أحمد هادی
أحب حسین منذ الصغر تقلید اصوات بعض الحیوانات، وکان أحبها إلى قلبه، صوت الذئب، فأتقن تقلیده حتى یخال السامع، إذا ما تفنن حسین فی تقلیده، أن ذئبًا فی المکان. کبر حسین وظل یطور هذه الموهبة، ولکنه کان یخجل من تقلید هذه الأصوات، حفاظًا على هیبته کإنسان مؤمن وفی نفس الوقت مجاهد، إذ التحق بصفوف المقاومة الإسلامیة، لما اشتد عوده. ومن تلک التجربة یروی لنا حسین قصته، فرحًا بما فعله یومًا ما من أیام العام 1996، حین کان فی خدمته داخل محور إقلیم التفاح، الذی کان یعد من أهم محاور المواجهة مع العدو الصهیونی وعملائه، إبان الاحتلال الصهیونی لجزء من لبنان. وقد کان حسین من مجاهدی هذا المحور، حفظ کل حبة تراب وکل شجرة و حجر فیه.
کانت لیلة مظلمة بل حالکة، حین طُلب من بعض المجاهدین، الذهاب فی دوریة تفتیشیة فی المنطقة، فتطوع اثنان منهم لهذه المهمة. یقول حسین: خرج الأخوة مع غیاب الحمرة المشرقیة عند غروب تلک اللیلة، قاصدین مشارف جزین المحتلة آنذاک، حیث کان للعدو مواقع عدة مشرفة على هذه التلال. وکان المجاهدون یستفیدون من بعض الأوقات الخاصة، بین النهار واللیل، أو بین اللیل والفجر، ومتموهین بالأشجار الکثیفة فی تلک المنطقة الحرجیة بامتیاز.
یکمل حسین: لا أبالغ إن قلت إنه فی مثل هذه اللیالی لم یکن الفرد منا یتمکن من مشاهدة أصبعه، إذا ما وضعه أمام عینیه. کان المقرر أن یعود الأخوة بعد ثلاث أو أربع ساعات على أبعد تقدیر. مضت خمس ساعات، لا حس ولا خبر. بعد محاولات عدة من التواصل عبر أجهزة الاتصال المتواضعة جدًا فی حینه، تمکن عامل الإشارة من التقاط إشارة ضعیفة من الأخوة، علمًا بأن منطقة عملهم لا تبعد کثیرًا، ویمکن الاتصال بهم بسهولة. إذًا لقد تاه الأخوة، بسبب الظلمة الحالکة. هذا ما استنتجه الإخوة الموجودین فی النقطة. مع غیاب أی أجهزة حدیثة للرؤیة اللیلیة فی حینه. کانت احتمالات المخاطر المحدقة بهم کثیرة: کشف، قصف، کمین، وغیر هذا...
أُوکلت مهمة استنقاذ الإخوة إلى حسین، فهو الضلیع بهذه الأماکن. وقد کان هناک خطورة أخرى تتمثل فی کثرة استخدام أجهزة الاتصال، التی قد تؤدی إلى کشفهم أیضًا عبر أجهزة التنصت المعادیة. ما العمل اذًا؟ تبسم حسین. لعله وجد الحل! استحضر عادته القدیمة المحببة. ردد فی نفسه: جاء وقتم یا ذئبُ. خرج حسین إلى مهمة البحث عن رفاق الدرب، وبدأ بتقلید الصوت الذی یخجل من إسماعه للأصدقاء، فضلًا على الغرباء، ولکن هنا لا مجال للخجل، فهناک من هم فی خطر، وعلیه أن یستنفد کل إمکانیاته.
ما هی إلا سویعات، حتى تمکن الأخوة من سماع صیحات حسین بصبغة ذئب هذه المرة. وبفضل هوایة فی الصغر، سُخّرت فی رضا الله ومجاهدة العدو، نجا المجاهدون من مصیر غیر معلوم ...
المصدر: الموقع الرسمی للمقاومة الإسلامیة فی لبنان