"... وأخیرًا اعملوا لأن هذه الحیاة الدنیا سفینة إلى بحر الآخرة، وأعمالکم هی شاطئ الأمان أو شاطئ الأحزان، فاعملوا خیرًا هو رصید المؤمنین، وإلى لقاء تحت ظل رحمة الإله یوم لا ظل الا ظله".
خط قلم حمزة هذه الکلمات،[حمزة:الشهید رضا محمد حریری – موالید دیر قانون النهر 25-03-1963 –استشهد فی 11-09-1986 فی تلة الحقبان.] کتبها بالقانی المبارک، علها تلامس قلوب أرهقها جور الزمن، و تهتف فینا لنکون حسینیین کما یحب و اخوته الشهداء .
رضا الشاب المثقف المؤمن، المقاوم فی جبهات القتال والإرشاد. أستاذ الدفعات الأولى من سرایا العشق، صاحب الابتسامة الهادئة واللحیة الندیة، المعتلی منابر المساجد و الندوات، الصادح خیر الکلمات، المعلم کیف طریق الحق یخاطب المشاعر على أبواب القلوب، العالم بأول أسرار الجهاد، الملتحف بدر عاملة فی کل الودیان. رضا المربی على نهج باقر الصدر والخمینی.
لما کان یرتقی المنبر، تزاحمه الکلمات لعلها تفوز بأن ینطقها. خطیب ممیز یداوی جراح الناس بطیب کلامه، یهدی إلى کل خیر: " کی تستطیع مواجهة الطاغوت فی سوح الوغى، لابد أن تواجه أولًا الجبت فی داخل نفسک. الأعداء کثر فلا تزید عددهم بسوء أخلاقک". کان المجاهد فی ساحات طاعة الله وإرشاد الناس، مثلما کما کان على بندقیته فی جبهات الشوق، یرتل أبیات عرفانیة من داخل معتقله:
"رتل قرآن فی الفجر و استل سلاحک فی حجر".
حمزة أو رضا، کلا الاسمین لملاک نثر عطره الکربلائی فی القرى. مرة طُلب للتحقیق فی مکاتب بعض من أرادوا الشر بهذه الحرکة الإسلامیة، فوقف أسدًا على منبره، وردد بضع کلمات: " إن الحق یمکن أن یکلف الانسان حیاته، ولسنا أفضل من السید محمد باقر الصدر، فان قتلنا فشهداء، و ان عذبنا فجاهدون، و ان غیبنا فلأننا على الحق".
لو جمعنا فیض فلسفته الجهادیة لأدرکنا عظمة هذا القائد المؤسس. علمنا فی طریق عطائه أن کل ما نبذله إنما هو لوجه الله وحفظ لدینه.
مرت سنون جهاده وهو کل یوم یزداد عشقًا وولهًا للقاء المحبوب، حتى فجر الحادی عشر من أیلول 1986، الیوم الذی خطه الإله لارتقاء أرواح علویة إلى عالم الخلود. الهدف: موقع الحقبان فی بلدة یاطر. المنفذون: رجال صدقوا ما عاهدوا الله علیه.
انطلقت العملیة بنداء السید عباس الموسوی. ابتسامة السماء تزاحم الرجال فی تقدمهم. ملائکة الله صفًا صفًا خلفهم. ساعات والعملیة أنجزت، الموقع حرر، الطهر یطوف هناک، تقدم رضا و إخوانه باتجاه ملالة صهیونیة. جندی خبیث ما زال یختبئ هناک. استشهد الفرسان عند أبواب مقام العرفان.
تقول الحکایة أن أجسادهم رشحت وردًا. طاف رحیقها إلى بیت أم رضا فکبرت ونادت : "اللهم تقبل منا هذا القربان". عادت الأجساد المبارکة إلى مستشفى جبل عامل: رضا حریری، محمود قاروط، مصطفى عبد الکریم. السید عباس الموسوی حاضر عند تغسیل وتکفین الأجساد. سید الشهداء، الحسین بن علی، یبارک الفوز المبین.
وصل موکب الشهید رضا إلى مدخل بلدته، حُمل النعش ووضع على ظهر الملالة التی غنمها المجاهدون، و طافت البلدة على وقع کلمات السید عباس : " هذا موقف عزة أیها المؤمنون، الشهید رضا أتى بآلیة عسکریة إلى بیته".
هل هذا عرس أم مأتم. صوت الشهید ما زال مدویًا فی آذان الناس :" کلما طرق الحزن باب قلوبکم، توسلوا إلى الله بلقاء الأرواح فی جنته". فزتَ ورب محمد وعلی. فزت على درب الخمینی العظیم کما کنت تردد دائمًا: " الخمینی سوف یمسح بحقیقة الدماء غشاوة المقل وظلام البصیرة".
هو عرس فعلًا. رضا زف إلى السماء. المقاومة الإسلامیة تضرب الصهیونی فی مقتل. فکر رضا یسافر فی المدى علویًا حرًا معلمًا للأجیال. شعب المقاومة یزداد بهاء وأم رضا فی محراب تعبدها تنشد ما علمها طفلها الشهید:
"أماه إن زف النسیم إلیک أنباء العزاء، أمطری الناعی ورودًا، و ارتدی ثوب الضیاء".
و نحن الیوم هنا نتکئ تحت ظل فیض دمائکم أعزاء.
المصدر: الموقع الرسمی للمقاومة الإسلامیة فی لبنان