وأفادت وکالة الدفاع المقدس للأنباء، كانت عملية "الوعد الصادق 1" وقصف المواقع العسكرية للكيان الصهيوني من قبل إيران أول مواجهة مباشرة بين طهران وتل أبيب منذ تأسيس هذا الكيان وحتى الآن. الهجوم الذي نفذته إيران ردًا على قصف قنصليتها في دمشق واستشهاد قادتها. وجّهت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في هذا الهجوم، الذي يُعتبر أكبر هجوم بالطائرات المسيّرة والصواريخ الإيرانية، ضربات إلى مواقع عسكرية في أجزاء مختلفة من الأراضي المحتلة.
وبعد استمرار مغامرات إسرائيل في المنطقة واغتيال قادة المقاومة في طهران وبيروت، نفّذت إيران عملية "الوعد الصادق 2"، وردّ الكيان الصهيوني على هذه الهجمات بمهاجمة الحدود الجوية الإيرانية، مما أدى إلى بدء فصل جديد من التفاعلات بين طهران وتل أبيب.
وأعاد بنيامين نتنياهو، خلال الأشهر الماضية وخاصة الأسابيع التي تلت تولي دونالد ترامب السلطة في أمريكا، تكرار ادعاءاته حول الهجوم مرة أخرى على إيران. ادعاءات تم طرحها تحت ذريعة البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي جاءت في أعقاب إعادة إثارة الخوف من إيران في العالم والمنطقة، إلى جانب زيادة الطلعات الجوية العسكرية الأمريكية في المنطقة وتنوع المناورات العسكرية الإيرانية، مما يشير إلى أن الوضع في المنطقة غير طبيعي.
وأشارت صحيفة "التلغراف" البريطانية في تقرير إلى أن المحللين يعتقدون أن إسرائيل لن تكون قادرة على تدمير البرنامج النووي الإيراني دون مساعدة الولايات المتحدة. وادعى "جدعون ساعر"، وزير خارجية إسرائيل، في مقابلة مع مجلة "بوليتيكو" أن "الخيار العسكري يجب أن يكون خيارًا جديًا على الطاولة، لأن إيران، وفقًا للمجلة، تقترب من القدرة على إنتاج عدة قنابل نووية، وهو ما يشكل تهديدًا خطيرًا للمنطقة وسيؤدي إلى سباق نووي في الشرق الأوسط بين مصر والسعودية وتركيا." وفي الوقت نفسه، ادعى بنيامين نتنياهو في تصريحات أن "لن نبقى غير مبالين بتهديد إيران، وإسرائيل مستعدة لاتخاذ أي إجراء ضروري لحماية أمنها."
لكن الكيان الإسرائيلي يحتاج إلى دعم أمريكا لتحقيق أهدافه في هذا المجال وإثبات ادعاءاته، وهذا الدعم يواجه العديد من الشكوك بسبب مواقف رئيس الولايات المتحدة. وقد أكد ترامب سابقًا أنه يفضل التوصل إلى اتفاق مع إيران بدلًا من الدخول في صراع عسكري. وأشارت صحيفة "التلغراف" البريطانية في تقرير إلى أن المحللين يعتقدون أن إسرائيل لن تكون قادرة على تدمير البرنامج النووي الإيراني دون مساعدة الولايات المتحدة.
وقالت "سيما شاين"، مديرة قسم أبحاث محور المقاومة في "معهد الدراسات الأمنية في اسرائيل"، إنه بعد سنوات، يعتقد المجتمع الإسرائيلي أنه يجب استهداف المنشآت النووية الإيرانية، لكنها حذرت من تأثير الهجوم الأحادي الجانب، قائلة: "إذا تصرفت إسرائيل وحدها، فيجب تدمير المنشآت بعمق لإيقاف البرنامج النووي الإيراني لسنوات. هذا الإجراء يتطلب تدريبات مكثفة، وفي المقام الأول، يحتاج إلى الضوء الأخضر من واشنطن. كل شيء يعتمد على ترامب، وبنيامين نتنياهو سيضطر بالتأكيد إلى اتباع سياسة أمريكا."
وأكدت شاين في النهاية أنه لا يبدو أن ترامب يرغب في توسيع الصراع الإقليمي، لأن ذلك سيجرّ القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة إلى المعركة. وقالت في هذا الصدد: "إيران ستنفذ كل ما تقوله: إذا تعرضت للهجوم، سنرد كل أسبوع."
وأشار "دانييل شابيرو"، نائب مساعد وزير الدفاع السابق لشؤون الشرق الأوسط، إلى أن استراتيجية الولايات المتحدة، خاصة خلال رئاسة دونالد ترامب، هي الضغط الدبلوماسي والعقوبات المشددة ضد إيران، وفي النهاية إحضار طهران إلى طاولة المفاوضات. من ناحية أخرى، يعتقد أن أسوأ سيناريو لإسرائيل سيكون مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية دون القدرة على تدمير البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل.
ردود فعل إيران على تهديدات وادعاءات إسرائيل
لم يكتفِ مسؤولو الجمهورية الإسلامية الإيرانية هذا العام فحسب، بل في جميع مراحل المواجهة العلنية والخفية بين إيران وإسرائيل، حذروا من أي مغامرة وأكدوا أن أي هجوم على المنشآت النووية الإيرانية سيواجه برد قوي. وقد عززت طهران أنظمتها الدفاعية حول المنشآت النووية ووضعتها في حالة تأهب استجابة لتهديدات الكيان الإسرائيلي.
وأكد العميد أمير علي حاجي زادة، قائد القوة الجوفضائية في الحرس الثوري الإيراني، مثل غيره من قادة القوات العسكرية الإيرانية، أن إيران تعمل على تطوير نظام دفاع صاروخي لمواجهة أي هجمات محتملة. وقال: "نحن قادرون حاليًا على إنتاج صواريخ بعيدة المدى تصل إلى 2000 كيلومتر، وليس لدينا أي قيود تقنية. إذا كان هناك تهديد من أمريكا، يمكننا ضرب الأهداف القريبة منا بصواريخ منخفضة التكلفة."
وأكد اللواء علي فدوي، نائب القائد العام للحرس الثوري، أن أي عمل أو تهديد عسكري ضد إيران سيزيد من احتمالية تنفيذ عملية "الوعد الصادق 3"، وقال: "توقيت هذه العملية بيد إيران، وسننفذها في الوقت المناسب."
وفي الوقت نفسه، مع تصاعد تهديدات الكيان الصهيوني، عملت طهران على تعزيز أنظمتها الدفاعية، كما أبلغت الجهود الدبلوماسية جميع الدول الإقليمية والدولية عن عواقب هذه الحروب ومطامع إسرائيل. وقد ردت الدبلوماسية الإيرانية على ادعاءات الكيان الصهيوني حول الهجوم العسكري على إيران. وأكد عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، أن موقف إيران في المفاوضات النووية واضح تمامًا، قائلًا: "إيران لن تتفاوض تحت الضغط والعقوبات." كما وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، التهديدات المستمرة من وزير خارجية إسرائيل والمسؤولين الآخرين بالهجوم العسكري بأنها غير منطقية ومخزية، مؤكدًا أن "تعزيز قدراتنا الدفاعية في منطقة تعاني من كيان محتل معتاد على العدوان والسلوك غير القانوني هو إجراء مسؤول وضروري."
ردود فعل أوروبا على تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل
على الرغم من أن المسؤولين الأوروبيين أبدوا قلقهم ظاهريًا في التوترات الأخيرة بين إيران والكيان الصهيوني، إلا أنهم في بعض الأحيان لم ينسوا دعمهم لإسرائيل. وأعرب المسؤولون الأوروبيون حاليًا عن قلق كبير إزاء التهديدات الأخيرة من إسرائيل بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. وتؤكد الاتحاد الأوروبي على ضرورة ضبط النفس والحلول الدبلوماسية لمنع المزيد من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
وفي الوقت نفسه، أدان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مؤتمر صحفي بتاريخ 25 فبراير 2025، أي إجراء يمكن أن يؤدي إلى تصعيد التوترات، قائلًا: "فرنسا تعارض بشدة أي إجراء أحادي الجانب يعرض السلام الإقليمي للخطر. نحث جميع الأطراف على تفضيل الحلول الدبلوماسية على الإجراءات العسكرية."
وأعرب أولاف شولتز، مستشار ألمانيا، عن قلقه العميق إزاء احتمال نشوب صراع، قائلًا في بيان أمام البرلمان الألماني (البوندستاج) بتاريخ 26 فبراير 2025: "التطورات الأخيرة بين إسرائيل وإيران مقلقة. تدعو ألمانيا كلا البلدين إلى الابتعاد عن حافة الهاوية والدخول في حوار بناء لحل خلافاتهما."
وأكد ديفيد لامي، وزير الخارجية البريطاني، على التزام بريطانيا بمنع تصعيد التوترات، قائلًا في بيان بتاريخ 27 فبراير 2025: "بريطانيا قلقة للغاية إزاء تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران. نحث جميع الأطراف على تجنب التصعيد واتباع المسارات الدبلوماسية لضمان استقرار المنطقة."
وتكتسب مشاركة الدول الأوروبية في أي هجوم محتمل من إسرائيل على إيران أهمية خاصة. وادعى سيمون والترز، السفير البريطاني في إسرائيل، أن ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تعمل على تحديد موعد نهائي للبرنامج النووي الإيراني بحلول منتصف الصيف، وإذا لم تلتزم إيران بالشروط المحددة، فقد يؤدي ذلك إلى سيناريو آخر.
ويعتقد شابيرو أن موقف بريطانيا أكثر تشددًا من الدول الأخرى ولديها نهج أكثر عدوانية، وغير مستعدة لتحمل أي مخاطر مع إيران. وتظهر هذه التصريحات الاختلاف في نهج لندن مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى.
وهكذا يبدو ان احلام نتنياهو العدوانية ضد ايران لا تقابلها استجابة اميركية واوروبية ورغبة في الانجرار خلف مخططات رئيس الوزراء الصهيوني الغارق في مستنقع عميق في الوقت الراهن، حيث يفسر الاميركيون والاوروبيون هذه الاحلام مجرد محاولة للهروب الى الامام.
انتهى/