تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22

الإرهاب لا یغادر أهله

الاحتلال بحد ذاته إرهاب، وأمیرکا کما أنظمة عربیة عدة تقدم مختلف أنواع الدعم للاحتلال، وممارسات إسرائیل على مختلف المستویات من منع حریة تنقل الفلسطینیین إلى حقهم فی المیاه والبناء والتعمیر تصب فی خانة الإرهاب.
رمز الخبر: ۶۰۲۶۷
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۲:۲۳ - 02October 2014

الإرهاب لا یغادر أهله

عبد الستار قاسم
کاتب وأکادیمی فلسطینی

تکثف أمیرکا هذه الأیام جهودها لما تسمیها محاربة الإرهاب، وتعمل بجد واجتهاد على إقامة تحالف دولی یضم بالأساس دولا عربیة لمکافحة الإرهاب، خاصة تنظیم الدولة الإسلامیة (داعش). 
والملاحظ أن أمیرکا تتحدث ضد الإرهاب بملء فمها، وتکثر من اتهام الآخرین بالإرهاب وکأنها بعیدة عنه، ولا علاقة لها بنشره واتساع نطاقه على المستوى العالمی، وهی دائما تتصرف کوصی على العالم، وسرعان ما تصدر عنها قرارات تصنیف الآخرین ووصفهم إما بالإرهابیین أو الداعمین للإرهاب، ومن خلال نشاطها تحاول أمیرکا إیصال رسالة إلى العالم بأنها هی البریئة والآخرون هم المجرمون.

تعریف الإرهاب
ثار جدل طویل حول تعریف الإرهاب على الساحة الدولة، وحاولت أمیرکا دائما أن تستأثر بالتعریف وترفض عقد مؤتمر دولی للتوصل إلى تعریف مقبول دولیا، وقد عملت دول عربیة مثل العراق فی عهد صدام حسین وسوریا إبان عهد حافظ الأسد الدفع باتجاه عقد ذلک المؤتمر، لکن أمیرکا کانت دائما ترفض خشیة أن یشمل التعریف سلوک دول وعلى رأسها إسرائیل.
رغبت أمیرکا باحتکار التعریف لکی تبقى هی صاحبة المزاج السیاسی المهیمن على العالم والرافض لبحث علمی للتعریف، ولهذا وضعت أطراف أمیرکیة داخلیة مثل وزارة الخارجیة الأمیرکیة ووزارة الدفاع والبیت الأبیض تعریفات خاصة بها رکزت کلها على أن الإرهاب عمل عنفی تمارسه تنظیمات مسلحة من أجل تحقیق أغراض سیاسیة.

تصب التعریفات الأمیرکیة فی خانة وجهة النظر الأمیرکیة والتی تعادی فی الأساس کل حرکات التحرر فی العالم، ویبدو أنها أیضا تعادی حریات الشعوب والأفراد، وتلجأ عادة إلى مقولات سیاسیة وفلسفیة من أجل تبریر هذا العداء الذی سرعان ما یتحول إلى عمل مسلح وحروب. 

حرکات التحرر تشکل هدفا مشروعا للضربات الأمیرکیة المالیة والعسکریة والأمنیة والسیاسیة، وکان لا بد من صیاغة تعریف تهتدی السیاسة الأمیرکیة به ومعها سیاسات الدول التابعة سواء على المستویین الأوروبی أو العربی، ولهذا فإن التعریف الأمیرکی مرفوض ولا یعالج مشکلة ما یسمى بالإرهاب على الساحة الدولیة.

الإرهاب هو کل عمل مستند إلى قوة مباشرة أو غیر مباشرة -عنفیة أو غیر عنفیة- من شأنه أن یسلب الآخرین حقوقهم، أو یحول بینهم وبین تحصیل حقوقهم. والقوة عنصر أساسی فی هذا التعریف، لکن لیس شرطا أن یتم استعمالها مباشرة بهدف إیقاع الأذى المادی أو الجسدی المباشر، ومن الممکن استخدامها للتهدید والوعید أو فرض عقوبات اقتصادیة ومالیة، أو صناعة أجواء نفسیة ومعنویة مخیفة رادعة بشکل أو بآخر، والهدف فی النهایة اغتصاب حقوق الآخرین بالسیطرة علیها أو نهبها ومنعهم من القیام بالأعمال الضروریة لإنجاز حقوقهم أو تحصیلها. 

وهذا التعریف یستثنی کل الأعمال التی یمکن أن تقوم بها تنظیمات أو دول بهدف استعادة حقوق انتهکت أو ثروات نهبت، والحق کل الحق لمن یدافع عن نفسه ویصون حقوقه، ولا حق لمن ینتهک حریات وحقوق الآخرین.

بناء على هذا التعریف الاستعمار إرهاب، والدول الاستعماریة التقلیدیة مارسته بعنف ضد الشعوب المستعمرة ونهبت ثروات الأمم، وما زالت تمارس الأمور ذاتها بطرق إبداعیة متنوعة، والولایات المتحدة تمثل أکبر مصدر إرهاب فی العالم لأنها تتصرف کمسؤول أزعر وبلطجی یحمل سلاحه على ظهره ویوزع الموت هنا وهناک دون أدنى حس بالمسؤولیة. 

الولایات المتحدة تمثل أعلى درجات الاستعمار الغربی والمتمثل بالسیطرة الثقافیة والفکریة على الأمم، واستعمال السلاحین العسکری والاقتصادی لمن لا یرید تقدیم الولاء والطاعة، بل إن تصرفات الولایات المتحدة تؤکد أنها دولة نازیة بتصریحات حریریة إنسانیة. 

أراد هتلر أن یسیطر على العالم بقوة السلاح ویجسد تفوق الجنس الآری على العالم بأسره، والولایات المتحدة لا تقل شأنا فی هذا المجال غیر أن نهمها العسکری أقل وطأة من ألمانیا النازیة.

أمیرکا ذهبت إلى فیتنام دون سبب یذکر، وقتلت الناس وهدمت البیوت وأحرقت الشجر والحجر، وتوجهت إلى أفغانستان وعاثت فی الأرض الفساد، وانتهت أعمالها بانتشار تنظیمات إسلامیة جهادیة فی کل مکان، وما ذهبت من أجله فی العراق انتهى بنتائج عکسیة. 

هل فعلا ظهرت التنظیمات الجهادیة الموصوفة بالإرهابیة تلقائیا وکرد فعل، أم إن هناک من صنعها ومولها وسلحها؟ التاریخ سیجیب عن هذا السؤال، والولایات المتحدة فی قفص الاتهام الآن، ثم من الذی صنع فتنة السنة والشیعة فی الوطن العربی والعالم الإسلامی وهیأ البیئة المناسبة للقتل الجماعی والإجرام غیر الولایات المتحدة وعملائها من العرب؟

الاستبداد إرهاب
ضمن هذا التعریف، الاستبداد السیاسی إرهاب لأنه یستعمل القوة ضد المواطنین لإخضاعهم وابتزازهم ومنعهم من التعبیر عن أنفسهم واختیار نظام الحکم الذی یرونه مناسبا، الاستبداد یستعمل القوة -قوة أجهزته الأمنیة- لقهر الناس وإرعابهم وسلبهم حقوقهم، وأغلب الأنظمة العربیة تقع ضمن هذا التصنیف. 

لقد نشرت أنظمة العرب الفساد والطغیان والهزائم والذل والهوان فی مختلف أرجاء الوطن العربی، فأصبحت أوطان العرب مستباحة وثرواتهم منهوبة، وحتى الآن وبعد کل المعاناة التی یمر بها العرب ما زالت أغلبیة أنظمة الحکم العربیة لا تعترف بحریة الناس، ولا تقیم وزنا لحقوقهم، وثروات الناس یتم تبدیدها على طاولات القمار.
الاستبداد هو الظلم بعینه، والظلم یولد رد الفعل الذی یتطور تدریجیا إلى عنف، طبعا الظلم یولد القهر، والقهر یولد الانتقام، ولا یوجد انتقام أقوى تعبیرا من حمل السلاح، لقد قهرت الأنظمة العربیة الناس حتى أشعلت الحروب الأهلیة، وهی حروب قادمة على تلک البلدان العربیة التی لم یقتتل الناس فیها بعد. 

لکن من الذی رعى حکومات القهر العربیة ودعمها وشجعها؟ إنها الدول الاستعماریة وبالأخص الولایات المتحدة، أمیرکا هی راعیة الاستبداد العربی، وهی التی قدمت کل الدعم لأجهزة الأمن العربیة لتکون قادرة على الاستمرار فی إخضاع الشعوب وإبقائها تحت السیطرة. 

استباحت أمیرکا بلادنا، وأشعلت فیها الفتن، وجندت العدید من أبنائنا لخدمتها وخدمة أنظمة الاستبداد تحت ذریعة الدیمقراطیة وحقوق الإنسان، وکونی من فلسطین أرى کل یوم سیاسات أمیرکا تتبلور قهرا وتفریطا فی الحقوق الفلسطینیة ومن قبل فلسطینیین یتشدقون بالشعارات الوطنیة.

أوکل الاستعمار الغربی قبل خروجه العسکری المؤقت من البلدان العربیة مهمة السیطرة على الشعوب العربیة إلى وکلاء یأتمرون بأمره، وهو یتعقبهم ویشرف علیهم من بعید، لقد وجد الاستعمار أن أفضل وسیلة لإبقاء العرب ممزقین وضعفاء تکمن فی تنصیب حکام جهلة وضعفاء یؤثرون مصالحهم الخاصة ومصالح قبائلهم على مصالح الأمة العربیة. 

وکان یجب -بالنسبة للاستعمار- الإبقاء على العرب ضعفاء ومهمشین حتى لا تقوم لهم قائمة فیبنون حضارتهم من جدید ویشکلون منافسا قویا للحضارة الغربیة، ونجح الغرب فی ذلک إلى حد أن الحکام العرب لم یکتفوا بتمزیق العرب إلى إقطاعیات قبلیة، بل عملوا أیضا على ضرب الوحدة الوطنیة داخل کل قطر عربی بالتعاون مع الاستعمار الغربی، تم القضاء على طموح الوحدة العربیة، ثم ضربوا طموح الإبقاء على الوحدة الوطنیة، والآن یأمل العرب فی أن تبقى المدینة الواحدة أو القریة الواحدة موحدة. 

"سایکس بیکو" جزأت أوطانا عربیة مثل سوریا والعراق، لکن الحکام العرب المستبدین مزقوا الممزق، وما زالوا یثیرون الفتن الداخلیة من خلال عدم اعترافهم بحق الإنسان العربی بالحریة والکرامة.

والإرهاب ضروری من أجل أن یبقى العربی مرعوبا جبانا وخائفا على لقمة خبزه، ولهذا کان لا بد من توظیف میزانیات ضخمة لأجهزة الأمن العربیة لکی تمارس حقارتها ضد المواطن العربی، ولا بد من دعم إسرائیل لتبقى القوة الأعظم فی المنطقة العربیة الإسلامیة والتی تشیع الرعب فی کل مکان، ولهذا کان لا مفر من صناعة تحالف عربی إسرائیلی لتتکامل قوى الإرهاب فی المنطقة، وإذا کان لنا أن نفسر أسباب ظهور التنظیمات الجهادیة فی المنطقة فإننا نجد أن هزائم العرب أمام إسرائیل تشکل أکبر مولد لهذه التنظیمات.

دولة الإرهاب
منذ السبعینیات وأمیرکا تحاول إبعاد تهمة الإرهاب عن إسرائیل، وربما یکون هذا هو السبب الأساسی فی أن أمیرکا رفضت البحث عن تعریف عالمی للإرهاب، وقد دفعت أمیرکا بقوة نحو تفسیرات دینیة غریبة من شأنها إثارة الفتنة الداخلیة بخاصة فی صفوف المسلمین السنة، ولهذا لیس غریبا أن تکون کل التنظیمات الجهادیة الموصوفة بالإرهاب من أهل السنة. 

تعاونت دول عربیة مع أمیرکا وروجت أفکارا دینیة شیطانیة جعلت من الإسلام دینا دمویا منحرفا أمام العدید من شعوب الأرض، وبدل أن یکون الإسلام عاملا أساسیا فی توحید الأمة أصبح عامل تمزیق فی بعض الأحیان.

إسرائیل هی أکبر وکر للإرهاب فی العالم، ولولا وجودها لما نشبت کل هذه الحروب فی المنطقة العربیة الإسلامیة، ولما نزفت کل هذه الدماء ولما تهدمت بیوت وهلکت نفوس، وهی تعمل برعایة ودعم الولایات المتحدة.
لماذا ما زال الشعب الفلسطینی یعیش فی المخیمات تحت ظروف قاسیة؟ ولماذا تبقى غزة تحت الحصار؟ ولماذا یقع جزء من الشعب الفلسطینی تحت الاحتلال؟ السبب هو إسرائیل ومن یدعمها من أهل الشرق والغرب.

الاحتلال بحد ذاته إرهاب، وأمیرکا کما أنظمة عربیة عدة تقدم مختلف أنواع الدعم للاحتلال، وممارسات إسرائیل على مختلف المستویات من منع حریة تنقل الفلسطینیین إلى حقهم فی المیاه والبناء والتعمیر تصب فی خانة الإرهاب.

وإذا کان للعالم أن یصد الإرهاب وینهی وجود الجهات الإرهابیة فی المنطقة فعلیه أن یبدأ بإسرائیل أولا، ثم بمن والاها من الأنظمة العربیة.

أمیرکا ومن معها فی حملتها الإرهابیة الأخیرة تخطئ العنوان وتخطئ الهدف، وإسرائیل هی العنوان الأول للإرهاب، ولم یکن من الممکن أن یستمر هذا العنوان لولا الدعم الأمیرکی نفسه، فهل لأمیرکا أن تحارب نفسها وربیبتها أولا قبل أن تتحدث عن داعش وعن تنظیمات المقاومة الفلسطینیة واللبنانیة؟

هناک دول فی المنطقة العربیة الإسلامیة تبحث عن دعم أمیرکی الآن لصد المنظمات المصنفة إرهابیة، ولهذه الدول نقول إنها تستبدل إرهابا بإرهاب أشد وطأة، إنها کمن یرید إخراج المجرم بقوة من علمه الإجرام، توقفوا فأمیرکا لیست عونا بل معولا، ومن دعم الإرهاب لا یهون علیه التخلص منه. 

وإذا کان لأنظمة العرب أن تتخلص من الإرهاب فإن علیها أولا أن تعترف بحریة المواطن العربی، وأن تغیر أوضاعها السیاسیة وفق ما یتطلبه هذا الاعتراف، وثانیا أن تتوقف عن دعمها لإسرائیل التی لن تتوقف عن إشعال الفتن والحروب.

المصدر: الجزیرة نت

رایکم
الأکثر قراءة