تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22

«التحالف و«داعش»... وفخّ الصمود السوری

البعض ینظر إلى «التحالف» الذی تقوده الولایات المتحدة ضدّ «داعش» على أنه تحالف مستحدث أو أنه تحالف جدید، له أهداف جدیدة وتطلعات جدیدة، لحمایة مصالح لم تکن سابقاً، ویرى هذا البعض أنّ هذا «التحالف» شکّلته الأحداث ولم یکن من صلبها، بمعنى أنّ هناک فرقاً کبیراً بین أن یکون «التحالف» ناتجاً من الصعود فی مشهد المواجهة، وبین أن یکون رئیسیاً فی استراتیجیة العدوان على المنطقة، وسوریة تحدیداً.
رمز الخبر: ۶۰۲۷۲
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۳:۳۰ - 02October 2014

«التحالف و«داعش»... وفخّ الصمود السوری

خالد العبّود

أمین سرّ مجلس الشعب السوری


البعض ینظر إلى «التحالف» الذی تقوده الولایات المتحدة ضدّ «داعش» على أنه تحالف مستحدث أو أنه تحالف جدید، له أهداف جدیدة وتطلعات جدیدة، لحمایة مصالح لم تکن سابقاً، ویرى هذا البعض أنّ هذا «التحالف» شکّلته الأحداث ولم یکن من صلبها، بمعنى أنّ هناک فرقاً کبیراً بین أن یکون «التحالف» ناتجاً من الصعود فی مشهد المواجهة، وبین أن یکون رئیسیاً فی استراتیجیة العدوان على المنطقة، وسوریة تحدیداً.

إذ إنّنا نعتقد أنّ هناک فعل قطع متعمّداً بین اللحظة التی تحکم مشهد المواجهة وبین مراحل ولحظات سابقة من عمر المواجهة ذاتها، کوننا لا نفصل ولا نقطع مع ما فهمناه وما ذهبنا إلیه منذ اللحظة الأولى للعدوان على سوریة، باعتبار أنّ شیئاً فی عنصر التحالفات التی حکمت خریطة المواجهة لم یتغیّر، فقد ظلّت هذه الخریطة ناظمة لعنصر التحالفات القائمة، ولم یتبدّل شیء على هذا الصعید وهذا المستوى، غیر أنّ مکوّنات فی ذات «التحالف» الذی قاد العدوان هی التی تشکو من بعض ما ذهبت إلیه «غالبیة» مکونات «التحالف» الأخرى، وهو ما یمکن اعتباره نتیجة موضوعیة وحقیقیة لانقسامات صاعدة وجدید،ة کون الأهداف الرئیسیة الجامعة للتحالف ذاته لم تتحقق، فی المرحلة الجدیدة من عمر التحالف الرئیسی، وبالتالی فإنّ الجامع آنفاً لم یعد جامعاً الآن، وهو ما یمایز الموقف «الترکی والقطری» عن باقی مواقف عناصر التحالف الأخرى، الأمر الذی یستدعی إعادة إنتاج الجامع الجدید الذی یقوم بالتأثیر إیجاباً على مکونات هذا «التحالف».

لقد أدرکت الولایات المتحدة أنّ أهدافاً صاعدة جدیدة لأدوات تشکلت على الأرض نتیجة «سیل النار» الذی وفّرت له رئیسیاته ووضعت له أهدافه، قد أضحت تشکل واقعاً موضوعیاً وحقیقیاً له، کون عناصر تشکّله تلک التی بالغت بها الولایات المتحدة، جعلت کتلة ناره مهیئة لالتهام جغرافیات ومناطق ومصالح وأهداف خارج تلک التی تطلعت لها وأعدّته من أجلها!

إنّ هذا المشهد الجدید والمرحلة الجدیدة من عمر المواجهة لم یکونا قد تشکلا عبثاً، کون أنّ هناک طرفاً وتحالفاً آخر کان یعد استراتیجیته لمواجهة العدوان علیه، حیث تعامل مع هذا العدوان ومع أدواته بطریقة أخرى مختلفة تماماً، جاءت مغایرة عمّا حسبته وأعدّت له الولایات المتحدة، إذ کانت تظنّ أنها قادرة على التحکم بتلک الأدوات وهذا الحریق، وکانت تظنّ أیضاً أنّها الأقدر على السیطرة الکاملة على الأهداف التی ترید لهذا الحریق أن یلتهمها، ولم تضع فی حسبانها أنّ هناک استراتیجیة مواجهة کانت تعدّ من قبل الطرف الذی قادت العدوان علیه!

من هنا نرى أنّ عناصر «التحالف» الذی قاد العدوان على سوریة والمنطقة لم یتغیّر، وأنّه بدلاً من استعمال أدواته التی أعدّها فی هذا العدوان یقوم الآن بنفسه للملمة بقایا هذه الأدوات وأجزاء غیر مسیطر علیها من قبله، إذ إنّ معلومات دقیقة لدیه تؤکد أنّ مناطق وأهدافاً أخرى تشکل له أولویة مصالح سوف یقترب منها «سیل النار»، وربما یقوم بالتهامها، الأمر الذی دفعه إلى إعادة السیطرة على أدواته التی أضحت لیست فی یده بشکل کامل…

نعتقد أنّ هذا الفخ الکبیر الذی اقتید له «التحالف» کان نتیجة صبر هائل واشتغال واسع فی المیدان والاستخبارات، وکان نتیجة قدرة فذة على إدارة مختلفة للمواجهة ذاتها، ونتیجة استراتیجیة تجاوزت المتَخیل وضعت من قبل «تحالف» آخر کان یواجه العدوان ویدیر فعل المواجهة معه…

ونعتقد أنّ «داعش» أداة میدان استخباراتی تجاوز حدود قدرة التحکم به، وهذا أمر طبیعی فی ظلّ استراتیجیة مواجهة له تجاوزت عناصر الاستنزاف والمکاسرة، إذ قامت هذه الاستراتیجیة على مبادئ أخرى لها علاقة بعناوین مثل الاستجرار والمشاغلة والالتفاف والاختراق وامتصاص تقدمه بحرکة میدانیة أثارت شهیته على التقدم والانتصار، وهو الأمر الذی لم یکن فی حساب «التحالف» الرئیسی الذی أعدّه من أجل العدوان وتفتیت الدولة السوریة، وتکریس وترسیخ تقسیم العراق، فقد اعتقد هذا «التحالف» أن «داعش» لن یتجاوز المجال الحیوی الذی أعدّه من أجله.

فی تقدیرنا أنّ هذا «التحالف» الذی شنّ العدوان منذ اللحظة الأولى، هو من یتقدم الیوم لیس من أجل أن یحارب «الإرهاب»، وإنما من أجل أن یعید السیطرة على تجاوزات المجال الحیوی الذی أعدّ من أجله هذا «الإرهاب»، ما یفرض علیه جملة احتمالات لا یمکن أن یتجاوزها، فهو مبدئیاً لا بدّ له من أن یذهب لمواجهة «داعش» وأخواته، أملاً فی إعادة السیطرة علیها جمیعاً، وهو احتمال بسیط جداً، ونعنی به احتمال السیطرة، کون «التحالف» ذاته یدرک جیداً أنّ عناصر أخرى فاعلة دخلت على خطوط المواجهة لا یمکن لها أن تعید تنظیم تلک الأدوات، أو تعید السیطرة الکاملة علیها، الأمر الذی یدفع باتجاه وضع احتمالات أخرى، وهی احتمالات لیست بعیدة فی رئیسیاتها من إعادة إنتاج «تحالف» موقت جدید، وهو ما أطلقنا علیه اسم «التحالف السلبی»، من خلال الاشتغال على «داعش» باعتباره عنوان تسویة یمکن أن یتم الذهاب إلیه!

نعتقد أنّ هذا الفخ السوری الذی رُتّب على نار هادئة جداً کان یحتاج إلى عقول باردة، على رغم نیران المواجهة وطقس الصیف الحار، ونعتقد أنّه الفخ الذی دفع «التحالف» کی یتواجه علانیة مع أدواته التی أراد من خلالها هزیمة الدولة السوریة وتفتیتها!

المصدر: جریدة البناء
رایکم
الأکثر قراءة