تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22

العالــم العربــی: أیـن خسرنــا؟.. ولمــاذا؟..

مناسبة هذا المقال، هو الکلام الذی أدلى به سماحة السید مؤخرا، حیث اعتبر، وکعادته فی تحویل الکارثة إلى فرصة، أننا “أمام فرصة ذهبیة لکسر المشروع التکفیری” الذی أدخل أمتنا العربیة والإسلامیة فی عصر الإقتتال والخراب، من دون وعی ولا رؤیة، ولا بصیص أمل یبدو فی الأفق لإحداث التغییر المطلوب
رمز الخبر: ۶۱۱۱۴
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۷:۲۶ - 02November 2014

العالــم العربــی: أیـن خسرنــا؟.. ولمــاذا؟..

أحمد الشرقاوی

مناسبة هذا المقال، هو الکلام الذی أدلى به سماحة السید مؤخرا، حیث اعتبر، وکعادته فی تحویل الکارثة إلى فرصة، أننا “أمام فرصة ذهبیة لکسر المشروع التکفیری” الذی أدخل أمتنا العربیة والإسلامیة فی عصر الإقتتال والخراب، من دون وعی ولا رؤیة، ولا بصیص أمل یبدو فی الأفق لإحداث التغییر المطلوب، قبل أن تأخذنا “الفاشیة الدینیة” التی تشجعها وترعاها أمریکا وإسرائیل والسعودیة بعیدا نحو المجهول.. فنغرق فی الظلام لعقود طویلة قادمة.

المشروع التکفیری کما وصفه سماحة السید، وبرغم خطورته، إلا أنه غیر قابل للحیاة، لأنه مشروع إنتحاری یقف فی الجانب الخطأ من التاریخ، ویستهدف حضارة و وجود ومصیر الأمة العربیة والإسلامیة، فی حرب هی فی حقیقتها حرب قیــم بامتیاز، فی زمن کفرنا فیه بقیمنا الروحیة الجمیلة، واستبدلناها بقیم الغرب المادیة التی جرّدتنا من إنسانیتنا وجرّت علینا الکوارث التی نعیشها الیوم.. فأضعنا الدین والدنیا معا حین ضاع الإنسان الذی هو الأصل قبل کل شیىء.

وهزیمة هذا المشروع وفق سماحته، لا تکون فقط من خلال المواجهة الأمنیة والعسکریة التی قد تدوم لعقود طویلة لإستنزافنا کما خطط لها الغرب الصهیوإمبریالی بدهاء، مستغلا فی ذلک فساد الحکام وجهل الشعوب بدینها، وغیاب الزعامات الثوریة الکبیرة القادرة على توحیدنا حول مشروع نهضة جامع، وإفتقار نخبنا الإسلامیة والعلمانیة للغة الحوار بالفکر البناء المنتج، بدل التحریض على تکفیر التفکیر ولغة الإقصاء والإلغاء.

سماحة السید یقول، أنه بموازاة المواجهة الأمنیة والعسکریة التی تخوضها الیوم المقاومة العربیة والإسلامیة الشریفة، علینا فتح جبهة کبرى تفوق فی ضراوتها الجبهة العسکریة، وترکز بشکل خاص على المواجهة الفکریة والسیاسیة والتنمویة، والحل وفق ما یقترح، أن یقوم المفکرون والمثقفون بإعادة إنتاج ما أسماه بـ”إسلام راق مشرق” یواجه على مستوى الوعی “النموذج التکفیری المدمر الذی تقدمه ‘داعش’ ومثیلاتها”.

وبالتالی، فالسؤال الذی یطرح بالمناسبة هو: – عن أی إسلام یتحدث سماحة السید؟.. وما هو تعریفه وطبیعته وشروطه ومقوماته؟.. وکیف السبیل لتجاوز الحدود والقیود الدوغمائیة التی وضعتها مؤسسة الفقهاء وإعتمدتها الأنظمة الرسمیة العربیة لتدجین الناس وفرض الوصایة على عقیدتهم؟.. ومن أین نبدأ لتحریر هذا الإسلام “المشرق الجمیل” من معتقل الإدیولوجیة وجعله واقعا یعیش بین الناس؟.. وهل المشکل یکمن فی دیننا أم فی سوء فهمنا للدین؟..

لأن حکامنا الذین کنا ننتظر منهم الخلاص، لا یرون أبعد من أرنبة أنوفهم، وکل تفکیرهم ینصب بالأساس حول مصالحهم بعقلیة الآنی فقط، بحثا عن أنجع السبل للمحافظة على سلطتهم وفسادهم وإستبدادهم، ولا یهمهم ما سیحدث غدا، فأحرى أن یهتموا بمصیرنا ومستقبل عیالنا.

وهذه هی العقلیة “البراغماتیة” الغربیة التی تجعلهم یتلاعبون بعقولنا وعواطفنا، ویکذبون علینا کما یتنفسون، ویرهنون قرارنا وسیادتنا وخیراتنا ومقدراتنا للأمریکی سید العالم الیوم، کما کانوا یفعلون بالأمس مع البریطانی والفرنسی، حمایة لعروشهم المتداعیة من غضب الشعوب.

والنخب الدینیة والسیاسیة المعارضة للسلطة لیست إستثناء، إلا من رحم الله، فتراهم یتزاحمون على السفارات یعرضون بضاعتهم الفاسدة، عساهم یکسبون ود الأمریکی وموافقته على دعم مشاریعهم السیاسویة الإنبطاحیة للإنقضاض على السلطة القائمة، حتى لو تطلب الأمر الإعتراف بإسرائیل وتعویم القضیة الفلسطینیة باعتبارها شأنا فلسطینیا إسرائیلیا، لا علاقة له بالعرب والمسلمین، لمعرفتهم أن هذا هو الثمن الواجب دفعه عربونا لخیانتهم وخستهم ودنائتهم وإستعدادهم لتنفیذ کل ما یطلب منهم سیدهم ومولاهم وحبیبهم الأمریکی.

ولیس صحیحا أن الربیع العربی کان صناعة أمریکیة، بل کان بالفعل ثورة عفویة فجرتها الشعوب المظلومة، لکن ما حصل، أن أمریکا رکبتها من خلال النخب الفاسدة، الإسلامویة والعلمانیة على حد سواء.. هذا ما کنت أقوله دائما منذ 2011، وهذا ما أکده سماحة السید بمناسبة حدیثه عن هزیمة المشروع التکفیری وتقدیم إسلام راق ومشرق بدیلا عن المشروع التکفیری الذی وجد فی الربیع العربی فرصة سانحة للعودة بنا إلى عصر الجاهلیة الأولى بتحریض أمریکی مدروس.

***

لا یختلف إثنان الیوم حول حقیقة أن العالم العربی دخل عصر الخراب والفرقة والشتات من أوسع أبوابه، بإرادته وأیادی أبنائه.. ومرد ذلک، أننا من الهشاشة الفکریة بحیث لم تحفزنا لا هویاتنا العربیة والإسلامیة، أو هما معا، على الصمود والتحدی، والوقوف صفا واحدا على قلب رجل واحد لمقاومة هذه الحملة الصلیبیة العاشرة التی تجتاحنا باسم الحریة والدیمقراطیة حینا، وباسم محاربة الإرهاب أحیانا کثیرة.. لأننا أصبحنا الیوم معسکرین، معسکر الإسلاموین تجار الدین، ومعسکر العلمانیین تجار السیاسة..

لأن العدوان الذی یستهدف الأمة الیوم من الماء إلى الماء، هو المرحلة التنفیذیة الأخیرة لمخطط “ماکرو – استارتیجی” یستهدف الإسلام تحدیدا، وقد بدأ 100 سنة قبل الیوم، مع الإمبراطوریة البریطانیة والإمبراطوریة الفرنسیة، وأنتج حینها ما أصبح یعرف بـ”سایس و بیکو” الذی قسم الدول العربیة والإسلامیة بطریقة مفخخة قابلة للإنفجار فی کل وقت وحین بین الجار والجار، وزرع السرطان المسمى “إسرائیل” فی قلب جسد الأمة، کی لا تقوم لها قائمة فتهدد الحضارة والقیم الغربیة وفق ما یدّعون.

ویتحجج الفکر الإستراتیجی الغربی فی فرضه لهذا النوع من التقسیم، بما یصفه بالتاریخ “الدموی” للإسلام السیاسی زمن الفتوحات التی انطلقت بعد وفاة الرسول الأعظم (ص) بدافع “الغنیمــة”، وهو التاریخ الذی یعتبر بالنسبة للفکر الإستراتیجی العسکری الغربی تجربة إستعماریة توسعیة قامت على أساس الإسلام الجهادی، الذی وصل إلى الأندلس وجنوب فرنسا تحت عنوان “الفتوحات الإسلامیة”، فیما یغفلون عن ذکر انتشار الإسلام المشرق الجمیل فی دول إفریقیة جنوب الصحراء وآسیا وصولا إلى الصین، عن طریق التجار الذین مثلوا حینها أنموذجا راقیا للصدق والأمانة والوفاء، فتأثر بهم السکان واعتنقوا الإسلام طواعیة دون إکراه.

وبموازاة ذلک، فرض الغرب قیمه الحضاریة علینا من بوابة العلمانیة الغربیة المتطرفة، مع الترکیز على تخریب الدین بالخرافة والأسطرة، ووصمه بالرجعیة والتخلف، واعتباره العائق الذی یقف حائلا بین المسام والعصرنة..

وقد نجح المخطط أیما نجاح، لدرجة أصبح الإسلام نظیرا للإرهاب، بحیث یستحیل أن یثار الحدیث عن الإسلام فی الغرب الیوم من دون مقارنته بالإرهاب.. وهذا أمر أصبح واضحا للجمیع، ومع ذلک، نجد شرائح واسعة من مجتمعاتنا المتخلفة تؤید جماعات الإسلام السیاسی، وتعتبر ما تقوم به من إرهاب “جهادا” فی سبیل الله من أجل إقامة الخلافة الإسلامیة التی لا أساس دینی لها سوى شعار تطبیق “الشریعة”، والشریعة من تطبیقاتها براء.

ولعب المستشرقون وفقهاء السلطة ومثقفوها من جهة، وتیار الإسلام السیاسی والمنظمات الیساریة العلمانیة المتطرفة من جهة أخرى، دورا رائدا فی تخریب الهویة الإسلامیة للشعوب بالنیابة عن الأنظمة المحافظة التی عینها الإستعمار کوکلاء له فی البلدان التی خرج منها.. فدخلت المنطقة عصر الثورات العسکریة لتصحیح الوضع، سرعان ما تحولت إلى دیکتاتوریات فاسدة فی خدمة الغرب، باستثناء مصر زمن ‘ناصر’ والجزائر زمن ‘بن بلة’، وسوریة زمن ‘الأسد’ الأب والإبن حالیا، والتی تدفع سوریة ثمن إصرارها على سیادتها واستقلال قرارها وثباتها على المبادىء القومیة والإسلامیة فی مواجهة الإستکبار وصنیعته إسرائیل.. وهل بقی فی العالم العربی دولة ممانعة ومقاومة غیر سوریة الیوم؟..

وإذا جاز لنا أن نضع عناوین للتجربة الإسلامیة منذ فجر الدعوة إلى الیوم، نستطیع تلخیصها فی محطات ثلاث: إسلام مکة حیث أسلم قلة قلیلة من قریش، ما جعل الرسول (ص) یهاجر إلى المدینة. وإیمان المدینة الذی تمیز به المهاجرون والأنصار لإختلاف البیئة السوسیو إجتماعیة والإقتصادیة بین المدینتین. ثم إسلام الإحسان الذی تجسد فی الأندلس کتجربة فریدة فی تاریخ البشریة، فکان أنموذجا مشرقا جمیلا، تعایش فی ظله المؤمنون من أتباع محمد وعیسى وموسى علیهم السلام جمیعا، فبنوا حضارة فکریة وعلمیة إعتبرت بشهادة التاریخ، أروع تجربة فی التجانس والتعاون والمحبة والإحترام، ومثلت بحق عصر الأنوار التی أخرجت أوروبا من عصور الظلام التی عانت منه طویلا.. وبسقوط الأندلس، سقطت الحضارة العربیة والإسلامیة، ولم ینجح المسلمون منذئذ فی إستنساخ هذه التجربة الممیزة.

أما الیوم، ففی ظلمة المشهد الذی یستبد بشعورنا ویجلد عقولنا، لا نجد من المفکرین من یحدثنا عن الحل.. ربما لأن أحدا لا یعرفه بعد أن رحل عنا الزعماء الکبار وهجر أوطاننا منتجو الفکر، ولم یبقى فی حیاتنا الرتیبة بلا معنى سوى قلة قلیلة من المناضلین الشرفاء، وکثیر من تجار الحرف الذین یمارسون علینا العهر الثقافی لتشویه وعینا وتدمیر آخر ما تبقى من تاریخنا وحضارتنا وقیمنا المجیدة.

لم یجانب المفکر الجزائری ‘مالک بن نبی’ الصواب عندما علق على استقلال الدولة الوطنیة فی العالم العربی بالقول: “خرج الإستعمار من الحقول وظل فی العقول”.. وهی المقولة التی لم تحضى بوقفة وعی جماعیة لمراجعة الذات وتصحیح مکامن الخلل، تجنبا لتکرار أخطاء الماضی وما جلبته على الأمة من ویلات وکوارث وضیاع للإنسان والأوطان..

الرجل کان مفکرا وباحثا إسلامیا، ومع ذلک، یعتبر أول من وضع الأساس المعرفی لنظریة جدیدة فی علم النفس الإجتماعی تقول بـ”قابلیة الشعوب العربیة للإستعمار”.. لکن وکعادة العرب، بدل الإنطلاق من هذه الأرضیة التی تمثل مکمن الخلل، فضلوا الإستعاضة عنها بمقولة “الأصالة والمعاصرة” التی تعنی الحفاظ على الأنظمة الرجعیة الصوریة وصبغها بمظاهر الحداثة المستوردة من الغرب، بدل الإستفادة من الجوانب العلمیة والمعرفیة لصنع حداثة حقیقیة تولد من عقول وسواعد أبناء الأمة المخلصین، وتلائم خصوصیاتها الثقافیة والحضاریة، إنطلاقا من قاعدة أن العلم هو نتاج کونی مشترک لمسیرة طویلة من المساهمات البشریة المکملة بعضها بعضا، لأن لا أحد یبدأ من الصفر لینتج شیئا جدیدا، بل ینطلق من النقطة التی انتهى إلیها من سبقه..

وهذه هی سنة الحضارة، ترفع إلى القمة من یفکر وینتج من أجل المستقبل، وتهوی إلى الحضیض بمن یمضی العمر یبحث عن کیفیة إعادة الماضی القدیم لیسرق من الناس حاضرهم، فینتهی به الأمر بلا حاضر ولا مستقبل، حیث یعیش الذل والإهانة العظیمة..

***

التغییر لیس عملیة سهلة، بل مجهود یتم بالتدریج، وتتطلب الکثیر من الجهد والصبر لزرع بذور الوعی الطیبة على مستى مناهج التعلیم إبتداء، لتنعکس القیم الإنسانیة الجمیلة على کل مناحی حیاتنا فی البیت والعمل والشارع، تجاه بعضنا البعض وتجاه الآخر.

وإذا کان الإرهاب قد فاجأنا لأننا لم نکن مدرکین لما نفعل وإلى أین نسیر، وزلزل کیاننا وجعلنا نعود قرونا إلى الوراء لنتساءل عن من نکون؟.. وأین خسرنا؟.. ولماذا.. فی حین نجح الآخرون.. فالجواب یمکن إختزاله فی مفردة واحدة إسمه “القیـــم”.. لأن الحرب بالأمس والیوم وغدا هی حرب قیـــم بامتیاز، فإما أن نکون أو لا نکون..

وإذا أردنا أن نکون، علینا أن نبدأ من أول السطر.. من أول أمر فی أول آیة فی أول سوریة نزلت فی القرآن الکریم “إقـــرأ”.. ومعناها، أنک أنت المطالب بالقراءة لا الفقیه، وأنت المستهدف بالرسالة لا الحاکم، وأنت المسؤول أولا وأخیرا عما کسبت یداک لا الدولة أو الجماعة أو القبیلة..

وأول القراءة تبدأ من إعادة تحدید المفاهیم إنطلاقا من القرآن نفسه لا مما فهمه الفقهاء قدیما وحدیثا والذی یعتبر نسخة مشوهة إلى أقصى الحدود عن الدین، بدلیل ما نحن فیه الیوم..

وکمثال.. لو بحث عن معنى “الدین”، أو “الإسلام” فی القرآن.. فستکتشف بإستغراب أن الله لا یتحدث عن دین للیهود ودین للنصارى ودین للمسلمین، بل عن دین واحد للعالمین.. وستکتشف أیضا أن کل ما قاله الفقهاء قدیما وحدیثا فی تعریف “الإسلام” لا علاقة له من قریب أو بعید بالتعریف الذی حدده صاحب الدین.. والأمثلة أکثر من أن تحصى، ومعلوم أن کل ما بنی على تعریف خاطأ لا یمکن أن ینتج معرفة بل جهلا.

وقد نعود لطرح مثل هذه المفاهیم وغیرها للنقاش، ما دام الفضاء الإفتراضی یسمح لنا بتناولها دون إذن من الفقهاء والحکام، الذین حولوا الدین إلى مؤسسة کنسیة على شاکلة أوروبا فی عصور الظلام.

من هنا یجب أن نبدأ.. هذا هو الحل وهذه هی بدایة الطریق، وهی طریق کما هو واضح لا تروق للساسة والفقهاء، لأنها تحرر الإنسان من جهله، وتکشف له حقیقة دینه، ومدى تآمر الإقطاع والفقهاء على الأمة، وتلاعبهم بالإسلام من أجل هدف واحد حاسم صاعق، ألا وهو إستغلال الدین فی السیاسة.. فحولوه من دین مشرق جمیل للعالمین، إلى دین متطرف یتحکم فی إنتاج معانیه الکهنة.. وهذا هو سر عودة حکم فرعون إلى العالم العربی، حیث أصبح کل ملک أو رئیس، یوهم الناس أنه ربهم الأعلى، وأن مفاتیح الجنة والنار بیده، شریطة أن لا یخرج الناس عن أمره وطوعه.

وکالة الدفاع المقدس للأنباء غیر مسئول عن النص و ماورد فیه و هو لا یعبّر الّا عن وجهة نظر کاتبه.

المصدر: موقع بانورما الشرق الاوسط

 

 

 

رایکم
الأکثر قراءة