الحمد لله ربّ العالمین، و الصلاة و السلام على سیدنا و نبینا أبی القاسم المصطفى محمد، و على آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین الهداة المهدیین المعصومین، سیّما بقیة الله فی الأرضین.
حتى لو غضننا الطرف عن العوامل المعنویة و ما وعده الله تعالى للمؤمنین و المجاهدین فی سبیل الحق، فحسب القوانین العادیة لحیاة المجتمعات البشریة، ترتبط عزة أی مجتمع و اقتداره و سمعته و مکانته و هویته بالجهاد و السعی الدؤوب. لا یمکن لأی شعب بالکسل و التراخی أن یکتسب منزلة لائقة بین شعوب العالم أو فی التاریخ. ما یجعل الشعوب فی التاریخ و فی عصورها التی تعیشها شامخة بین سائر شعوب العالم هو الجهاد و السعی. و لهذا السعی طبعاً أشکال متنوعة، فهناک السعی العلمی و هناک السعی الاقتصادی و هناک السعی بمعنى التعاون الاجتماعی بین الأفراد.. هذه کلها أمور لازمة و ضروریة. و لکن على رأس کل هذه المساعی الاستعداد للتضحیة بالأرواح، فهذا هو الذی یجعل شعباً شامخاً مرفوع الرأس بین الشعوب. إذا لم یکن بین أفراد شعب من الشعوب من هم على استعداد للتضحیة بأرواحهم و راحتهم فی سبیل الوصول لمطامحهم و مبادئهم، فإن هذا الشعب لن یصل لأیة نتیجة. الشیء الذی فعلته الثورة لشعب إیران هو أنها أضاءت هذا الطریق أمامنا، فأدرک کل واحد من أبناء الشعب و شعر بضرورة الجهاد فی سبیل المبادئ و الأهداف، و الصمود بوجه أعداء هذه المبادئ، و قد صمدوا.
دفاعنا المقدس و فترة حرب الأعوام الثمانیة الزاخرة بالأحداث فی هذا البلد هی قصة صمود شعب إیران و صمود شبابنا بوجه خبث و عداوات الکفر و الاستکبار العالمیین. صحیح أن الذی کان یقف أمامنا هو حسب الظاهر نظام البعث أو صدام، و قد کان خبیثاً و معادیاً للإنسانیة بما فیه الکفایة، لکنه لم یکن وحده، فما جعل هذه الحرب تستمر ثمانیة أعوام هو العوامل التی کانت خلف ستار الاستکبار العالمی، و التی کانت تشجعه و تعده و تمده بالإمکانیات و المعدات. یوم اضطر أعداؤنا فی أراضی خوزستان هذه - التی شاهدتم الآن جوانب منها - للتراجع و الانسحاب، أعطتهم حکومة أوربیة وسیلة لیستطیعوا مواصلة خبثهم و شیطنتهم و شرورهم فی البحر، أعطتهم صواریخ. لم یکونوا یسمحون للعملیات التی تحصل فی المناطق الحربیة أن تنهی الحرب و تقرّر مصیرها. کانوا یشجعونه و یرغبونه. أی إن ید الاستکبار العالمی و ید هذه الحکومات الأوربیة و الحکومة الأمریکیة کانت تسند النظام البعثی الخبیث و تشجعه على مواصلة الأمر. لم یکونوا یریدون للجمهوریة الإسلامیة أن تخرج منتصرة مرفوعة الرأس من هذه الحادثة الکبرى، و کانوا یقولون ذلک بصراحة.
بعد هذه العملیات التی حصلت فی هذه المنطقة - منطقة دارخوین، فقد کان هذا المکان ساحة لمعرکة حاسمة جداً هی عملیات ثامن الأئمة - خطط لها الحرس الثوری و جیش الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة بالتعاون مع بعضهم من أجل تطبیق أمر الإمام الخمینی، و استطاعوا فی هذه المنطقة فرض التراجع على العدو و تحطیم المعنویات التی اکتسبها بسبب دعم الأجانب و الأوربیین له، و تدمیرها، و کسر حصار آبادان، بعد هذه العملیة تتابعت العملیات فکانت عملیات طریق القدس، و بعدها عملیات الفتح المبین، و بعدها عملیات إلى بیت المقدس، فی هذه العملیات المتتابعة کان مقاتلونا الأعزاء و شبابنا المضحّی یعملون فی إطار الجیش، و فی إطار الحرس الثوری، و فی إطار التعبئة و القوات الشعبیة، و على شکل مجامیع عشائریة، و حتى على شکل شرطة و قوات درک و اللجان التی کانت یومذاک، کانوا یعملون فی ساحة الحرب و یقدمون هذه التضحیات، و کان بوسع هذه العملیات أن تنهی الحرب، لکن جبهة أعداء النظام الإسلامی - و هم الأوربیون و الحکومات الأوربیة و الحکومة الأمریکیة - لم تکن تسمح بذلک، فقد کانت تشجّع الطرف الآخر و تمنحه إمکانیات و معدات جدیدة و تبث فیه الأمل بالفوز فی هذه الحرب، لذلک استمرت هذه الحرب ثمانیة أعوام. لیس من الهزل ثمانیة أعوام من الحرب. الحروب الکبرى و المعروفة فی العالم خلال الفترات القریبة من زماننا تستمر أربعة أعوام و خمسة أعوام و ستة أعوام و ما إلى ذلک، بینما استمرت هذه الحرب ثمانیة أعوام و فی منطقة واسعة تمتد فیها المعارک و الاشتباکات من الشمال إلى الجنوب، أی من منطقة شمال غرب البلاد إلى نهایة الجنوب هذه.
کان هدفهم أن یفعلوا ما من شأنه أن یشعر النظام الإسلامی بأنه غیر قادر على مواجهة هؤلاء الأعداء. أرادوا أن یفعلوا ما یجعل الجمهوریة الإسلامیة تظهر کمنظومة ضعیفة عاجزة. لکن الله تعالى أظهر ید قدرته و حطم بید السنة الإلهیة الفولاذیة فم أعداء الجمهوریة الإسلامیة و أعداء رایة الإسلام الخفاقة، و مرّغ أنفهم بالتراب، و أثبت أن النظام الإسلامی و لأنه یعتمد على إیمان الشعب و عواطفه یستطیع حتى فی مواجهته لکل القوى المادیة فی العالم، الدفاع عن نفسه و أن یفرض على الطرف المقابل الاعتراف بالعجز. لقد اعترفوا بعجزهم و بعدم قدرتهم على الوقوف بوجه القبضة الحاسمة للمؤمنین بالإسلام و بالوعود الإلهیة، و أحبط إعلامهم و ذهب أدراج الریاح. کانوا یحاولون إقناع شعب إیران - المؤمن بالآیات الإلهیة الکریمة - بأنک غیر قادر على مواجهة القوى المادیة فی العالم.. أرادوا إقناعه بهذا الشیء. و أقولها لکم أیها الإخوة الأعزاء و لکل الشعب الإیرانی: إن اندحار شعب یحدث عندما یعتقد أنه لا یستطیع فعل شیء. هذه بدایة هزیمة أی شعب. لقد أرادوا بث هذا الشعور فی قلوب الإیرانیین خلال فترة الحرب المفروضة، لکن القضیة انقلبت إلى العکس. لقد أثبتت الحرب المفروضة - أی الدفاع المقدس لشعب إیران - أن الشعب فی ظل اتحاده و فی ظل إیمانه بالله، و فی ظل حسن ظنه بالله تعالى و اعتقاده بصدق الوعود الإلهیة، یستطیع اجتیاز کل المنعطفات الصعبة، و بوسعه الوقوف بوجه الأعداء و فرض الهزیمة و التراجع على العدو. هذا ما أثبتته لنا الحرب المفروضة.
أقول لکم: لا تدعوا ذکرى فترة الدفاع المقدس تمحى من الخواطر و الأذهان. المجیئ إلى هذه المناطق الحربیة - سواء فی عطل النوروز أو على مدى العام، و الحمد لله على أن هناک من یأتی إلى هذه المناطق على طول السنة و یزور هذه الأراضی و الأماکن - عمل حسن جداً و صحیح و عقلانی یقوم به شعب إیران. حافظوا على ذکرى هذه الأراضی حیة. هذه الأراضی و هذه الصحاری و نهر الکارون هذا و طریق أهواز - آبادان أو أهواز - إلى خرمشهر، هذه الأماکن المتنوعة التی تعرّف لکم نفسها الیوم بأسماء مختلفة، شاهدة على أرقى التضحیات و الجهاد و الفداء. إننی لا أنسى فی الأشهر الأولى من الحرب - فی شهور المحنة و عدم وجود قوات و إمکانیات و معدات و تدریب، و عدم توفر انسجام و تنظیم، فی تلک الصعوبات المادیة الشاملة - کان شبابنا یأتون بمعنویات عالیة من أهواز هذه إلى مختلف المناطق، بما فی ذلک هذه المنطقة، منطقة دارخوین. جماعة من الشباب المؤمنین المتدینین، و أنا على معرفة ببعض شخوصهم، جاءوا إلى قریة محمدیة هذه القریبة من هنا، و حفروا خنادق فردیة، و کانوا یخرجون فی ظلام اللیل من خنادقهم الفردیة و یتقدمون مائة متر أو مائتی متر إلى الأمام، و یحفرون هناک الخنادق ثانیة، و یبقون فی تلک الخنادق الیوم کله تحت شمس خوزستان الحامیة، و یتحملون الصعاب و الشدائد، و یقتربون من العدو، إلى أن حان موعد العملیة فی شهر مهر من السنة التالیة لهجوم العدو - فی آخر شهر شهریور 59 بدأ هجوم العدو، و کان ما نتحدث عنه فی شهر مهر سنة 60 - فی منطقة دارخوین هذه و کل هذه المناطق المحیطة بها بقوات مقاتلة من الجیش و الحرس الثوری و التعبئة و غیرها، و استطاعوا کسب أجر و جزاء ذلک الجهاد و الصعاب و إهدائه للشعب الإیرانی. هذه ذکریات قیمة، و یجب أن لا تسمحوا بنسیانها و انمحائها من الخواطر.
فی کل واحدة من هذه المناطق وقعت أحداث، و کل واحد من هذه الأحداث إذا وقع لبلد أو شعب لکان کافیاً لشموخ ذلک الشعب فی التاریخ. الأحداث التی وقعت فی عملیات بیت المقدس، أو ما حدث فی عملیات الفتح المبین، أو ما حدث بعد ذلک فی عملیات خیبر، کل ذرة من هذه العملیات و هذه الشخصیات التی أبدت هذه التضحیات و صنعت هذه الأحداث، یمکنها تسجیل مفاخر کبرى و خالدة و لا تنسى لشعب إیران. الأعداء یریدون لنا أن ننسى، یریدون لقضیة الدفاع المقدس أن تمحى من أذهاننا، و أن ننسى التضحیات، و أن لا نعرف الشخصیات التی کان لها دور فی هذه التضحیات، أو أن ننساها.. هذا ما یریدونه. و البعض یریدون تخطئة تلک الفترة و تخطئة أولئک النفر، و تخطئة ذلک الاتجاه و المسار الذی رسمه الإمام الخمینی الجلیل الحکیم و عبد الله الذی منّ علیه ربّه بالبصیرة، لأنهم یعلمون أن کل ذرة و کل جزء من تلک الأحداث مما لا یقبل النسیان بالنسبة للشعب الإیرانی و له تأثیرات بناءة کبیرة.
أعود و أقول للشعب الإیرانی بأن یغتنم تحرک «السائرین إلى النور»، و أتقدم بالتقدیر و الشکر لکم أیها الإخوة و الأخوات الأعزاء الذین قدمتم من طرق بعیدة إلى هذه المنطقة و شکلتم جزءاً من المجموعة العظیمة لتحرک «السائرین إلى النور»، و أتمنى أن تکونوا جمیعاً مأجورین، و أن تعودوا کلکم من هذه المنطقة إن شاء الله بأید ممتلئة و زاد وفیر و تجارب جمّة و بصیرة و أنوار إلهیة معنویة. حفظکم الله تعالى جمیعاً. اللهم بمحمد و آل محمد احشر الأرواح الطیبة لشهداء الحرب المفروضة الأبرار مع أولیائک. اللهم خلد ذکرى هؤلاء الأعزاء و المضحّین فی الخواطر و فی قلب تاریخنا. ربنا اجعلنا نقف حتى النهایة بوجه الأعداء و العداء و الخبث بنفس الروح و المعنویات التی یرتضیها الرسول الأکرم (ص) و أئمة الهدى (ع). اللهم انصر شعب إیران على أعدائه، و احشر الروح الطاهرة للإمام الخمینی الجلیل مع أولیائه.
المصدر: http://arabic.khamenei.ir