تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22
أرشیف کلمات و خطب سماحة القائد/11

کلمة الإمام الخامنئی فی لقائه مسؤولی الدولة و ضیوف مؤتمر الوحدة الإسلامیة بمناسبة میلاد الرسول الأکرم (ص) و الإمام

أبارک العید السعید لمیلاد الرسول الأعظم (ص) المبارک و الولادة المبارکة لابنه الکبیر الإمام الصادق (علیه الصلاة و السلام) لکم جمیعاً أیها الحضور المحترمون الذین تفضّلتم بالمجئ إلى هذا الاجتماع، و الضیوف الأعزاء فی أسبوع الوحدة و سفراء البلدان الإسلامیة، و کل المسؤولین و الأجلاء الذین یتولون مسؤولیات الأعمال الجسام فی البلاد. کما أبارکه لکل شعب إیران و لکل المسلمین فی العالم، بل لکل أحرار العالم.
رمز الخبر: ۶۰۳۸۴
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۳:۱۱ - 06October 2014

 کلمة الإمام الخامنئی فی لقائه مسؤولی الدولة و ضیوف مؤتمر الوحدة الإسلامیة بمناسبة میلاد الرسول الأکرم (ص) و الإمام

بسم الله الرحمن الرحیم
أبارک العید السعید لمیلاد الرسول الأعظم (ص) المبارک و الولادة المبارکة لابنه الکبیر الإمام الصادق (علیه الصلاة و السلام) لکم جمیعاً أیها الحضور المحترمون الذین تفضّلتم بالمجئ إلى هذا الاجتماع، و الضیوف الأعزاء فی أسبوع الوحدة و سفراء البلدان الإسلامیة، و کل المسؤولین و الأجلاء الذین یتولون مسؤولیات الأعمال الجسام فی البلاد. کما أبارکه لکل شعب إیران و لکل المسلمین فی العالم، بل لکل أحرار العالم.
هذه الولادة المبارکة مصدر برکات عمّت حیاة کل أبناء البشریة طوال قرون، و ارتقت بالشعوب و البشر و الإنسانیة إلى أعلى العوالم الإنسانیة و الفکریة و الروحیة و إلى حضارة راقیة و آفاق مشرقة من الحیاة. المهم للعالم الإسلامی و المجتمع الإسلامی فی ذکرى هذه الولادة هو یضع نصب عینیه توقعات الرسول الأکرم (ص) من المجتمعات الإسلامیة و یسعى و یجاهد لتحقیق هذه التوقعات، فسعادة العالم الإسلامی فی ذلک لیس إلّا. لقد جاء الإسلام لتحریر البشریة.. تحریرها من قیود الأجهزة المستبدة الظالمة المتعسفة مع مختلف طبقات البشر، و إیجاد حکومة عادلة للإنسانیة، و تحریرها کذلک من الأفکار و التصورات و الأوهام التی تسود حیاة الإنسان، و التی وجّهت حیاة الإنسان بخلاف مصالحه. لقد وصف الإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب (علیه الصلاة و السلام) مناخ حیاة الناس عند ظهور الإسلام بأنه مناخ فتنة، فقال: «فى فِتَنٍ داسَتهُم بِاَخفافِها وَ وَطِئَتهُم بِاَظلافِها». (۱) الفتنة هی ذلک الفضاء المضبّب المغبّر الذی تعجز فیه أعین الإنسان عن النظر و الرؤیة.. الأعین لا ترى الطریق، و لا تشخّص الصلاح. کانت هذه وضعیة الناس الذین یعیشون فی تلک المنطقة الملیئة بالمحن و الآلآم. و فی البلدان الکبرى و الحضارات التی کانت قائمة یومذاک و لها حکوماتها و شعوبها کانت هناک أیضاً أوضاع بشکل آخر. لیس الأمر بحیث نقول إن الناس فی جزیرة العرب فقط کانت حیاتهم تعیسة عند ظهور الإسلام، بینما کان الآخرون یعیشون الرخاء و السعادة، لا، غلبة الحکومات الجائرة و الظالمة و تجاهل شأن الإنسان و الإنسانیة و الحروب الطاحنة التی قامت بین القوى الکبرى من أجل السیطرة و الهیمنة، کلها کانت قد أفسدت حیاة الناس. النظر فی التاریخ یدلّنا على أن الحضارتین المعروفتین فی ذلک الحین، أعنی الحضارة الإیرانیة الساسانیة و حضارة الإمبراطوریة الرومانیة کانت لهما أوضاع یعتصر بسببها قلبُ الإنسان على عموم الناس و مختلف شرائح البشر الذین کانوا یعیشون فی تلک المجتمعات. کانت أوضاع حیاتهم أوضاعاً مؤسفة و مؤلمة، و کانوا یعیشون فی أغلال و أسر.
جاء الإسلام فحرّر البشر. و هذه الحریة تحققت أولاً فی قلوب الناس و أرواحهم. و حینما یشعر الإنسان بالحریة و یشعر بالحاجة لتحطیم القیود و الأصفاد، فإن طاقاته و قواه سوف تعمل بتأثیر من هذا الشعور، و إذا عقد الهمّة و العزم و تحرّک، فإن الحریة سوف تتحقق له بشکل عینی موضوعی. هذا ما فعله الإسلام للبشر، و الیوم أیضاً لا تزال هذه الرسالة موجودة فی کل العالم و فی العالم الإسلامی. أعداء حریة البشر یقتلون فکرة الحریة لدى البشر و یسحقونها. و حین لا تکون هناک فکرة الحریة فإن التحرک نحو الحریة سیکون بطیئاً أو سیزول تماماً. واجبنا نحن المسلمین الیوم هو أن نوصل أنفسنا إلى الحریة التی یریدها الإسلام. استقلال الشعوب المسلمة و تأسیس حکومات شعبیة فی کل أنحاء العالم الإسلامی، و مشارکة کل الأفراد فی اتخاذ القرارات و تعیین المصیر و التحرک على أساس الشریعة الإسلامیة هو ذلک الشیء الذی سینقذ الشعوب. طبعاً تشعر الشعوب المسملة الیوم أنها بحاجة إلى هذه الحرکة، و هذا الشعور موجود فی کل أرجاء العالم الإسلامی، و سوف یؤتی هذا الشعور فی نهایة المطاف أکله بلا مراء. إذا نهض النخبة و العینة من الشعوب - سواء النخبة السیاسیة أو النخبة العلمیة و الدینیة - بواجباتهم على نحو صحیح فإن مستقبل الإسلام سیکون مستقبلاً جیداً. و هنالک أمل بهذا المستقبل. العالم الإسلامی الیوم یشعر بالصحوة. و فی هذا الموقف بالتحدید یتدخل أعداء الإسلام - المعارضون للصحوة الإسلامیة و لاستقلال الشعوب و لسیادة دین الله فی البلدان - و یختلقون مختلف الحیل لتعطیل المجتمعات الإسلامیة و إجهاضها، و أهمّها هی خلق النزاعات و الخلافات.
منذ 65 عاماً و العالم الاستکباری یحاول بکل ما أوتی من قوة فرض واقع وجود الکیان الصهیونی على الشعوب المسلمة، و إجبارهم على قبول هذا الواقع، لکنه فشل و لم یستطع. لا ننظر لبعض البلدان و الحکومات التی تبدی استعدادها لسحق مصالحها الوطنیة أو نسیان المصالح الإسلامیة من أجل صیانة مصالح أصدقائها الأجانب و هم أعداء الإسلام، فالشعوب تعارض وجود الصهاینة. إنهم منذ 65 عاماً یحاولون زجّ اسم فلسطین فی مطاوی النسیان لکنهم لم یستطیعوا. خلال هذه الأعوام الأخیرة و فی حرب الثلاثة و ثلاثین یوماً فی لبنان، و فی حرب الإثنین و عشرین یوماً فی غزة، و مرة أخرى فی حرب الأیام الثمانیة فی غزة أیضاً، أثبتت الشعوب المسلمة و الأمة الإسلامیة أنها حیّة، و استطاعت على الرغم من الأموال التی تنفقها أمریکا و باقی القوى الغربیة أن تصون وجودها و هویتها و تصفع الکیان الصهیونی الزائف المفروض، و تفرض الفشل على سادة و أصدقاء و حلفاء الصهاینة الظالمین الذین بذلوا خلال هذه المدة کل جهودهم لحمایة هذا الکیان المفروض الظالم المجرم. لقد أثبتت الأمة الإسلامیة أنها لم تنس فلسطین، و هذه قضیة على جانب کبیر من الأهمیة. فی هذه الظروف تنصبّ کل جهود العدو على أن تنسى الأمة الإسلامیة قضیة فلسطین. کیف؟ عن طریق خلق خلافات و نزاعات و إشعال الحروب الداخلیة و إشاعة التطرف المنحرف باسم الإسلام و الدین و الشریعة. البعض یکفّرون عامة المسلمین و الأکثریة منهم. وجود هذه التیارات التکفیریة التی ظهرت فی العالم الإسلامی بمثابة البشرى للاستکبار و لأعداء العالم الإسلامی. هؤلاء هم الذین یصرفون الاهتمام إلى نقاط أخرى بدل ترکیزه على واقع الکیان الصهیونی الخبیث.
و هذا على الضدّ تماماً مما أراده الإسلام. فقد أراد الإسلام من المسلمین أن یکونوا «اَشِدّاءُ عَلَى الکُفّارِ رُحَماءُ بَینَهُم». (۲) على المسلمین أن یکونوا أشداء صلبین بوجه أعداء الدین، و یقفوا بقوة و لا یلینوا. صریح الآیة القرآنیة «اَشِدّاءُ عَلَى الکُفّار». و یکونوا عطوفین بینهم و متحدین و متعاضدین و أن یعتصموا بحبل الله. هذا هو أمر الإسلام. و إذا بتیار یظهر یقسّم المسلمین إلى مسلم و کافر! و یستهدف بعض المسلمین باعتبارهم کفاراً، و یشعل الاشتباکات بین المسلمین! من بوسعه أن یشک فی أن إیجاد هذه التیارات و دعمها و تمویلها و تسلیحها هو من فعل الاستکبار و الأجهزة الأمنیة الخبیثة للحکومات الاستکباریة؟ إنهم یخططون لهذه الممارسات و الأعمال. على العالم الإسلامی أن یخوض فی هذه القضیة و یعالجها، فهی خطر کبیر. للأسف بعض الحکومات المسلمة تثیر هذه الخلافات عن غفلة، و لا تفهم أن إثارة هذه الخلافات ستشعل نیراناً تطالهم کلهم. هذه هی إرادة الاستکبار: حرب جماعة من المسلمین مع جماعة أخرى. و منفذو هذه الحروب هم أناس یقبضون من أموال عملاء المستکبرین، فهم یمدّونهم بالمال و السلاح لیشعلوا الاقتتال و الاشتباکات الداخلیة فی هذا البلد و ذاک. و قد تصاعدت هذه التحرکات من قبل الاستکبار خلال هذه الأعوام الثلاثة أو الأربعة الأخیرة التی شهدت تنامی موجة الصحوة الإسلامیة فی عدد من البلدان الإسلامیة و العربیة، و ذلک من أجل تهمیش الصحوة الإسلامیة. یوقعون بین المسلمین، و تعمل الأجهزة الإعلامیة للعدو على تضخیم بعض الأمور لیظهروا الإسلام قبیحاً فی أنظار الرأی العام العالمی. حینما تظهر التلفزة إنساناً یقضم و یأکل کبد إنسان باسم الإسلام، فما سیکون تصورهم حول الإسلام؟ لقد خطط أعداء الإسلام، و هذه لیست أموراً ظهرت فجأة و من دون مقدمات. إنها أمور تم التخطیط لها منذ فترات، و تقف وراءها سیاسات و أموال و أجهزة تجسسیة. على المسلمین أن یقفوا ضد أی عامل من عوامل نقض الوحدة. هذا واجب کبیر علینا جمیعاً، على الشیعة أن یقبلوا هذا و على السنة أیضاً أن یقبلوه، و کذلک على الفرق المتنوعة داخل الشیعة و داخل السنة أن تقبله.
الوحدة بمعنى الترکیز على المشترکات. لدینا الکثیر من المشترکات. المشترکات بین المسلمین أکثر من مواطن الاختلاف. یجب الترکیز على المشترکات. الواجبات الأساسیة فی هذا الجانب تقع على عاتق النخبة، سواء النخبة السیاسیة أو النخبة العلمیة أو النخبة الدینیة. لیحذّر علماء الإسلام الناس من تشدید الخلافات الطائفیة و المذهبیة. و علماء الجامعات یجب أن یوجّهوا الطلبة الجامعیین و یرشدوهم و یفهموهم بأن الوحدة هی أهم قضایا العالم الإسلامی الیوم. الاتحاد على الأهداف، و الأهداف هی الاستقلال السیاسی، و تأسیس و تکریس الدیمقراطیة الدینیة، و تطبیق الأحکام الإلهیة فی المجتمعات الإسلامیة، الإسلام الذی یدعو إلى الحریة، و یدعو الناس إلى العزة و الشرف. هذا هو الواجب و التکلیف الیوم. و لیعلم النخبة السیاسیون أن عزتهم و شرفهم یتأتّى بالاعتماد على شعوبهم و أبناء أوطانهم، و لیس بالاعتماد على الأجانب و الذین یعادون المجتمعات الإسلامیة من الأعماق. ذات یوم کانت القوى الاستکباریة هی التی تحکم فی کل مکان من هذه المنطقة. کانت السیاسات الأمریکیة و من قبلها السیاسات البریطانیة أو سیاسات بعض البلدان الأوربیة الأخرى هی السائدة و الحاکمة، و استطاعت الشعوب تدریجیاً أن تحرّر نفسها من ربقة الهیمنة المباشرة، و هم یریدون إحلال الهیمنة غیر المباشرة - الهیمنة السیاسیة و الهیمنة الاقتصادیة و الهیمنة الثقافیة - بدل الهیمنة المباشرة التی کانت فی عهد الاستعمار. هم بالطبع یتدخلون حالیاً حتى بشکل مباشر فی بعض مناطق العالم. لاحظوا ما یجری فی أفریقیا حیث ترید بعض البلدان الأوربیة العودة إلى نفس الأوضاع التی کانت سابقاً. و السبیل هو الصحوة الإسلامیة و الوعی بمکانة و شأن الشعوب المسلمة. للشعوب الإسلامیة الکثیر من الإمکانیات، فلها مثلاً موقع جغرافی حساس، و تراث تاریخی قیّم ثمین، و مصادر اقتصادیة منقطعة النظیر. إذا صحت الشعوب و عادت إلى ذاتها و اعتمدت على نفسها و مدت ید الصداقة بعضها لبعض فستکون هذه المنطقة منطقة ممیزة و متألقة و سیرى العالم الإسلامی أنوار العزة و الکرامة و السیادة. هذا ما سیحدث إن شاء الله فی المستقبل، و یمکن ملاحظة علاماته و مؤشراته، و منها انتصار الثورة الإسلامیة فی إیران و تأسیس نظام الجمهوریة الإسلامیة فی هذه المنطقة الحساسة و تکریس نظام الجمهوریة الإسلامیة.
الأجهزة الاستکباریة الأمریکیة و غیرها فعلت کل ما تستطیعه طوال 35 عاماً ضد نظام الجمهوریة الإسلامیة و شعب إیران، و على الرغم منهم ازداد شعب إیران و نظام الجمهوریة الإسلامیة قوة و تجذراً و اقتداراً و نفوذاً یوماً بعد یوم، و سوف یزداد هذا الاستقرار و القوة و الاقتدار فی المستقبل إن شاء الله أکثر مما هو علیه الیوم. و على صعید العالم الإسلامی أیضاً یرى المرء أن وعی الأجیال و الشباب تجاه الإسلام و مستقبل الإسلام قد تضاعف فی الوقت الحاضر أکثر من الماضی، و فی بعض المناطق نجد أن هذا الوعی تضاعف کثیراً. و بالطبع فإن العدو یبذل مساعیه و یحاول محاولاته، لکننا حین ننظر بدقة و بصیرة سنجد أن موجة الحرکة الإسلامیة هذه سائرة نحو التقدم و التصاعد إن شاء الله.
رحمة الله على إمامنا الخمینی الجلیل الذی فتح أمامنا هذا الطریق، و قد علمنا أن نتوکل على الله و نطلب المدد من الله و نکون متفائلین بالمستقبل. و قد سرنا فی هذا الطریق و سیکون هذا هو الحال فی المستقبل أیضاً إن شاء الله. على أمل انتصار الإسلام و المسلمین، و نسأل الرحمة و المغفرة الإلهیة لشهداء هذا الدرب المنیر.
و السلام علیکم و رحمة الله و برکاته.

الهوامش:
1 - نهج البلاغة، الخطبة الثانیة.
2 - سورة الفتح، شطر من الآیة 29 .

 المصدر: http://arabic.khamenei.ir

رایکم
الأکثر قراءة