احمد فرحات
هل تفتح الضربات الجویة التی استهدفت جبهة النصرة وحرکة أحرار الشام باب التقارب مجدداً مع تنظیم أبو بکر البغدادی کونهم جمیعاً یحملون الفکر القاعدی نفسه؟، وهل تشهد الأیام القادمة مفاجآت على صعید صراع "إخوة المنهج"؟
الواضح أن ضربات التحالف الدولی بقیادته الأمیرکیة فی سوریا، وضعت هذه الأطراف الثلاثة فی خانة واحدة، وهذا أمر یرى فیه العدید من أتباع هذا الفکر فرصة لإعادة التوحد، فی وجه ما یعتبرونه "حملة صلیبة تستهدف بلاد الشام".
ادلب التی شهدت ضربات التحالف الدولی، التی استهدفت قیادات کبرى فی تنظیم القاعدة (جماعة خراسان)، دارت فیها أحداث مهمة على صعید تقاتل الجماعات المسلحة.
وبعد مقتل قادة أحرار الشام قبل شهرین فی ادلب ایضاً، حصل فرز للجماعات المسلحة، بین أتباع القاعدة من جهة، وغیرهم من الجماعات المسلحة من جهة أخرى، فیما انهت الأحداث الأخیرة فی ریف إدلب بین جبهة النصرة وجماعات الجیش الحر، زواجاً هجیناً فرضته ضرورات الحرب على داعش.
وصوب جناح تنظیم القاعدة فی سوریا البندقیة إلى من تحالف معهم یوماً، واصفاً إیاهم بالمرتدین والبغاة، وأبرزهم ما یسمى "جبهة ثوار سوریا" التی یتزعمها المدعو "جمال معروف".
وعلى خطى داعش تسیر جبهة النصرة، بإبتلاع الجماعات الصغیرة فی مناطق تواجدها، ویحرکها حلم الإمارة لدى زعیمها أبو محمد الجولانی، والذی کشف عنه فی تسجیل صوتی قبل أشهر.
لماذا ادلب؟
بعد الهزائم التی منیت بها جبهة النصرة أمام الجیش السوری فی ریف دمشق وبالتحدید بالغوطة الشرقیة وفی القلمون، وإخفاقها فی الحفاظ على معقلها فی دیر الزور أمام داعش، لجأت إلى درعا، وحاولت إحداث خرق هناک، غیر أن الأوضاع الدقیقة فی تلک المنطقة الجنوبیة على الحدود الأردنیة، منعها من تثبیت حضورها بشکل فعال، وجعلها تبحث عن ملاذ آخر. فوجدت فی ادلب الحاضنة، خصوصاً وأن هذه المنطقة شهدت أعنف الهجمات ضد الجیش السوری فی بدایات الأحداث، وأولى المجازر خصوصاً فی جسر الشغور.
کما أن قرب الریف الادلبی من الحدود الترکیة، جعل من هذه المنطقة مطمعاً لجبهة النصرة، نظراً للتسهیلات التی تؤمنها المعابر بالنسبة لدخول للسلاح، ولتدفق المقاتلین الأجانب إذا ما تم إعلان الإمارة فیها، وذلک فی إطار سعی هذه الجبهة إلى إعطاء الشرعیة العالمیة "لجهادها"، عبر ضم أکبر عدد من "الجهادیین".
وهذا أمر لم یخفه الجولانی فی کلمته الأخیرة، حیث وجه الدعوة إلى المسلحین الأجانب "للنفیر إلى الشام"، أملاً بإستعادة الصفة الأممیة لحرکته، وإبعاد الصفة المناطقیة عنها، بحسب ما قال فی الکلمة نفسها.
وتتحرک جبهة النصرة فی مواجهة الجماعات الأخرى بخلفیة قاعدیة، یریدها ویمیل لها المفتی الشرعی العام سامی العریدی، وکنا قد أشرنا فی مقال سابق إلى ان النصرة تسعى إلى تغلیب الأیدیولوجیا فی علاقاتها مع المسلحین على حساب المیدان، وهذا ما بدا واضحاً من طریقة التعامل مع "قضیة جمال معروف"، واستهداف جماعات بعینها ("جبهة ثوار سوریا"، لواء فرسان الحق"، "حرکة حزم") محسوبة على ما بات یعرف بالتیار "العلمانی"، وبالتعاون مع جماعات محسوبة على التیار القاعدی ("حرکة احرار الشام"، "صقور الشام"، "جیش المجاهدین")، رغم أن سیطرتها على المناطق بریف ادلب، لا یغیر من خارطة الصراع مع الجیش السوری بشیء، کونه لا یعدو سیطرة جماعة مسلحة على أرض کانت تحت سیطرة جماعة أخرى.
کما أن الهزیمة المدویة لجبهة النصرة أمام الجیش السوری فی حماة، وتحدیداً فی مورک، دفعها إلى البحث عن إنتصار وهمی على فصائل هی بالأساس محلیة، نطاق سیطرتها الفعلی محدود ضمن دائرة جغرافیة محددة فی ادلب.
لماذا التقارب مع داعش
وبالنسبة إلى العلاقات مع داعش، فإن السیطرة على ریف ادلب، یجعل من النصرة نداً فی أی وساطات مع هذا التنظیم، تجری فی السر، ویقودها عدد من منظری القاعدة فی المشرق وفی أفغانستان، بهدف توحید البندقیة، خصوصاً فی ظل ضربات التحالف الدولی على الجماعتین فی سوریا، بحسب مصادر متابعة.
وتروی المصادر المتابعة، کیف أن زعیم القاعدة أیمن الظواهری انحاز إلى جبهة النصرة فی أوج الخلاف مع داعش، على أساس قاعدة فقهیة لدى هذه الجماعات بأن الحکم یکون بالغلبة، و"من تغلب على الحکم واستتب له الأمر وجب له السمع والطاعة"، وأن طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه خیر من الخروج علیه"، وفق بعض فتاوى هذه الجماعات.
لکن بعد خسارة النصرة أمام داعش، صمت الظواهری. وتستدل هذه المصادر على أن الجولانی یرید تحقیق مکاسب تضمن له حظوة أمام أمیره الظواهری، وتجعل منه نظیراً لداعش بـ "الغلبة".
وقد تکون حرب التحالف الدولی على القاعدة وتفریعاتها فی سوریا وکذلک على داعش، سبباً لتنشیط جهود التقارب، بعدما بلغ الخلاف أوجه، وضرب معاقل القاعدة وطالبان فی افغانستان.
ففی افغانستان، وصلت الى حرکة طالبان عدوى الإنشقاقات، مع مبایعة العدید من قادتها تنظیم داعش، فی تطور ملفت یستحق الوقوف عنده. فهذه الحرکة التی لطالما شکلت الظهیر الآمن لقیادات تنظیم القاعدة العالمی، ومر فی بلادها السواد الأعظم من قیادات فروع القاعدة، تعانی من انشقاقات داخلیة على خلفیة تأیید داعش، بدت واضحة بعدما کانت فی الغرف المظلمة، بعد عزل المتحدث بإسمها شهید الله شهید، الذی جاهر بدعمه داعش ضد الحملة الدولیة علیه.
ولهذه الأمور وغیرها، یبدو أن تقارب داعش والنصرة لم یعد بالأمر المستحیل، بل أنه یجری على قدم وساق، فی إطار ترتیبات معینة، تجعل الجمیع رابحاً، خصوصاً وأن الطرفین هما أصحاب مدرسة واحدة، أرسى دعائمها محمد بن عبد الوهاب قبل مئات السنین.
ومع تغیر الأحداث على الساحة "القاعدیة" وتبدلها، الثابت هو أن مشروع هذه الجماعات غیر قابل للحیاة فی الشرق الأوسط، وأن نقل التجربة الأفغانیة إلى المنطقة، دونه العدید من العقبات، لیس أولها أن المدارس الدینیة هنا ترفض الفکر التکفیری الوهابی، خصوصاً فی مصر وسوریا والمغرب العربی.
المصدر: موقع قناة المنار