19 November 2024
أرشیف کلمات و خطب سماحة القائد/8

کلمة الإمام الخامنئی فی لقائه آلاف الطلبة الإیرانیین بمناسبة الیوم الوطنی لمقارعة الاستکبار العالمی

أنفاسکم الدافئة أیها الشباب الأعزاء فی هذه الحسینیة تذکرنا الیوم بنفس تلک الملحمة و الحماس الذی کان طوال الأعوام المتمادیة منذ مستهل الثورة الإسلامیة و إلى الوقت الحاضر دعامة و ضمانة للمسیرة الثوریة لشعب إیران. وجود الشباب نعمة إلهیة کبرى على هذا البلد و على نظام الجمهوریة الإسلامیة.. وجود الشباب ذوی الدوافع و المحفزات المشرقة و الراسخة و المعتمدة على المنطق، و ذوی القلوب الطاهرة و النوایا الخالصة الصافیة.
رمز الخبر: ۶۰۳۴۱
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۶:۵۳ - 04October 2014

 کلمة الإمام الخامنئی فی لقائه آلاف الطلبة الإیرانیین بمناسبة الیوم الوطنی لمقارعة الاستکبار العالمی

 
بسم الله الرحمن الرحیم
أنفاسکم الدافئة أیها الشباب الأعزاء فی هذه الحسینیة تذکرنا الیوم بنفس تلک الملحمة و الحماس الذی کان طوال الأعوام المتمادیة منذ مستهل الثورة الإسلامیة و إلى الوقت الحاضر دعامة و ضمانة للمسیرة الثوریة لشعب إیران. وجود الشباب نعمة إلهیة کبرى على هذا البلد و على نظام الجمهوریة الإسلامیة.. وجود الشباب ذوی الدوافع و المحفزات المشرقة و الراسخة و المعتمدة على المنطق، و ذوی القلوب الطاهرة و النوایا الخالصة الصافیة.
جلستنا الیوم أقیمت بمناسبة ذکرى أحداث الثالث عشر من آبان التی وقعت فی البلاد على مدى أعوام منذ فترة ما قبل الثورة و إلى ما بعد انتصار الثورة. إنها ثلاث حوادث: حادثة نفی الإمام الخمینی فی سنة 43 [1964 م] و حادثة المذبحة الوحشیة ضد طلبة المدارس فی طهران سنة 57 [1978 م]، و حادثة التحرک الشجاع للطلبة الجامعیین باحتلالهم وکر التجسس فی سنة 58 [1979 م]. و کل واحدة من هذه الأحداث مرتبطة بنحو من الأنحاء بحکومة الولایات المتحدة الأمریکیة. فی سنة 43 نفی الإمام الخمینی (رضوان الله تعالى علیه) بسبب اعتراضه على الحصانة القضائیة التی تصون أمن المأمورین الأمریکان فی إیران و تمنحهم حصانة قضائیة، و هکذا کانت تلک القضیة ذات صلة بأمریکا. و فی سنة 57 قام النظام التابع لأمریکا بمذبحة ضد طلبة المدارس فی شوارع طهران، و صبغ أسفلت شوارع طهران بدماء شبابنا و یافعینا دفاعاً عن النظام العمیل لأمریکا، و هذا الحدث أیضاً له صلة بأمریکا. و فی سنة 58 کانت هناک ضربة مقابلة، بمعنى أن الشباب الشجعان المتدیّنین من الطلبة الجامعیین الإیرانیین هجموا على سفارة أمریکا، و کشفوا حقیقة هذه السفارة و هویتها و هی أنها کانت وکراً للتجسّس، و عرضوا هذه الحقیقة على أنظار العالم. فی ذلک الیوم أطلق الشباب الإیرانیون على السفارة الأمریکیة اسم وکر التجسس، و الیوم، بعد مضی ثلاثین و نیّف من الأعوام على ذلک العهد صار اسم السفارات الأمریکیة فی أقرب البلدان إلى أمریکا - أعنی البلدان الأوربیة - وکر تجسس. أی إن الشباب الإیرانیین کانوا متقدمین على مفکرة التاریخ العالمی بثلاثین سنة. و هذه الحادثة أیضاً لها صلتها بأمریکا. ثلاث أحداث کل واحدة لها صلتها بشکل من الأشکال بحکومة الولایات المتحدة الأمریکیة و علاقاتها بإیران. لذا أطلق على یوم الثالث عشر من آبان - و ذکراه فی یوم غد - اسم «یوم مقارعة الاستکبار».
ما معنى الاستکبار؟ الاستکبار تعبیر قرآنی. وردت کلمة الاستکبار فی القرآن الکریم. الشخص المستکبر و الحکومة المستکبرة و الجماعة المستکبرة هی الجماعة أو الحکومة التی تتقصّد التدخّل فی شؤون البشر و الشعوب الأخرى.. تتدخل فی کل شؤونهم و أمورهم من أجل صیانة مصالحها. ترى نفسها حرّة و لها حق فرض ما ترید فرضه على الشعوب.. تقرّر لنفسها حق التدخّل فی شؤون البلدان، و لا تتحمّل مسؤولیة ذلک أمام أی أحد. هذا هو معنى الاستکبار. النقطة المقابلة لهذه الجبهة الظالمة الجائرة هی الجماعة التی تقارع الاستکبار، فما معنى مقارعة الاستکبار؟ إنها تعنی بالدرجة الأولى عدم الرضوخ لهذه التعسف و الجور. لیس معنى مقارعة الاستکبار شیئاً مقعداً ملتویاً. مقارعة الاستکبار تعنی أن شعباً لا یخضع لتدخلات القوى المستکبرة أو الإنسان المستکبر أو الحکومة المستکبرة، و ما ترید أن تفرضه علیه. هذا هو معنى مقارعة الاستکبار. و سوف یکون لی إن شاء الله فی المستقبل فرصة أتحدث فیها لکم بالتفصیل أیها الشباب و الطلبة الجامعیین و طلبة المدارس حول الاستکبار و مقارعة الاستکبار، و لا مجال لهذا الحدیث المفصّل الآن. لکن معنى الاستکبار و مقارعة الاستکبار هو هذا على الإجمال.
الشعب الإیرانی یعتبر نفسه مقارعاً للاستکبار لأنه لم یرضخ لما ترید الحکومة الأمریکیة فرضه علیه. الحکومة الأمریکیة حکومة مستکبرة ترى لنفسها حق التدخل فی شؤون البلدان و إشعال الحروب. و ترون الیوم أن هذه الحالة قد تجاوزت حدود بلدان آسیا و أفریقیا و أمریکا اللاتینیة و وصلت إلى أوربا، فراحوا یتدخلون فی أمور الأوربیین أیضاً. وقف شعب إیران مقابل هذا الاستکبار الذی کانت تمارسه حکومة الولایات المتحدة الأمریکیة و تدخلاتها و تعسفها و هیمنتها على بلدنا العزیز طوال أعوام متمادیة. کانت الحکومة الطاغوتیة الملکیة حکومة تابعة و مرتهنة لأمریکا و من دون أن یکون لها دعائم و سند داخلی، بل کانت بالاعتماد على أمریکا تفعل فی إیران کل ما یریدون، فکانت تظلم الناس و تغتصب حقوقهم و تمارس التمییز بینهم، و تمنع البلد من النمو و الرقی و التنمیة التی تعدّ حقه الطبیعی و التاریخی، و کل ذلک من أجل تأمین مصالح أمریکا فی إیران. وقف الشعب الإیرانی و فجّر الثورة و اجتث جذور المستکبرین فی البلاد، و لم یکن کبعض البلدان الأخرى التی جابهت أمریکا لکنها ترکت الأمر غیر مکتمل، و تلقّت الضربات نتیجة ذلک.
لقد شاهدتُ فی أحد البلدان - و لن أذکر الاسم - و هو بلد قارع بریطانیا و کافح ضدها، و أنهى بکفاحه سنین من ظلم البریطانیین و جورهم ضده، و حصل على استقلاله، شاهدتُ أنهم نصبوا فی أحد مراکزهم الترفیهیة المهمة تمثالاً لقائد بریطانی! فقلنا مستنکرین: ما هذا؟ و قد اطلقوا على اسم المرکز الترفیهی اسم ذلک المستعمر المستکبر الذی ارتکب هناک الآف الجرائم! و طبعاً لم یجنوا شیئاً من هذه المداراة و المماشاة، أی إن الضغوط على ذلک البلد استمرت، و لا تزال مستمرة. التماشی مع المستکبر و ممالأته لا تحقق أیة مکاسب و منافع لأی بلد من البلدان. اشتبکت الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة و الثورة العظیمة لهذا الشعب مع الاستکبار العالمی و لم تترک الأمر ناقصاً غیر تام، لأن الشعب شعر بضربات و سیاط أمریکا طوال الأعوام المتمادیة على جلده و لحمه، و کان یعلم من هم هؤلاء و ما هم.
هذا المنحى الاستکباری الذی انتهجه الأمریکان و الذی استمروا علیه منذ عشرات الأعوام و إلى الیوم، أدى إلى بروز شعور من الامتعاض و عدم الثقة لدى الشعوب تجاه الحکومة الأمریکیة. و هذا الأمر لا یختص ببلادنا. أی بلد اعتمد على أمریکا و وثق بها تلقى الضربات و خسر، حتى الذین کانوا أصدقاء لأمریکا. فی بلادنا وثق الدکتور مصدق بالأمریکان و اعتمد علیهم و استعان بهم لیستطیع إنقاذ نفسه من ضغوط البریطانیین، و بدل أن یساعد الأمریکان الدکتور مصدق الذی أحسن الظن بهم تحالفوا مع البریطانیین و بعثوا مأمورهم إلى هنا فدبّر انقلاب الثامن و العشرین من مرداد. وثق مصدق بهم و تلقى ضربات عن ذلک. حتى الذین کانت لهم علاقات جیدة بأمریکا و وثقوا بها تلقوا الضربات منها. و قد کانت العلاقات بین النظام الطاغوتی السابق فی إیران و أمریکا صمیمیة جداً، لکن جشع الأمریکان جعل الکیل یطفح بهم، ففرضوا علیهم مثلاً هذه الحصانة القضائیة التی تحدثنا عنها - الحصانة القضائیة للمأمورین الأمریکان - و لم یکن لهم من سند و دعامة سوى الأمریکان، فاضطروا للقبول.
معنى الحصانة القضائیة أنه إذا صفع عریف أمریکی وجه ضابط إیرانی کبیر، لن یکون من حق أحد ملاحقته. و إذا اعتدى مأمور أمریکی صغیر فی طهران على رجل إیرانی شریف أو امرأة إیرانیة شریفة، فلن یکون من حق أحد أن یلاحقه. یقول الأمریکان للإیرانیین لیس من حقکم ملاحقته و محاسبته، إنما سوف نتدبّر الأمر بأنفسنا. لا یمکن أن تصل ذلة شعب من الشعوب إلى أسوء من هذا. فرضوا هذا الشیء، و قد کانوا أصدقاءهم فلم یرحموا حتى أصدقاءهم. نفس محمد رضا بهلوی هذا بعد أن هرب من إیران و وفد لمدة قصیرة على أمریکا طردوه من هناک و لم یبقوه. أی إنهم لم یفوا له حتى بهذا المقدار.. هکذا هم.
الشعوب و حتى الحکومات لا تثق بأمریکا بسبب هذا السلوک و المنحى المشهود فی سیاسات الأمریکان. کل من وثق بأمریکا نال جزاءه و تلقى الضربات عن ثقته. لذلک یمکن القول حالیاً إن أمریکا هی المکروهة و المبغوضة لدى الشعوب أکثر من أیة قوة أخرى فی العالم. لو تم إجراء استبیان عادل و نزیه لشعوب العالم فلا أظن أن الدرجة السلبیة لأیة حکومة یمکنها أن تضاهی الدرجة السلبیة للحکومة الأمریکیة. هکذا هو وضعهم فی العالم الیوم. تسمعون الکلام الذی یقوله الأوربیون الیوم ضد الأمریکان. إذن، قضیة مقارعة الاستکبار و الیوم الوطنی لمقارعة الاستکبار قضیة أساسیة نابعة من تحلیل صحیح و کلام صائب. و أنتم أیها الشباب الأعزاء و ملایین الشباب من أمثالکم فی کل أنحاء البلاد، یجب أن یکون لکم تحلیلکم الصحیح لهذه القضایا و الأمور. الشباب فی مطلع الثورة لم یکونوا بحاجة لتحلیلات و لم یکونوا یریدون تحلیلات، فقد کان کل شیء واضحاً بالنسبة لهم، لأنهم کانوا قد شاهدوا کل شیء و اطلعوا عن قرب على تواجد الأمریکان و قسوتهم و السافاک الذی تدرّب على ید الأمریکان. أما أنتم الیوم فیجب أن تفکروا و تحللوا و تدققوا، و لا یکون الأمر مجرد حدیث بالألسن، بل ینبغی أن یتبیّن لماذا یعارض الشعب الإیرانی الاستکبار، و لماذا یعارض توجّهات الولایات المتحدة الأمریکیة، و من أین ینبع هذا الامتعاض و الانزعاج.. هذا ما یجب أن یدرکه و یفهمه الشباب الیوم بصورة صحیحة و تحقیقیة.
طیب، لأذکر جملة من النقاط حول قضایانا الجاریة مع أمریکا، و التی یکثر البحث و الکلام حولها هذه الأیام، و تمثل أسئلة فی الأذهان. أولاً لألفت الأنظار إلى نقطة مهمة و ضروریة: جماعة المتفاوضین الإیرانیین مع مجموعة الدول التی تضمّ أمریکا، و هی ست دول تسمى اصطلاحاً خمسة زائد واحد، یجب أن لا یعتبرهم أحد استسلامیین.. هذا خطأ. هؤلاء مأمورو حکومة الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، و هم من إخوتنا و أبنائنا و من أبناء الثورة، و یقومون بمأموریة معینة. و مأموریتهم الملقاة على عواتقهم صعبة، و هم یجدّون و یسعون بالغ السعی للنهوض بالعمل الملقى على عواتقهم. إذن، یجب عدم إضعاف و إهانة المأمور الذی یعکف على عمله و المسؤول عن عملیة معینة، أو وصفه ببعض التعابیر التی قد تسمع أحیاناً من قبیل أنهم استسلامیون و ما إلى ذلک، لا، لیس الأمر کذلک. و تنبّهوا أیضاً إلى أن هذه المفاوضات التی تجری حالیاً مع البلدان الستة - و من ضمنها أمریکا - تختص بالقضایا النوویة لیس إلّا. و قد قلت فی کلمتی فی مدینة مشهد المقدسة بدایة هذا العام إنه لا إشکال فی المفاوضات حول موضوعات خاصة، لکننی قلت إننی لا أثق و لست متفائلاً بالمفاوضات، و لکن إذا کانوا یریدون التفاوض فلیتفاوضوا، و نحن لن یصیبنا ضرر من هذا بإذن الله.
إنها تجربة فی متناول أیدی الشعب الإیرانی - و سوف أتطرّق لهذا الموضوع باختصار - و سوف ترفع هذه التجربة الإمکانیات الفکریة لشعبنا. مثلاً تجربة عامی 82 و 83 [2003 و 2004 م] بخصوص تعلیق التخصیب، حیث وافقت الجمهوریة الإسلامیة فی ذلک الحین على تعلیق التخصیب لمدة معینة فی مفاوضاتها مع الأوربیین. و قد تأخّرنا بسبب ذلک لمدة سنتین، لکن الأمر انتهى لصالحنا. لماذا؟ لأننا أدرکنا أنه بتعلیق التخصیب لا یمکن عقد الآمال مطلقاً على طرف الشرکاء الغربیین. لو لم نکن قد قبلنا فی ذلک الحین بهذا التعلیق الطوعی - و طبعاً کان مفروضاً بنحو من الأنحاء، لکننا وافقنا علیه، و وافق علیه المسؤولون - فلربما کان سیقول البعض: لو کنتم قد تراجعتم بمقدار قلیل لتمّ علاج کل المشکلات و لصار الملف النووی الإیرانی ملفاً عادیاً. تعلیق التخصیب فی ذلک الحین کان فیه لنا فائدة إثبات أنه بالتراجع و تعلیق التخصیب و تأخیر العمل و تعطیل بعض المشاریع لا یمکن معالجة المشکلة، فالطرف الآخر یسعى وراء أشیاء و أمور أخرى. هذا ما أدرکناه، لذلک عاودنا بعد ذلک عملیات التخصیب. و وضع الجمهوریة الإسلامیة الیوم یختلف عن سنة 82 من الأرض إلى السماء. کنا نتساوم فی ذلک الحین على جهازین أو ثلاثة أجهزة للطرد المرکزی، و الیوم تعمل الآلآف من أجهزة الطرد المرکزی. عقد شباب إیران و علماؤها و باحثوها و مسؤولوها الهمم و تقدموا بالأمور و الأعمال إلى الأمام. و علیه، فلن نتضرر أو نخسر شیئاً من المفاوضات الجاریة فی الوقت الحاضر. و بالطبع فإننی کما سبق أن ذکرت لستُ متفائلاً، و لا أظن أن هذه المفاوضات ستثمر النتائج التی یتوقعها شعب إیران، لکنها تجربة و ستزید الرصید التجربی لشعب إیران و تعزّزه. لا إشکال فیها و لکن من الضروری أن یکون الشعب یقظاً واعیاً. إننا ندعم بکل قوة و إصرار مسؤولینا الذین یعملون و ینشطون فی الجبهة الدبلوماسیة، لکن الشعب یجب أن یکون واعیاً یقظاً و یعلم ما الذی یحدث لکی لا یستطیع بعض الإعلامویین الذین یستلمون رواتبهم من العدو و بعض الإعلامویین الذین لا یستلمون أجورهم من العدو، لکنهم سذّج و بسطاء، أن یضللوا الرأی العام.
من مخادعاتهم و أکاذیبهم أن یوحوا للرأی العام و یلقنوه بأننا إذا استسلمنا فی الملف النووی للطرف المقابل فسوف تحلّ کل المشکلات الاقتصادیة و المعیشیة و ... الخ. هذا ما یروّجوه فی إعلامهم. طبعاً الإعلامویون الأجانب یرسمون لهم الخطوط و الاتجاهات بأسالیب إعلامیة جد ماهرة. و فی الداخل یعمل البعض من منطلق السذاجة و بدون نوایا سیئة و یعمل البعض بدافع أغراض معینة على التبلیغ و الترویج بأننا لو تراجعنا فی هذه القضیة و استسلمنا مقابل الطرف الآخر فسوف تعالج کل المشکلات الاقتصادیة و غیر الاقتصادیة. هذا خطأ. لماذا هو خطأ؟ هناک عدة أسباب لذلک. نرغب فی أن تفکروا أیها الشباب الأعزاء - سواء أنتم الحاضرون فی هذه الجلسة أو الشریحة الشبابیة الواعیة المثقفة و الشباب الإیرانی المتحفز و الطلبة الجامعیون و طلبة المدارس فی کل أنحاء البلاد، و قد قلت ذات مرة بأنکم ضبّاط الحرب الناعمة - فی هذه القضایا و المسائل.
من هذه القضایا أن عداء أمریکا للشعب الإیرانی و للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة لا یدور أساساً حول محور الملف النووی. من الخطأ أن نتصور أن معرکة أمریکا ضدنا هی بسبب الملف النووی، لا، الملف النووی مجرد ذریعة. قبل أن تطرح القضیة النوویة کانت هذه العداوات و هذه المعارضات و الخلافات موجودة منذ مستهل الثورة. و إذا عولجت القضیة النوویة فی یوم من الأیام - لنفترض أن الجمهوریة الإسلامیة تراجعت و حققت ما یریدونه - لا تظنوا بأن القضیة کلها سوف تعالج و تنتهی، لا، سوف یطرحون تدریجیاً عشرات الذرائع الأخری: لماذا تمتلکون صواریخ؟ لماذا تمتلکون طائرات من دون طیّار؟ لماذا علاقاتکم سیئة مع الکیان الصهیونی؟ لماذا لا تعترفون بالکیان الصهیونی؟ لماذا تدعمون المقاومة فی المنطقة التی یسمّونها هم منطقة الشرق الأوسط؟ و لماذا؟ و لماذا؟ و لماذا؟ لیست القضیة أنهم انبثق لهم خلاف مع الجمهوریة الإسلامیة بشأن الملف النووی، لا، بدأ الحظر الأمریکی على إیران منذ بدایة الثورة، و قد ازداد یوماً بعد یوم، و قد وصل فی الوقت الراهن إلى درجة عالیة. و قد مارسوا صنوفاً أخرى من العداء: لقد أسقطوا طائرة الجمهوریة الإسلامیة و قتلوا 290 إنساناً. فی بدایات الثورة و حینما کان الشعب لا یزال یعیش حالات هیاج الثورة دبّروا انقلاب معسکر الشهید نوجه ضد الثورة الإسلامیة. و قد دعموا أعداء الثورة فی أیة منطقة من البلاد کانوا، و أمدّوهم بالسلاح و غیر ذلک. و هو نفس العمل الذی قاموا به بعد ذلک فی بلدان أخرى.. لقد فعلوه هذه الأفعال هنا.
لیست القضیة قضیة الملف النووی. هذا ما ینبغی للجمیع التفطن إلیه. لیس الأمر أن نظن بأن عداء أمریکا للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة بسبب الملف النووی، لا، القضیة قضیة أخرى. القضیة هی أن الشعب الإیرانی قال کلا للمطالیب الأمریکیة، و قال إن أمریکا لا تستطیع ارتکاب أیة سخافة. إنهم یعارضون وجود الجمهوریة الإسلامیة، و یعارضون نفوذها و اقتدارها. فی الآونة الأخیرة قال أحد السیاسیین و الشخصیات الفکریة الأمریکیة - و قد أذیع قوله و لیس الأمر أمراً خفیاً سریاً - إن إیران خطرة سواء کانت ذریة أو غیر ذریة. قال هذا الشخص بصراحة إن نفوذ إیران و اقتدارها - و على حد تعبیرهم التفوق الإیرانی - فی المنطقة أمر خطیر.. إیران التی تحظى حالیاً بالاعتبار و الاحترام و الاقتدار. إنهم یعادون و یعارضون هذا الشیء. سوف یکونوا راضین یوم تکون إیران شعباً ضعیفاً و مروّضاً و راضخاً و معزولاً و بدون اعتبار و لا احترام. القضیة لیست قضیة الملف النووی.. هذه نقطة.
النقطة الأخرى هی إننا یجب أن نرکز کل جهودنا فی الشأن الاقتصادی على الأمور الداخلیة. التقدم و الحل الذی یحظى بالقیمة و الأهمیة هو الذی یعتمد على القدرات الداخلیة للشعب. إذا کان الشعب معتمداً على قدراته و مواهبه فلن یعتریه الاضطراب لغضب هذا البلد أو حظر ذاک البلد. هذا ما یجب أن نرکّز علیه و نعالجه. کل کلامنا مع المسؤولین - سواء المسؤولون فی الماضی أو المسؤولون فی الوقت الحاضر - هو أنه من أجل حل قضایا البلاد و مشکلاتها، بما فی ذلک المشاکل الاقتصادیة، ینبغی أن تترکز النظرة على الداخل. لدینا فی داخل البلاد الکثیر من الإمکانیات و الطاقات، و یجب الاستفادة من إمکانیات هذا الشعب و التی تتمثل فی طاقاته البشریة و مصادره الطبیعیة و الجغرافیة و موقعه الإقلیمی. و طبعاً نحن ندعم التحرک الدبلوماسی. حین نقول إن الأمور یجب أن تعالج و تصلح من الداخل فهذا لا یعنی أن نغلق أعیننا و لا یکون لنا تحرکنا الدبلوماسی و لا نتعامل مع العالم، بلى، التحرک الدبلوماسی و التواجد الدبلوماسی عملیة جد ضروریة - و المسؤولون الذی یقومون بهذه الأعمال هم جزء من العمل و الأمر - بید أن الاعتماد و الترکیز یجب أن ینصب على الشؤون الداخلیة. و البلد الناجح على الصعید الدبلوماسی هو الذی یعتمد على طاقاته الذاتیة، و الحکومة التی تستطیع تثمیر کلامها خلف طاولة المفاوضات الدبلوماسیة و تصل إلى النتائج المرجوّة هی تلک التی تعتمد على اقتدار داخلی و إمکانیات ذاتیة، فالأطراف الأخرى تحسب لمثل هذه الحکومة حسابها.
النقطة المهمة التی یجب أن تحظى هنا بالتدقیق هی أننا فی مواجهتنا لأعدائنا طوال هذه الأعوام لم نصب بالیأس فی أی وقت من الأوقات، و سوف لن نصاب بالیأس بعد الآن أیضاً. فی العقد الأول من الثورة لم تکن تتوفر لدینا غالبیة الأدوات و الوسائل المادیة، إذ لم یکن عندنا المال و لم یکن عندنا السلاح و لا التجربة و لا تنظیم و لم یکن لدینا قوات مسلحة کفوءة و لا معدات حربیة، و کان عدونا - سواء عدونا الذی یقاتلنا فی ساحة الحرب أی نظام البعث الصدامی، أو العدو الذی یقف وراءه أی أمریکا و الناتو و الاتحاد السوفیتی یومذاک - کان فی ذروة قوته و قدرته. أمریکا هذه نفسها کانت یومذاک فی عهد ریغان من الدول القویة القدیرة فی المیادین السیاسیة و العسکریة فی العالم، و کنا نحن نعیش العوز و الفقر و الضیق، لکنهم لم یستطیعوا فعل شیء لنا.
و لقد تغیّر الوضع الیوم، فالجمهوریة الإسلامیة فی الوقت الراهن لدیها السلاح و المال و العلم و التقنیة و القدرة على الصناعة و تتمتع کذلک بالاعتبار الدولی، و فیها کذلک الملایین من الشباب المستعدین للعمل و ملایین المواهب. هکذا هو وضعنا الیوم. لا یمکن مقارنة وضعنا الآن إطلاقاً بما کنا علیه قبل ثلاثین سنة. و فی الجبهة المقابلة لنا فإن الوضع على العکس تماماً. کان الأمریکیون فی ذلک الحین فی ذروة قوّتهم، و هم لیسوا کذلک الیوم. واحد من رجال الحکم الأمریکان حالیاً و هو شخصیة معروفة قال قبل فترة عبارة - و هذا هو قوله و لیس قولنا - إن أمریکا الیوم وصل بها الحال إلى حیث لا یحترمها أصدقاؤها و لا یخاف منها أعداؤها. عانوا فی الفترة الأخیرة من مشکلات سیاسیة، و قد لاحظتم الخلافات بین رجال السیاسة فی أمریکا بخصوص قضایا تتعلق بمیزانیة حکومتهم ما أدّى إلى تعطیل الحکومة الأمریکیة لمدة ستة عشر أو سبعة عشر یوماً. ذهب ثمانمائة ألف موظف فی إجازة إجباریة. هذا ضعف و عجز. یعانون الیوم من أکبر المشکلات على الصعید الاقتصادی و المالی. و مشکلاتنا بمثابة الصفر فی مقابل مشکلاتهم.
فی سنة 2001 أو 2002 للمیلاد - أی قبل عشرة أعوام أو أحد عشر عاماً - خمّن المسؤولون المالیون الأمریکان و قالوا إننا فی سنة 2011 أو 2012 سیکون لدینا فائض فی الإیرادات بمقدار أربعة عشر ألف ملیار دولار.. دققوا جیداً.. فی سنة 2011 کان تخمینهم لسنة 2011 و 2012 هو إنهم قالوا سیکون لنا فی سنة 2011 و 2012 أربعة عشر ألف ملیار دولار إضافیة من الإیرادات. و الآن نحن فی سنة 2013 و لدیهم نقص بمقدار سبعة عشر ألف ملیار دولار، لا أنهم لم یحصل لدیهم إضافة و فائض فی الإیرادات و حسب. معنى ذلک أنهم أخطأوا فی حساباتهم بمقدار ثلاثین ألف ملیار دولار! هذا هو وضعهم الاقتصادی و وضع حساباتهم. مثل هذا الوضع یوجد الیوم فی الجبهة المقابلة لنا. و الاختلافات کثیرة کما تلاحظون. ثمة مصالح مشترکة تربط بینهم - بین الأوربیین و الأمریکیین - و إلّا هم على علاقات سیئة فی أعماقهم. الشعب الفرنسی یکره الأمریکیین و یمتعض منهم. و فی قضایا متعددة من قبیل قضیة سوریة أراد الأمریکان الهجوم فلم یستطیعوا إشراک أقرب الدول إلیهم فی هذه القضیة، أعنی بریطانیا التی قالت إننا لن نشارک فی الهجوم. هذا فی حین عندما هجموا على العراق تعاونت معهم نحو أربعین دولة، و حین هاجموا أفغانستان تعاونت معهم أکثر من ثلاثین دولة.
هکذا هو وضع الأمریکان الآن، لکن وضعنا جید جداً. لقد تقدمنا و زاد اقتدارنا و زاد وعی شعبنا. و هم طبعاً یمارسون ضغوطهم. یجب أن نصبر على هذه الضغوط و نتحمّلها و نتجاوزها بالاعتماد على قدراتنا الذاتیة. هذا طریق عقلائی یجب أن نسیر فیه. طبعاً قلنا و نکرّر: نحن نؤیّد الجهود التی تبذلها الحکومة المحترمة و المسؤولون فی البلاد، فهذه عملیة و تجربة من الممکن أن تکون مفیدة. إنهم یقومون بهذه العملیة فإذا آتت نتائجها فنعمّا ذلک، و إذا لم یحصلوا على النتیجة المطلوبة فلیکن معنى ذلک أنهم یجب أن یقفوا على أقدامهم من أجل حل مشکلات البلاد. و نکرّر مرة أخرى توصیتنا السابقة: لا تثقوا بالعدو الذی یبتسم لکم. هذا ما نوصی به مسؤولینا و أبناءنا الذین یعملون فی السلک الدبلوماسی، فهم أنباؤنا و شبابنا. توصیتنا لهم: احذروا من أن توقعکم الابتسامات المخادعة فی الخطأ. و دققوا فی دقائق ما یقوم به العدو.
یعیش الأمریکان الیوم أشد حالات المجاملة و الإحراج مع الکیان الصهیونی المنحط، و یتحرّجون أشدّ الحرج من الأوساط الصهیونیة، فیدارونهم و یحاولون إرضاءهم، و نحن نرى هذا الوضع. قبضة العتاة المالیین و الشرکات الصهیونیة تضغط على الحکومة الأمریکیة و الکونغرس و المسؤولین الأمریکان بشکل یجبرهم على مراعاة الصهاینة، لکننا نحن غیر مجبرین على مراعاتهم. لقد قلنا منذ الیوم الأول و نقولها الیوم أیضاً و سنقولها بعد الآن أیضاً: إننا نعتبر الکیان الصهیونی کیاناً غیر شرعی و لقیط. نظام تکوّن بفعل المؤامرات، و یُحفظ الیوم بفعل المؤامرات و السیاسات التآمریة. هم یراعونهم.. أما لماذا یراعونهم فهذا بحث آخر. المال و القوة و الرسامیل الصهیونیة تفعل فعلها، و تفرض نفسها بالتالی على هؤلاء المساکین، فیضطرون لمراعاة الصهاینة. و الأمر لا یختص فقط بالأمریکان فالکثیر من الساسة الغربیین الآخرین هم أیضاً مساکین یعانون من نفس المشکلة. لذا، على مسؤولینا أن یدققوا و یلاحظوا الکلام، فالطرف المقابل یبتسم و یبدی الودّ و الرغبة فی التفاوض لکنه من ناحیة أخرى و بدون تأخیر یقول: کل الخیارات على الطاولة! طیّب، ثمّ ماذا؟ أیة خطوة أو سخافة یمکن أن یرتکبوها ضد الجمهوریة الإسلامیة؟ إذا کانوا جادّین فی العملیة فیجب علیهم ضبط أنفسهم و إسکات الذین یفتحون أفواههم بمثل هذا الکلام الفارغ. یقول أحد السیاسیین الأمریکیین الأثریاء شیئاً سخیفاً هو إننا یجب أن نقصف الصحراء الإیرانیة الفلانیة بقنبلة ذریة و نهدّدهم و کیت و کیت.. یجب أن یصفعوا مثل هذا الشخص و یحطموا فمه. الحکومة التی تتوّهم أنها مسؤولة حیال قضایا العالم و تعتبر نفسها مسؤولة عن التصدی للملف النووی للبلد الفلانی و البلد الفلانی، سیکون من السخافة أن تهدد بلداً فی مثل هذا الوضع و فی مثل هذا الزمن تهدیداً نوویاً. یجب أن یمنعوا مثل هذا الهذر.
على کل حال، شعبنا و الحمد لله شعب واع یقظ، و المسؤولون هم من هذا الشعب، و هم أیضاً واعون یقظون دقیقون. أی عمل یکون فی مصلحة البلاد و یقوم به المسؤولون، نحن ندعمه و نساعدهم و ندعو لهم، و لکن نوصی کل أبناء الشعب و نوصی المسؤولین أیضاً و نوصیکم خصوصاً أیها الشباب الأعزاء بأن تفتحوا أعینکم و آذانکم. أی شعب من الشعوب یمکنه بفضل الوعی و الیقظة و عدم الغفلة أن یحقق أهدافه السامیة.
و نتمنى أن تکون أدعیة سیدنا بقیة الله الإمام المهدی المنتظر (أرواحنا فداه) دعامة و سنداً لکم إن شاء الله. و أن تدعو لکم روح الإمام الخمینی الطاهرة. و تدعو لکم أرواح الشهداء الطیبة إن شاء الله. و ستستلمون أیها الشباب بإذن الله البلاد بروحیّتکم البهیجة المتوثبة، و سترفعون البلاد بإبداعاتکم، حین یحین دورکم، إلى القمم إن شاء الله.
و السلام علیکم و رحمة الله و برکاته. 

 المصدر: http://arabic.khamenei.ir

رایکم
الأکثر قراءة
احدث الاخبار