تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22
إستراتیجیة البغدادی لمواجهة حرب أوباما:

استفزاز الخصم لدفعه إلى إنزال قواته البریة

وقد یکون إصرار «داعش» على اقتحام مدینة عین العرب (کوبانی) فی الشمال السوری إحدى خطوات الاستفزاز، لا سیما أن «الدولة الإسلامیة» یدرک جیداً أن واشنطن لم تحسم أمرها ببدء القصف الجوی ضده إلا عندما اقترب مقاتلوه من محیط مدینة أربیل الکردیة فی العراق، کما أنه یعلم جیداً أن أنقرة تعتبر اقترابه من حدودها خطاً أحمر، لن تتردد بالرد علیه بکل الوسائل، بما فیها العسکریة.
رمز الخبر: ۶۰۲۹۳
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۱:۳۳ - 03October 2014

استفزاز الخصم لدفعه إلى إنزال قواته البریة

عبد الله سلیمان علی 
لیست هذه المواجهة العسکریة الأولى التی تجری بین تنظیم «الدولة الإسلامیة فی العراق والشام»-»داعش» من جهة وبین الولایات المتحدة من جهة ثانیة، فالطرفان اختبرا احدهما الآخر جیداً على مدى سنوات فوق أرض العراق.
ولا شک أن کلاً منهما سیعتمد، بشکل أو بآخر، على نتائج الاختبارات التی خاضها منذ العام 2003 إلى العام 2011 فی تحدید إستراتیجیته التی سیختارها لخوض المواجهة الحالیة فی سوریا. وبینما سمع العالم کله ما هی الإستراتیجیة التی تبناها الرئیس الأمیرکی باراک أوباما، یبقى السؤال عن إستراتیجیة زعیم «داعش» أبی بکر البغدادی.
تشیر أوساط «الدولة الإسلامیة» إلى أن البغدادی یعتبر نفسه أمام تحدٍّ مصیری کبیر، لکنه لا یرقى إلى مستوى «حرب موت أو حیاة»، إذ لدى قیادة «داعش» ثقة غیر محدودة بأن نتیجة هذه الحرب لن تکون أسوأ من نتائج الحروب السابقة التی عجز فیها الأمیرکی عن إتمام مهمته المعلنة بـ«القضاء على الإرهاب»، وبالتالی لا یتملکها أی قلق حول مصیر «دولتها ووجودها». على العکس، تعتبر قیادة التنظیم المتشدد أنها استطاعت رفع سقف «الجهاد» عالمیاً، عبر إعلانها «الخلافة الإسلامیة» أول شهر رمضان الماضی، وأن أی تجربة «جهادیة» جدیدة لن تقبل بسقف أدنى منه بعد الآن.
وتوصیف المواجهة بأنها «تحد مصیری» لم یمنع البغدادی من إعطاء إشارات واضحة إلى أنه راغب فی استعجال هذه المواجهة، التی سبق له توقع حدوثها فی خطابه «الله یعلم وأنتم لا تعلمون»، وتبدى ذلک جلیاً من خلال إقدامه على ذبح الرهائن الغربیین حتى قبل أن یحسم أوباما موضوع إستراتیجیته.
وبغض النظر عن کون توقع البغدادی مبنی على معطیات واقعیة، أم مجرد خطاب دعائی لتحفیز مقاتلیه، إلا أنه من المعروف أن أدبیات «داعش» تبرز بشکل واضح مصطلح «الاستدراج»، الذی یعنی استفزاز الخصم لإجباره على إرسال قواته، ما دام أن «داعش» لا یمکنه إرسال مقاتلیه إلى الأراضی الأمیرکیة لمواجهتها هناک، وهذه الآلیة اعتمدها وآمن بها زعیم تنظیم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن. لذلک لا یلتفت «داعش» کثیراً إلى انتقادات خصومه «الجهادیین»، الذین اتهموه مؤخراً، وعلى رأسهم زعیم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولانی، بأنه یتحمل نتیجة تصرفاته مسؤولیة تشکیل التحالف الدولی لاستهداف الإسلام و«الجهاد» فی الشام والعراق.
وإذا کان الرئیس الأمیرکی یکرر یومیاً أنه لن یرسل قوات بریة إلى العراق أو سوریا، الأمر الذی فهمه «داعش» على أنه محاولة للتملص من مصیدة الاستدراج الذی أعدها له، إلا أن المتحدث الرسمی باسم التنظیم أبو محمد العدنانی بدا واثقاً، فی خطابه «إن ربک لبالمرصاد» قبل حوالی أسبوعین، أن واشنطن سترسل قوات بریة وأن «مجاهدیه» سیکونون بانتظارها.
ولا شک أن بدء بعض المسؤولین الأمیرکیین بالحدیث عن إمکانیة إرسال قوات بریة، سواء أمیرکیة أم عربیة، بعدما تبین لهم عدم کفایة القصف الجوی، یشیر بشکل أو بآخر إلى أن قیادة «الدولة الإسلامیة» تقرأ فی کتاب مفتوح، وهو ما یفسره البعض على أنه استفادة من خبرات الماضی، بینما ینظر إلیه البعض الآخر بریبة، ویعتبره من قبیل المؤامرة.
والحال کذلک، فإن البغدادی یمیز بین مرحلتین: الأولى هی الحالیة التی تتمثل بالقصف الجوی، ویعتبر أن الهدف منها ینبغی أن یکون تقلیل الخسائر قدر الإمکان، لا سیما بالآلیات والمدفعیة والدبابات، رغم أنه لم یدفع ثمن واحدة منها، وذلک نظراً لأهمیتها فی المرحلة الثانیة. لکنه خلال مرحلة القصف لن یستطیع الاکتفاء بالاختباء وتحصین مقاتلیه وأسلحته، لأن هناک مهمة علیه استکمالها، وهی الاستمرار فی استفزاز خصمه لدفعه إلى إنزال قواته البریة، أیاً کانت جنسیتها، على أرض المعرکة، حیث تبدأ المرحلة الثانیة.
وقد یکون إصرار «داعش» على اقتحام مدینة عین العرب (کوبانی) فی الشمال السوری إحدى خطوات الاستفزاز، لا سیما أن «الدولة الإسلامیة» یدرک جیداً أن واشنطن لم تحسم أمرها ببدء القصف الجوی ضده إلا عندما اقترب مقاتلوه من محیط مدینة أربیل الکردیة فی العراق، کما أنه یعلم جیداً أن أنقرة تعتبر اقترابه من حدودها خطاً أحمر، لن تتردد بالرد علیه بکل الوسائل، بما فیها العسکریة. وقد سبق للجیش الترکی أن قصف أرتال «داعش» فی السابق لمجرد سلوکها طریقاً یؤدی إلى مناطق محاذیة لحدودها، کما حصل فی الراعی شمال حلب قبل أشهر عدة، فکیف إذا سیطر على مدینة کاملة مثل عین العرب؟
ومرةً أخرى تقرأ قیادة «داعش» من کتاب مفتوح، وکأنها کانت تعلم بمخطط أنقرة بإقامة «منطقة عازلة». وبغض النظر عن کون الأمر یتعلق بخبرة أو مؤامرة، فمما لا شک فیه أن تعقیدات الموقف تجعله مفتوحاً على کل الاحتمالات، وتجعل من الصعب فک طلاسمه بالاعتماد فقط على ظاهر الأمور أو انطلاقاً من مواقف مسبقة.
وانسیاقاً وراء أدبیات «الدولة الإسلامیة»، ورغم غرابة أن یبذل تنظیم ما کل هذه المساعی لحشد الجیوش ضده، ودفعهم إلى قتاله جواً وبراً، فإن الأمر یبدو طبیعیاً، ولا ینطوی على أی درجة من الغرابة؛ أولاً لأن «داعش»، أو غیره من التنظیمات «الجهادیة»، لا یستطیع العیش إلا فی مناخ الفوضى، والاستقرار عدوه الذی یمکن أن یتواجد معه فی مکان واحد، لذلک تعمل هذه التنظیمات على افتعال الفوضى واستدامتها مهما بلغت خسائرها فی سبیل ذلک، لأن البدیل الوحید لذلک هو أن تخسر وجودها ذاته فی حال توقفت الفوضى.
وثانیاً لأن «داعش»، فی منافسته على قیادة «الجهاد» العالمی، یدرک أنه لن یکون بمقدوره التقدم، طالما أنه متقوقع فی المنطقة بمنازلة «العدو القریب»، وبما أنه لا یملک أدوات إرسال مقاتلیه إلى «العدو البعید» لمحاربته، فإنه یفضل أن یستدرجه إلى أرضه، لیجتمع له قتال العدوین مع بعضهما، وهذا یکسبه شرعیة إضافیة فی أوساط «الجهادیین»، أی مزیداً من التمویل والمتطوعین للقتال، ما یعنی بشکل أو بآخر سحب البساط من تحت أقدام منافسیه، وعلى رأسهم زعیم «القاعدة» أیمن الظواهری.
ویبدو أن واشنطن هذه المرة تقرأ من کتاب مفتوح، إذ فی الوقت الذی تتحضر فیه للانسحاب من أفغانستان، حیث معقل الظواهری، فإنها تعد العدة لاقتحام «أرض الخلافة» معقل البغدادی.

المصدر: جریدة السفیر

رایکم
الأکثر قراءة