقتصاد المقاوم. لقد وزّعت کلامی إلى ثلاثة جوانب: الجانب الأول لائحة هذه المکوّنات و العناصر، و الجانب الثانی عدة نقاط تجیب عن السؤال: لماذا نعتبر الاقتصاد المقاوم الیوم ضرورة و نسعى لتحقیقه؟ و فی الجانب الثالث نذکر اللوازم و الواجبات التی ینبغی أن نلتزم بها.
فی الجانب الأول سجّلت عشر خصائص أذکرها لکم، و هی خصائص سیاسات الاقتصاد المقاوم التی أعلنت، و هی فی الحقیقة مکوّنات و عناصر هذه المنظومة من السیاسات. المسألة الأولى هی إیجاد حراک و حیویة فی اقتصاد البلاد و تحسین المؤشرات العامة من قبیل النمو الاقتصادی، و الإنتاج الوطنی، و العمالة و فرص العمل، و خفض التضخم، و زیادة الفائدة، و الرفاه العام. فی تأمین هذه السیاسات لوحظ الحراک فی اقتصاد البلاد و تحسین هذه المؤشرات، و الأهم بین هذه المؤشرات هو مؤشر العدالة الاجتماعیة الذی یعدّ مؤشراً مفتاحیاً و مهماً. بمعنى أننا لا نؤید أبداً الازدهار الاقتصادی للبلاد من دون تأمین العدالة الاجتماعیة، و لا نؤمن بمثل هذا الازدهار. ثمة بلدان مؤشراتهم جیدة جداً و إیجابیة و لدیهم نمو اقتصادی عال جداً، لکن التمییز و التفاوت الطبقی و انعدام العدالة فی تلک البلدان حالات محسوسة فی تلک البلدان. إننا لا نعتبر هذا بحال من الأحوال متطابقاً مع ما یریده الإسلام و مع أهداف الجمهوریة الإسلامیة. إذن، من أهم أهدافنا و مؤشراتنا هو مؤشر العدالة الاجتماعیة. یجب أن تتمتع الطبقات المحرومة و الفقیرة من تقدم البلاد الاقتصادی بالمعنى الحقیقی للکلمة. هذا هو العنصر الأول.
العنصر الثانی هو القدرة على المقاومة إزاء عوامل الخطر و التهدید. و هذا ما لوحظ فی هذه السیاسات و أخذ بنظر الاعتبار. کما ذکرت فإن من الأعراض المؤثرة على اقتصاد البلدان الهزات و الزلازل الاقتصادیة التی تقع فی العالم، نظیر الشیء الذی حدث فی الأعوام الأخیرة و حدث فی فترات أخرى، و هو ما یترک تأثیراته على البلدان. قلت سابقاً إن رئیس أحد بلدان جنوب شرق آسیا و فی لقاء له معی (2) أثناء الفترة التی حدث فیها انهیار عجیب فی تلک المنطقة، قال لی: إعلم فقط إننا فی لیلة واحدة تحوّلنا من بلد ثری إلى بلد فقیر! هکذا هو الاقتصاد غیر المقاوم. إذن، من العوامل المؤثرة على الاقتصادات هو هذه الهزات الاقتصادیة المتنوّعة فی العالم و التی تتسرّب و تنتقل إلى البلدان. و من العوامل المؤثرة أیضاً الکوارث الطبیعیة التی تحدث، و من العوامل کذلک الهزات الخصامیة من قبیل الحظر الاقتصادی. افترضوا على سبیل المثال أن تتخذ قرارات فی مراکز اتخاذ القرار بشأن أسعار النفط فیخفضون سعر النفط إلى ستة دولارات للبرمیل الواحد مثلاً. و هذا ما حدث لنا فعلاً. و الکثیر من هذه الحالات لیست عفویة أو عادیة، بل هی ممارسات مدروسة و مرصودة و مؤثرة و تابعة لقرارات معینة من مراکز معینة. إذن، العنصر الثانی هو القدرة على المقاومة إزاء عوامل الخطر و التهدید بالشکل الذی تمّ شرحه.
النقطة الثالثة الاعتماد على الإمکانیات و الطاقات الداخلیة، و هو ما لوحظ أیضاً فی هذه السیاسات. و سوف أعود و أدلی ببعض الإیضاحات الموجزة حول هذه الإمکانیات و الطاقات، سواء الإمکانیات العلمیة أو البشریة أو الطبیعیة أو المالیة أو الجغرافیة أو الإقلیمیة. لدینا إمکانیات و طاقات مهمة. بمعنى أن الاعتماد الأصلی فی هذه السیاسات الخاصة بالاقتصاد المقاوم هو على الطاقات الداخلیة و هی ضخمة جداً. و هذا لا یعنی أن نغمض أعیننا عن الإمکانیات الموجودة فی خارج البلاد، لا، یجب أن نستفید بالتأکید و إلى أقصى الحدود من الإمکانیات الخارجیة، بید أن نظرتنا و اعتمادنا هو فی الغالب على الوضع و الإمکانیات الداخلیة. ترکیزنا على الطاقات الداخلیة للبلاد و ما یملکه البلد فی الداخل.
النقطة الرابعة هی المنحى الجهادی، و هی بدورها نقطة أخذت بنظر الاعتبار فی هذه السیاسات. الهمّة الجهادیة و الإدارة الجهادیة. لا یمکن التحرک بطریقة عادیة مألوفة. لا یمکن بالتحرک العادی و ربما الناعس و الخالی من الاندفاع و الإحساس القیام بأعمال کبیرة، إنما لا بدّ من همّة جهادیة، فهذه الأعمال تحتاج إلى تحرک جهادی و إدارة جهادیة. یجب أن یکون التحرک علمیاً و مقتدراً و قویاً و على أساس خطط و برامج، و جهادیاً فی الوقت نفسه. فی الاجتماع الذی کان لی برؤساء السلطات الثلاث المحترمین فی خصوص هذه القضیة قبل أسابیع (3) أثرتُ هذا الموضوع. و الحمد لله قال لی السید رئیس الجمهوریة بحسم أن المسؤولین عن متابعة هذه الأمور فی الحکومة مصممون على هذا التحرک الجهادی الجاد. و هذا شیء حسن بالتأکید و لازم و لا یمکن التقدم إلى الأمام من دونه.
النقطة الخامسة التی أخذت بنظر الاعتبار فی هذه السیاسات هی محوریة الشعب. و قد أثببت لنا التجربة، و التعالیم و المعارف الإسلامیة تؤکد أیضاً أنه أین ما کان الناس متواجدین کانت ید الله معهم. «ید الله مع الجماعة» (4). أین کان الناس و الشعب کانت العنایة الإلهیة و العون و الدعم الإلهی. و الدلیل و النموذج على ذلک هو ثمانیة أعوام من الدفاع. و النموذج على ذلک هو الثورة ذاتها. و النموذج على ذلک عبور المنعطفات الصعبة طوال هذه الأعوام الخمسة و الثلاثین. لأن الجماهیر کانوا فی الساحة تقدمت الأمور إلى الأمام. و على الصعید الاقتصادی یجب القول إننا قلّ ما اهتممنا بهذا الجانب. حینما صادقنا على سیاسات المادة 44 و بلغناها کان هذا هو الدافع و السبب. طبعاً لم تؤدَّ حقوق تلک السیاسات کما ینبغی. لقد تحدثت مع المسؤولین فی هذا المکان فی تلک السنین عن سیاسات المادة 44 (5) و کانت موضع تأیید من قبل الجمیع، و أنجزت بعض الأمور على الصعید العملی یجب شکرها، و لکن لم یجر العمل بتلک السیاسات کما هو حقها. علینا الاعتماد على الشعب و تقدیره حق قدره. یجب أن ینزل الناس بإمکانیاتهم إلى وسط الساحة الاقتصادیة.. الناشطون و صناع فرص العمل و المبدعون و أصحاب المهارات و أصحاب الرسامیل و الطاقات المتراکمة و اللامتناهیة الموجودة فی هذا البلد، و هی حقاً طاقات و قدرات لا تحصى. إننا على اتصال منذ سنین طویلة بمختلف شرائح الناس، و مع ذلک تتضح لنا بعض الأحیان أمور أجد أننا کنا غافلین عنها. هناک الکثیر من الکوادر المستعدة للعمل أو ذات المهارات أو المبدعة أو الحاملة للعلم و المعرفة أو التی تمتلک الرسامیل فی البلد، و هی عناصر متعطشة للعمل، و یجب على الحکومة أن تمهّد الأرضیة لتواجدهم و مشارکتهم و ترشدهم إلى الأماکن و المواطن التی یمکنهم أن یکرّسوا فیها طاقاتهم و قدراتهم، و تدعمهم. هذا هو الواجب الأساسی للحکومة. طبعاً النشاط الاقتصادی للحکومة فی بعض القطاعات مما لا مندوحة منه، و لکن یجب منح النشاط الاقتصادی للناس، و هذا ما أخذ بنظر الاعتبار فی هذه السیاسات.
القضیة السادسة هی أمن البضائع الاستراتیجیة و الأساسیة، و یأتی الغذاء و الدواء منها بالدرجة الأولى. یجب أن یتکوّن الإنتاج الداخلی للبلد بحیث لا یواجه أیة مشکلة فی مجال الغذاء و الدواء. هذا من العناصر الأساسیة فی هذه السیاسات التی تمّ تبلیغها. یجب أن نکتفی ذاتیاً و ینبغی أن نهتم اهتماماً حقیقیاً بالأعمال و الأرضیات التی توفر لنا الاکتفاء.
النقطة السابعة هی خفض التبعیة للنفط. من أشدّ و أصعب آفات اقتصادنا هو هذه التبعیة للنفط. هذه النعمة الإلهیة الکبیرة سبّبت لبلادنا على مدى العقود الکثیر من الانهیارات الاقتصادیة و السیاسیة و الاجتماعیة. یجب أن نفکر لها بحلّ أساسی. لا نقول یجب عدم الاستفادة من النفط، إنما یجب أن نعتمد على الحدّ الأدنى من بیع النفط الخام. یمکن بیع النفط على شکل منتجات نفطیة، و هذا ما لوحظ فی هذه السیاسات. هذه من الأعمال الأساسیة و المهمة التی یجب أن تتم و تنجز. و هذا ما یحتاج إلى همّة عالیة و قد تناولنا هذا الموضوع فی البند الثالث عشر من هذه السیاسات، و یتحتم بکل جدّ أن یجری تنفیذ هذا البند.
الموضوع الثامن هو قضیة إصلاح نموذج الاستهلاک.. قضیة الاقتصاد و تجنّب الإسراف و التبذیر و الإنفاقات الزائدة. طبعاً خطابی هنا موجّه بالدرجة الأولى للمسؤولین و المدراء فی المؤسسات الحکومیة. المسؤولون لا فی حیاتهم الشخصیة - و هذه قضیة تأتی بالدرجة الثانیة من الأهمیة - بل فی مجال عملهم و مأموریاتهم یجب أن یتحاشوا البذخ و الإسراف بکل جد. إذا حصل هذا و کنا نحن المسؤولین فی البلاد ملتزمین بهذا المبدأ فإن هذه الروح و هذه السجیة و هذه الأخلاق سوف تنساب على الناس و تعمّهم. هناک فی الوقت الحاضر الکثیر من الإسراف بین الناس أیضاً و بین المتمکنین و الأثریاء.. ثمة إسراف فی الکثیر من الأحیان و الحالات. و نحن نخاطب الناس أیضاً، و لکن هنا من المواطن التی تصدق فیها العبارة القائلة: «کونوا دعاة الناس بغیر ألسنتکم» (6). على کل المسؤولین فی البلاد أن یتنبّهوا لهذه النقطة فی إطار المؤسسة أو المنظومة التی یتولون مسؤولیة إدارتها، فلا یکون هناک إسراف، و یکون نموذج الاستهلاک نموذجاً عقلانیاً و مدبراً و إسلامیاً بحق. إننا لا نطلب من الناس التقشف. البعض یحاولون أحیاناً الإیحاء بهذا. بعد أن تمّ تبلیغ سیاسات الاقتصاد المقاوم و قبل أن یجفّ حبرها راح البعض یقولون بأن هؤلاء یدعون الناس للتقشف، لا، لیس الأمر کذلک بحال من الأحوال، بل على العکس من ذلک. نعتقد أنه لو تم تنفیذ هذه السیاسات فسوف تتحسن أوضاع الناس المعیشیة و تتیسّر حیاة الطبقات الضعیفة. البلد الذی یکون فیه التضخم بدرجة مناسبة و العمالة و فرص العمل بمعدلات مناسبة سیعیش عموم الناس براحة و دعة و رفاه. لا نقول للناس إطلاقاً أن یعملوا بالتقشف، إنما نقول یجب عدم التبذیر و الإسراف. الاستهلاک شیء و سوء الاستهلاک شیء آخر.
قبل بضع سنوات و فی کلمتی فی بدایة العام تحدثت عن هذا الموضوع بالتفصیل (7). علینا نحن المسؤولین أن نجعل هذا الأمر نصب أعیننا و نرکز علیه هممنا. الإسراف فی الماء، و الإسراف فی الخبز، و الإسراف فی المواد الغذائیة، و الإسراف فی الدواء، و الإسراف فی وسائل الحیاة، و الإسراف فی مستحضرات التجمیل، و ما إلى ذلک، هذه کلها تهدر جزءاً مهماً من مصادر البلاد الحیویة. هذا أیضاً من الأشیاء التی ینبغی أخذها بنظر الاعتبار.. الاستهلاک الجید و الصحیح شیء یختلف عن الإسراف و الإهدار و إتلاف الأشیاء.
النقطة التاسعة هی محاربة الفساد. إذا أردنا أن ینزل الناس إلى ساحة الاقتصاد فیجب أن تکون هذه الساحة آمنة. و إذا أردنا الأمن فیجب تقیید أیدی المفسدین و الاستغلالیین و من یریدون الالتفاف على القانون و انتهاکه. هذه هی محاربة الفساد، و یجب أخذها بجد. و لحسن الحظ فإن المسؤولین الیوم یتحدثون عن هذا لکن الکلام وحده لا یکفی. کل المسؤولین - سواء المسؤولون التنفیذیون أو المسؤولون القضائیون أو المسؤولون فی السلطة التشریعیة - یتحملون مسؤولیات فی هذا الجانب. إذا کان وضع المجتمع و الوضع الاقتصادی فی البلاد مثل بیت بلا باب و لا جدران، یدخله کل من أراد و یعمل فیه کل ما یحلو له، و یأخذ منه کل ما یرید، فواضح ما ستکون النتیجة، سوف لا یشارک الإنسان النجیب الکفوء الرزین الذی ینشد الرزق الحلال فی مثل هذه الأجواء. الشفافیة الشرط الرئیسی لمحاربة الفساد. یجب العمل على الشفافیة و لا بدّ من توفیر مناخ تنافسی، و لا بدّ أن تکون الأجواء مستقرة. الناشط الاقتصادی یتقدم و یشارک فی مثل هذه الظروف و یشعر بالأمن فی مثل هذه الظروف. و فی مثل هذه الأجواء إذا حصل فرد بإبداعه أو رصیده أو إنتاجه على ثروة فإن النظام الإسلامی سوف یحمیه و یدعمه و یؤیّده. إذا کان المناخ مناخاً سلیماً فسیکون کسب الثروة و الربح شیئاً مباحاً و موضع تأیید و دعم و حمایة النظام. کانت هذه هی النقطة التاسعة.
و النقطة العاشرة من مکوّنات سیاسات الاقتصاد المقاوم هی محوریة العلم، و هی بدورها من العلامات و الخصائص المهمة جداً. من حسن الحظ أن الوضع العلمی فی البلاد الیوم یسمح لنا بمثل هذه المطامح المجنّحة، و أن نرید جعل اقتصادنا ذا محوریة علمیة. و سأعود و أشیر إلى هذه النقطة لاحقاً. لدینا الکثیر من العلماء و المتخصصین و الشرکات العلمیة المحور و الأفراد المبدعین المبتکرین فی البلاد. و هذه من أهم البنى التحتیة الاقتصادیة فی أی بلد. أی إن البنیة الاقتصادیة الأهم لأی بلد هی وجود طاقات بشریة. إذا أولینا هذه النقطة، و هی النقطة العاشرة الأهمیة التی تستحقها فإن عجلة ما بین العلم و الثروة - خصوصاً فی الأجزاء ذات المزایا و الامتیازات - سوف تدور طبعاً و تمتد. و هذا ما سیحصل إن شاء الله فی الاقتصاد المقاوم. هذه أهم الخصوصیات التی جرى الاهتمام بها فی هذه السیاسات. و بطبیعة الحال ثمة نقاط أخرى موجودة فی أصل السیاسات، لکن هذه النقاط العشر کانت أهمّها و قد ذکرتها.
طیّب، السؤال هو: هل إثارة قضیة الاقتصاد المقاوم فی الظروف الراهنة یعنی أننا نروم القیام بتحرک مقطعی مؤقت؟ هل لأن البلاد تتعرض فی الوقت الحاضر للحظر و الضغوط و الحرب الاقتصادیة، و کما لو تتشکل مثلاً لجان للتفکیر و العمل لمواجهة الحرب الاقتصادیة، قمنا بتبلیغ هذه السیاسات؟ الجواب هو: لا.. لیس الأمر على هذا النحو إطلاقاً. هذه السیاسات سیاسات طویلة الأمد. إنها مفیدة للوقت الحاضر، و هی مفیدة للفترات التی لا نواجه فیها أیّ حظر. بمعنى أنها سیاسات بعیدة المدى یقوم علیها اقتصاد البلاد، و لیست تدبیراً مقطعیاً مؤقتاً بل هی تدبیر طویل الأمد و سیاسة استراتیجیة. طبعاً بلد مثل بلدنا - بلدنا کبیر و عریق و له جذوره و موقعه الممتاز، و هو الیوم بلد حسن السمعة جداً فی العالم، و له مکانته، و له ثقافته التقدمیة، و له سوابقه المتألقة الشامخة، و له أهدافه السامیة، و له آراؤه و أفکاره الجدیدة المطروحة، إنه بلد بهذه الخصوصیات - یحتاج إلى أن یکون اقتصاده بنفس الخصوصیات التی لوحظت فی سیاسات الاقتصاد المقاوم. قلنا إن هذه السیاسات لیست سیاسات متحجّرة و لا مغلقة بحیث لو ظهرت فکرة جدیدة أو مشاریع جدیدة أو طرائق جدیدة فی العالم لا تستطیع استیعابها.. إنها لیست کذلک بحال من الأحوال، بل هی سیاسات مرنة و یمکن استکمالها و تنمیتها، بید أن خطها المستقیم لن یتغیر.
فی النص الذی قمنا بتبلیغه ذکرنا فی البدایة أربع نقاط أصلیة باعتبارها الحوافز و الأسباب التی دفعت إلى تدوین هذه السیاسات. و سأکرّر هنا هذه النقاط الأربع. النقطة الأولى هی الإمکانیات و الطاقات الکامنة المادیة و المعنویة الهائلة فی البلاد. لقد أشرنا إلى هذه القضیة فی مقدمة السیاسات التی جرى تبلیغها، و هی قضیة على جانب کبیر من الأهمیة، فإمکانیات البلاد واسعة جداً. الکثیرون منا غیر مطلعین على مدیات هذه الإمکانیات العجیبة، أو غیر متفطنین لأهمّیتها، قد نعلم بها و إحصائیاتها فی أیدینا لکننا لا نهتم لها. هکذا هم بعض المسؤولین.. یمتلکون الإحصائیات لکن هذه الأحصائیات لا تحظى باهتمامهم. و مثال ذلک الطاقات البشریة التی سبق أن أشرت لها. إننا الآن فی أحسن الأحوال من حیث الطاقات البشریة و من حیث التوفر على الکوادر الشابة. أی إن أکثر من 31 بالمائة من سکان إیران الآن هم بین الخامسة عشرة و التاسعة و العشرین من العمر، و هذه الوضعیة ممتازة و استثنائیة. طبعاً إذا لم یجر الاهتمام بما قلته مراراً حول السکان و النسل فسوف نفقد هذه المیزة فی مستقبل غیر بعید. و سوف یجری تبلیغ سیاسات النسل أیضاً إن شاء الله، و هی الآن فی طور الإعداد. وضعنا فی الوقت الحاضر هو هذا: أکثر من 31 بمائة من السکان هم شباب، و لدینا من الطلبة الجامعیین أکثر مما کان لدینا فی بدایة الثورة بـ 25 ضعفاً - سکان البلد ازداد بالقیاس إلى بدایة الثورة بمقدار الضعف، بینما ازداد عدد الطلبة الجامعیین 25 ضعفاً، أی وصلنا من مائة و عشرین ألف طالب جامعی إلى أربعة عشر ملیون و مائة ألف طالب جامعی. هذا شیء على جانب کبیر من الأهمیة و حدث عظیم جداً. هذا النمو مهم و ما نمتلکه الآن مهم - لدینا عشرة ملایین خرّیج جامعی، و خمسة و ستین عضواً فی الهیئات العلمیة فی الجامعات و هو عشرة أضعاف ما کان لنا فی بدایة الثورة، و لدینا خمسة آلاف شرکة علمیة المحور یعمل فیها حالیاً سبعة عشر ألف متخصص و ناشط.. لاحظوا کم هی إمکانیات مهمة، و کانت النتیجة أنه طبقاً لتقاریر المراکز التی تحدد المراتب العلمیة للبلدان أحرزنا المرتبة الخامسة عشرة فی العالم - فی أحد المراکز کنا فی المرتبة السادسة عشرة و فی مرکز آخر أحرزنا المرتبة الخامسة عشرة.. بهذه الحدود - و هذه طبعاً أرقام العام المیلادی السابق أی سنة 2013 . هذا شیء على جانب کبیر من الأهمیة. و مرتبتنا فی بعض الحقول العلمیة أعلى حتى من هذا. و فی بعض الفروع العلمیة نعدّ من البلدان السبعة أو الثمانیة الأولى فی العالم، و فی بعض الأمور نحن من البلدان الأربعة أو الخمسة الأولى فی العالم. هذه هی تلک البنیة التحتیة، أی الطاقات البشریة.
و إمکانیة أخرى من الإمکانیات هی الأرصدة و الثروات المعدنیة. إننا نحتل المرتبة الأولى فی العالم من حیث احتیاطیات النفط و الغاز. و قد ذکرت هذا فی بدایة العام المنصرم (8). من حیث مجموع احتیاطیات النفط و الغاز - الاحتیاطیات الجوفیة داخل الأرض - نقع فی الرتبة الأولى فی العالم. أی إننا من حیث الغاز ثانی بلد فی العالم و من حیث النفط ثانی أو ثالث بلد فی العالم. و فی الفترة الأخیرة رفع لی السید رئیس الجمهوریة تقریراً یفید أننا ارتفعنا إلى المرتبة الأولى عالمیاً فی احتیاطیات الغاز، و نحن ثانی بلد عالمیاً فی النفط یقیناً. هذا شیء على جانب کبیر من الأهمیة. ما من بلد فی العالم یمتلک المقدار الذی تمتلکه إیران من النفط و الغاز. و النفط و الغاز هما شریان حیاة العالم فی الوقت الحاضر. هذا هو الحال فی الوقت الحاضر على الأقل، و سیبقى هکذا إلى سنین طویلة فی المستقبل، و من غیر المعلوم متى ستستغنی البشریة عن النفط و الغاز و تتحرّر منهما. هذه المادة الحیویة الأساسیة موجودة فی بلادکم أکثر من أی بلد آخر. فهل هذه إمکانیة قلیلة؟ هل هذا بالشیء القلیل؟ کان هذا عن النفط و الغاز، و هناک إلى جانبهما أرصدة و ثروات معدنیة أخرى، من قبیل مناجم الذهب و مناجم الأسمنت و مناجم المعادن النادرة و القیمة. التقاریر التی تصلنا تقاریر عجیبة جداً فی بعض المجالات. هذا عن الإمکانیات المعدنیة فی البلاد. الإمکانیات الصناعیة و التعدینیة متنوّعة و هائلة. المرتبة السابعة عشرة فی اقتصادات العالم - و هذه من الإحصائیات و التقاریر الدولیة - بنحو ألف ملیار دولار من النتاج القومی الإجمالی. و أرصدة البنى التحتیة من قبیل الطرق و السدود. یوجد فی البلاد الیوم أکثر ستمائة سدّ بأحجام مختلفة. لقد استلمت الثورة الإسلامیة هذا البلد و لیس له فی کل أنحائه من السدود سوى عشرة أو خمسة عشر سداً. و الیوم یوجد ستمائة و نیّف من السدود متوزّعة على أنحاء البلاد، و بأحجام کبیرة و صغیرة، و البعض منها کبیرة و مهمة جداً. و کذا الحال بالنسبة لقضیة الطرق. الإحصائیات بخصوص الطرق أیضاً إحصائیات جیدة. و هناک المزایا و الإمکانیات الجغرافیة، و الإطلال على المیاه الحرّة، و موقع التقاطع بین الشمال و الجنوب و الشرق و الغرب و الذی یحقق میزة ترانزیتیة على جانب کبیر جداً من الأهمیة. و هناک التنوّع الإقلیمی، و إمکانیات الأشکال النظیفة من الطاقة من قبیل الطاقة المائیة و الطاقة الشمسیة و الطاقة النوویة. هذه إمکانیات موجودة فی البلاد. إذن، کانت هذه هی النقطة الأولى التی تحضّنا على الاتجاه نحو نموذج اقتصادی اسمه الاقتصاد المقاوم.
النقطة الثانیة هی المشکلات التی نعانی منها - و هی مشکلات مزمنة و قدیمة - و التی لا یمکن معالجتها إلّا بحراک اقتصادی جمعی مهم. و من هذه المشکلات التبعیة للنفط التی أشرنا لها، و منها أیضاً التعوّد على الاستیراد - و من دون مراعاة الأولویات، و هی عادة نحن مصابون بها للأسف و لم نستطع الإقلاع عنها، فأنظارنا مسمّرة على الإنتاج الخارجی - و هناک التضخم المزمن و البطالة و العیوب الموجودة فی بعض بُنانا الاقتصادیة و أشکال نظمنا المالیة - نظمنا المالیة و المصرفیة و الجمرکیة - و هناک الإشکال الذی نعانی منه فی نموذج الاستهلاک، و الإشکال فی عملیات الإنتاج، و الإشکال فی الفائدة. هذه هی المشکلات الموجودة فی البلاد و التی یجب مجابهتها. من الأمور التی تثیر أی إنسان مخلص و أی مسؤول همیم لإطلاق مشروع أو حرکة من قبیل الاقتصاد المقاوم، هو وجود هذه المشکلات. هذه مشکلات لا یمکن معالجتها إلّا بحرکة جهادیة و جماعیة و مخلصة و مستمرة بکل ما تستلزمه من أمور سوف أعرض لها.
النقطة الثالثة هی التهدیدات الاقتصادیة الخارجیة. لقد کان الحظر موجوداً فی السابق، لکن هذا الحظر تحول منذ شتاء سنة 90 [ شتاء 2011 م ] تقریباً إلى حرب اقتصادیة، و لم یعد اسمه حظراً هادفاً، بل هو حرب اقتصادیة حقیقیة معلنة ضد شعبنا. و السبب فی هذه الحرب لیس الملف النووی و لا قضیة حقوق الإنسان، و لا القضایا الأخرى من هذا القبیل. السبب یعرفونه هم أنفسهم، و نعرفه نحن أیضاً. السبب هو إرادة الاستقلال لدى شعب إیران. السبب هو رفع کلمة جدیدة على أساس رکائز الإسلام ستکون نموذجاً یحتذى للبلدان الأخرى و للشعوب المسلمة. یعلمون أن الجمهوریة الإسلامیة إذا نجحت فی هذه المیادین و المجالات فلن یعود بالإمکان الحؤول دون نمو هذه الحرکة فی العالم، و هذه حرکة مهمة. هذه هی القضیة. أما الذرائع فهی فی یوم من الأیام الملف النووی، و فی یوم آخر التخصیب، و فی یوم آخر حقوق الإنسان، و فی یوم آخر کلام آخر على هذا الغرار. لقد کان الحظر مفروضاً علینا حتى قبل بدء قضیة الطاقة النوویة، و سیکون بعد ذلک أیضاً. هذه القضیة النوویة و هذه المفاوضات إذا وصلت إلى نتیجة إن شاء الله فسوف ترون أن هذه الضغوط ستبقى أیضاً، و یجب أن نصون أنفسنا حیال هذه الضغوط.. یجب تمتین و تقویة البنیة الداخلیة. یجب تقویة الاقتصاد حتى ییأس العدو من التأثیر على هذه الناحیة. حینما ییأس العدو سوف یرتاح بال الشعب و المسؤولین فی البلاد.
النقطة الرابعة هی الأزمات الاقتصادیة فی العالم. و سبق أن أشرت أنها ناجمة عن الاقتصاد الغربی و الاقتصاد الأمریکی. و فی أوربا نفسها کان تفشی مشکلات أمریکا و انتشارها هو الذی خلق لهم المشاکل، على الرغم من وجود أرضیة مساعدة عندهم. و کذا الحال فی مواطن أخری أیضاً. و نحن لا نرید بناء سور حولنا، فنحن لا نستطیع و لا نرید أن نقطع علاقاتنا بالعالم من النواحی الاقتصادیة. لا هذا الشیء ممکن و لا هو جید و لا محبّذ، و إذن، فسوف نتأثر بهم، لذلک یجب أن نعزز اقتصادنا و نقوّیه. کانت هذه هی الأسباب و الدوافع الأربعة لضرورة الاقتصاد المقاوم. و کان هذا هو الجانب الثانی من کلامنا.
الجانب الثالث هو الإلزامات و التوقعات. طیّب.. لقد طرح الآن هذا المشروع الکبیر و خارطة الطریق الواسعة الشاملة هذه، و لکن مجرد طرح السیاسات لا یعالج مشکلة، فهذه هی بدایة الطریق. یجب القیام بأعمال:
الشیء المهم بالدرجة الأولى هو العزیمة الجادة للمسؤولین و المدراء الأصلیین و الناشطین من أبناء الشعب. على مسؤولی البلاد أن یتخذوا قراراً - السلطة التنفیذیة بالدرجة الأولى و المسؤولین الحکومیون و کذلک السلطة التشریعیة و السلطة القضائیة و القطاعات المختلفة ذات الصلة بالقضایا و الشؤون الاقتصادیة - و لا بدّ أن یتحلوا فی هذه القضیة بالعزیمة الجادة الراسخة. من دون عزیمة جادة راسخة لن تتقدم الأمور إلى الأمام.
ثانیاً النزول إلى ساحة العمل، فالعمل هنا هو عمل صالح. کل من یقوم فی هذه الساحة بعمل و یبذل جهداً فسیکون یقیناً مصداقاً لـ «و عملوا الصالحات» (9). هذا المشروع الکلی و خارطة الطریق هذه یجب أن تتحول إلى برنامج أو برامج متعددة. إذا لم یحصل هذا فلن تتحقق الملحمة الاقتصادیة بالمعنى الحقیقی للکلمة. لقد سمّینا هذا العام بعام الملحمة السیاسیة و الملحمة الاقتصادیة، و قد تحققت الملحمة السیاسیة و الحمد لله، لکن الملحمة الاقتصادیة تأخّرت للأسف، و لکن الآن و فی نهایة العام سیکون هذا مستهلاً لملحمة اقتصادیة یجب بالتأکید أن تتابع إن شاء الله فی العام القادم 93 بکل جدّ من قبل المسؤولین، و ینبغی أن تبدأ على الصعید العملی.
المسألة الثالثة هی تبدیل المشروع إلى برامج و سیاسات تنفیذیة، و قد صدر الأمر بذلک من قبل رؤساء السلطات الثلاث. لقد أمر رئیس الجمهوریة المحترم، و کذلک رئیس السلطة التنفیذیة المحترم، و کذلک رئیس السلطة القضائیة المحترم، أمروا المؤسسات التابعة لهم بإعداد البرامج التنفیذیة فی کل قطاع، لکننی أروم التشدید على قضیة الزمن و الجدول الزمنی. یجب وضع جدول زمنی. لقد شاهدت التعمیمات التی بعثها السید النائب الأول للأجهزة و المؤسسات، و یجب وضع جدول زمنی لیتبین کم من العمل قد أنجز و إلى متى یجب أن ننتظر تحقق هذه البرامج و من بعد ذلک تنفیذها. یجب أن تأخذ الأمور وتیرة سریعة، و ینبغی تعیین حصة کل سلطة. یجب تعیین حصة کل جهاز و مؤسسة فی السلطات المختلفة و خصوصاً السلطة التنفیذیة.
النقطة الرابعة هی التنسیق بین القطاعات المتنوّعة، و طبعاً آلیات هذا التنسیق یجب أن یعینها رؤساء السلطات الثلاث. التنسیق سوف یساعد.. التنسیق بین مجلس الشورى الإسلامی و الحکومة، و بین مجلس الشورى الإسلامی و الحکومة و السلطة القضائیة. فی بعض القطاعات لا یمکن العمل من دون تنسیق، و فی بعض القطاعات للتنسیق تأثیره و إنْ بدرجات أقل. على کل حال التنسیق ضرورة من الضرورات. و على رؤساء السلطات أن یعدّوا آلیات التنسیق إن شاء الله.
المسألة الخامسة هی الإشراف على کل المستویات. یجب أن یکون هناک إشراف. على رؤساء السلطات أن یشرفوا على الأجهزة و المؤسسات التابعة لهم، و على مجمع تشخیص مصلحة النظام أن ینهض بمسؤولیاته الإشرافیة الملقاة على عاتقه بشکل کامل، و أن یرى ما الذی یحدث، و سوف تشرف القیادة و جهازنا أیضاً إن شاء الله. إذن، الإشراف من الإلزامات الأصلیة.
الأمر السادس هو رفع الموانع و العقبات. ثمة موانع یمکن رفعها. هناک موانع قانونیة - و قد قلت فی ذلک الاجتماع الذی کان لنا برؤساء السلطات الثلاث بإن تراکم القوانین على القوانین یخلق مشکلة، و یجب رفع القوانین المزاحمة، و هذا ما یستطیع مجلس الشورى الإسلامی القیام به، و إلّا فإن لدینا الآن قوانین، و إذا شرّعنا قوانین فوق تلک القوانین، فسیمکن تفسیر تلک القوانین و خلق مشاکل و موانع، لذا یجب النظر و التدقیق و تشخیص القوانین المزاحمة - و هناک عقبات حقوقیة و قضائیة یجب تشخیصها و رفعها. ینبغی أن یشعر الناشطون الاقتصادیون و صنّاع فرص العمل و المبدعون و المستثمرون و العلماء أنهم لا یواجهون عقبات غیر معقولة، لیستطیعوا التحرک و العمل.
الضرورة السابعة أو العمل اللازم السابع هو صناعة خطاب. یجب رسم صورة صحیحة للاقتصاد المقاوم. طبعاً مؤسسة الإذاعة و التلفزیون و وسائل الإعلام فی البلاد یجب أن تتحمل واجباتها فی هذا المضمار، لکن الأمر لا یختص بها. الأجهزة الإعلامیة المعارضة للبلاد و المعارضة للثورة و المعارضة لتقدم إیران الوطنی لدیها الکثیر مما تفعله و قد بدأت عملها - قد شاهدنا ذلک - و سوف یفعلون أکثر من الآن فصاعداً بخصوص الاقتصاد المقاوم و خلق المشکلات و نحت الموانع و العقبات و إثارة الضجیج و اللغو أحیاناً و الإیحاء بعدم أهمیة ما هو فی غایة الأهمیة. یفعلون کل هذا. و یجب العمل بالاتجاه المعاکس لأعمالهم هذه. على المسؤولین و أصحاب الفکر و المخلصین أن یرسموا صورة صحیحة لهذا التحرک الکبیر و العام، و یصنعوا خطاباً لیعلم الناس و یعتقدوا و یریدوا ذلک. ففی هذه الحالة سیکون الأمر ممکناً عملیاً.
و النقطة الأخیرة التی أذکرها فی هذا الخصوص و أنهی بها کلامی هی قضیة المسح و الرصد و الإعلام. یجب أن تکون هناک مراکز رصد قویة و یقظة ترصد الإنجازات و التقدم فی الأعمال بشکل دقیق، و تجمع المعلومات و تعالجها و تستنتج منها، و فی بعض الأحیان تشخّص الخطوة أو الحرکة التی یجب القیام بها فی مقطع زمنی معین، و تشخّص المعاییر و المؤشرات فی کل قطاع و مجال، و بالتالی یجب علیها إعلام الناس و إطلاعهم، فالناس یحبّون أن یعلموا و یطلعوا. هذه هی مجموعة النقاط التی أردت أن أذکرها لکم أیها الإخوة و الأخوات الأعزاء.
لقد بدأ عمل کبیر، و بمستطاعنا إن شاء الله التقدم بالأعمال و الأمور إلى الأمام بعقد الهمم و التوکل على الله سبحانه و تعالى و خطوة بعد خطوة و بسرعة مناسبة و لازمة. و القضیة بحیث اعتقد أن آثارها و نتائجها لن تظهر على المدى البعید. البرامج برامج طویلة الأمد لکن نتائجها سوف تتحقق بسرعة إن شاء الله، أی إن بدء قطف الثمار فی هذا المشروع و الشعور العام لدى الشعب بحلاوة هذه النتائج لن تکون إن شاء الله بعیدة و متأخرة. نتمنى إن شاء الله أن یشعر الناس بهذه الثمار و النتائج فی هذا التحرک الکبیر العام و یذوقوها خلال فترة هذه الحکومة و بفضل التقدم الذی سیحصل و الأعمال التی ستنجز.
نسأل الله تعالى أن یساعدنا و یعیننا و یهدینا جمیعاً، و یدلنا على نقاط ضعفنا، و یجعلنا بصیرین بنقاط ضعفنا و نواقصنا، و یلهمنا ما یرضیه، و یوفقنا لأدائه. و أتقدم بالشکر لکل الإخوة و الأخوات لحضورهم و استماعهم. و أتوقع و أرجو أن یکون هذا الاستماع إن شاء الله مقدمة لتحرک عام.
و السلام علیکم و رحمة الله و برکاته.

الهوامش:
1 - بتاریخ 30/11/1392 هـ ش [ 19/02/2014 م ] .
2 - بتاریخ 19/09/1376 هـ ش [ 10/12/1997 م ] .
3 - بتاریخ 06/12/1392 هـ ش [ 25/02/2014 م ] .
4 - نهج البلاغة، الخطبة رقم 127 .
5 - اللقاء بالمسؤولین الاقتصادیین و المسؤولین عن تنفیذ المادة 44 من الدستور الإیرانی بتاریخ 30/11/1385 هـ ش [ 19/02/2007 م ] .
6 - بحار الأنوار، ج 67 ، ص 309 .
7 - بتاریخ 01/01/1377 هـ ش [ 21/03/1998 م ] .
8 - 01/01/1391 هـ ش [ 20/03/2012 م ] .
9 - من ذلک سورة العصر، شطر من الآیة 3 . 

 المصدر: http://arabic.khamenei.ir

رایکم
الأکثر قراءة