علی حیدر
تحوَّلت العملیة البطولیة التی نفذها أحد مقاومی حرکة «الجهاد الإسلامی» فی القدس المحتلة، واستهدفت أبرز الناشطین الیمینیین المتطرفین، یهودا غلیک، إلى محطة أساسیة فی نشاط المقاومة الفلسطینیة ضد الاحتلال، ولا سیما أنها تأتی بعد سلسلة عملیات فی المدینة بین کل أسبوع أو اثنین.
هذا «الإنجاز الفلسطینی» فی التصدی للاستفراد بالقدس حفر فی وعی قادة العدووجمهوره مجموعة من الحقائق، أبرزها أنه مهما اشتدت الظروف على المقاومة وکثفت الإجراءات الأمنیة وجرى تصعید الاستیطان، فإن کل ذلک لن یحول دون مواصلة النضال ضد الاحتلال والإبداع فی التکتیکات. وأکثر ما یفاجئ العدو استهداف شخصیات فی توقیت ومکان لا یخطران على بال المسؤولین عن الأمن.
بالطبع، لم یکن اختیار المقاوم حجازی هدفه عبثیاً، بل إن تاریخ غلیک وحاضره کافیان لتبیان کم أن استهدافه کان ملحّاً بالنسبة إلى الشعب الفلسطینی والقضیة، والأمر نفسه ینسحب على ظروف العملیة. انطلاقاً من ذلک، خطط الشهید لعملیته وعرَّض نفسه للمخاطر من أجل الوصول إلى ذلک المتطرف، رغم أنه کان قادراً على استهداف کثیرین غیره فی المدینة.
واللافت أنه قبل لحظات من استهداف غلیک کان واقفاً على المنصة فی مرکز «تراث بیغن» فی القدس وهو یلقی محاضرة تحمل عنوان «إسرائیل تعود إلى جبل الهیکل» (مادة مفصلة على الموقع)، ولیس خفیاً أنه صاحب أکبر الدعوات إلى اقتحام الأقصى. أما کیف نجح المقاوم فی الاقتراب من غلیک واستهدافه، فقد روت وسائل الإعلام الإسرائیلیة أن حجازی الذی کان یعمل فی المرکز نفسه، قاد دراجة ناریة وهو مقنّع، وعندما اقترب من الحاخام سأله: «هل أنت غلیک؟»، فأجابه الأخیر بالإیجاب، ثم أطلق المقاوم النار علیه.
ووفق صحیفة «یدیعوت أحرونوت»، خرج حجازی فی ساعات الظهیرة من منزله، وتوجه إلى العمل حتى ساعات المساء فی المطبخ، وقدّرت أن هناک احتمالاً بأن یکون المسدس الذی استخدمه قد کان بحوزته خلال تلک الساعات. وبعد انتهاء ساعات العمل (21:40) خرج حجازی من المطعم. وبدلاً من العودة إلى منزله، «یبدو أنه بقی فی الخارج ینتظر خروج غلیک من المبنى»، ثم فی تمام الـ22:10 جرت العملیة، وتفید شاهدة عیان بأن حجازی قال لغلیک: «أنا متأسف، أنت أغضبتنی»، ثم أطلق علیه أربع رصاصات وأصابه بجراح خطیرة.
وتابع تقریر «یدیعوت» أنه «فی ساعات الصباح، قادت الدلائل التی جمعت من المکان والمعلومات الاستخباریة إلى حجازی بسرعة، فوصلت الوحدات الخاصة (یمام) إلى بیته فی القدس الشرقیة وعثرت فی الموقف على الدراجة الناریة، وخلال التفتیش عثرت أیضاً على المسدس». لکن الروایة الرسمیة أکدت أن حجازی بدأ إطلاق النار على أفراد «یمام» مستخدماً المسدس نفسه، مضیفة أنه قتل أثناء محاولة الوحدة اعتقاله فی حی الطور.
مع ذلک، یبقى السؤال: کیف عثرت قوات الاحتلال على المسدس خلال التفتیش؟ فیما الروایة الرسمیة تؤکد أن قوات الاحتلال قتلته بعدما أطلق النار علیها بالمسدس نفسه!
یعزز هذا التعارض روایة عائلة الشهید التی قالت إن قوات الاحتلال دهمت الحی وحاصرت المنزل، ثم أطلقت النار بکثافة إلى أن حوصر الشهید وجرت تصفیته على سطح المنزل حیث ظل ینزف أکثر من ساعتین.
ولفتت وسائل الإعلام، استناداً إلى تقدیرات أجهزة الاستخبارات، إلى أن حجازی أتمّ ثلاث مراحل ناجحة حتى وصل إلى الهدف وأطلق النار علیه؛ الأولى جمع المعلومات عن تحرکات الحاخام، واختیار الزمان والمکان المناسبین، ثم تنفیذ العملیة، وفی الخطوة الثالثة الانسحاب السریع من المکان.
أمام هذا النجاح الذی حققه المقاوم، لم تستبعد الأجهزة الإسرائیلیة أن «یکون حجازی، أو الخلیة التی هو جزء منها، تتبعت تحرکات الحاخام عبر وسائل التواصل الاجتماعی، لأنه (غلیک) یعلن نشاطه الیومی، وهو سبق أن أعلن صباح ذلک الیوم أنه سیشارک إلى جانب وزراء ونواب کنیست فی مؤتمر «إحیاء تراث الهیکل» فی قاعة «تراث بیغین»».
فی ما یتعلق بوضع «غلیک»، أوضحت مصادر طبیة عبریة أن الأطباء اضطروا إلى قطع جزء من رئته خلال العملیة الجراحیة، ولا تزال حالته بالغة الخطورة.
أما عن المفاعیل السیاسیة، فحمَّل رئیس وزراء العدو بنیامین نتنیاهو، رئیس السلطة الفلسطینیة محمود عباس مسؤولیة التحریض الذی أدى إلى محاولة قتل غلیک. ووفق بیان مکتب نتنیاهو، فإن «أبو مازن قال إنه یجب منع صعود الیهود إلى الحرم القدسی بکل الوسائل».
کذلک عقد نتنیاهو اجتماعاً رفیعاً مع وزیر الجیش موشیه یعلون، ووزیر الأمن الداخلی یتسحاق أهرونوفیتش، ورئیس الشاباک والمفتش العام للشرطة وقائد شرطة القدس، کما لم یفته استغلال الحادثة فی مواجهة الضغط الدولی، فقال «لم أسمع بعد أی کلمة إدانة من المجتمع الدولی». وأیضاً، استغل الموقف معسکر الیمین المتطرف، الذی ینتمی «غلیک» إلیه، بالدعوة إلى «استعادة السیادة الإسرائیلیة على القدس».
المصدر: جریدة الأخبار