19 November 2024
أرشیف کلمات و خطب سماحة القائد/2

کلمته فی لقائه القائمین الإیرانیین على شؤون الحج لسنة 1434 هجریة طباعة 11/09/2013

من لوازم الحج و ضروریاته أن یتعامل الحجّاج فی ساحة الحج و على مستوى هذه الفریضة الإسلامیة الکبیرة بطریقة أخویة بالمعنى الحقیقی للکلمة.. أن ینظروا لبعضهم بعین الأخوة، و لیس بعین الأجانب، و لا بعین الأعداء. یجب أن ینظروا لبعضهم بعین الذین یسیرون نحو هدف واحد، و یبحثون عن شیء واحد، و یدورون حول محور واحد. حین یقول القرآن الکریم: «فلا رفث و لا فسوق و لا جدال فی الحج»
رمز الخبر: ۶۰۱۰۵
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۲۰:۰۷ - 26September 2014

کلمته فی لقائه القائمین الإیرانیین على شؤون الحج لسنة 1434 هجریة 	طباعة 11/09/2013

بسم الله الرحمن الرحیم
أولاً أرحب بجمیع الإخوة و الأخوات الأعزاء العاملین الفخورین فی واحدة من أبرز الخدمات فی المجتمع الإسلامی، و هی الحج الإبراهیمی و زیارة بیت الله و المدینة المنورة. و نتمنى أن یبقى هذا الفخر الکبیر ذخراً لکم فی الآخرة، و أن تؤدّوا هذه الفاعلیات و المساعی و التحرّکات فی هذه المنظومة المبارکة بإخلاص بحیث تتألق إن شاء الله کالشمس المشرقة فی صحف أعمالکم. و نشکر جهود السادة المحترمین المسؤولین عن الحج، فهی حقاً جدیرة بالتقدیر، سواء أکانت على الصعد الثقافیة و المعنویة و الأخلاقیة و التربویة أو على الصعد التنفیذیة و العملیاتیة و المؤسساتیة.
المهم هو أن نعلم أن الحج إحدى نقاط القوة فی الدین الإسلامی المقدس، و مع أن نقاط القوة فی مجموع الشریعة الإسلامیة لیست بالواحدة أو الاثنتین، و لا هی بالقلیلة ، بید أن الحج و بسبب ما فیه من خصوصیات - و الجمیع مطلعون بدرجات مختلفة على هذه الخصوصیات - له تمیّزه الخاص. و الواقع یمکن القول إن الحج رصید لاقتدار المجتمع الإسلامی و سبب لاقتدار الأمة الإسلامیة. یوم نوفّق نحن المسلمین فی مختلف البلدان و من شتى المذاهب و نکون قد وصلنا إلى البلوغ الفکری الذی یؤهلنا لتشکلیل الأمة الإسلامیة بالمعنى الحقیقی للکلمة - و للأسف فنحن المسلمین لم نوفّق لحد الآن لمثل هذا الشیء و لم نصل للبلوغ السیاسی و الفکری و الأخلاقی الذی یؤهلنا لمثل هذا الإنجاز - و نستطیع أن نکون بجماعتنا الإسلامیة الکبیرة من أقصى شرق العالم إلى أقصى غرب العالم الإسلامی أمة واحدة، حتى مع وجود دول مختلفة، یومذاک سنفهم کیف أن الحج سبب اقتدار هذه الأمة و متانتها و رفعتها و سمعتها.
و الیوم أیضاً یجب أن ینظر نظام الجمهوریة الإسلامیة للحج من هذه الزاویة: أداة اقتدار. فأیّ اقتدار هذا؟ هل نقصد من الاقتدار ما یشبه النماذج المادیة و السیاسیة و العسکریة من الاقتدار، أو حتى ما یشبه حالات الاقتدار الناعمة کالاقتدار الثقافی و الاقتدار اللسانی؟ لا، إنه اقتدار أرفع من هذه النماذج بکثیر. فعلاوة على وجود اقتدار سیاسی فی الحج، و فضلاً عن أنه یعرض على العالم الاقتدار الثقافی للنظام الإسلامی، فإن فیه اقتدار معنوی، بمعنى أنه یصنع البشر من الداخل، و یعدّهم لاجتیاز العقبات الصعبة، و یفتح أعینهم على حقائق لا یمکن مشاهدتها و لمسها من دون الحضور فی ساحة الحج. هناک یدرک الإنسان بعض حقائق الإسلام المعنویة و التربویة. هکذا هو الحج.
من لوازم الحج و ضروریاته أن یتعامل الحجّاج فی ساحة الحج و على مستوى هذه الفریضة الإسلامیة الکبیرة بطریقة أخویة بالمعنى الحقیقی للکلمة.. أن ینظروا لبعضهم بعین الأخوة، و لیس بعین الأجانب، و لا بعین الأعداء. یجب أن ینظروا لبعضهم بعین الذین یسیرون نحو هدف واحد، و یبحثون عن شیء واحد، و یدورون حول محور واحد. حین یقول القرآن الکریم: «فلا رفث و لا فسوق و لا جدال فی الحج» (1) لیس المراد من الجدال الجدال ضد الأعداء، بل إن الحج مظهر الجدال ضد الأعداء. البعض من ذوی النظرات العوجاء و القلوب السیئة أرادوا أن یقولوا فی ضوء «لا جدال فی الحج»: لماذا تقیمون مراسم البراءة من المشرکین فی الحج؟ هذا الجدال الذی فی مراسم البراءة إنما هو جدال مع الشرک و مع الکفر، و هو من أهم و أبرز خطوط الحیاة الإسلامیة، و الجدال الذی یجب أن لا یکون فی الحج هو جدال الإخوة مع بعضهم و المؤمنین بعضهم مع بعض، و جدال القلوب المؤمنة بالتوحید فیما بینها. هذا هو الجدال الذی یجب أن لا یکون. یجب أن نحاول لا فقط أن لا یکون هناک جدال بالألسن فیما بیننا، بل و لا یکون هناک تنافر فی القلوب. و هذا على الضد تماماً من الشیء الذی یرید أعداء الإسلام إیجاده الیوم فی المجتمع الإسلامی.. لاحظوا هذا الشیء.
اختلافات المذاهب الإسلامیة و الاختلاف بین الشیعة و السنة فی حدود الاختلافات العقیدیة - هذا له عقیدة معینة و ذاک له عقیدة أخرى و هما متفاوتان فی بعض العقائد - لا تخلق مشاکل، إنما تظهر المشاکل عندما تتحول هذه الاختلافات العقیدیة إلى اختلافات روحیة و اختلافات سلوکیة و تؤدّی إلى الاشتباکات و الصراعات و العداء، و أعداء الإسلام یسعون لهذا و یخططون له. یعلمون جیداً أن المذاهب الإسلامیة إذا أمسکت بتلابیب بعضها فی العالم الإسلامی و نشب الصراع و النزاع بینها، فسوف یتنفس الکیان الصهیونی الغاصب الصعداء. هذا ما یفهمونه جیداً و یدرکونه خیر إدراک، لذلک یطلقون من ناحیة الجماعات التکفیریة التی لا تکفّر الشیعة فقط، بل تکفّر أیضاً الکثیر من أهل السنة، و یطلقون من ناحیة أخرى جماعات من المرتزقة یجمعون الحطب لهذه النیران و یصبّون علیها الزیت، و هذا ما ترونه و تسمعون أخباره. یزوّدونهم بوسائل الإعلام العامة.. أین؟ فی أمریکا! و أین أیضاً؟ فی لندن! التشیّع الذی یراد له أن یبث من لندن و من أمریکا للعالم، هذا التشیع لن ینفع الشیعة شیئاً. الزعماء الدینیون للشیعة و خصوصاً بعد انتصار الثورة الإسلامیة، من قبیل الإمام الخمینی الجلیل و غیره، شدّدوا کثیراً على صیانة اتحاد الأمة الإسلامیة و أخوّة المسلمین فیما بینهم، و إذا بجماعة - ملکیین أکثر من الملک - یسعون لتأجیج النیران و إشعال النزاعات و الاختلافات. هذا هو ما یریده الأعداء.. هذا ما یسعى له أعداء العالم الإسلامی الذین هم لیسوا من الشیعة و لا من السنة، و لا یحبون هذا الطرف و لا ذاک. یجب أن نفهم هذه الأمور و نهتم و نتفطن لها.
نقطة أساسیة أخرى تعدّ هی أیضاً من نقاط قوة الحج و من أرصدة اقتدار الحج هی تبادل الثقافة الإسلامیة الأصیلة بین المسلمین مضافاً إلى تبادل التجارب الإسلامیة بینهم. قد نکون سمعنا أشیاء عن البلد الإسلامی الفلانی، لکن السماع یختلف عن أن یجالس المرء أناساً من أهل تلک البلاد و یسمع منهم. و الطرف الآخر أیضاً یقارن ما سمعه عن إیران الإسلامیة العزیزة مع ما یراه فیکم و یسمعه منکم لیستطیع أن یکتشف الحقیقة. حجم الإعلام ضد نظام الجمهوریة الإسلامیة حجم مفزع، و عدد وسائل الإعلام - بمختلف أسالیبها و أنواعها - ضد نظام الجمهوریة الإسلامیة فی العالم عدد نجومی عجیب. الشاب الفلانی من البلد الأفریقی الفلانی أو البلد الآسیوی الفلانی أو البلد العربی أو غیر العربی الفلانی حین یستخدم الأنترنت أو یشاهد وسائل الإعلام الدولیة أو یقرأ المطبوعة الدولیة الفلانیة من أین له أن یعلم أن ما کتب فیها ضد إیران الإسلامیة هو بخلاف الواقع؟ تواجدکم فی الحج و فی هذه الساحة الدولیة یوفر لکم فرصة نقل الحقائق، لا باللسان فقط بل باللسان و العمل، فاذکروا حقائق الإسلام و حقائق الشیعة و حقائق الثورة الإسلامیة، و تحدثوا بالأحداث و الوقائع التی کانت و حصلت لحد الآن.
نقطة أساسیة و مهمة أخرى فی الحج، و هی ما أشیر له: تعزیز المعنویة و تقویتها فی أنفسنا. أعزائی.. لا نستطیع المقاومة فی میادین الجهاد فی سبیل الله إلّا إذا کانت قلوبنا طافحة بالإیمان بالله و زاخرة بالتوکل علیه سبحانه و تعالى. لا یمکن التحرک و السیر من دون روح معنویة، و لا یمکن اجتیاز المنعطفات الصعبة من دون إیمان قوی، و من دون التوکل على الله تعالى لا یمکن صرف النظر عن الهیمنة الظاهریة للقوى و مشاهدة القوة الحقیقیة. لا بدّ من التوکّل و لا بدّ من الإیمان، و لا بدّ من حسن الظن بالوعود الإلهیة، و هذه أحوال تتأمّن فی الحج. یذهب الناس هناک «لیشهدوا منافع لهم» (2)، و هذه المنافع لیست المنافع الدنیویة فقط، بل هی منافع دنیویة و أخرویة أیضاً، و منافع معنویة و روحیة. هذا هو الحج.
تلاحظون الیوم فی العالم الإسلامی، ما عدا الممارسات التی یقوم بها الأعداء على صعید بث الخلافات الفکریة و الروحیة و العقیدیة، فإنهم یؤجّجون النیران کذلک. انظروا کیف یضرمون النیران فی بلداننا الجارة - فی باکستان بشکل، و فی العراق بشکل، و فی سوریة بشکل، و فی البحرین بشکل - بین الناس بذرائع الشیعة و السنة. و حیث لا تکون قضایا شیعة و سنة، فإنهم یخلعون علیها أسماء الشیعة و السنة، و قد أشرت مراراً لهذه الأمور. إنهم على استعداد لإشعال المنطقة بالنیران من أجل نوایاهم السیاسیة. هکذا هی القوى الکبرى. لا یهمّ القوى الکبرى أبداً حدوث انفجار فی المنطقة الفلانیة من العراق و مقتل خمسین شخصاً. لا یهمّهم أبداً إضرام حوادث فی سوریة بحیث یتحول هذا البلد إلى أنقاض، أو إشعال أحداث مماثلة فی مصر و غیره من البلدان. تفعل القوى الکبرى - أمریکا و أمثال أمریکا - هذه الأفعال من أجل مصالحها غیر الشرعیة. و نتمنى أن یکون هذا المنحى الجدید لأمریکان فی سوریة (3) جدّیّاً، و لا یکون مرة أخرى لعبة من الألاعیب السیاسیة. منذ أسابیع و هم یهدّدون الناس فی هذه المنطقة بإشعال الحرب و إطلاق اشتباکات فادحة الخسارة من أجل المصالح التی یرونها لأنفسهم، و هم یعتبرون الدفاع عن هذه المصالح أمراً مشروعاً حتى لو سحقوا بذلک مصالح عشرة بلدان أخرى و عشرة شعوب أخرى. هکذا هی حقیقتهم. الإنصاف و النظر لمصالح البشریة و الإنسانیة و المصالح العامة لأبناء الإنسانیة أمر لا یکترثون له، و یسمّون ذلک مصالح وطنیة، و هی فی الواقع لیست مصالحهم الوطنیة بل مصالح الصهاینة، و مصالح أعداء الإنسانیة، و مصالح الرأسمالیین الذین أثبتوا طوال سبعین أو ثمانین سنة أنهم غیر ملتزمین بأیّ مبدأ من مبادئ الإنسانیة. یسمّون هذا الشیء مصالحهم الوطنیة، و هم على استعداد من أجل هذه المصالح الوطنیة المزعومة لإشعال کل النیران. منذ أسابیع و هم یهددون بالحرب فی هذه المنطقة و یثیرون الضجیج بتهدیداتهم بالقصف. و إذا کان منحاهم الأخیر هذا جدیاً و عودة عن تلک النیة المنفلتة الخاطئة التی تابعوها طوال الأسابیع الأخیرة، فنحن نتمنى ذلک، نتمنى أن یکون جدیاً. هذا هو وضع المنطقة و العالم.
تنظر الجمهوریة الإسلامیة لکل هذه القضایا و الأمور بأعین مفتحة و بدقة. ما نفهمه هو أننا باعتبارنا شعباً و باعتبارنا سکاناً یبلغ عددهم سبعین أو ثمانین ملیوناً یعیشون فی منطقة حساسة من العالم، یجب أن نجعل محط أقدامنا راسخاً قویاً عن طریق الاقتدار الإسلامی، و نعرض أهدافنا الإنسانیة السامیة التی اقتبسناها من الإسلام على أنظار الجمیع، و ندعو البشریة إلى ما یهدیه الإسلام للبشریة. هذا هو واجبنا. لقد قلنا مراراً: البنیة الداخلیة المقتدرة للشعب، و التی تتحقق بالدرجة الأولى بالإیمان الصحیح و الراسخ و بالاتحاد بین کل أبناء الشعب و بالأعمال الصحیحة لمسؤولی البلاد و بالتناغم بین المسؤولین و أبناء الشعب و بالتوکل على الله تعالى، معناها استخدام العقل و المعنویة و التوکّل على الله و الحرکة و العمل. و هذا ما یؤثر بلا شک فی أوضاع المنطقة، و قد ترک تأثیراته لحد الآن. و نتمنى أن یستطیع هذا التواجد المعنوی فی مختلف المیادین بما فی ذلک تواجدکم فی الحج بهذا المنطق القوی و بهذه النظرة الصافیة الواضحة، تأمین الشیء الذی یریده الإسلام للنظام و لشعوب العالم و للمسلمین و لغیر المسلمین و للإنسانیة، و توفیر أسباب السعادة لعموم البشریة.
نسألکم الدعاء جمیعاً، و نتمنى أن یکون لکم هذا العام حج جید إن شاء الله، و أن تشملکم جمیعاً التوفیقات و الألطاف الإلهیة و کل الحجاج الإیرانیین و کافة حجاج بیت الله الحرام من جمیع أنحاء العالم الإسلامی. تقبّل الله حجّکم.
و السلام علیکم و رحمة الله و برکاته.

المصدر: http://arabic.khamenei.ir

رایکم
الأکثر قراءة
احدث الاخبار