سیطرت قوات الجیش السوری على بلدة مورک الاستراتیجیة فی ریف حماه الشمالی. القوات المتقدمة قلبت حسابات المسلحین بعد قطعها خطوط إمداد مسلحی خان شیخون، وتخفیف الضغط عن معسکرات الحامدیة ووادی الضیف فی ریف إدلب
مرح ماشی
فی آب الماضی، بدأت «جبهة النصرة» عملیاتها العسکریة فی ریف حماه الشمالی، معلنة نیتها دخول مدینة محردة. بموازاة ذلک، اقترب مسلحو «الجبهة» من مدینة حماه. صواریخهم طالت بعض أحیائها، وتقدموا نحو مطارها العسکری. استشعر الجیش السوری خطورة الوضع. فخسارة المطار لا تُحتمل، وأشد خطورة منها تهجیر أهالی محردة.
سریعاً، بدأ الجیش عملیة عسکریة واسعة فی المنطقة، استقدم لها الضابط المعروف، العقید سهیل حسن، الذی أحرزت القوات التی یقودها تقدماً کبیراً فی ریف حلب الشمالی، وتمکنت من فک الحصار عن سجن حلب المرکزی. فی المقابل، حشدت «النصرة» نخبة قواتها. رجل الدین السعودی عبدالله المحیسنی (المقرّب من قیادة «النصرة») أعلن أن أمیر الجبهة، أبو محمد الجولانی، حضر شخصیاً إلى ریف حماه لیحرّض مسلحیه على القتال. المواجهة أخذت بعداً معنویاً. فجبهة النصرة کانت قد تقدّمت فی أکثر من موقع من محافظة القنیطرة الجنوبیة، وأرادت التقدم فی ریف حماه المتصل بریفَی إدلب وحلب. نسبة إلى باقی المناطق السوریة، المعرکة فی ریف حماه الشمالی سهلة لـ«النصرة»، لأن ظهرها یستند إلى المساحات الشاسعة التی تسیطر علیها مع حلفائها، وخلفها الحدود الترکیة. تدخُّل الجولانی شخصیاً کان مؤشراً على أهمیة المعرکة بالنسبة إلى تنظیمه المتنافس مع «داعش» الذی اندفع بلا توقف فی الرقة وریف حلب الشمالی والعراق. لکن قرار الجیش السوری کان حاسماً. وقعت المواجهة المباشرة بین سهیل حسن وأبو محمد الجولانی. ولکل منهما رصیده المعنوی الکبیر فی معسکره. وبعد عدة هزائم لـ«النصرة» فی عدد من البلدات الحمویة، کحلفایا، التقط مسلحو الجولانی أنفاسهم، وعادوا لیصدوا عدة هجمات للجیش فی مدینة مورک وغیرها من المواقع. لکن فی مورک ــ التی دخلها مسلحو المعارضة فی تموز 2012، وسیطروا علیها کاملة منذ 9 شهور ــ هُزِم الجولانی أمس. هی واحدة من المرات النادرة، إن لم تکن الوحیدة، التی یُعلَن فیها قیادته لعملیة عسکریة ولا ینتصر. ولمورک أهمیة کبرى، معنویاً ومیدانیاً، باعتبارها عقدة وصل خطوط إمداد المسلحین بین الشرق والغرب الواقع تحت سیطرة المسلحین، بدءاً من ریف حماه وصولاً إلى سلمى، فی جبال الساحل السوری، وتعتبر نقطة انطلاق إلى عملیات عسکریة کبرى. مساحات شاسعة من مناطق نفوذ المسلحین فی ریف إدلب، أضحت مکشوفة أمام أنظار الجیش، المستعد لاستکمال خططه الهادفة إلى المزید من التقدم.
العلم السوری رفرف فی ساحة البلدة الرئیسیة، بعد تقدم مفاجئ للقوات المتمرکزة جنوبیها، فی حارة أبو اللبن. التقدم المذکور تزامن مع استمرار التمهید الناری عبر المحورین الغربی والشمالی للبلدة، ما أدى إلى انهیار دفاعات المسلحین المحاصرین فی الداخل. القوات کانت قد سیطرت على تلة کتیبة الدبابات، بعد خمس محاولات فاشلة للتمرکز أعلاها، کلفت عشرات الشهداء، إلى أن استطاعت حصار البلدة ناریاً، وکشف خطوط الإمداد إلیها، خلال الساعات الفائتة.
مصدر میدانی أکد لـ«الأخبار» أنّ «عناصر الجیش اخترقوا اتصالات المسلحین، مستمعین إلى نداءات واستغاثات وُجّهت إلى مسلحی خان شیخون وباقی ریف إدلب، بعد سقوط مئات القتلى على مدار الشهرین الأخیرین». وذکر المصدر أن «تقدم الجیش مستمرّ فی ضوء النجاحات الأخیرة التی تحققت فی زمن قیاسی ضمن ریف حماه الغربی والشمالی، وتأثیرها فی فرض الطوق العسکری حول مدینتی حلب وإدلب». ویضیف المصدر أن «سقوط مورک عسکریاً یعنی تأمین خطوط إمداد الجیش بشکل نهائی، ما یبعد الخطورة عن القوات المرابطة فی حلب، ویؤثر إیجاباً على سیر المعارک فی المدینة وریفها». وبحسب المصدر فإن «مسلحی اللطامنة وکفرزیتا، شمال غرب حماه، أخلوا البلدتین، وانسحبوا باتجاه قریة التح شرق خان شیخون». إخلاء بلدتی اللطامنة وکفرزیتا، بحسب المصدر، یأتی بعد «تشدید الحصار على مورک ووقوع المسلحین بین فکی کماشة قوات الجیش المتمرکزة شمالاً وغرباً». ویتابع المصدر أن «سقوط مورک من شأنه تخفیف ضغط المسلحین عن معسکرات وادی الضیف والحامدیة الاستراتیجیة فی ریف إدلب». وبحسب المصدر، فإن «إعادة فتح أوتوستراد خان شیخون مسألة وقت، مع اقتراب الجیش من استعادة معسکر الخزانات وحاجز السلام، إضافة إلى فتح الطریق نحو فک الحصار عن معسکری الحامدیة ووادی الضیف المحاصر منذ ثلاث سنوات.
وتأتی سیطرة قوات الجیش على بلدة مورک فی سیاق العملیة العسکریة التی بدأت من ریف حماه الغربی، لاستعادة السیطرة على رحبة خطاب العسکریة، إثر سقوطها فی أیدی المسلحین منذ ثلاثة أشهر. القوات تابعت تقدمها شمالاً، بقیادة العقید الحسن، بهدف تأمین خطوط إمداد قواته المتمرکزة فی حلب، إثر اقتراب خطر المسلحین من مطار حماه العسکری، فی وقت سابق. قوات الجیش حققت هدف العملیة العسکریة سریعاً، بعدما اتسمت هجماتها بالدقة فی تنفیذ الأهداف واستعمالها کثافة ناریة غیر مسبوقة، على الأراضی السوریة.
المصدر: جریدة الأخبار