تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22

«تنکید عَیش» الفاسدین لیس مستحیلاً!

أثبت الأسبوع الماضی أن حماسة شابین فقط للاحتجاج على الأوضاع السیاسیة تکفی لإیصال الصوت. لا تحتاج المجموعات السیاسیة إلى مال أو إعلام خاص أو ضوء أخضر من أحد، لتحرِج النظام أو توجعه غسان سعود
رمز الخبر: ۶۱۳۶۰
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۹:۲۴ - 11November 2014

«تنکید عَیش» الفاسدین لیس مستحیلاً!

أثبت الأسبوع الماضی أن حماسة شابین فقط للاحتجاج على الأوضاع السیاسیة تکفی لإیصال الصوت. لا تحتاج المجموعات السیاسیة إلى مال أو إعلام خاص أو ضوء أخضر من أحد، لتحرِج النظام أو توجعه
غسان سعود

قبل عامین فقط، کان مروان معلوف وخطار طربیه یستفسران فی مقهى فی العاصمة التونسیة، حیث یعملان، عن أسباب خمول الجامعات اللبنانیة وخمود الحرکات السیاسیة والنقابیة، مقارنین بین ما کانت الأمور علیه قبل بضع سنوات، رغم القبضة الأمنیة وما هی علیه الیوم.

لاحقاً، ما کاد التمدید الأول للمجلس النیابی یطل برأسه، حتى کان معلوف یتسلل وحیداً فی اتجاه المجلس النیابی لنصب خیمة احتجاج قبالته، متجاهلاً الحراک التقلیدی لبعض جمعیات المجتمع المدنی تحت نصب الشهداء. ولم یلبث أن وضع مع طربیه التعاطف الشعبی والإعلامی الذی تلى توقیفه فی تصرف «من أجل الجمهوریة» کحرکة سیاسیة جدیدة. وکانا حاسمین فی عدم تطلعهما إلى إنشاء جمعیة تضاف إلى قائمة الـ NGO التی تعیش على تمویل السفارات الأجنبیة ولأجلها، أو استقطاب الناشطین الذین یتنقلون منذ سنوات من حراک مدنیّ إلى آخر محترمین فی تحرکاتهم سقف النظام السیاسی والاقتصادی.
مقارنة بالقدرات المالیة والخدماتیة للتیار الوطنی الحر والحزب التقدمی الاشتراکی والقوات اللبنانیة وحرکة أمل والکتائب وحزب الله والمردة، عدّ استقطاب «من أجل الجمهوریة» عشرات الطلاب الجامعیین مفاجأة إیجابیة أولى، تلاها بحث جماعیّ عن الأنشطة التی یمکن تنظیمها من دون أی مصاریف، قبل نجاحهم فی تأمین مساحة إعلامیة لأنفسهم من دون تکلفة تذکر، متجنبین الخوض فی القضایا السیاسیة الخلافیة التی توقّف البلد برمته عندها منذ أکثر من عامین.
الأربعاء الماضی، کان المولود السیاسی لهذین الشابین المعارض شبه الوحید فی الشارع لتمدید أکثریة النواب للمجلس النیابی. کان الجمع صغیراً طبعاً مقارنة بحجم الحدث، ولا یملک فی روزنامته خططاً مستقبلیة کبیرة. إلا أن المعتصمین (أو جزءاً منهم على الأٌقل) لم یکونوا مجرد موظفین فی جمعیة ما یعتصمون خلال ساعات عملهم الرسمی لإقناع ممولیهم لاحقاً بتجدید عقودهم، ولا متفرغین یتقاضون فی نهایة الشهر أجراً مقابل نشاطهم الحزبی. ما من بدل نقل هنا ولا بدل اتصالات أو بدل توقیف. ولعل وصفهم بالعشرات مبالغة عددیة. إلا أن هذه المجموعة الصغیرة آثرت الأربعاء الماضی کسر الصمت العام المحیط بنا من جهة العمل والمنزل والأقرباء والأصدقاء والطائفة وکل الجهات الأخرى. وکما کانت التظاهرات العونیة التی لم یتجاوز عدد المشارکین فی غالبیتها، بین عامی 1998 و2004، المئتی ناشط کفیلة بالتعبیر عن جو عام یؤثر الصمت فی انتظار اللحظة المناسبة، کانت تظاهرة الأربعاء انعکاساً میدانیاً لشتائم الرأی العام «الفایسبوکی» للنواب الممدد لهم. وجد أخیراً من یسعى ــ دون توجیهات من أحد ــ لقطع طریق النواب إلى المجلس النیابی بما توفر له من وسائل بعد ارتفاع سعر البندورة. وبدا أن تحقیق خطوة رمزیة على هذا الصعید لا یحتاج إلى حشد جماهیری ولا إلى ثروة مالیة أو تلفزیون وإذاعة وموقعین إلکترونیین ومنشورات ورقیة.


کان یمکن إذاً، منذ سنوات قطع طریق عبد المنعم یوسف إلى هیئة أوجیرو، ومحاولة منع سهیل بوجی من الوصول إلى رئاسة مجلس الوزراء من دون مرافقة أمنیة، وتکلیف مجموعة صغیرة بـ»تنکید عیشة» کل موظف متهم بالفساد أو بمخالفة القوانین. فأهل المجلس الدستوری الذی لا یبت الطعون المقدمة إلیهم معروفو مکان الإقامة، وکذلک من یعطلون مصالح المواطنین ویؤخرون أعمالهم فی شتى الإدارات.
حراک الأربعاء الماضی ضعیف وصغیر، لکن مقارنة المواکبة الإعلامیة والشعبیة له بأنشطة أکبر منه بکثیر وأهم توحی بأن توجیه ضربات (ولو غیر موجعة فی البدایة) للنظام السیاسی القائم لیس أمراً صعباً. الصعب تتکبده القوى السیاسیة فی إقناع أنصارها بأن الأوضاع السیاسیة والاقتصادیة والأمنیة بألف خیر، ونوابهم یستحقون التمدید لأنفسهم، والتسویات هی الحل الأفضل لتحقیق التغییر والإصلاح.


خلاصة الحرکة السیاسیة الجدیدة واضحة: لا معنى لتظاهرک من أجل إسقاط النظام الطائفی ما لم تتظاهر للحؤول دون تمدید النواب لأنفسهم بسهولة، ولا معنى للتظاهرة الأخیرة ما لم تتظاهر لمنع إقرار قانون انتخابات یتیح للنظام الطائفی التجدید انتخابیاً لنفسه. لا بد من ملاحقة کل هذه العناوین السیاسیة؛ ومواکبة أهالی شکا فی الوقت نفسه فی احتجاجهم المیدانی ضد التلوث ومواکبة أصحاب العربات فی طرابلس بتصدیهم لمن یحاول سلبهم مورد رزقهم الوحید إلخ... لعل الإیجابیة الوحیدة أن ما من فریق سیاسی یزاحم على هذا المستوى. الأحزاب السیاسیة غدت أحزاب سیاسیین، نواباً أو مرشحین، ومنتفعین. 

المصدر: جریدة الاخبار

 

رایکم
الأکثر قراءة