کان ملفتاً حجم الاستنفار الإعلامیّ الذی قامت به "حماس" للردّ على اتّهامات إسرائیل لها بمساواتها بتنظیم "الدولة الإسلامیّة"، فقد خرج النّاطقون باسمها وقیاداتها البارزة لنفی هذه الاتّهاماتة، ولا تنطلی على الدّوائر الغربیّة.
لکن الاختلاف السیاسیّ بین "حماس" وتنظیم الدولة، یعود فی الأساس إلى خلافات فقهیّة إیدیولوجیّة بینهما، جعلت العدید من العناصر السلفیّة الجهادیّة یخرجون من عباءة "حماس"، حین اختلفوا معها، وینضمّون لاحقاً إلى هذه التّنظیمات، التی تعتبر تنظیم الدولة أحد إفرازاتها.
وإنّ عالم دین فی غزّة مقرّب من "حماس"، نبّه "المونیتور" لملاحظة عند الحدیث عن الفروق الفقهیّة مع تنظیم الدولة بقوله: "الفروق بین الحرکتین تقوم على اختلافین: العلاقة مع الآخر الدینیّ والسیاسیّ فی السلم والحرب، فـ"حماس" تتعامل مع أیّ مختلف معها سوى إسرائیل على أساس السلم، بما فی ذلک المختلف دینیّاً وسیاسیّاً، بعکس تنظیم الدولة الذی یحارب کلّ من اختلف معه".
حماس فی علاقتها مع المسیحیین والیهود تستند للآیة القرآنیة 8 بسورة الممتحنة، ونصها:"لا ینهاکم الله عن الذین لم یقاتلوکم فی الدین،ولم یخرجوکم من دیارکم، أن تبروهم وتقسطوا إلیهم، إن الله یحب المقسطین".
أضاف: "حماس وتنظیم الدولة یختلفان فقهیّاً فی قضایا الحکم والدیموقراطیّة والدولة المدنیّة والمواطنة وتکوین الأحزاب، فحماس تسلّم بذلک وتشجّع علیه، فیما یعتبرها تنظیم الدولة کفراً ویستحقّ القتل من آمن بها".
التّنظیم الأمّ
ورغم عدم ممارسة أیّ نشاطات عسکریّة میدانیّة لتنظیم "الدولة الإسلامیّة" فی الأراضی الفلسطینیّة، لکن "حماس" ترى نفسها جزءاً من النقاش الفکریّ والإیدیولوجیّ الذی تشهده الدول العربیّة فی تقویم التّنظیم، والحکم على سلوکیّاته وخلافاته مع بقیّة الحرکات الإسلامیّة.
وإنّ عدداً من الطبقة العلمیّة فی "حماس"، یمتنع عن الحدیث صراحة عن الاختلافات الفقهیّة والفکریّة مع تنظیم الدولة، ویفضّل الحدیث عنه داخل مجالسهم المغلقة، والحدیث إلى الإعلام من دون الإشارة إلى أسمائهم، سواء أکان لاعتبارات أمنیّة خوفاً من التعرّض لهم من مناصری التّنظیم، أم الدخول فی جدل فقهیّ وشرعیّ یبدأ ولا ینتهی.
وقال مسؤول فی "حماس" لـ"للمونیتور": إنّ الموقف الأکثر قرباً من قناعات "حماس" الفکریّة ما ذکره العلاّمة یوسف القرضاوی فی 14/9 أنّه یختلف بالفکر والوسیلة مع تنظیم "الدولة الإسلامیّة"، لکنّه یرفض محاربته من قبل الولایات المتّحدة الأمیرکیّة.
من جهته، قال أحد کبار العلماء فی غزّة لـ"المونیتور": "إنّ حماس وتنظیم الدولة یختلفان کثیراً فی مصادر تفسیر الإسلام، ودور السیاسة فیه، حیث أنّ استراتیجیّة "حماس" على المدى القصیر هی الوصول إلى السلطة عبر الهیاکل القائمة على الشراکة السیاسیّة، وهی جزء من براغماتیّتها التی تتطلّب منها المشارکة فی الانتخابات الدیموقراطیّة".
أضاف: "أمّا مفاهیم الشراکة السیاسیّة فیرى فیها تنظیم الدولة کفراً ومخالفة لأحکام الإسلام، لأنّ فیها احتکاماً للقوانین الوضعیّة وابتعاداً عن أحکام السماء الربانیّة، ویؤمن بالوصول إلى السلطة عبر القوّة المسلّحة فقط، وهو غیر متهاون فی إیدیولوجیّته السلفیّة الجهادیّة".
وجاء الموقف الأکثر معارضة لتنظیم الدولة من عدنان إبراهیم، وهو المفکّر الإسلامیّ الفلسطینیّ، من موالید غزّة والمقیم فی النّمسا منذ عقود، ویعتبر من رجال الدین المجدّدین للفکر الإسلامیّ، حین هاجم فی 25/9 تنظیم الدولة، واتّهمه باستباحة غیر المسلمین، لإخضاعهم للسلطة الإسلامیّة.
تطبیق الشریعة
واطّلع "المونیتور" على کرّاسٍ یتداوله بعض النشطاء السلفیّین فی غزّة ممّن یؤیّدون تنظیم الدولة، وجاء فیه أنّ "تنظیم الدولة الإسلامیّة یرى مشارکة "حماس" فی الانتخابات وتنفیذ القوانین الوضعیّة، جزءاً من ابتکارات شرکیّة تستحقّ نار جهنّم". وقال: "إنّ حماس ترتکب مخالفة شرعیّة حین تمنح مقاومتها للاحتلال الإسرائیلیّ صبغة قومیّة فلسطینیّة، ولا تتحدّث عن العقیدة الإسلامیّة، لأنّ الدین یأمر المسلمین بالحرب لإقامة مجتمع إسلامیّ عالمیّ کامل، ولیس محصوراً فی جغرافیّة بعینها".
وممّا یأخذه علماء "حماس" من مخالفات شرعیّة فقهیّة على تنظیم الدولة: "عدم رجوعه إلى علماء الأمّة، وأن لا عالم شرعیّاً واحداً فیه. کما أنّه فارق جماعة المسلمین وأعلن دولة الخلافة من دون مشورتهم، وکفّر عمومهم ممّن لا یؤیّدون رأیه. وقام بالقتل الجماعیّ من دون تفریق، وهو متصلّب بآرائه لاعتقاده بأنّه من أهل الجنّة".
وتابع "المونیتور" عن قرب نقاشات الدکتور یوسف فرحات، وهو أحد أبرز علماء غزّة، ومن رموز "حماس"، وهو من القلائل الذین اتّخذوا موقفاً حادّاً من تنظیم "الدولة الإسلامیّة"، وخاضوا حوارات حادّة فی إبداء الفرق بین "حماس" والتّنظی واعتبر أن تنظیم الدولة إفراز للتوجهات المتشددة، مطالباً بمکافحته فکریاً وأیدیولوجیاً قبل ملاحقته عسکریاً، على اعتبار أن له جذوراً فی التاریخ الإسلامی من الفرق الإسلامیة التی انحرفت عن الإسلام الصحیح، وخرجت عن تعالیمه السمحة.
"المونیتور" التقى أحد العلماء الشرعیین فی حماس من خریجی الجامعات المالیزیة المتنورة، وحاول تلخیص الکثیر من الفروقات بین حماس وتنظیم الدولة استنادا لأحکام شرعیة تم نشر بعضها على شبکات الانترنیت، لکنه أعادها لأصولها الدینیة بقوله: حماس تنتمی لجماعة الإخوان المسلمین ذات الطابع الوسطی المعتدل، أما تنظیم الدولة فینتمی لتیار متشدد أقرب لتنظیم القاعدة، الذی أفرز تنظیمات أخرى لا تلتقی مع حماس فی معظم الأفکار والتوجهات السیاسیة والشرعیة.
بعض علماء حماس الذین التقاهم "المونیتور" یعید أصل نشوء تنظیم الدولة للفکر الوهابی الذی تقوم علیه السعودیة، وهو فکر متشدد إقصائی، وقامت علیها القاعدة بجمیع أفرعها، ومنهم تنظیم الدولة، ولا یختلف ما یؤمن به تنظیم الدولة من أفکار ومعتقدات وسلوکیات عن الدولة السعودیة إلا فی الموضوع الجهادی المسلح.
هناک فروق واضحة فی أن حماس لا تکفر الشیعة، کما یکفرهم تنظیم الدولة، ویرى علماؤها أنهم فرقة إسلامیة منحرفة عن تعالیم الدین، دون اعتبارهم کفاراً بالمعنى الفقهی للکلم.
کما أن حماس لا تدعو فی أدبیاتها لإقامة دولة الخلافة، کما ینادی به تنظیم الدولة، فحماس ترفض الحکومة الدینیة الثیوقراطیة، وتدعو لدولة مدنیة ذات مرجعیة إسلامیة، دون وصف ذلک بدولة الخلافة، وهو ما أوضحه الشیخ القرضاوی فی کتابه الشهیر "فقه الدولة فی الإسلام"، الذی یدرسه علماء حماس الشرعیین.
وفی حین أن حماس حرکة لا تکفر أحداً انطلاقاً من معتقدات الإخوان المسلمین، ولا تقتل أحداً على الهویة، ولا تتهم الناس بالکفر، فإن تنظیم الدولة یرتکب مجازر جماعیة بحق مخالفیه من مسلمین ومسیحیین، وأتباع مذاهب فقهیة أخرى فی الإسلام، باعتبار أن کل من لا ینخرط فی صفوفه کافر، دمه مستباح.
وحین یبدی علماء حماس تأییدهم للحریة الدینیة لأی إنسان، دون التعرض له، وإیذائه، یکررون الآیة القرآنیة 256 من سورة البقرة: "لا إکراه فی الدین".
أکثر من ذلک، فإن حماس حرکة شاملة تهتم بجمیع النواحی السیاسیة والاجتماعیة والجهادیة، ولا یقتصر دورها على جناحها العسکری، رغم أهمیته، لکن تنظیم الدولة مسلح أهدافه عسکریة بحتة، ولا یؤمن بالوسائل السیاسیة ولا العمل المؤسساتی.
وفی حین یقتصر مفهوم الجهاد لدى حماس على مقاومة الاحتلال الإسرائیلی داخل الأراضی الفلسطینیة، ولا تقاتل الیهود بسبب دیانتهم، ولکن لاحتلالهم فلسطین، کما أن حماس لا تتبع سیاسة قطع الرؤوس ضد الجنود والمستوطنین الإسرائیلیین، لأنها تعتبره تمثیلا فی الجثث یحرمه الإسلام.
وعلم "المونیتور" أن قیام مسلحی حماس فی حرب غزة بإعدام عملاء یوم 22/8، لم یحظ بموافقة قیادة الحرکة، لأنها دأبت على إعدامهم بعیدا عن الأنظار، أو بحضور جهات قضائیة، کما أن إعدامات العملاء تزامن مع الصور المنشورة من تنظیم الدولة لدى تنفیذها عملیات إعدام میدانیة فی سوریا والعراق، وکانت حجة لرئیس الوزراء الإسرائیلی "بنیامین نتنیاهو" لتشبیه حماس بتنظیم الدولة، لأنهما تستخدمان ذات الأسالیب.
فی حین أن تنظیم الدولة یعتبر الجهاد مباحاً ضد کل من یخالفهم فی الرأی، ولو کانوا مسلمین، ویرى أن هذا من صلب الإسلام، الذی لا یقوم إلا بالسیف والقتا.
ولعل الفرق الفقهی الأساسی بین حماس وتنظیم الدولة یعود إلى أن حماس ارتأت لنفسها أن تقوم بتنظیم المجتمع، وتهیئته، قبل تطبیق الأحکام الشرعیة، وفقاً لنظریة لإخوان المسلمین فی إقامة:ا لفرد المسلم، والأسرة المسلمة، وصولاً للمجتمع المسلم، وانتهاء بالدولة المسلمة.
ثم بدأ الإخوان المسلمون، ومنهم حماس، یوصون أتباعهم بضرورة نشر فکر الجماعة داخل الفرد ثم العائلة فالمجتمع، وبعد ذلک تقوم الدولة المسلمة من تلقاء نفسها، وأکدوا ذلک بشعار الإخوان المسلمین لأبنائهم: "أقیموا دولة الإسلام فی قلوبکم، تقم على أرضکم".
بعکس تنظیم الدولة الذی بدأ بإقامة الحدود على الناس قبل أن یکون هو ولی الأمر، وأساء إلى صورة الإسلام من خلال ممارسات عناصره فی القتل والذبح، وبثها عبر وسائل الإعلام، مما شوه صورة الدین فی نظر أنصاره وخصومه.
وأخیراً، اتّضح أنّ أهمّ مظهرین من مظاهر الاختلاف الفکریّ الفقهیّ بینهما، یرتکز فی عدم حکم "حماس" بالشریعة الإسلامیّة، واستبدالها بقوانین وضعیّة مختلطة، وتمسّکها بمنهج التدرّج فی تطبیق الشریعة الذی لا یرى علیه تنظیم الدولة دلیلاً من القرآن والسنة.
وفی حین تقبل "حماس" الحکم بالدیموقراطیّة، یعتبرها تنظیم الدولة شرکًا بالله، وکلّ من ارتضى بالدیموقراطیّة وحکمها هو کافر فی نظره.
المصدر: فلسطین الیوم