تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22

إذا قرأوا لا یفهمون وإذا فهموا لا یُطبّقون

وحینها تساءلَ کارانجیا باستغراب: کیف تکشفون خططکم بهذه الطریقة؟ فردّ علیه دایان ببرودة: «لا علیک فالعرب لا یقرأون، وإذا قرأوا لا یفهمون، وإذا فهموا لا یطبّقون»، وتمّ إثبات نظریة دایان عن العرب خلال حرب الـ67 وما زالت النظریة صحیحة حتى یومنا هذا.
رمز الخبر: ۶۰۹۴۰
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۶:۲۴ - 28October 2014

إذا قرأوا لا یفهمون وإذا فهموا لا یُطبّقون

فادی عبود
کنتُ قد اتّخذت قراراً أن لا أکتب فی السیاسة وأن أحصر مقالاتی فی مجالی المفضّل، أی الاقتصاد، وخصوصاً بعدما قلّت الکتابات الاقتصادیة إلى درجة أنّها تحوّلت ترَفاً فکریاً لا أکثر ولا أقلّ، إلّا أنّ التطوّرات فی المنطقة دفعتنی مجدّداً إلى الکتابة فی الشأن السیاسی، إذ نشهد الیوم تأزّماً لا مثیلَ له فی لبنان والمنطقة.

مَن یراقب الأحداث المتسارعة فی المنطقة یستنج أنّ کلّ شیء یسیر فی طریق مخطّط مرسوم وواضح، وهنا لا أرید توزیع الاتهامات، إلّا أنّه لم یعُد یجدی البقاء فی خانة التفرّج وعدم تحلیل الأمور فی سیاقها الحقیقی.

من الواضح أن لا نیّة حقیقیة الیوم فی القضاء على «داعش»، وما الشعارات والحملات التی أطلقَتها الدول الغربیة إلّا إنقاذٌ لماء الوجه أمام الرأی العام فی بلدانهم، بعدما وصلت فظائع «داعش» التی تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعی الى حدود اللامعقول. فهل من الصعوبة الیوم قطعُ طرُق الإمدادات على «داعش» أو الآبار التی تستفید منها، أو حتى هل من الصعب رصد مصادر التمویل وقطعُها؟

حین اتُّخِذ القرار بإسقاط صدّام حسین ومعمّر القذافی، کان التنفیذ سریعاً وحاسماً کالسیف، أمّا الیوم فالإنجازات التی تحقّقت فی محاربة «داعش» تحتاج إلى تحلیل، لأنّها غیر مقنِعة.

یبدو أنّ النیّة غیر صادقة، والمعرکة التی أعلنَتها القوى الغربیة تبدو کأنّها مهرجان خطابی لا أکثر ولا أقلّ لابتزاز المال العربی، وتحضیراً للشرق الأوسط الجدید بموافقة دولیة وإقلیمیة، وإطلاق الید الغربیة لفِعل ما یحلو لها على صعید المنطقة. والأسوأ هو الازدواجیة الظاهرة لدى بعض الدول حین یتمّ الإعلان عن محاربة «داعش» علناً، والاستمرار فی دعمِها سرّاً.

یسأل روبرت فیسک فی مقال له صدرَ الأسبوع الماضی، مَن یربح الحرب فی المعرکة بین «داعش» والولایات المتحدة الامیرکیة، ویجیب إنّهم صانعو الأسلحة فی أمیرکا. فالشهر الماضی بلغَت کلفة صواریخ التوماهوک نحو 65 ملیون دولار امیرکی، وقد ارتفعت أسهم شرکات مثل لوکهید مارتین، بشکل جنونی، وRaytheon الشرکة الاسرائیلیة، نعم الشرکة الإسرائیلیة تستفید مباشرةً من الحرب على «داعش» لتحقیق أرباح خیالیة، فیما لا نزال نُحلّل التفسیرات إذا کانت عملیة رجم النساء شرعیّة أم لا؟

ویقول الکاتب مایکل کوکبرون فی تحلیله لأسباب فشل الضربة الأمیرکیة تحدیداً فی حمایة کوبانی (رویترز)، یقول إنّ الضربة العسکریة وحدَها لن تکفی فی ظلّ معادلة أساسیة، وهی أنّ حلفاء الولایات المتحدة فی المنطقة مثل ترکیا والسعودیة وقطر، الأردن والبحرین لا یعتبرون التخلّص من «داعش» من أولویات أجندتِهم.

وبالتالی، تبدو الولایات المتحدة الیوم کالزوج المخدوع، لجهة استعمال التحالف ضدّ «داعش» مظلّة لتحرص إسرائیل على استمرار الانقسامات والحروب فی المنطقة، ما یضمن أمنَها المباشر من جهة ورفع أرباحها المباشرة من جهة أخرى، وأیضاً لعدم جدّیة حلفائها من الدول العربیة لاستئصال هذه الظاهرة لأسباب استراتیجیة.

ویستغرب العدید من الکتّاب الغربیّین تصرّف إسرائیل فی مواجهة «داعش» واللامبالاة التی تبدیها للموضوع، فهی لا تشعر بتهدید من امتلاک مجموعة متطرّفة لأسلحة على حدودها، وغیر معنیة بالحرب التی أعلنتها الولایات المتحدة على الدولة الإسلامیة. وکأنّها تعیش الیوم سکینة غیر مسبوقة، وتضحک فی سرّها، إذ إنّ أقصى ما کانت تحلم به على صعید المنطقة قد تحقّق.

أمّا الأسوأ، فهو أنّ تمدّد ظاهرة «داعش» یؤدّی إلى تشویه صورة الإسلام وتصویر إسرائیل کأنّها الدولة الدیموقراطیة المحاطة بدوَل متطرّفة وبفکر تکفیری، ما یسمح لها بالاستمرار فی سیاستها الاستیطانیة. إنّ الدین الإسلامی یمرّ فی أسوأ مرحلة من تاریخه، فزالت صوَر دین التسامح لتحلّ محلها صور مشوّهة لا علاقة لها بالدین الإسلامی.

ویتمّ ذلک فی ظلّ غیاب صارخ لأیّ محاولات مضادة لتحسین هذه الصورة. فصمتُ الدوَل الإسلامیة یؤدّی إلى نتائج سلبیة، وتثبیت صورة نمطیة عن الإسلام فی هذه المرحلة هو هدر دم مباشر لکلّ الدول العربیة، نحو مزید من هدر السیادة والتقسیم.

فی الستینیات من القرن الماضی، زار صحافی هندی شهیر اسمُه کارانجیا إسرائیل وأجرى حدیثاً مطوّلاً مع موشی دایان وزیر الدفاع الإسرائیلی آنذاک، وشرحَ دایان للصحافی الهندی أنّ إسرائیل ستدمّر الطائرات العربیة فی مرابضها بضربةٍ سریعة ثمّ تصبح السماء مُلکاً لها وتحسم الحرب لصالحها.

وحینها تساءلَ کارانجیا باستغراب: کیف تکشفون خططکم بهذه الطریقة؟ فردّ علیه دایان ببرودة:

«لا علیک فالعرب لا یقرأون، وإذا قرأوا لا یفهمون، وإذا فهموا لا یطبّقون»، وتمّ إثبات نظریة دایان عن العرب خلال حرب الـ67 وما زالت النظریة صحیحة حتى یومنا هذا.

یجب التنبّه إلى کلّ ما یُحاک الیوم والتوحّد ضد هذه الخطط المشبوهة، المطلوب توعیة شاملة وعامة تُطاوِل الجمیع، یجب أن نتعلّم التخطیط والتحلیل والقراءة. القراءة جیّداً فی التاریخ وفی الحاضر وفی ما سیحمله المستقبل إنْ استمرّت الأمور على ما هی علیه. لم یعُد من المقبول الانجرار الأعمى نحو الفِتن، لنتحوّل وقوداً لحروب تعود بالکَسب المادی للدوَل الغربیة.

نحتاج إلى ثورة تعلیمیة جدیدة، ثورةٍ تعطی شعبَنا فرصةً للحیاة، التعلیم الوطنی والقومی الحقیقی الذی یخلق مواطنین لا أتباع طوائف ومذاهب. وإذا احتجنا إلى أمثلةٍ على ذلک فلنتطلّع الى سنغافورة، فالهندی البوذی والمالیزی المسلم والصینی المؤمن وغیر المؤمن یعیشون على هذه الجزیرة الصغیرة قصّة نجاح ممیّزة.

نحتاج الى مواطنین یدرکون أنّ وحدتهم هی خلاصهم وأنّ سیادتهم تکون بالإبداع والإنتاج لا بقتال الآخر. نحتاج الى جیل یقرأ ویُحلّل ویبدع، نحتاج الى جیل یدحض مقولة موشی دایان.

المصدر: صحیفة الجمهوریة

رایکم
الأکثر قراءة