بسم الله الرحمن الرحیم
أرحب بجمیع الإخوة و الأخوات الأعزاء من أهالی تبریز و آذربیجان، و أشکرکم أیها الإخوة و الأخوات الأعزاء لتجشّمکم عناء السفر و هذا الطریق الطویل فی هذه الأیام الباردة من الشتاء لتنشروا الدفء و الحماس فی أجواء حسینیتنا فی هذه الأیام التاریخیة المهمة. أشکر جمیع الإخوة و الأخوات من الصمیم، و على وجه الخصوص عوائل الشهداء المبجّلة و العلماء الأعلام و المدراء رفیعو المستوى، و کذلک حضرة الشیخ شبستری إمام جمعة تبریز المحترم الذی بذل و یبذل - و الحق یقال - جهوداً قیمة جدیرة بهذه المدینة الکبیرة و هذه المحافظة العظیمة.
أبدأ کلمتی بعبارة شکر للشعب الإیرانی الکبیر على العظمة التی أبداها عن نفسه و عن اقتداره فی یوم الثانی و العشرین من بهمن. اللسان یعجز عن الوصف و التقدیر و الشکر. فی الدرجة الأولى یجب أن نمرّغ جبهة الشکر و الحمد فی التراب مقابل ربّ العالمین و هو محوّل القلوب و مقلب النوایا و العزائم، و کل شیء دائر بإرادته. و فی الدرجة الثانیة نشکر شکراً صمیمیاً کل أبناء الشعب الإیرانی الکبیر فی کل أنحاء البلد على عرضهم یوم الثانی و العشرین من بهمن على العالم بهذا الشکل الحیوی الممیز المزدهر. ثم سأعود لأشیر إشارة إلى قضیة الثانی و العشرین من بهمن.
اجتماعنا الیوم و لقاؤنا بکم أیها الأعزاء من أهالی مدینة تبریز و باقی مدن آذربیجان هو بمناسبة ذکرى التاسع و العشرین من بهمن. لیس التاسع و العشرون من بهمن مجرد اسم، أو یوم کباقی الأیام، أو مجرد حادثة. التاسع و العشرون من بهمن معناه تلک الواقعة و الحادثة التی وقعت فی سنة 56 فی مثل هذا الیوم و التی تحمل فی حقیقتها عدة معان. الشباب الحاضرون فی هذه الجلسة - و هم أعزائی و أبنائی - الکثیرون منکم لم یشهدوا التاسع و العشرین من بهمن، بید أن درس التاسع و العشرین من بهمن لا یزال حیاً، و عبر التاسع و العشرین من بهمن لا تزال حیة.
هناک عدة معان فی هذا الحدث الکبیر: المعنى الأول هو التأشیر و التعبیر عن الخصوصیات الأخلاقیة و خصال أهالی تبریز و أهالی آذربیجان. هذا شیء على جانب کبیر من الأهمیة. علینا أن نعرف أنفسنا بخصالنا و خصوصیاتنا الأخلاقیة. الآخرون یعملون على تعریف أخلاق الإیرانیین بطریقة مصحوبة بالتحریف و قصر النظر! علینا أن نعرف أنفسنا بنحو صحیح فی مرآة هذه الأحداث. فی حدث التاسع و العشرین من بهمن عبّر أهالی تبریز عن هذه الخصال فی أنفسهم: أولاً إیمانهم الدینی العمیق، و ثانیاً: غیرتهم الدینیة، و ثالثاً: شجاعتهم. و بعد ذلک هناک قضیة معرفة الظرف و الوعی الصحیح للأحداث. هذه أمور على جانب کبیر من الأهمیة للجماعة المؤمنة الشجاعة و التی تتوفر على القدرة على المبادرة و تعرف زمن المبادرة و توقیتها. فالمبادرة قبل أو بعد الوقت المناسب لن تکون مؤثرة. و قد قام أهالی تبریز بانتفاضة التاسع و العشرین من بهمن فی وقتها المناسب. هذه الخصوصیات على جانب کبیر من الأهمیة. و قد تحلت تبریز و آذربیجان بهذه الخصوصیات حتى قبل التاسع و العشرین من بهمن، و هم یحملون هذه الخصال لحد الیوم، و قد أثبتت الأحداث اللاحقة ذلک، و یجب الحفاظ علیها و الاستمرار فیها. الإیمان الإسلامی و الغیرة الإیمانیة و الشجاعة و المبادرة و الریادة و الاقتحام و القیام بأعمال ممیزة و مبتکرة فی سبیل الأهداف السامیة، و معرفة الزمن و الظرف و تنفیذ الأعمال المتناسبة مع الظرف، کلها کانت من برکات و آثار التاسع و العشرین من بهمن الذی جسّد الخصال الممیزة لأهالی تبریز و آذربیجان فی مرآة التاریخ.
النقطة الثانیة التی یمکن قراءتها فی التاسع و العشرین من بهمن التعبیر عن حقیقة البرکة الجمّة الکامنة فی التلاحم بین الأجزاء المتعددة للبلاد. أین قم و أین تبریز؟ وقعت حادثة لمدینة قم (1) و الذین قاموا بتلک الحادثة لم یریدوا أن تبقى تلک الحادثة حیّة بل أرادوا ضیاعها و إدراجها فی مطاوی النسیان. و فجأة و فی منطقة بعیدة عن قم، هی تبریز، نهض الناس و أحیوا الحادثة التی وقعت لأهالی قم. لم یکن الأمر بحیث یُحیی أهالی قم أنفسهم أربعینیة حادثة التاسع عشر من دی التی وقعت لها، بل أحیاها أهالی تبریز. لقد أصاب الفزع الأجهزة الطاغوتیة المتجبّرة، و قامت بردود فعل صبیانیة مقابل أهالی تبریز، فاستشهد البعض منهم. الإعلام الذی مارسوه فی ذلک الحین کان إعلاماً جد صبیانی و خاطئ، فقد أرادوا التضلیل و التحریف. و مضت الحادثة و أحیى أهالی یزد أربعینیة ما حدث لأهالی تبریز. لاحظوا.. هذا هو التلاحم بین الأجزاء المتعددة للبلاد، ثم استمر هذا المسلسل. و کنتم أنتم أهل الابتکار و المبادرة فی إقامة أربعینیة لشهداء الثورة، ثم تواصل هذا التیار فی یزد و شیراز و بوشهر و باقی مناطق البلاد. هذه هی النقطة أو القضیة الثانیة من قضایا التاسع و العشرین من بهمن.
النقطة الثالثة هی أنه لو قیل فی ذلک الیوم لأهالی قم فی التاسع عشر من دی أو لأهالی تبریز فی التاسع و العشرین من بهمن أن تحرککم هذا سوف یؤدی إلى ثورة عظیمة، لما صدّق ذلک أحد، لکنه تحقق. هذا علامة على أن الشعب إذا عقد العزم و الهمّة و نزل إلى الساحة و لم یتراجع فسوف یستطیع زحزحة الجبال من أماکنها، و لاستطاع خلق معاجز، و قد تحققت هذه المعجزة. أعزائی.. أیها الشباب.. فکروا و طالعوا فی ما یتعلق بحادثة الثورة و ظهورها. حادثة انتصار الثورة أشبه الأحداث بمعجزات الأنبیاء. هل کان یخطر بخیال أحد أن ینهض شعب فی بلد خاضع تماماً لسیطرة أمریکا، و أسیر للثقافة الغربیة، و اقتصاده بالکامل فی قبضة أعدائه الدولیین المقتدرین، و هو ضعیف من الناحیة العسکریة، و معزول من حیث المکانة الدولیة.. ینهض ضد کل رموز القوة المادیة الفارغة، و یرفع رایة الإسلام فی العالم المادیة، و یقف بوجه الشرق و الغرب - کانت أمریکا و الاتحاد السوفیتی مختلفین مع بعضهما فی مائة قضیة، لکنهما متفقان على قضیة واحدة هی ضرب الثورة الإسلامیة - و ینتصر و ینجح و یفرض علیهم التراجع! من کان یصدق هذا؟ لکنه تحقق، و هذا درس و عبرة. من دروس الثانی و العشرین من بهمن لکم أنفسکم و لنا و لکل شعب إیران هو أن تعلموا أنه ما من حدث کبیر أو عقبة کبرى أو قوة کبرى تستطیع المقاومة أمام الإرادة الراسخة لشعب. الکلام کثیر فی مناقب التاسع و العشرین و مناقب أهالی آذربیجان و تبریز. و بعد ذلک و إلى الیوم، تواصل نفس النهج و نفس الروح و نفس الشعور بالواجب و المسؤولیة و الالتزام و التحفز لدى أهالی آذربیجان، و قد تألق أهالی تبریز فی شتى الأحداث، و ینبغی الحفاظ على هذه الدروس و استذکارها.
قلنا: أولاً معرفة الخصوصیات و الخصال الذاتیة المحلیة، و ثانیاً التواصل و التلاحم بین الأجزاء المتعددة للبلاد، و هذه نقطة یرکّز علیها الأعداء حیث یریدون أن تتجابه القومیات الإیرانیة التی تعیش مع بعضها بأخوّة و تتعاضد فی کل الأحداث، و تقف ضد بعضها. لیعلم الشعب الإیرانی کله هذه الحقیقة. لدینا أتراک، و لدینا عرب، و لدینا فرس، و لدینا لر، و لدینا بلوش، و لدینا کُرد، و لدینا ترکمن، و أنواع من القومیات منتشرة فی إیران. و هناک خصوصیة واحدة تسودهم و تعمّهم جمیعاً و هی سیادة إیران الإسلامیة التی تجمعهم کلهم تحت رایة الإسلام و المفاخر الإسلامیة و اسم إیران الجمیل. تجری الیوم محاولات للفصل بین هذه الجماعات. لیعلم الجمیع و لنکن کلنا واعین یقظین، فهناک من یتربّصون و یخططون لیضعوا القومیات الإیرانیة مقابل بعضها. یجب أن لا ننسى رسالة الاتحاد و التعاطف و التضامن و التواکب فی التاسع و العشرین من بهمن. هذه هی النقطة الثانیة. و النقطة الثالثة هی معجزة إرادة الشعب.
أعود الآن إلى قضیة الثانی و العشرین من بهمن و ظاهرة الثورة، التی هی قضیة أمسنا و یومنا و قضیتنا دائماً. یعبّر الثانی و العشرین من بهمن فی کل سنة عن نفسه بشکل أعظم و أبهج من السنة الماضیة. هناک أفراد یطلقون تحلیلات مختلفة، و هذه التحلیلات تحصل فی الواقع داخل فراغ، فهم یجلسون و یفکرون مع أنفسهم، لکن واقع الناس یقول شیئاً آخر. الذین یرصدون بدقة و بملاحظة ما فی الشارع، و البعض منهم بکامیرات مشخصة، و یقیسون حجم الجماهیر و المتظاهرین، یرفعون لنا تقاریر متعددة بأن الجماهیر المتظاهرة فی السنة الماضیة - سنة 91 - کانت أکثر بدرجة ملحوظة من السنة التی قبلها. و فی هذه السنة رفع نفس أولئک الذین قاموا بهذه الحسابات الدقیقة أو القریبة من الدقة تقاریر تفید أن حجم الجماهیر هذا العام أکبر من السنة الماضیة. هذا الکلام الذی یتکرّر على الألسن قد یخاله البعض مجرد لقلقة لسان أن یقال «کل سنة أفضل من السنة التی قبلها»، و لکن لا.. إنه واقع. ما الذی یعبّر عنه هذا الواقع؟ تشخیصی هو أن احتفال ذکرى الثورة ظاهرة منقطعة النظیر کالثورة نفسها. ما معنى هذا؟ معناه کما أن ثورتنا باعتراف حتى الأعداء لم یکن لها نظیر من وجوه مختلفة على طول تاریخ الثورات، فإن إحیاء ذکرى هذه الثورة لا نظیر له فی أی مکان من العالم. غالباً ما تکون ذکریات الثورات فی البلدان المختلفة التی شاهدناها و علمنا بها من التلفزة و الأخبار، غالباً ما تکون مراسم رسمیة جافة تقام بعد مضی سنتین أو ثلاث سنوات أو أربع. أما هنا فالقضیة لیست على هذا النحو، إنما الشعب هو الذی یحتفل، لا فی طهران فقط بل فی کل مراکز المحافظات. و لیس فی مراکز المحافظات فقط بل فی کل مدن البلاد، و لیس فی الذکرى السنویة الأولى أو الثانیة أو الخامسة أو العاشرة، بل فی الذکرى السنویة الخامسة و الثلاثین. ألیست هذه بالظاهرة العجیبة؟ مضت على الثورة 35 سنة. الذین ولدوا فی السنة الأولى للثورة هم الیوم رجال و نساء یبلغون من العمر 35 عاماً - أی إنهم تجاوزوا حتى فترة الشباب تقریباً - و فی الوقت نفسه تقام ذکرى الثورة کل سنة بتحفز و شعور بالاستقامة و وفاء لمبادئ الثورة و باقتدار و شوکة. ألیس هذا عجیباً؟ دعوا وسائل إعلام العدو تفعل ما تشاء بألسنتها، لکن غرف عملیاتهم تفهم ما الحقیقة و الواقع هنا. الذین یدرسون و یطالعون یفهمون أنه لا یمکن مواجهة هذا الشعب و هذه الثورة و هذه المحفزات و هذا الإیمان.
ما هی طبیعة الشعارات التی یرفعها أبناء الشعب؟ شعارات الصمود على الخط و الصراط المستقیم للثورة - و هذا هو الحال فی کل مکان - الشعارات فی کل أرجاء البلاد هی شعارات الصمود و الثبات. بمعنى أن الشعب بتظاهراته فی الثانی و العشرین من بهمن یثبت أن الله تعالى وفّى بوعده إذ قال عزّ و جلّ: «اِن تَنصُروا اللهَ یَنصُرکُم وَ یُثَبِّت اَقدامَکُم» (2).. الله سبحانه و تعالى یثبّت أقدامکم و یرسّخ خطواتکم، و لا یسمح بأن تضطروا للتراجع و الانسحاب. هذا هو الوعد الإلهی، و قد تحقق هذا الوعد الإلهی بالنسبة للشعب الإیرانی. لقد نصرتم دین الله و منّ الله سبحانه و تعالى علیکم بتثبیت أقدامکم. احتفال الذکرى الخامسة و الثلاثین لانتصار الثورة هذه السنة یعبّر عن ثبات الأقدام.
طیّب، ما هی رسالة هذا الاحتفال؟ انظروا لشعارات الناس.. یجب استقاء الرسالة من شعارات الناس. حسب ما أرى فإن هناک رسالتین فی هذه التظاهرات التی تخرج فی الثانی و العشرین من بهمن: الأولى رسالة الاستقامة و الثانیة رسالة الوحدة. ما معنى الاستقامة؟ معناها ثبات شعب إیران على مبادئ الثورة. لقد کان لنا مبادئ إیجابیة و مبادئ سلبیة. مبادئنا الإیجابیة هی إننا نسعى لتحقیق العدالة الاجتماعیة، و نسعى للتواجد و المشارکة الشعبیة فی مختلف أحداث البلاد. و نحن نرید الإسلام و نسعى لتطبیقه. و نحن نرى سعادة البلاد فی العمل بتعالیم الإسلام، و نروم تحقیق اقتصاد مستقل، و نصبو إلى ثقافة غیر تابعة للأجانب بل لثقافتنا الإسلامیة و الإیرانیة الأصیلة. کما أننا نسعى لإیواء المظلوم و مجابهة الظالم، و نحاول التقدم بالبلاد إلى الأمام، و نسعى للتطور بالبلاد علمیاً. نروم أن تکون بلادنا متقدمة رائدة فی العلوم و الاقتصاد و الثقافة و الشؤون الاجتماعیة و الأخلاق و المعنویة. هذه هی الرسائل الإیجابیة لثورتنا. و للثورة أیضاً رسائلها السلبیة. رسالة الثورة السلبیة هی عدم الاستسلام للتعسف و عدم الاستسلام للابتزاز و عدم الاستسلام لنظام الهیمنة.
نظام الهیمنة هو أن ترید عدة قوى متوفرة على قدرات مادیة و تسلیحیة و مالیة و ما إلى ذلک السیادة على العالم. و مظهر نظام الهیمنة فی الوقت الحاضر هو أمریکا. و قد قال شعب إیران فی الثورة و فی الأحداث التی أعقبت الثورة و فی الحرب المفروضة و فی الثانی و العشرین من بهمن لهذه السنة، قال: إننا لا نستسلم لتعسف و ابتزاز أمریکا. لا یحاول البعض تجمیل وجه أمریکا و تزویقه و مکیجته و محو القبائح و الإرعاب و العنف عنه أمام شعب إیران، و إظهار الحکومة الأمریکیة على أنها حکومة محبّة و إنسانیة. و حتى لو حاولوا ذلک فإن محاولاتهم ستبقى بدون فائدة. على مرّ التاریخ، أو خلال هذه الأعوام السبعین أو الثمانین الأخیرة على الأقل - و طبعاً هناک الکثیر من الکلام فی تاریخ أمریکا قبل ذلک، و لا نرید هنا الخوض فی تلک الفترات - لاحظوا ما الذی فعلته أمریکا فی العالم؟ لاحظوا الحروب التی أشعلتها أمریکا، و الناس الأبریاء و غیر العسکریین الذین ضرّجتهم أمریکا فی هذه الحروب و فی غیرها من الحروب. المستبدون فی شرق العالم و غربه الذین دعمتهم أمریکا - و أحدهم محمد رضا بهلوی فی إیران، و العشرات غیره من أمثاله فی البلدان الآسیویة و البلدان الأفریقیة و بلدان أمریکا اللاتینیة من عسکریین و غیر عسکریین - و الذین مارسوا الظلم و الجور ضد شعوبهم لسنین طویلة، و سفکوا دماء الناس، و نهبوا ثرواتهم و أنزلوا بهم أشدّ البلایا و الویلات. دعم هؤلاء المستبدین مدرج فی ملف أعمال أمریکا.
و کذلک دعم الإرهاب الدولی و إرهاب الدولة. هذه الحکومة الصهیونیة الزائفة المجرمة الغاصبة لفلسطین تحظى منذ سنین بدعم أمریکا. تقتل الناس و تهدم البیوت و تمارس الظلم و تسجن الشباب و النساء و الرجال و الأطفال. هاجموا بیروت و دمرّوا صبرا و شاتیلا، و فعلوا ما فعلوا.. هؤلاء یحظون بدعم أمریکا. هذه ممارسات مسجلة فی ملف أعمال أمریکا. الهجوم على العراق و قتل عشرات الآلآف من الناس - نحن لا نعرف الإحصائیات بشکل دقیق إنما یقال إنهم فتکوا خلال هذه الأعوام بنحو ملیون عراقی بشکل مباشر و غیر مباشر، و نحن لا ننسب هذا الآن، نقول إنهم قتلوا عشرات الآلآف على الأقل، و حتى قتل إنسان واحد لهو کثیر - قتلوا الناس فی العراق. و الأمر على شکل آخر فی أفغانستان أیضاً. أطلقوا شرکات التقتیل و الإرهاب - و قد ذکرت اسم إحداها فی إحدى کلماتی ذات مرة، و هی شرکة بلاک ووتر الأمریکیة المعروفة التی تعمل على تقتیل الناس و إرهابهم - ضد الناس. و حتى هذه الجماعات المتطرّفة المتشددة القاتلة التکفیریة هم الذین أسسوها أول مرة، و قد ارتدّت فی بعض المواطن و صاروا یتلقون سهامها. أمریکا مثل هذه الحکومة. لیس الکلام عن الشعب الأمریکی و الناس فی أمریکا، فهم کباقی الناس، إنما الکلام عن النظام الأمریکی و الحکومة الأمریکیة. کیف یمکن تغییر هذا الوجه بالتجمیل و المکیاج مقابل أنظار الشعب الإیرانی؟
نحن الشعب الإیرانی ما الذی تجرّعنا؟ منذ انقلاب الثامن و العشرین من مرداد، و قرابة ثلاثین عاماً أو خمسة و عشرین عاماً من حکومة محمد رضا الظالمة - بعد الثامن و العشرین من مرداد سنة 32 إلى سنة 57 [من 1953 إلى 1979 م] - ثم من بعد انتصار الثورة حیث لم ینقطع إیذاؤهم و خبثهم و إساءاتهم لشعب إیران. و الناس قد ترى هذا الحظر الاقتصادی الأخیر.. لقد بدأوا الحظر منذ بدایة الثورة. منذ بواکیر الثورة کل من أراد العمل ضد الثورة دعمه الأمریکان.. سواء کان من الیسار أو الیمین أو عسکریاً أو غیر عسکری، لم یختلف الأمر بالنسبة لهم. کل من کانت لدیه دوافع ضد نظام الجمهوریة الإسلامیة - على شکل قومیات أو على شکل أناس مختلفین - ساعدوه بکل ما استطاعوا. و آخر ما شاهده الناس بأعینهم هو فتنة عام 88 . وقف رئیس جمهوریة أمریکا و دعم أرباب الفتنة فی طهران بکل وقاحة. و هم یدعمونهم الآن أیضاً، و فی هذه الآونة الأخیرة. هذه هی لائحة إساءات هذه الحکومة. و فی الوقت الحاضر أیضاً راحت تتجلى النوایا المشؤومة التی لهم خلف الستار و التی حاولوا التکتّم علیها.
لقد أعلنتُ فی الیوم الأول من هذا العام 92 فی مدینة مشهد إلى جوار مرقد ثامن الحجج (ع) بأننی لا أخالف.. بعض المسؤولین و المدراء - سواء المدراء فی تلک الحکومة أو المدارء فی هذه الحکومة - یتصورون أننا یجب أن نتفاوض مع الأمریکان فی خصوص الملف النووی من أجل معالجة الموضوع. قلنا: لا بأس.. إذا کنتم مصرّین فاذهبوا و تفاوضوا فی هذا الموضوع على وجه الخصوص. لکننی فی تلک الکلمة فی بدایة العام قلت إننی غیر متفائل.. لا أعارض لکننی، غیر متفائل. لاحظوا التصریحات السخیفة المتتابعة للأمریکان.. عضو بلا ماء وجه فی مجلس الشیوخ الأمریکی یتقاضى المال من الصهاینة لیذهب و یسبّ الشعب الإیرانی فی مجلس الشیوخ الأمریکی. لا أنه یوجّه إهانات بل یوجّه سباباً. و کذا الحال بالنسبة لرؤسائهم، یوجّهون الإهانات للشعب الإیرانی على مستویات مختلفة. و بالطبع فقد تلقوا الصفعة على أفواههم من شعب إیران فی یوم الثانی و العشرین من بهمن. من أسباب التجمّع الأکثر للشعب هذه السنة أنهم شاهدوا کیف یتعامل المسؤولین الأمریکان بوقاحة و جشع و بذاءة و سوء أدب. الغیرة الدینیة للشعب هی التی أخذتهم إلى الساحة لیقولوا للعدو: لا تخطئ.. فنحن موجودون فی الساحة. أراد الشعب الإیرانی فی هذه المظاهرات فی الثانی و العشرین من بهمن أن یقول لنا جمیعاً - أراد أن یقول لی أنا و لمختلف المسؤولین و لمن یبذلون الجهود فی إدارة البلاد بحق و صدق، سواء منهم الذین یعملون فی السیاسة الخارجیة أو الذین یعملون فی السیاسة الداخلیة - أراد القول لنا: کونوا واثقین مطمئنی النفوس فالشعب الإیرانی واقف صامد متواجد فی الساحة، و لا تشعروا بالضعف فی مواجهتکم للعدو. کانت هذه من الرسائل الکبرى لشعب إیران.
و هذا نفس الکلام الذی قلته فی بدایة السنة، ثم قلناه بعد ذلک - سبق أن قلناه و کرّرناه بعد ذلک - و هو أن الملف النووی مجرد ذریعة عند العدو. حتى لو تمّت معالجة الملف النووی ذات یوم - على فرض المحال - طبقاً لرأی أمریکا، فسوف تأتی قضیة أخرى عقباً له. لاحظوا أن الناطقین باسم الحکومة الأمریکیة یثیرون قضیة حقوق الإنسان و قضیة الصواریخ و قضیة التسلح و ما إلى ذلک. أنا أتعجب.. ألا یخجل الأمریکان من التحدّث عن حقوق الإنسان. حتى لو تحدث کل من تحدث فی العالم عن مناصرة حقوق الإنسان فیجب أن لا یتحدث الساسة الأمریکان عن ذلک.. بکل هذه الفضائح التی فی ملفهم بخصوص حقوق الإنسان. من بین مائة عمل ناقض لحقوق الإنسان یقومون به، ربما لا یعلم الناس فی العالم بتسعین عملاً أو ثمانین عملاً. و مجرد هذه الأعمال العشرة أو العشرین تشکل کتاباً أسوداً ضخماً. الکل یعلمون بسجن غوانتانامو و الکل شاهدوا سجن أبی غریب فی العراق. و الکل شاهدوا شرکة بلاک ووتر، و شاهدوا الهجمات على قوافل الأعراس فی أفغانستان.. و شاهد الجمیع مساعدة الإرهابیین المعروفین الذین یفخرون بإرهابهم، و شاهدوا نکث العهود و الأکاذیب.. العالم کله شاهد هذا، و یعودون و یقولون حقوق الإنسان و لا یخجلون! الحقیقة أن هذا القدر من الوقاحة فی سلوکهم لهو شیء عجیب.
و أقولها لکم: إن العمل الذی بدأته وزارة الخارجیة الإیرانیة و المسؤولون الإیرانیون سوف یستمر، فإیران لن تنقض ما قرّرته و تعهدت به. طبعاً یبذل المسؤولون جهودهم و یقومون بأعمالهم، لکن الأمریکان یعادون الثورة الإسلامیة و یعادون الجمهوریة الإسلامیة، و یعادون هذه الرایة التی رفعتموها أنتم أیها الشعب، و هذا العداء لا یخبو بمثل هذه الأمور. العلاج لمجابهة هذا العدو هو شیء واحد لیس إلّا: الاعتماد على الاقتدار الوطنی و القدرات الداخلیة الوطنیة و تعزیز البنیة الداخلیة للبلاد ما أمکن ذلک.. و کلما عملنا على هذا الصعید فهو قلیل.
و قد ذکرت فی یوم سابق (3) إنه سوف یجری قریباً أن شاء الله تبلیغ سیاسات الاقتصاد المقاوم. سبیل حل مشکلات البلاد هو السیر فی طریق الاقتصاد المقاوم، أی الاعتماد على الداخل و الذات. لا نسمّر أعیننا على الآخرین.. نحن قادرون، و نحن أثریاء، فلدینا ثروات بشریة - طاقاتنا الإنسانیة نادرة النظیر فی العالم إن لم نقل إنها منقطعة النظیر - و لدینا أیضاً ثروات جوفیة. ثرواتنا استثنائیة. و العالم یحتاج إلینا. إننا لا نحتاج العالم بمقدار ما یحتاج العالم لنا. و العالم الیوم یدور حول محور النفط و الغاز. و نحن البلد الأول فی العالم على هذا الصعید بین القائمة الطویلة لبلدان العالم. لقد قلت هذا فی مشهد بدایة هذه السنة: نحن البلد الأول فی العالم من حیث الاحتیاطیات النفطیة و الغازیة. فی الفترة الأخیرة رفع لی المسؤولون المحترمون فی الحکومة تقریراً یفید أننا أصبحنا حالیاً أول بلد فی العالم من حیث الاحتیاطیات الغازیة بعد أن کنا ثانی بلد. نحن الیوم من حیث احتیاطیات الغاز التی کنا فیها إلى قبل مدة - ربما إلى قبل سنة أو سنة و نصف - فی المرتبة الثانیة عالمیاً، نحن الیوم نقف فی المرتبة الأولى. هذه هی احتیاطیاتنا و العالم بحاجة لهذه الأشیاء. لاحظتم أن الشرکات الأجنبیة هجمت بمجرد مشاهدتها ابتسامة بسیطة.. فهم یریدون المجیئ إلى هنا و العمل. إلى متى یستطیع الأمریکان المقاومة على لجاجتهم هذه؟ إذا اعتمدنا على قدراتنا فإن مقاومتهم سوف تنکسر. لیعلموا هذا. طالما سمّرنا أعیننا على أیدی الآخرین، و انصب اهتمامنا على مقدار الحظر الذی ارتفع و المقدارالفلانی الذی صار کذا و کذا، و ماذا قال المسؤول الأمریکی الفلانی أو لم یقل، طالما انصب اهتمامنا على هذه الأشیاء فلن نصل إلى نتیجة.
إننا بلد کبیر و شعب قوی.. شعب ذو ثقافة و موهبة و ثروات إلهیة کبیرة جداً. و المسؤولون و المدراء فی بلادنا لحسن الحظ مسؤولون مخلصون و یریدون العمل و نحن نساعدهم و ندعو لهم. و بالطبع نصرّ على المسؤولین أن یعتمدوا و یستندوا على الطاقات الداخلیة، و نطلب من المسؤولین أن یثقوا بالشعب و بالطاقات الداخلیة و یحاولوا تفجیر و تفعیل هذه الینابیع الفیّاضة اللامتناهیة فی الداخل. إذا حصل هذا فسوف تنفتح کل الأبواب المغلقة. یجب أن یتحرکوا و یعملوا بهذه الطریقة. و نیتنا نیة إلهیة. نشکر الله على أن هدفنا هو رضاه، و نعلم أنه لو کان هدفنا و غایتنا من تقدم هذا البلد و شموخ هذا الشعب رضا الله فإن الله سوف یمدّ ید عونه. و کما قلت فإن الآیة القرآنیة الشریفة تقول: «اِن تَنصُروا اللهَ یَنصُرکُم».. إذا نصرتم الله، أی نصرتم دین الله فسوف تترتب على ذلک نتیجتان: النتیجة الأولى هی «ینصرکم» أی إن الله یعینکم و یساعدکم و ینصرکم، و النتیجة الثانیة «و یثبّت أقدامکم» أی لا یسمح بأن تضطروا للتراجع. و اعلموا أن أهداف أمریکا و الاستکبار العالمی تجاه إیران و الجمهوریة الإسلامیة و الشعب الإیرانی سوف تندحر و تسقط عاجلاً أو آجلاً بتوفیق من الله. و اعلموا أن شعب إیران سوف یحتفل بانتصاره على کافة الصعد و المجالات مقابل أنظار الخصوم و الحساد إن شاء الله. و نتمنى أن یشملکم الله تعالى جمیعاً أیها الأهالی الأعزاء - أهالی مدینة تبریز و المدن الأخرى فی آذربیجان - و کل الشعب الإیرانی العزیز بعنایته و هدایته و إرشاده.
و السلام علیکم و رحمة الله و برکاته.
الهوامش:
1 - حادثة التاسع عشر من دی سنة 1356 هـ ش [9 ینایر 1978 م].
2 - سورة محمد، شطر من الآیة 7 .
3 - فی لقائه قادة و منتسبی القوة الجویة فی جیش الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة بتاریخ 08/02/2014 م .
المصدر: http://arabic.khamenei.ir