تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22
بقلم فیصل المقداد، نائب وزیر الخارجیّة السوریّة

صفر أخلاق... سقوط السیاسة الترکیة

لقد تکشفت اللعبة القاتلة التی مارسها أردوغان وداود أوغلو طیلة السنوات الثلاث الماضیة، من عمر الأزمة فی سوریة، وتبین للعالم أجمع، شعوباً ومسؤولین وإعلاماً ومنظمات دولیة حکومیة وغیر حکومیة، تورط النظام الترکی فی المجازر التی ارتکبتها المجموعات الإرهابیة فی کل أنحاء المنطقة بدءاً من سوریة ووصولاً إلى العراق ومصر ولیبیا.
رمز الخبر: ۶۰۶۶۸
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۳:۵۲ - 19October 2014

صفر أخلاق... سقوط السیاسة الترکیة

یقوم النظام الترکی المتسلّط بحملة علاقات عامة فی مختلف أنحاء العالم دفاعاً عن نفسه وسیاساته الإرهابیة والداعمة للإرهاب. وتجلت هذه الحملة من خلال البیانات والتصریحات التی أصبح رئیس النظام ورئیس حکومته یدلیان بها صباح مساء، لتبریر الفشل الذریع الذی تواجهه السیاسة الترکیة. ویبدو أن التعلیمات قد صدرت إلى أجهزة النظام، بما فی ذلک الإعلام الموالی لها، بالتحرک لإنقاذ ما تبقى من مصداقیة النظام.


لقد تکشفت اللعبة القاتلة التی مارسها أردوغان وداود أوغلو طیلة السنوات الثلاث الماضیة، من عمر الأزمة فی سوریة، وتبین للعالم أجمع، شعوباً ومسؤولین وإعلاماً ومنظمات دولیة حکومیة وغیر حکومیة، تورط النظام الترکی فی المجازر التی ارتکبتها المجموعات الإرهابیة فی کل أنحاء المنطقة بدءاً من سوریة ووصولاً إلى العراق ومصر ولیبیا. ولن نستغرب صدور تقاریر لاحقة تؤکد دعم أردوغان وحزبه من الإخوان المسلمین لإرهابیی بوکو حرام فی نیجیریا والمجموعات الإرهابیة فی الصین ودولاً أفریقیة عدة.

إن عودتنا لطرح موضوع السیاسات الإرهابیة الترکیة ضد سوریة وضد الشعب الترکی ومصالحه وسمعته الإقلیمیة والدولیة تعکس الجدل الذی یدور حول الدور الهدام والمتهور لأردوغان وحزبه داخل ترکیا وخارجها. والأهم من ذلک هو توصّل المجتمع الدولی والکثیر من الأتراک إلى قناعة تامّة بأن النظام الترکی کان ولا یزال جزءاً لا یتجزأ من الأعمال الإرهابیة التی ضربت سوریة والعراق طیلة السنوات الماضیة وأنه لیس طرفاً فی الحل بل جزء أساسی من المشکلة. ولولا توصل أصدقاء ترکیا بالذات وخاصةً فی الإدارة الأمیرکیة ومؤسساتها الأمنیة، ولولا توصل زملاء وأصدقاء أردوغان وداود أوغلو الأوروبیون والعرب إلى قناعة تامة بأنه لا یمکن الاستمرار بمساندة تورط القیادة الترکیة فی دعم الإرهاب بما فی ذلک ما یسمى «تنظیم الدولة الإسلامیة فی العراق والشام» وفروع «القاعدة» الأخرى، لما کانت الحملة الحالیة الدبلوماسیة والإعلامیة للقیادة الترکیة لإبعاد تهمة ممارسة الإرهاب، التی تعبر عن اهتزاز ثقة هذه القیادة بنفسها وبمواقفها وسیاساتها وأن تضلیلها للعالم لن یستمر إلى ما لا نهایة. کما أن الفضیحة المدویة والهزیمة النکراء التی أصابت الدبلوماسیة الترکیة فی الجمعیة العامة للأمم المتحدة یوم الخمیس الماضی 16/10/2014، عندما هزمتْ ترکیا فی انتخابات الأعضاء غیر الدائمین الجدد فی مجلس الأمن الدولی، هی تعبیر صاخب عن رفض العالم لسیاسات ترکیا ضد سوریة والعراق وتحالفها مع «داعش» وفشل سیاسات العلاقات العامة التی قامت بها حکومة أردوغان لتضلیل الرأی العالم العالمی. إن هذه الهزیمة تحتم على أردوغان وداود أوغلو إعادة التفکیر بسیاساتهما واستنتاج العبر والدروس.

وفی مواجهة حملة العلاقات العامة التی یقوم بها النظام الترکی، فإنه لم یعد خافیاً على کل من یرید الوصول إلى الحقیقة لیتعرف إلى أسباب انتشار الإرهاب فی سوریة والعراق وقیام «داعش» بغزواتها وسبیها وجرائمها، ذلک الدور الذی قام به أردوغان وأجهزة حکمه فی استیلاد «داعش» بالبعدین الطائفی والسیاسی اللذین تستند إلیهما حکومة الإخوان المسلمین فی أنقرة. وهنا، لا بد من تأکید أن من یطالب أنقرة من بعض الدول الغربیة بوقف دعمها لـ»داعش» وتنظیمات الإرهاب الأخرى لیسوا ملائکة، فهؤلاء هم الذین شجعوا ترکیا على ما قامت به. إلا أن هؤلاء یعرفون متى یرمون أدواتهم وعملائهم فی سلال المهملات عندما ینفضح أمرهم، وعندما لا یستمر عملاؤهم بالنجاح فی خدمة أهداف أسیادهم ویصبحون عبئاً علیهم.

منذ بدایة الحرب على سوریة، قامت زمرة أردوغان باستضافة الإرهابیین والقتلة مما یسمى بالجیش الحر وألویة الذبح والإرهاب الأخرى التی نفّذتْ سیاسات أردوغان ونتنیاهو والنظام السعودی وداعمی القتلة الآخرین من دول الخلیج وأوروبا. وفی هذا الإطار احتضنت ترکیا ما یسمى بالائتلاف، الذراع السیاسی للإرهابیین، وبعد ذلک کل من هب ودب من المرتزقة والحاقدین على سوریة بما فی ذلک «جبهة النصرة» و»الجبهة الإسلامیة» وألویة وکتائب الإرهاب وصولاً إلى استیلاء «داعش» التی تجسد تاریخ الخلافة العثمانیة وإرث أردوغان المعیب بکافة أبعاده ومعانیه. وبعد کل ذلک یخرج أردوغان إلى أجهزة الإعلام لیقول إنه یحترم إرادة وحق السوریین، وإنه لم یتدخل فی الشؤون الداخلیة لسوریة، وإنه لم یقم بانتهاک الشرعیة الدولیة ومیثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن المتعلقة بمکافحة الإرهاب وخاصة منحه ممراً آمناً للإرهابیین طوله 1200 کیلومتر، هی مسافة الحدود الترکیة السوریة – العراقیة لیصل جمیع القتلة بکل یسر وأمان إلى سوریة والعراق من ما یزید على ثمانین بلداً.

إن العلاقة المفضوحة بین النظام الترکی و»داعش» لم تعد خفیة خاصةً أن رائحة الصفقة بین «داعش» والاستخبارات الترکیة حول إطلاق سراح الدبلوماسیین والعاملین فی القنصلیة الفخریة فی الموصل والذین أشیع أن «داعش» قد أوقفهم فور دخوله إلى الموصل تزکم الأنوف ولم تعد سراً. فالدبلوماسیون الأتراک الذین خرجوا من «الاعتقال» بکامل أناقتهم وصحتهم ولیاقتهم کانوا أکبر تعبیر عن علاقات «المحبة والوفاء والإخلاص» التی تربط «داعش» مع حلفائه الأتراک من أمنیین وسیاسیین. أما المناورات الفاشلة لتبریر الموقف الترکی المتواطئ مع «داعش» حول مدینة عین العرب السوریة فإن العدید من مسؤولی العالم والإعلام الدولی لا حدیث لهم فی هذه الأیام إلا موضوع التخاذل الترکی الذی یهاجم «داعش» بالکلام والبیانات الکاذبة فی النهار ویقدم لها السلاح والتدریب والتمویل والفنادق لیلاً ویداوی جرحى «داعش» فی مستشفیاته «على المکشوف». کما أن النظام الترکی لم ینفِ المعلومات الموثقة التی تؤکد العمل الترکی المستمر لإعادة تأهیل «جبهة النصرة» المدرجة على لائحة المنظمات الإرهابیة فی مجلس الأمن، بما یوافق توجهات بعض الدول المشارکة فی ما یسمى بالتحالف الدولی والتی شارکت بعضها وخاصةً فرنسا وبریطانیا والولایات المتحدة فی التصویت لصالح قرار مجلس الأمن رقم 2170 الذی ینص فی عنوانه وفی کافة مندرجاته على مکافحة «داعش» و»جبهة النصرة» وفروع «القاعدة» الأخرى فی سوریة والعراق.

إن نهج تنظیمات الإخوان المسلمین، التی یتزعمها أردوغان وداود أوغلو فی إطار التنظیم الدولی للإخوان، فی تغییر أنظمة الدول عبر المؤامرات والإرهاب وخاصةً کما حصل فی مصر ولیبیا وتونس، فشلت أخیراً فی تحقیق التغییر الذی عملت إدارة أردوغان وحزب العدالة والتنمیة على إحداثه وتمکینه من الوصول إلى أهدافه وهو ما یفسر مشاعر الحقد التی یمارسها أردوغان ضد سوریة وانجازاتها وکذلک مواقفه المعلنة ضد ثورة 30 یونیو فی مصر التی حطمت أحلام أردوغان وإخوانه «اللا مسلمین» إلى غیر رجعة، بما فی ذلک تهدید هذه السیاسات لوحدة أرض ترکیا وشعبها.

إن بدعة إقامة مناطق عازلة داخل سوریة التی خرجت بها القیادة الترکیة وعلى رأسها أردوغان، واستبدلها رئیس وزرائه، صاحب نظریة «صفر مشاکل مع بلدان الجوار الترکی» التی أفلستْ وفشلتْ من خلال سیاساته الحمقاء، بمقولة مناطق آمنة، هی انتهاک سافر، مهما کان اسمها، للقانون الدولی لأنها تتجاهل السیادة الوطنیة لسوریة وحرمة وحدة أراضیها وتنتهک المبدأ الذی أنشأتْ الأمم المتحدة الأساسی على أساسه والخاص بعدم التدخل فی الشؤون الداخلیة للدول، ناهیک عن توجیهها ضربة لمبدأ حسن الجوار والعلاقات الودیة بین الدول.

لقد أجبرت سیاسات أردوغان الرعناء نائب الرئیس الأمیرکی جو بایدن على إعلان اشمئزازه من الخدمات الردیئة التی قدمها أردوغان والعائلة السعودیة وآخرین للأمیرکیین من خلال دعمهم للمجموعات الإرهابیة ومنها «داعش» التی قامت فی نهایة المطاف بقطع رقاب الأمیرکیین والبریطانیین، والتخوف، غیر المصطنع هذه المرة، من قبل الدول الغربیة حول إمکانیة عودة هؤلاء الإرهابیین إلى هذه البلدان. ألم تقرع نواقیس وصول الخطر الإرهابی إلى عواصم مثل کانبیرا فی أسترالیا، ولندن فی بریطانیا، وباریس فی فرنسا، والعدید من المدن الأمیرکیة بما فی ذلک نیویورک وواشنطن العاصمة؟

لقد ردّتْ القیادة السوریة بکل حزم ومسؤولیة على المواقف العدوانیة للقیادة الترکیة، حیث میزت بین الإجرام الإرهابی الذی مارسته هذه القیادة وتطاولها على مصالح الشعبین السوری والترکی وعلى علاقات حسن الجوار التی تحقق مصالح شعبی البلدین من جهة، وبین علاقات المودة التی تربط الشعب السوری مع الشعب الترکی والتی برزت فی کثیر من الأحیان بتحدی مختلف فئات من الشعب الترکی لتوجهات أردوغان وخروج عشرات الآلاف من الأتراک من مختلف مشارب هذا الشعب وأحزابه وتنظیماته المناهضة لتوجهات أردوغان وبیاناته ومواقفه الغوغائیة وسیاساته البولیسیة وکم الأفواه وقتل المتظاهرین السلمیین فی شوارع اسطنبول وأنقرة ومدن ترکیة رئیسیة، من جهة أخرى.

یقول المثل الشائع: «إن لم تستحِ فافعل ما تشاء» وهذا هو حال أردوغان الذی سلّط قواته لقتل المتظاهرین السلمیین الأتراک ویجول فی ترکیا جیئةً وذهاباً حاملاً شتائمه البذیئة التی لا یعرف من الکلام بدیلاً لها وأکاذیبه المشینة التی کشفها الرأی العام الترکی «وأحبائه» فی واشنطن والعواصم الغربیة. إن أردوغان الذی لم یعد، حتّى أمام أصدقائه، مصدراً للثقة به وبما یقول ویدعی. انظروا على سبیل المثال إلى حدیثه عن القضیة الفلسطینیة، لتکتشفوا فی نهایة المطاف أن ما قام به فی دافوس لم یکن سوى تمثیلیة سخیفة وکذلک مواقفه إزاء مشکلة السفینة الترکیة التی قتل «الإسرائیلیون» بشکل متعمد عدداً من الأتراک علیها وهم فی طریقهم إلى التضامن مع شعب غزة إثر العدوان «الإسرائیلی» فی عامی 2008-2009، فهی کلها تتناقض مع حقیقة وجود العلاقة الاستراتیجیة الدافئة بین ترکیا و»إسرائیل» وضخامة التبادلات التجاریة الکبیرة والسیاحة المزدهرة بین «إسرائیل» وترکیا. والأکثر من ذلک هو ادعائه بالحیادیة لبناء علاقات متطورة مع عدة دول نامیة فی الوقت الذی ما زالت فیه ترکیا عضواً أساسیاً فی حلف الناتو!

إن أردوغان الذی أعطى الأولویة فی علاقاته الداخلیة والخارجیة لولائه لمجموعات الإخوان المسلمین على حساب مصالح الشعب الترکی وعلى حساب البعد المبدئی والأخلاقی فی العلاقات الثنائیة والدولیة، هو ذات الشخص الذی لم یترک إرهابیاً ومجرماً إلا وأدخله إلى سوریة البلد الذی ادعى زوراً وبهتاناً أنه یحبه ویسعى إلى خدمة شعبه، فلم یتلقَ الشعب السوری من هذه «المحبّة» سوى الدمار والقتل. إذا کانت هذه هی المحبة الإرهابیة التی یشعر بها أردوغان إزاء سوریة ودولاً أخرى، فإن السؤال المطروح هو: من هو الشعب أو البلد التالی الذی سیکون على قائمة أردوغان وسیاساته و… محبته؟

لقد أکدت حکومة الجمهوریة العربیة السوریة فی مواقفها ورسائلها الموجهة إلى الرأی العام العالمی وإلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إن الشعب السوری الذی یواجه القتل والتدمیر الذی یأتی من الخارج وخاصةً من قبل أردوغان وبعض قادة العائلات الخلیجیة والرؤساء والقادة الموالین للصهیونیة فی أوروبا والولایات المتحدة، لن یقف متفرجاً على ما ترتکبه القیادة الترکیة وهذه الأطراف من مجازر بحقه وأنه سیصمد ویقاوم حتى قهر هذه المؤامرة.

إن الشعب السوری الذی ارتبط بقوة وما زال بحلفاء مخلصین وأوفیاء للقیم والمبادئ الأخلاقیة المتفق علیها إنسانیاً، وهم کثر، سیدافع عن کل شبر من ترابه الطاهر بما فی ذلک دعم أشقائه الأبطال فی عین العرب بشکل خاص والذی یعتز بصمودهم ولن یسمح لأردوغان بإقامة مناطقه العازلة أو الآمنة أو حظر الطیران على أرض سوریة وفی سمائها، وهو مصمم على دعم جیشه وقواته المسلحة والوقوف خلفها لتحقیق انتصاراتها مهما عظمت التضحیات وازدادتْ أعداد الشهداء. وسوریة التی یؤمن شعبها أنه صاحب الحق الحصری فی تحدید خیاراته وصنع مستقبله لن یعیش إلا کریماً تحت السماء وفوق الأرض.

المصدر: جریدة البناء

رایکم
الأکثر قراءة