تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22
نبذة عن حیاة القائد البطل، الشهید شمران/4

عودة الشهید شمران إلى إیران، و حضوره فی وزارة الدفاع و فی مجلس الشورى

سیادة الأستاذ الدکتور مصطفى شمران أیّده الله تعالى؛ تشکیلاً لمجلس الدفاع القومی الأعلى استناداً إلى على المادة العاشرة بعد المائة من دستور الجمهوریة الإسلامیة فی إیران، فقد تقرر تعیین سیادتکم مشاوراً لی فی هذا المجلس. ونظراً لما نمرّ به من ظروف استثنائیة فإن على سیادتکم القیام بالمتابعة التامة والدقیقة لکافة الأحداث الداخلیة المتعلقة بدوائر الجیش المختلفة وإرسالها إلیَّ کل أسبوع. روح الله الموسوی الخمینی
رمز الخبر: ۶۰۶۷۹
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۵:۵۰ - 19October 2014

عودة الشهید شمران إلى إیران، و حضوره فی وزارة الدفاع و فی مجلس الشورى

بدایة انتصار الثورة الإسلامیة فی إیران

کانت الثورة الإسلامیة فی إیران تخطو کل یوم خطوة جدیدة نحو النصر؛ فقد لاذ الشاه بالهرب من إیران وعاد الإمام الخمینی (قده) إلى أرض الوطن بعد خمسة عشر عاماً من النفی والجهاد. ولأنه کان من المتوقع أنه لا مفر من وقوع صراعات دمویة فی المراحل الأخیرة من الانتصار بین المناضلین والمجاهدین من جهة وبین الماکینة العسکریة للنظام من جهة أخرى، فإن الدکتور شمران ومعه عدد من شباب الحرکة المجاهدین الذین أنهوا تدریباتهم العسکریة فی لبنان أخذوا یتأهبون للعودة مع الشهید شمران إلى إیران. وکأن التاریخ کان یمر دفعة واحدة فی تلک الأیام، حیث کان کل یوم یعادل عاماً کاملاً من الأحداث؛ فقد وقعت صدامات دمویة فی العشرین وحتى الثانی والعشرین من بهمن، وأعرب خمسمائة من شباب الحرکة المجاهدین المتحمسین والمشتاقین عن رغبتهم فی الانضمام إلى إخوانهم الإیرانیین. یقول الشهید الدکتور شمران: 

"لقد فکرنا نحن أیضاً فی إعداد خمسمائة من مقاتلی حرکة "أمل" والنزول إلى ساحة المواجهة، فتحدثنا مع الحکومة السوریة التی أبدت استعدادها لأن تضع تحت تصرفنا طائرة مع ما یلزمنا من معدات حتى نهبط بهذا العدد من مقاتلی أمل حیثما شئنا حتى لو کان ذلک فی "فرح آباد" أو فی وسط شوارع طهران. وکنت أنا المسؤول عن هذه العملیة لأخوض بهؤلاء المقاتلین مع ما لدینا من معدات غمار المعرکة. ولیس بوسعی التعبیر عما کان یشعر به هؤلاء الشباب من شوق وحرارة وعاطفة للقدوم إلى إیران والاستشهاد بجوار إخوانهم الإیرانیین. وکما تعلمون فإن المواجهة فی طهران لم تستمر لأکثر من أربع وعشرین ساعة، وربما أقل من ذلک، حیث لاذ الطاغوت بالفرار وانتصر الشعب. ولهذا فلم تتح الفرصة أمام هؤلاء المقاتلین الذین هم من خیرة نجوم الحرب ولا سیما الحرب الفدائیة للمجیء إلى إیران والمشارکة فی المواجهة بجانب إخوتهم الإیرانیین". 

وفی خضم انتصار الثورة الإسلامیة، وانضماماً إلى أمواج المد الثوری العارم، فقد أبرق الدکتور شمران إلى أحد أعضاء الحکومة المؤقتة بضرورة إعلامه بالقدوم فیما إذا کان وجوده فی إیران مفیداً. ولکن، وفضلاً عن عدم الرد على هذه المخابرة، فإنهم حجزوا الشهید شمران عندما جاء برفقة اثنین وتسعین من الشخصیات اللبنانیة بمن فیهم علماء الشیعة والسنة وممثلون عن المقاتلین من الحرکة لمقابلة الإمام الخمینی فی إیران لمدة ثمانی ساعات داخل الطائرة فی مطار مهرآباد للحصول على تأشیرة الدخول (رغم إرسال عدد من التلکسات من داخل الطائرة). وأخیراً عاد الشهید شمران إلى أرض الوطن بعد اثنین وعشرین عاماً من الهجرة والمنفى مفتتحاً هذه العودة بلقاء الإمام الخمینی. وکان هو أفضل رسول قادم من لبنان حاملاً معه الکثیر من أسرار وألغاز هذا البلد. وفی الشهور الأولى من عودته إلى إیران نُظمت له عدة لقاءات لإلقاء سلسلة من الأحادیث فی المحافل المختلفة حیث کان محور خطاباته شجاعة وبطولة مجاهدو حرکة أمل وما عانوه من مظالم وآلام وما قدموه من شهداء. 

یقول الشهید شمران فی کتابه "لبنان": 

"إننی قادم من جبل عامل، حیث دعا الصحابی الجلیل أبو ذر الغفاری إلى الإسلام الصحیح هناک ولأول مرة، وبنى فی تلک الدیار مسجداً لعبادة الله الواحد… 

إننی قادم من جبل عامل الذی عانى سکانه من الظلم طوال 1400 عام من تاریخ الإسلام.. إننی مندوب المحرومین  فی جنوب لبنان الذین یحترقون کل یوم بنیران المدفعیة الثقیلة وقنابل الطائرات الإسرائیلیة. لقد جئت من أرض أبید أکثر من نصفها بشکل تام… 

جئت لأرفع صرخة الشیعة اللبنانیین المدویة تحت سماء إیران العالیة. إننی آهة الیتامى المعذبین الموجعة الذین یستیقظون من شدة الجوع عند انتصاف اللیل بلا ید رحیمة تمسح عن قلوبهم العناء. إنهم یعیشون رهن الخوف من الظلمة والوحدة دون أن یجدوا صدراً دافئاً یأوون إلیه. إننی أنة الفجر المنبجسة من صدور الأرامل المحترقة، مرفرفاً ذات الیمین وذات الشمال مع نسیم السحر بحثاً عن الأفئدة والضمائر الحیة، وعندما یعرونی التعب فأسقط یائساً خالی الوفاض من الأمل، أتحول إلى قطرة من الدموع تتساقط کالأنداء على حافة الأوراق. 

إننی أمل ذوی القلوب الحیة الساهرین على العدل والانصاف، وإننی هارب من کل هذا العالم الغارق فی الظلم، وکلی أمل فی النصر الذی سیتحقق بظهور المهدی (عج) الذی سیملأ الأرض قسطاً وعدلاً". 

إن هذا الاهتمام الخاص الذی یولیه لشیعة لبنان وتاریخهم المفعم بالعناء والشقاء والذی هو جزء من الثورة الإسلامیة یثیر حساسیة أولئک الذین ربما کانوا تحت سیطرة التجار من القادة الفلسطینیین فیثیرهم علیه تذکره للشیعة اللبنانیین حتى فی إیران. فیکتب الشهید شمران قائلاً بهذا الصدد: 

"إن البعض یتهموننی بالاهتمام الفکری بالدول الأجنبیة ووضع مصالح إیران تحت التأثیر الأجنبی، ویقولون بأنه یجدر بی صب کل اهتمامی على إیران دون سواها کلبنان وغیره من الدول: 

أولاً: إن اهتمامی وقلقی الشدید یتعلق بإیران دون سواها، فأوضح أن أخطار الثورة تهددنا وإننی أتحدث عن هذه المواضیع حفاظاً على إیران. 

ثانیاً: إننی أمضیت فی لبنان ثمانیة أعوام کانت مزیجاً من العناء والمخاطر وصراع الموت والحیاة والشهادة؛ فلو کان ثمة من یرید أن یعرف شیئاً عن لبنان والإمام القائد السید موسى الصدر فإننی أفضل مصدر مطلع للراغبین. وإن الذی یثیر دهشتی هو تأثر البعض بکتابات الیساریین والیمینیین وعملاء الأجانب". 
 
عاد الشهید شمران فعُیّن وزیراً للدفاع باقتراح من مجلس الثورة وأمر من الإمام الخمینی (قده)، وذلک بتاریخ 16/8/1358. وکان أول شخص غیر عسکری یتولى هذا المنصب. 

وبعد تسلمه للمنصب الجدید، انخرط الشهید شمران فی إعداد سلسلة من البرامج الواسعة والتأسیة أملاً فی تبدیل الجیش إلى مؤسسة ثوریة متطورة. ومن أبرز تلک البرامج تنقیة الجیش بناءً على أسس منطقیة وصحیحة، وإقرار العلاقات العادلة والحمیمة والقلبیة القائمة على الترتیب والنظام، وصب الاهتمام على الصناعات والأبحاث الدفاعیة ودفعها إلى الحرکة والحیویة. وکان الاهتمام الخاص الذی یولیه الإمام الخمینی (قده) والشعب للشهید شمران فضلاً عن منصبه الرفیع وقدرته وکفاءته سبباً فی إثارة التحرکات الغامضة والمشبوهة الرامیة إلى المساس بشخصیته الناصعة. 

وباتت هذه الهجمات العدائیة التی کانت تُشن ضده على صورة دعایات صحافیة من الشدة بحیث أثرت حتى على بعض أصدقائه الجهلاء والتجمعات الإسلامیة غیر الواعیة فراحوا یکررون هم أیضاً نفس هذه التهم والأکاذیب ببلادة تامة. وکان هؤلاء قد بدأوا حملتهم من لبنان وجعلوا من حادثة "تل الزعتر" مقمعة ینهالون بها على رأس کل من یدافع عنه. والمثیر للدهشة أن غالبیتهم لم یکونوا یعرفون شیئاً عن تل الزعتر ولا عن حقیقة الامر. ثم ما لبثوا أن توسلوا بحادثة "قارنا" وتسلیح اقطاعیی کردستان؛ وکانوا قد خططوا لترویج کل هذا الأکاذیب فی کل مکان بحیث لا یجسر أحد على الاقتراب من مواقع الأزمة وإسداء النصح. کما أن بعض التنظیمات على غرار "پیکار" کانوا ینوون اغتیاله ولکنهم فشلوا فی مسعاهم. 

 
فی مجلس الشورى ممثلاً عن أهالی طهران

ورشح الشهید شمران نفسه بشکل مستقل فی الدورة الأولى لانتخابات مجلس الشورى الإسلامی؛ ورغم کل هذه الأجواء المسمومة وبدون التوسل بالحملات الدعائیة فانه نجح فی دخول المجلس ممثلاً عن طهران بعد أن منحه أهالیها الأوفیاء أکثر من ملیون صوت. 

یقول الشهید شمران بهذا الصدد: 

"إلهی، لقد غمرنی الناس بحبهم الزائد وأغرقونی بلطفهم وعطفهم حتى جعلونی أشعر بالخجل وأحسب نفسی من الصغر بحیث لا أستطیع رد هذا الجمیل. فامنحنی یا إلهی الفرصة والمقدرة على أداء هذا الدین حتى أکون لائقاً بکل هذا العطف والمحبة". 

 
فی مجلس الدفاع الأعلى

وفی تاریخ 20/2/1359هــ.ش، ولدى تشکیل مجلس الدفاع الأعلى، عینه الإمام الخمینی (قده) ممثلاً ومستشاراً له فی هذا المجلس. وهذا هو نص قرار التعیین: 

بسم الله الرحمن الرحیم 

سیادة الأستاذ الدکتور مصطفى شمران أیّده الله تعالى؛ تشکیلاً لمجلس الدفاع القومی الأعلى استناداً إلى على المادة العاشرة بعد المائة من دستور الجمهوریة الإسلامیة فی إیران، فقد تقرر تعیین سیادتکم مشاوراً لی فی هذا المجلس. ونظراً لما نمرّ به من ظروف استثنائیة فإن على سیادتکم القیام بالمتابعة التامة والدقیقة لکافة الأحداث الداخلیة المتعلقة بدوائر الجیش المختلفة وإرسالها إلیَّ کل أسبوع. 

روح الله الموسوی الخمینی 

وأما فی الدورة الأولى من انتخابات رئاسة الجمهوریة فقد ظل أصدقاؤه یلحّون علیه بإصرار من أجل ترشیح نفسه لرئاسة الجمهوریة، ولکنه رفض بشدة. ویقول الشهید شمران فی مذکراته الخاصة موضحاً سلبیاته فی هذا المجال: 

1 ــ إننی لست سیاسیاً، ولم أتلاعب بالسیاسة طوال حیاتی، کما أننی أبغض السیاسة، وعلى صاحب هذا المنصب أن یکون سیاسیاً فی الوقت الحاضر. 

2 ــ إننی إنسان متصلب، وشدید التمسک بالمعاییر الإلهیة والإنسانیة والإسلامیة، ولیس عندی أدنى استعداد للتضحیة بما أمتلکه من موازین أو التخلی عن طریقتی ومُثلی. 

3 ــ إننی إنسان متواضع وخاشع، ولکننی عندما یجدّ الجد فإننی لا أساوم ولا أصالح. 

4 ــ إننی شخص عارف، وأجدنی أشد قرباً من عالم القلب والروح من واقعیات الحیاة. کما أننی زاهد ودرویش فی حیاتی الخاصة وهارب من علائق الحیاة، وإنکم الآن فی حاجة إلى من یهتم أیضاً بعالم المادة غیر مقتصر على عالم الروح من أجل تلبیة متطلبات الشعب. 

5 ــ إن هذه الدنیا لیست لی، ولقد جئت خطأً فی هذا الزمان وهذا المکان، ولا تناغم بین أفکاری وأسلوبی ومشاعری وهذه الأجواء الکائنة. 

لقد کان یرجح القیام بدور حیث لا یوجد الآخرون أو حیث لا یستطیعون. کما کان یرى الواجب الکفائی واجباً عینیّاً طبقاً لما لدیه من کفاءات کبیرة وکان یعجل فی أدائه، ولذلک فإنه لم یتجاهل لبنان حتى وهو فی إیران، وکانت آلام لبنان وفلسطین مزیجاً مع کل کیانه. وکان الشهید شمران یشعر بالألم الشدید تجاه التفرقة والخلافات الداخلیة والأنانیة والتشبث بالرأی والتکبر وعدم الخلوص، ولکنه کان یقابل کل ذلک بأداء واجباته وتکالیفه الإلهیة بصدق وإخلاص. 

یقول فی مذکراته التی کتبها فی أهواز: 

"إننی مطلع بما فیه الکفایة على المشاکل الراهنة وأرید المساعدة فی العمل على حلها. کما أننی لا أرید أن أزید الطین بلّة، بل أرید أن أعمل فی صمت وهدوء فی سبیل الله وحسب، وأرغب فی خدمة الإسلام والثورة والوطن بکل ما أستطیع، ولا أتوقع على ذلک جزاءً من أحد ولا شکوراً. 

لقد کنت آمل أن یقوم مسؤولونا بواجباتهم بدرایة کاملة ومعرفة تامة بعد انتصار الثورة، وألاّ یلقوا بالثورة فی مستنقع من الخلاف والتشتت، وألاّ یفکروا ألاّ فی الله تعالى، وألاّ یعملوا ألاّ له، وأن یلقوا تحت أقدامهم بالغرور وهوى النفس، وأن یجسدوا الثورة نموذجاً فذّاً فی التاریخ وفی العالم. إن الخلافات الراهنة تدل على أننا نخوض غمار تجربة خطیرة وشاقة للغایة، وإن علینا أن نبذل المزید من الجهود وأن نتحمل المصائب والمشاکل أملاً فی زیادة الوعی والاستعداد لأداء هذه الرسالة حتى نکون جدیرین بهذا الانتصار. 

إننی أعتقد أنه لا جدوى من النصح والنقد بینما نحن غارقون فی الخلافات العاصفة نتخبط فی مستنقع التهم والشائعات، بل یجب علینا أن نتخلص بالعمل الصالح والصبر والمقاومة حتى نجسد المعاییر الإنسانیة والإلهیة الصحیحة ونضع المشاعل على الطریق حتى یراه الناس بوضوح ویختاروا مسارهم السلیم". 

المصدر: موقع حرکة أمل 

 

رایکم
الأکثر قراءة