تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22

کل ما یحدث بسیناء لخنق مقاومة غزة: هنا أصل الحکایة

الحاجة أمّ الاختراع، والمقاومة أتمت الإنجاز الأکبر فی مواجهة إسرائیل. لیس مبالغة القول إن غزة، ومن ورائها إیران وسوریا وحزب الله، قد حسبوا حساباً للیوم الذی تغلق فیه الحدود والبحر حول القطاع. الیوم تشدد مصر وإسرائیل تنسیقهما لإغلاق البحر عن الفعل المقاوم، فیما یسعى فی الجنوب جیشٌ لإقامة منطقة عازلة وخندق مائی، لعلهما ینهیان رحلة صاروخ خرج من بادیة إیران إلى شواطئ المتوسط.
رمز الخبر: ۶۰۹۹۹
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۳:۱۴ - 30October 2014

کل ما یحدث بسیناء لخنق مقاومة غزة: هنا أصل الحکایة

قاسم س. قاسم, یوسف فارس, عبد الرحمن نصار


«ارفع قدمک، نحن کنا وسنبقى أسفلها فی خدمتکم». بهذه العبارة، وبلکنة عربیة «مکسّرة»، أجاب «أبو علی»، القیادی فی الحرس الثوری الإیرانی، أحد المقاومین الغزیین الذی کان یخضع لدورة عسکریة فی إیران عام 2012. أتى الجواب رداً على عتب على الإیرانیین لأنهم لم ینقلوا تکنولوجیا الصواریخ إلى غزة قبل عدوان 2008. فقد سأل «أبو جهاد» مدربّه: «أین کنتم فی الحرب الأولى (عملیة الرصاص المصبوب)؟».

رحلة ذلک المقاوم الذی مکث فی ضیافة الحرس الثوری الإیرانی 11 شهراً جرت عبر مطار بیروت. قبل عام 2012، وتحدیداً حینما کان أبناء المقاومة یمرون عبر سوریا، کانت سلطات دمشق «تخصص ممراً للمقاومین الغزیین، وکانت السیارات تنتظرهم على مدرج المطار، لأخذهم إلى مکاتب التنظیمات التابعین لها». یقول قیادی فلسطینی بارز: «إن کانت رحلتهم فی الیوم نفسه، کانوا ینتقلون من طائرة إلى أخرى من دون السؤال عن تأشیراتهم أو جوازات سفرهم». ثم بانتهاء شهر العسل السوری، أصبحت بیروت «قبلة المقاومین الفلسطینیین»، ومنها إلى إیران.
فی طهران، خضع المقاومون لدورات تدریب مکثفة، وعلى مدار أشهر قضوا رحلة فی اکتساب الخبرات، بدءاً من تطبیق العلم النظری بأیدیهم، ثم تجریبه فی بیئة مشابهة لجغرافیا القطاع، حتى صعودهم «على متن طائرة الهلیکوبتر المسماة شاهد، لمعاینة أماکن سقوط الصواریخ ومدى فعالیتها ودقتها بل قربها من الهدف»، کما یروی أبو جهاد.
نقل المقاومون تجربتهم إلى غزة، لجهة تصنیع الصواریخ وتطویرها، وکیفیة تربیضها وتخبئتها رغماً عن عیون الاحتلال المنتشرة فی الفضاء والأرض. هذا الأسلوب فی التدریب لم یکن حکراً على «زوّار إیران»، إذ کانوا خلال وجودهم فی سوریا یخضعون للأسلوب نفسه. وفی إحدى المرات خلال تدریباتهم على إصابة الأهداف فی البادیة السوریة، سقط أحد الصواریخ قرب مهجع للجنود وأصیب بعضهم.
مع نهایة عام 2001، أعلنت کتائب القسام، الذراع العسکریة لحرکة المقاومة الإسلامیة «حماس»، لأول مرة تصنیعها صواریخ «القسام». ولم یتجاوز مدى الصاروخ 15 کلم، وفی أغلب الأحیان یسقط بعضها قرب الأحیاء الملاصقة لأماکن إطلاقها، أو حتى تنفجر قبل الإطلاق، فیما کانت أکثر المستوطنات المستهدفة هی «سیدیروت» التی تبعد أربعة کیلومترات عن الحدود الشرقیة لغزة.
خلال تلک الأعوام (العدد ٢٣٨٠ الجمعة ٢٩ آب)، عانى المقاومون قلة الخبرات فی مجال التصنیع، بالإضافة إلى صعوبة تأمین المواد الخام اللازمة. لکن منذ 2005، وبعد انسحاب العدو الإسرائیلی من محور «فلادیلفیا» (رفح)، تنفس المقاومون الصعداء، إذ أصبحت الحدود الجنوبیة مع مصر مفتوحة أمامهم، ما وفّر مناخاً مریحاً لتهریب السلاح والمواد الأولیة لصناعة الصواریخ عبر الأنفاق. منذ ذلک العام، وصولاً إلى 2012، سعت الجمهوریة الإسلامیة، مع حزب الله، إلى تطویر صواریخ المقاومة الفلسطینیة، وتذخیرها بمدیات أبعد. فبدأت آنذاک مرحلة جدیدة زار فیها مقاومو غزة لبنان، ونسقوا مع المقاومین هناک لعملیات تهریب الأسلحة.
وبعیداً عن الصورة النمطیة بتسلل السفن إلى الشواطئ، کانت کمیات کبیرة من السلاح ترمى فی نقطة معینة من البحر بعیدة جداً عن غزة، وکانت التیارات المائیة تجرفها باتجاه شواطئ القطاع حیث کان یسحبها «الضفادع البشریة» لیلاً. أما أشهر طرق التهریب فکانت عبر «الأراضی السودانیة، ومنها إلى مصر، ثم إلى سیناء، ومن هناک إلى الأنفاق المخصصة لتهریب الأسلحة»، کما یقول مسؤول بارز فی حماس.
لاحقاً، أدرک الإیرانیون العائق اللوجستی الذی واجه المقاومین فی تهریب السلاح، أی العجز عن إدخال الصواریخ الکبیرة عبر الأنفاق، لذلک عمل الحرس الثوری على تصنیع صواریخ فجر خمسة یمکن فکّها وتجمعیها لاحقاً فوق التراب الفلسطینی. وصلت أولى صواریخ «فجر» إلى غزة عام 2011، واستخدمت للمرة الأولى خلال عملیة «عمود السحاب» عام 2012، عندما قصفت المقاومة الفلسطینیة تل أبیب للمرة الأولى. اتهمت إسرائیل آنذاک الحرس الثوری بتهریب الصواریخ للمقاومة، فرد قائد الحرس، محمد علی جعفری، معلناً أنه وضع منظومة «فجر» بین أیدی المقاومین وسیسعى إلى تزویدهم بمنظومات أخرى.
کانت «فجر» أکثر الأسلحة تأثیراً فی عمل المقاومة، لکن بقیت أزمة محدودیة الکمیة التی یمکن للمقاومة تهریبها من هذه المنظومة. هنا أکد «أبو جهاد» أنّ «هاجس إدخال کمیة محدودة من الأسلحة، بالإضافة إلى الخشیة من انقلاب الوضع الأمنی واشتداد الحصار بما یمنع دخول السلاح إلى غزة بسهولة، کله کان حاضراً فی أذهان الحرس الثوری خلال أشهر التدریب». وتابع: «عمل المدربون على إعداد دورات متخصصة فی مجال صناعة الصواریخ»، إذ إن «الإیرانیین» جمعوا معلومات وافرة عن المواد الخام المتوافرة فی القطاع، وقربه، لتصنیع الصواریخ، وطوروا هذه المواد بما یزید فعالیتها»، وبذلک «صنعنا الصواریخ بأیدینا فی إیران، ومن مواد شبیهة لتلک المتوافرة فی غزة وتأکدنا من فعالیتها»، وفق قوله.
زمن حسنی «الذهبی»!
مصادر قیادیة فی «الجهاد الإسلامی» قالت إن «غالبیة السلاح الذی وصل غزة واستخدم فی معرکتی 2012 و2014 دخل فی عهد (الرئیس حسنی) مبارک، وخصوصاً فی العام الذی شهد ثورة 25 ینایر وما تلاها من تنحی مبارک عن الحکم». وأضاف أنه خلال تلک الأعوام «کان هناک نوع من غض النظر عن التهریب فی سیناء، وجرت عملیات التهریب بمساندة قبائل کبیرة مقابل مبالغ مالیة هائلة».
فی السیاق، قال مسؤول فی «حماس» إنه «کان یجری الاتفاق مع الضباط المصریین على عدد محدد من الأیام یمکن المقاومین فیها التهریب». أما فی عهد محمد مرسی، الذی حدثت فیه حرب الأیام الثمانیة (عمود السحاب) وخرجت فیها مفاجأة «الفجر»، فکانت المقاومة قد امتلکت مخزوناً لا بأس به من الصواریخ والمعدات. وتؤکد المصادر الفلسطینیة أن «تهریب السلاح فی عهد مرسی کان أصعب من أیام مبارک، لکن الفائدة الوحیدة فی عهده سهولة خروج المقاومین من غزة من أجل التدریب». وقیل أیضاً إن الرئیس المعزول قد استصدر «بطاقات تسهیل مرور تسمح بخروج کثیرین من القطاع من دون أی مضایقات أمنیة».
بعد حرب 2012، وتیقن العدو من طرق تهریب السلاح إلى غزة، بل استهدافه القوافل على الطریق وأماکن تخزین الصواریخ، وخاصة حینما قصفت الطائرات الإسرائیلیة (أواخر 2012) قافلة سلاح فی السودان قالت إنها کانت متوجهة إلى غزة، أدرک الإیرانیون أن الحل الأفضل لتذخیر المقاومة الفلسطینیة هو تصنیعها الصواریخ محلیاً عوضاً عن تهریبها.
تأسیساً على ذلک، عملت طهران وحزب الله على تدریب أبناء القطاع على «ترکیب مصانع لتصنیع الصواریخ»، کما یقول أحد القیادات، ثم جاءت عملیة «الجرف الصامد» لتظهر قیمة أشهر التدریب التی جرت فی إیران، وترددت معها عبارة «محلی الصنع» کثیراً، فی بیانات المقاومة.
ولم ینکر الإیرانیون أن الصواریخ التی أطلقتها المقاومة محلیة الصنع، فکما قال مساعد وزیر الخارجیة الإیرانی، حسین أمیر عبداللهیان، إن الحرس الثوری نقل تکنولوجیا صنع الصواریخ إلى الفلسطینیین.
أما عن الطائرات بلا طیار (أبابیل) فتقول مصادر «الجهاد» إنها کانت ثلاث طائرات سلمتها إیران لـ«القسام» من أجل مهمّات معینة، «لکن جرى إسقاطها وأعلن ذلک».
وعموماً، فإنه فی الحرب الأخیرة أسهمت الصواریخ «المحلیة» (کتائب القسام، M75) مع وجود کمیات کبیرة منها فی استمراریة الکثافة الناریة على الوتیرة نفسها حتى الیوم الأخیر من المعرکة، فیما استخدمت سرایا القدس صاروخی براق «70 و100» لقصف تل أبیب ومدن أخرى، والواضح أن الصناعة والوقود الدافع لکلا الصاروخین من أصل واحد. فی هذه المرحلة، جرى النقاش بین قیادات المقاومة (اللبنانیة والفلسطینیة والإیرانیة) فی طبیعة الصواریخ المحلیة، فتقرر أن تکون هذه الصواریخ ذات رأس متفجر صغیر، لکن بمدى أبعد، وذلک لأهداف میدانیة وأخرى سیاسیة.ویشرح قیادیون فی المقاومة الفلسطینیة الفرق فی التکلفة بین صناعة الصواریخ محلیاً وتهریبها من إیران، ویقولون إن «الصواریخ المحلیة لدیها قدرة مقاربة لقدرة الصواریخ المهربة، لکن بتکلفة أقل، إذ لا تتجاوز تکلفة صناعة صاروخ کالذی قصفت به تل أبیب خمسة آلاف دولار، فیما قد یکلف الصاروخ المهرب 15 ألف دولار». أما عن الصواریخ القصیرة المدى، مثلاً، فـ«تکلفة صاروخ الـ107 المهرب تصل إلى 800 دولار، فیما یمکن صنعه محلیا بـ110 دولارات». وفی الحرب الأخیرة، استمرت المقاومة الفلسطینیة فی تصنیع الصواریخ، لکن المشکلة ظهرت فی نقل هذه الصواریخ من المصانع إلى أماکن إطلاقها. ویذکر المقاومون فی غزة أنّ من «غیر المعروف لغالبیة العناصر أماکن تصنیع الصواریخ، حتى إن بعض الفصائل تحرم مصنعی صواریخها معرفةَ الأماکن التی دخلوا إلیها، کذلک لا یعرف طابخ الصواریخ إلى أین تذهب جهوده، فهناک من یأتی لأخذه وإعادته إلى منزله».
وبرغم التصنیع المحلی للصواریخ، لا یمکن القول إن تهریب السلاح انتهى، لأن ما ینجح تهریبه لا یجری إعلانه إن کان عبر البحر، أو من صحراء سیناء. وتقول مصادر بارزة فی «الجهاد الإسلامی» إنه حالیاً یجری الاعتماد على التصنیع المحلی، إذ «تتوافر مواد أولیة ممتازة وبسعر جید فی السوق». ومن المؤکد أنه یجری الآن تقویم الحرب الأخیرة عسکریاً، من إیران وحزب الله وحتى بعض الجهات السوریة، لمعرفة الاحتیاجات اللازمة فی ظل تدفق دعم مالی کبیر للأجنحة العسکریة للمقاومة بعد الحرب.

المصدر: جریدة الأخبار

رایکم
الأکثر قراءة