عبد الله سلیمان علی
تحولت حرکة «أحرار الشام الإسلامیة» إلى مرتع خصب، یسرح ویمرح فیه عملاء أجهزة استخبارات عدد من دول المنطقة والعالم، وتتجذّر وتنمو فی ثنایاه خلایا «جهادیة» متعددة الولاءات، لا همّ لها سوى تنفیذ التعلیمات والأوامر أیّاً تکن.
وبرغم التغاضی عن کثیر من الحقائق المریبة التی لازمت تأسیس وتطور الحرکة، وعلاقتها مع بعض الجهات الداخلیة والخارجیة، إلا أن ما بدأ یتکشف تباعاً، عن علاقة قیادیین ومقربین من الحرکة ببعض عملیات الاغتیال التی طالت، خلال الفترة الماضیة، عدداً من قیادات التنظیمات «الجهادیة»، بما فیها الحرکة نفسها، أخذ یفرض نفسه بقوة، مثیراً الکثیر من التساؤلات بخصوص بعض عملیات الاغتیال التی کان لها تأثیر مفصلی فی تطور الأحداث بین الفصائل مع بعضها البعض.
وقد تکون الإجابة عن هذه التساؤلات أحد العوامل الحاسمة التی یتحدد بناءً علیها مسار التحقیقات فی حادثة اغتیال قادة «أحرار الشام» قبل أسبوعین. کما قد یتوقف علیها مصیر الحرکة ککل، خصوصاً فی ظل ما تعانیه من ضعف وتشرذم وغیاب القیادة المرکزیة.
وکان لافتاً ما أعلنه أمس الأول «المکتب الأمنی فی أحرار الشام» عن إلقائه القبض على أحد «الأمراء الشرعیین» فی الحرکة أبو عبیدة تلمنس، واسمه الحقیقی عبد الرحیم الحسن، بتهمة الاشتراک بقتل «أمیر جبهة النصرة» یعقوب العمر، الذی اغتیل فی قریة القنی فی ریف جسر الشغور قبل حوالی عشرة أیام، وأشارت أصابع الاتهام حینها إلى «جبهة ثوار سوریا» بقیادة جمال معروف.
ویأتی اتهام أحد «أمراء الحرکة الشرعیین» بقتل قیادی فی «النصرة» بعد أشهر فقط من الاتهام الذی وُجه إلى «مقرب من الحرکة» أحمد دلو بن عمر، بالاشتراک فی اغتیال أبی خالد السوری، الذی کان یشغل منصب «أمیر» الحرکة فی حلب، وأحد أبرز وجوه الساحة «الجهادیة» فی الشام.
وبحسب الاعترافات التی أدلى بها تلمنس، فإن الخلیة التی ینتمی إلیها کانت تخطط کذلک لقتل القائد العسکری العام الجدید لحرکة «أحرار الشام» أبو صالح تفتناز وقائد کتیبة «أسود السنة» أبو البراء، بالإضافة إلى القیادی فی «النصرة» سلیمان الشحنة. وبینما أقر سابقاً قاتل أبی خالد السوری بتلقیه الأوامر بتنفیذ العملیة من أبی مریم العراقی، أحد قیادات تنظیم «الدولة الإسلامیة فی العراق والشام»-»داعش»، فقد أقر کذلک أبو عبیدة بأنه اجتمع مع خلیة تابعة إلى «الدولة الإسلامیة»، أعضاؤها هم أبو اللیث، وأبو عبدالله معردبسة، وأبو أنس التونسی، وعلاء صفور، مهمتها تنفیذ عملیات اغتیال لمصلحة التنظیم المتشدد.
وبینما یرکز الجهاز الأمنی والإعلامی فی «أحرار الشام» وحلفائها على الشق المتعلق بـ«داعش»، مستغلاً إیاه فی التحریض على التنظیم الذی یتقاتل معه منذ عدة أشهر، فإنه یجری التغاضی تماماً عن حقیقة أن منفذی کلا العملیتین هما من قیادات الحرکة أو المقربین منها، لما یسببه ذلک من إحراج لقیادة الحرکة وإضعاف الثقة بکوادرها.
غیر أن العملیة النوعیة التی أودت بحیاة العشرات من قادة الحرکة، وعلى رأسهم «أمیرها» أبو عبدالله الحموی، وقائدها العسکری أبو طلحة، کشفت بشکل مفضوح الضعف الاستخباری والثغرات الأمنیة التی یعانی منها جسد الحرکة، ما سمح بتسرب العملاء إلى داخلها، وتشکیل خلایا تابعة لأکثر من جهة استخباریة أو «جهادیة»، تعمل تحت غطاء الحرکة، لتحقیق أهداف وغایات متناقضة ومتضاربة، ثبت أن بعضها ترک انعکاسات کبیرة على مسار المشهد «الجهادی» السوری، کاغتیال «أمیر جبهة النصرة» فی إدلب فاتح رحمون (أبو محمد الأنصاری)، بینما أدخل بعضها الآخر الحرکة نفسها فی متاهات قاسیة، انتهت بها مؤخراً إلى خسارة عدد کبیر من «أمرائها» وقادتها.
وحاولت الحرکة بعد مقتل أبی خالد السوری أن تعمل على سد الثغرات الأمنیة التی تسلل منها القتلة. وبذلت جهوداً کبیرة فی سبیل ذلک، لکن من دون أی نتیجة، بدلیل مقتل قادتها فی حادثة غیر مسبوقة، وتورط أحد «أمرائها» فی خلیة اغتیال، تابعة لخصمها اللدود «داعش».
وتشیر المعطیات المتوافرة من مصادر متعددة إلى أن تقاریر داخلیة ضمن الحرکة قدمت رؤیة وافیة لأسباب وحجم الاختراق الذی تتعرض له الحرکة، نتیجة علاقاتها المتشابکة مع عدة أجهزة استخبارات وفصائل مسلحة، واضعةً بعض الاقتراحات التی من شأنها تحجیم هذا الاختراق، ومنعه من الوصول إلى مستویات علیا، الأمر الذی یجعل مصیر الحرکة على المحک.
إلا أن الحرکة عجزت عن القیام بإجراءات حاسمة، لأنها اصطدمت بعقبات کبیرة، کانت تیارات داخل الحرکة تضعها فی طریق أی محاولة لإصلاح هیکلیتها وبناء سد یحول دون توسع الخرق. کما أن أجهزة الاستخبارات الصدیقة للحرکة، أو غیر الصدیقة، لعبت دوراً فی استدامة الاختراقات ومنع سدها، الأولى عبر اشتراط تسلیم مناصب معینة فی الحرکة إلى أشخاص محددین تثق بهم، والثانیة من خلال زرع عملاء لها للتجسس على الحرکة وجمع معلومات عن أنشطتها. إضافة إلى أن «داعش»، الذی یتمتع بخبرات استخباریة تفوق نظیرتها فی الفصائل الأخرى، نجح کما هو واضح فی اختراق «أحرار الشام»، والاحتفاظ بخلایا نائمة داخلها، تعمل لمصلحته. ومع اتساع رقعة الاختراق، وجدت الحرکة نفسها عاجزة، حتى عن التفکیر بعلاجه، واکتفت بمحاولة مراقبته ومنعه من التغلغل إلى الصف الأول من قادتها. ولکن منذ التاسع من أیلول الحالی، تاریخ مقتل قادتها، تثار تساؤلات وشکوک کبیرة مفادها، هل تمت عملیة اختراق قادة الصف الأول فی الحرکة بنجاح؟ وهل أصبحت «أحرار الشام» مرتعاً لعملاء الاستخبارات و«داعش»؟
المصدر: جریدة السفیر