تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22

أمیرکا ورحلة البحث عن انتصار متأخر فی العراق وسوریا

لکن التحدی الأکبر بالنسبة لأمیرکا والمتحالفین معها یبقى إیران، هذا ما یردّده الساسة الأمیرکیون الأقرب الى اسرائیل، ومنهم هنری کیسنجر، وهذا ما یُبقی مجال التفاهم بین ایران وأمیرکا بعیداً. لقد ظهر تضارب فی المواقف الأمیرکیة فی شأن: هل یجب اشراک طهران فی الحملة ضد داعش أم لا؟ ولقد اکدت ایران على مستوى أعلى مواقع القرار (الإمام الخامنئی) انها رفضت طلباً أمیرکیاً للتعاون عبر مستویات ثلاثة: عبر السفیر الامیرکی فی بغداد، وعبر مساعدة وزیر الخارجیة ویندی شیرمان، وعبر وزیر الخارجیة جون کیری.
رمز الخبر: ۶۰۱۱۴
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۶:۲۶ - 27September 2014

أمیرکا ورحلة البحث عن انتصار متأخر فی العراق وسوریا

علی عبادی

أما وقد بدأت الحملة الغربیة – العربیة بقیادة أمیرکیة ضد "الإرهاب" فی سوریا والعراق بعدما یزید على 3 أشهر على احتلال مدینة الموصل ومناطق واسعة من البلدین، تحرصُ الإدارة الأمیرکیة على إعطاء الانطباع وهی تؤسس "حلف جدة" بأنها عائدة بقوة الى الشرق الاوسط حیث فقدت خلال العقد الماضی الکثیر من نفوذها بفعل تراکم الإخفاقات.

هذا التحالف یفرّق من حیث یرید ان یجمع، یقسّم المنطقة مجدداً مستفیداً من صراعات المحاور فیها، وهو یحمل بذور الفشل فی أحشائه.

لا عجب ان تنأى ترکیا بنفسها عن توقیع البیان بذریعة التخوف على مواطنیها الذین احتجزتهم داعش فی الموصل ثم أطلقتهم بصورة طرحت علامات استفهام. ولا عجب ان تستبعد واشنطن التعاون مع ایران فی هذا الملف إرضاءً للسعودیة، ثم تعمل فی السرّ لکسبها. ثم أین تقف الریاض بالضبط من هذا المشروع؟ فی وقت قامت قطر بـ "انعطافةٍ" تقیها شر اتهام دعم الارهاب!       

 جاء الأمر الأمیرکی للحلفاء بالإنضباط قبل بدء "الأخ الأکبر" حملة جدیدة فی المنطقة. "حسم" الجمیع مواقفهم بوجوب الوقوف ضد "إرهاب داعش"، وإن اختلفوا على مسمَّیات أخرى مثل "النصرة" و"أحرار الشام". من الواضح ان حلفاء واشنطن فی هذه الحرب الجدیدة التی ستمتد سنوات- على ما یقول مسؤولون امیرکیون- لیسوا على قلب واحد. فالسعودیة تشعر بشیء من الرضا لأنها لقیت استجابة امیرکیة لنداءاتها فی مواجهة تمدد داعش، وهی - بحماسها لتقدیم إمکاناتها لضرب هذا التنظیم- تُمنّی النفس بتوظیف التدخل الأمیرکی لضرب اکثر من عصفور بحجر واحد، عن طریق توجیه الأنظار مجدداً الى النظام فی سوریا کهدف تالٍ او مُزامن لهدف ضرب داعش. وفی البال السعودی ان الفرصة قد تکون مؤاتیة لإقناع الادارة الامیرکیة باستغلال وجود داعش فی سوریا لتوجیه ضربة للنظام، وهو تصورٌ فیه الکثیر من التبسیط لعناصر الأزمة.

ویبدو ان المسؤولین السعودیین الذین تذمروا سابقاً من تردد الادارة الأمیرکیة فی التعامل مع الازمة السوریة، وخاصة بعد تراجع ادارة اوباما عن ضرب سوریا فی ایلول/ سبتمبر 2013، لم یستفیدوا من التجربة السابقة، وهم لا یقیمون وزناً للحسابات الأمیرکیة المعقدة التی تقوم على رؤیة أوسع من تغلیب کفة السعودیة على خصومها. والدلیل ان واشنطن لا تزال تسعى فی السر والعلن لکسب تعاون ایران فی ترتیب اوراق سوریا والعراق للمرحلة المقبلة، برغم کل ما یقال.

إعادة تموضع

بما ان العملیات الأمیرکیة والحلیفة قد بدأت ضد داعش فی سوریا، السؤال هو لیس عما اذا کان التنظیم سیصمد أو لا، وانما ماذا بعد تراجعه العسکری؟ هل سیفسح هذا التطور فی بروز تعاون اقلیمی – دولی، من مؤشراته الأولى ربما لقاء وزیر الخارجیة الایرانی مع کل من نظیریه الامیرکی والسعودی فی نیویورک، ام ان الفراغ المتولد عن تراجع داعش سیفتح الباب أمام نقاش قدیم- جدید حول دور النظام فی سوریا فی المرحلة المقبلة وطبیعة مسار الأمور فی العراق مستقبلاً؟

واذا کانت السعودیة قد اضطلعت بمهمة توسیع نطاق تدریب مسلحی المعارضة السوریة المناهضین لداعش وتسلیحهم، فهی تبقى بالنسبة لبعض الأمیرکیین شریکاً غیر مضمون لتقریر مستقبل الوضع فی سوریا على ضوء ما سلف من دعمها جماعات متطرفة.

أما ترکیا فترتبُ أوراقها بصورة مدهشة وغامضة فی آن معاً، من اطلاق دبلوماسییها ومواطنیها المحتجزین فی الموصل بدون ثمن واضح، الى "وضع رِجل فی البور وأخرى فی الفلاحة" فی شأن الانضمام الى التحالف الامیرکی - العربی، الى فتح الباب أمام داعش التی نقلت ثقلها العسکری الى شمالی سوریا بعدما خففت انتشارها فی دیر الزور والرقة لکی تغزو الأکراد فی عین عرب بریف حلب القریب من الحدود الترکیة. لماذا عین عرب؟ الأرجح ان الترکی- فیما لو صح انه لعب دوراً ما فی هذه الهجمة – یرمی الى ضرب 3 عصافیر بحجر واحد: إفشال مساعی الأکراد لتکوین مناطق حکم ذاتی متواصلة عبر جانبی الحدود، الدفع باتجاه تحقیق حلم ترکی مبکر بإقامة منطقة عازلة وحظر جوی فوق حلب او قسم من المحافظة بعد تحولها منطقة عملیات للحلف الامیرکی- الاقلیمی، وهذا التطور من شأنه حرمان سلاح الجو السوری من القیام بعملیات فی هذه المنطقة الهامة والتمهید لتغیرات على الأرض لغیر مصلحة الجیش السوری. وأخیراً یمکن - عبر الحملة الدولیة- التخلص من عبء "داعش" بعدما أدت وظیفتها فی اضعاف الأکراد واستنزاف الجیش السوری والمعارضة "غیر المضمونة" لکی تضع انقرة قدماً لها فی الأرض السوریة.

أما قطر التی جرى الإعلان انها کانت من ضمن خمس دول عربیة تشارک فی الحملة العسکریة ضد داعش، فتبدو محرجة، وقد حاول أمیر قطر خلال زیارته الى ألمانیا التمییز بین داعش وغیرها من الجماعات المسلحة، نافیاً اتهامات وتلمیحات متکررة الیها بتقدیم الدعم للمتطرفین فی سوریا، ومنها ما صدر عن وزیر المساعدة الإنمائیة فی الحکومة الألمانیة غیرد مولر. ویلاحظ ان قطر هی الدولة الوحیدة، من بین الدول العربیة الخمس المشار الیها، التی لم تصدر بیاناً بشأن مشارکتها فی العملیات الحربیة ضد سوریا.

ائتلاف جدة

لم یکن اختیار جدة لاجتماع الائتلاف الاقلیمی مصادفة، فالأمیرکی یرید من السعودیة ان تلعب دوراً رئیساً ضد داعش، باعتبار ان الریاض ستکون اکثر جدیة من غیرها فی هذا المجال بالنظر الى انها تتوجس الخطر من هذا التنظیم، ولأنها دولة "سنیة" تستطیع ان تؤمّن المصداقیة والغطاء السیاسی لهذه الحملة، بدلاً من ان تکون واشنطن فی الواجهة حیث یمکن ان یجلب ذلک مزیداً من التعاطف مع داعش.

کما ان الولایات المتحدة لا تزال تعتمد مقاربة تعتمد على عدم الانخراط الأحادی الجانب فی أیة أزمة دولیة وهی ترید من حلفائها تحمل قسط وافر من أعباء أیة مهمة، لأن دروس العراق وافغانستان لا تزال قریبة العهد. ولهذا، بمقدار ما یرید الجانب السعودی وحلفاؤه تدخلاً امیرکیاً کاسحاً ضد داعش، فإن واشنطن ترید منهم دوراً فاعلاً على جمیع الصعد، لأنها ترى "داعش" تهدد هذه الدول اکثر من تهدیدها لأمیرکا.

سیکون على الدول المنخرطة فی هذا الائتلاف تقدیم الدعم على أنواعه، ومن ضمنه: فتح أراضیها للطائرات الحربیة الغربیة ومعسکرات التدریب للمسلحین السوریین المعارضین، وتوفیر والأسلحة والأموال، واستغلال العلاقات مع القبائل والعشائر فی العراق وسوریا للعب دور لاحق، وتقدیم المعلومات الأمنیة الضروریة، وحظر انشطة التمویل للمتطرفین، واغلاق ممرات التسلل الى سوریا، وتنشیط الأجهزة الدینیة لمکافحة أفکار "داعش".

یدرک الأمیرکیون ان مشکلة المنطقة منها وفیها، وهی المستنقع الذی تسبح فیه "داعش"، ولا بد من تنظیف هذا المستنقع من الأوبئة الفکریة والسیاسیة واعتماد مقاربة تعاون إقلیمی للتمکن من دحر هذا التیار المنفلت. کما یدرکون ان الاطراف الاقلیمیة لیست منسجمة فی التحرک ضد "داعش"، فلها حساباتها التنافسیة الضیقة، ویفضّل بعضُها مساندة "داعش" أو أخواتها، مرحلیاً، لکی یکسب فی بعض المواقع. کما ان واشنطن لا تعدم الافادة من "داعش" والمنظمات المتطرفة لإیجاد "توازن" میدانی مع الحکومة السوریة وتطویق ایران عن طریق العراق والتمهید للتعامل مع دول المنطقة على انها قطع متناثرة.

تباین فی واشنطن

حتى عندما عقد الرئیس الامیرکی العزم على محاربة ارهاب "داعش" المتفشی عبر أراضی العراق وسوریا، ظل یرهن نجاح الامر بتوافر ائتلاف اقلیمی- دولی، وتوقع ان تستمر عملیات المکافحة ردحاً طویلاً من الزمن. ثم بعد ان وضّح العناوین العریضة لاستراتیجیته لمکافحة الارهاب، أخذ "استراحة محارب" مبکرة، مفسحاً المجال أمام داعش لکی تأخذ احتیاطات میدانیة وتتغلغل بین الناس، وهو ما یدفع للتساؤل عن مبرر التأخیر وعما اذا کانت الحرب فقدت عنصر المفاجأة. وخرجت الصحافة الأمیرکیة لتتحدث عن تجدد أعراض "العلاقة الصعبة والمضطربة" بین اوباما والبنتاغون التی ظهرت سابقا حول خططه السابقة فی افغانستان والعراق.

بل ان العدید من القادة العسکریین السابقین عبّروا علنا عن تحفظهم على استراتیجیة اوباما لجهة ما وصفوه بتقیید أیدی الجیش بشأن ارسال قوات الى العراق، لأن الضربات الجویة لن تأتی لوحدها بنتیجة، وتساءلوا عن مبرر "طمأنة أعدائنا مسبقاً بأنه لن تکون هناک قوات أمیرکیة على الأرض"، وفق ما قال الجنرال المتقاعد جیمس ماتیس الذی عمل فی ظل ادارة اوباما حتى العام الفائت.

الآن وصل الجدل الى مرحلة الإقرار بأنه "قد تکون هناک حالات حیث سیذهب مستشارون أمیرکیون مع بعض القوى المحلیة على الأرض للتوجیه أو للمساعدة فی "استدعاء بعض القوة الجویة"، کما یقول أنتونی بلینکن نائب مستشار الأمن الوطنی الأمیرکی الذی یشدد فی الوقت ذاته على ان نشر مثل هذه القوات لن یصل إلى حد المشارکة فی القتال.

وتجدر الإشارة الى ان الادارة الأمیرکیة الحالیة کانت قد وعدت بعدم وضع "الأحذیة العسکریة" الامیرکیة على الأرض فی العراق، فی حین انها نشرت الى الیوم نحو 1600 عسکری أمریکی لملء "الأدوار الاستشاریة" وغیرها. وهذا یضعها فی حالة تناقض ظاهری بین التزاماتها العلنیة وسیاساتها الفعلیة، ما یدفعها الى ایجاد مقاربة عسکریة من النوع الذی یتحاشى الذهاب الى حرب کاملة، ویضع مزیداً من الأعباء والمسؤولیة على القوى المحلیة والحلفاء الإقلیمیین الذین علیهم ان یقلّعوا شوکهم بأیدیهم. وبهذا نلاحظ ان مفهوم "القیادة الأمیرکیة" تراجعَ بشدة الى الخلف لأسباب اقتصادیة وعسکریة وبروز قوى جدیدة على الساحة الدولیة، وهذا مؤشر یجب رصده باهتمام لمعرفة اتجاه الأمور فی الشرق الأوسط.

التحدی الإیرانی

لکن التحدی الأکبر بالنسبة لأمیرکا والمتحالفین معها یبقى إیران، هذا ما یردّده الساسة الأمیرکیون الأقرب الى اسرائیل، ومنهم هنری کیسنجر، وهذا ما یُبقی مجال التفاهم بین ایران وأمیرکا بعیداً. لقد ظهر تضارب فی المواقف الأمیرکیة فی شأن: هل یجب اشراک طهران فی الحملة ضد داعش أم لا؟ ولقد اکدت ایران على مستوى أعلى مواقع القرار (الإمام الخامنئی) انها رفضت طلباً أمیرکیاً للتعاون عبر مستویات ثلاثة: عبر السفیر الامیرکی فی بغداد، وعبر مساعدة وزیر الخارجیة ویندی شیرمان، وعبر وزیر الخارجیة جون کیری.

وبعد الکثیر مما قیل فی هذا الشأن، بادر البیت الأبیض الى القول انه رفض عرضاً ایرانیاً للتعاون ضد داعش مقابل مرونة فی الملف النووی، فی حین تؤکد طهران أنها لا تدرج الملفات الاقلیمیة ضمن التفاوض حول برنامجها النووی.

والراجح ان أمیرکا یئست فی هذه المرحلة من کسب ایران فی هذا الملف الاقلیمی وربما أرجأت طرح الموضوع مجدداً الى ما بعد تحقیق "نتائج" فی العملیات الحربیة الجاریة.

وتواجه الاستراتیجیة الأمیرکیة وضعاً غیر مریح، فی ضوء معارضة ایران لأی استهداف للنظام فی سوریا بذریعة محاربة داعش، وطهران تقطع الطریق على ای استثمار للحرب على الارهاب من اجل تغییر النظام فی شکل یفضی الى مزید من الاضطراب على غرار ما حدث فی العراق. ویتابع الأمیرکیون ایضاً باهتمام تسارع العملیات الإیرانیة فی العراق ومنافستها للدور الامیرکی فی تقدیم المساعدة للجیش العراقی وقوات البشمرکة والحشد الشعبی التی استعادت المبادرة حول بغداد وفکّت الحصار عن آمرلی وهی تدفع "داعش" من مناطق فی دیالى وتکریت.

وتعتبر طهران أن وقف اندفاعة داعش فی العراق وإجبارها على التراجع عن بعض المواقع المهمة تُظهر ان التطورات المیدانیة الجاریة فی هذا البلد نتجت فی شکل أساسی عن جهود القوى العراقیة وإن کان ینقصها اعادة هیکلة وتخطیط وتنسیق، وبالتالی فان الدور الأمیرکی کان ثانویاً فی ما یجری حتى الآن.

وبناءً على ما تقدم، تبقى الإستراتیجیة الأمیرکیة قاصرة، شأنها شأن ما سبقها من استراتیجیات فی العقود الماضیة. وأغلب الظن ان ادارة اوباما تحاول القول انها تفعل شیئاً ما فی غیاب حلول جذریة.

المصدر: موقع قناة المنار

رایکم
الأکثر قراءة