19 November 2024
دوما: المعرکة الشاقة على الخیار السعودی.. بالمصالحة أو الحرب

هل تنتهی منظومة إسقاط دمشق من الغوطة؟

الجیش السوری المتقدم بحذر باتجاه مدینة دوما، یتابع معارک القضم التدریجی کالتی اتبعها مثلا فی حمص وحلب.
رمز الخبر: ۶۱۰۶۱
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۵:۲۵ - 01November 2014

هل تنتهی منظومة إسقاط دمشق من الغوطة؟

خلیل حرب

الجیش السوری المتقدم بحذر باتجاه مدینة دوما، یتابع معارک القضم التدریجی کالتی اتبعها مثلا فی حمص وحلب. لکن المشهد الحقیقی هنا، صورة التقدم ببطء نحو ما یسمى «عاصمة الثورة» فی منطقة الغوطة الشرقیة، أکبر من ذلک، ویبدو مرتبطاً بمعرکة «درع العاصمة» بکل ما لها من تداعیات، سیاسیاً وعسکریاً فی ظل المشهد الإقلیمی.
دوما، التی جرى العمل علیها منذ الأیام الاولى للعمل المسلح، لتکون شرارة الاختراق نحو العاصمة السوریة، کانت أیضاً بیضة القبان فی غرفة العملیات العسکریة السعودیة التی سبق أن أشرف علیها رئیس الاستخبارات السعودیة السابق بندر بن سلطان انطلاقاً من الأراضی الأردنیة. وهی بالتالی، مثلت الرهان السعودی الأکثر منطقیة، لولوج العاصمة من هذه البوابة القریبة، المفتوحة على المدى المتسع لمناطق الغوطة المرتبطة بجبهات الجنوب. وفیها، فی هذه المدینة، یتحصن «رجل السعودیة الأول» زهران علوش، المعروف سخریة بین السوریین والعدید من الفصائل المسلحة، بأنه ملک الانسحاب من الجبهات.
معرکة دوما لن تبدأ غداً. لکنها، فیما یقترب الجیش السوری منها تدریجیاً، ستشکل تتویجاً لمعارک الغوطتین التی بدأت قبل اکثر من عامین، وراح ضحیتها آلاف الجنود والمسلحین. وربما اذا ما انهارات دفاعات زهران علوش، کما ترجح مصادر میدانیة مطلعة، ستؤشر الى «نهایة منظومة إسقاط مدینة دمشق».
لماذا دوما؟ وکما أسلفنا، فهی الى جانب کونها «عاصمة» للمسلحین على بعد کیلومترات قلیلة من العاصمة السوریة، شکلت «بیئة حاضنة» للأفکار المتطرفة، منذ ما قبل الاضطرابات التی دخلتها سوریا فی ربیع العام 2011. معرکة دوما بهذا المعنى، أکثر من مجرد مواجهة عسکریة مع مجموعات مسلحة. هناک انتشار للبیئة السلفیة التکفیریة تتلاقى مع حالة تمذهب تترعرع فی مناطق مهملة اجتماعیاً. ولیست صدفة أن العدید من قتلى المسلحین فی المواجهات التی جرت فی مناطق جوبر وعین ترما وسقبا ومرج السلطان وغیرها، هم من أبناء الغوطة وبلداتها.
دوما بهذا المعنى، کانت کبیئة حاضنة، شرارة رئیسیة فی انطلاق العمل المسلح ضد النظام، وامتداده الى القرى والبلدات فی الغوطتین، وهی کما یصفها مصدر مطلع على المشهد المیدانی، «أحد أهم روافد النار التی أشعلت سوریا».
وبحسب المصدر، فإن المحطتین الأساسیتین فی تحرک الجیش لاستعادة دوما، تجسدتا فی السیطرة على الملیحة التی استغرقت معرکتها أکثر من مئة یوم، واختراق جوبر التی استرد الجیش نصفها تقریباً وقسَّم النصف الثانی منها الى ثلاثة أجزاء معزولة عن بعضها البعض، لقطع الأمدادات عنها. یقول المصدر إن الملیحة وجوبر تمثلان خطوط الدفاع الحقیقیة عن دوما، وهما الى جانب عین ترما، استخدمت طوال سنوات لقصف دمشق نفسها».
وکان الجیش السوری خلال الاسابیع الماضیة تمکن من استرجاع الدخانیة ووادی عین ترما وتل الصوان ومزارع الکردی ومزارع الریحانیة وعدرا العمالیة وعدرا الجدیدة وعدرا البلد، ونجح بذلک بإرباک الإمدادات العسکریة ما بین دوما، وبین مناطق البادیة الشاسعة. والمفاجأة التی اقدم علیها الجیش تمثلت بعد السیطرة على الکردی والریحانیة والمعامل، بالانقضاض السریع على مزرعة حوش الفارة التی تتمثل اهمیتها بأنها تساهم فی تطویق بلدة میدعا وتضییق الخناق على الإمدادات نحو دوما من البادیة، وربما قطعها بالکامل إذا ما اکتمل الطوق بالسیطرة على کل من البلالیة والنشابیة.
دوما تستکمل معرکة العتیبة الشهیرة. هذه المدینة عندما استردها الجیش فی ربیع العام 2013، وعزل الغوطة عن البادیة، علت اصوات جماعات المعارضة المسلحة، بأن سقوطها سیشکل بدایة النهایة لوجودهم فی الغوطة الشرقیة. المسلحون أنفسهم سعوا مرة اخرى فی ربیع العام 2014 الى محاولة الاستیلاء علیها، وفشلوا. دوما هی «تتویج للهجوم المضاد للجیش» الذی أحبط ما سمی وقتها بمعرکة الغوطة التی شارک فیها آلاف المسلحین، انطلقت العدید من مجموعاتهم او تلقت مساندة من داخل الأراضی الأردنیة عندما کان بندر بن سلطان رئیساً للاستخبارات، وکان شقیقه سلمان یقود غرفة العملیات السعودیة، من الأردن.
وهناک ما یشبه السباق مع الزمن بین جبهتین مهمتین، اذ یترافق هذا التقدم الحذر للجیش السوری نحو دوما ومحاولة حسم معرکة الغوطة الشرقیة نهائیاً، مع تصعید لافت خلال الأسابیع الأخیرة على الجبهة الجنوبیة فی درعا والجولان، حیث النفوذ المتغلغل للاستخبارات الاردنیة والسعودیة والاسرائیلیة فی دعم فصائل «جهادیة» ومسلحة، ما یحتم على دمشق ضمان إنهاء الوضع القائم فی دوما لوضع اللبنة الاخیرة فی جدار الدفاع الجنوبی عن العاصمة.
النفوذ السعودی على أبواب دمشق، کان حاضراً فی المؤتمر الصحافی لوزیر الخارجیة السوری ولید المعلم فی اواخر آب الماضی، عندما دعا مجلس الامن الدولی الى التعامل مع الارهاب بنظرة اکثر شمولیة لا تقتصر على تنظیمی «داعش» و«جبهة النصرة»، وإنما تشمل أیضاً «الجبهة الاسلامیة» التی یقودها زهران علوش ضمن تنظیمه «جیش الاسلام».
لکن من المبکر الجزم بحتمیة اندلاع معرکة شاملة فی دوما. تدرک دمشق ان زهران علوش قابل للتراجع «التکتیتی». وربما بهذا المعنى، قد یسعى الجیش الى تجنیب المدینة التی کان یقطنها نحو 500 ألف شخص، الخراب الشامل، ربما بفتح نافذة هروب للمسلحین منها. وفی الوقت ذاته، یدرک علوش أن دوما هی «عاصمته» ومعقله الرئیسی، وسیکون خروجه منها نهایة لتسلطه العسکری على المدینة، واضمحلالا لدوره المراهن علیه إقلیمیاً، بعدما أظهر فی الشهور الأخیرة، رفضه لوجود قیادات تحاول منازعته على السلطة فیها، بل إنه، کما اشارت العدید من التقاریر فی الفترة الاخیرة، عمد الى قمع تظاهرات واحتجاجات من اهالی المدینة ضد الوجود المیلیشیاوی فیها.
وهناک ورقة ابتزاز اخرى یستخدمها زهران علوش لحمایة نفسه من هجوم کبیر للجیش على المدینة، اذ تشیر التقاریر ایضا الى ان الآلاف من مخطوفی مدینة عدرا العمالیة بالاضافة الى العسکریین، نقلوا الى درعا لیستخدمهم «جیش الاسلام» الذی یتزعمه، کدروع بشریة ومقایضة.
ویرجح المصدر ألا یعمد النظام الى خوض معرکة حاسمة وسریعة فی دوما یکون فیها زهران علوش، ومن معه من فصائل مسلحة، یقاتلون وظهرهم الى الحائط.
ولهذا یبدو احتمالان فی الأفق:
1- ان یفرض الجیش حصاراً قاسیاً على المدینة، یرافقه ضغط عسکری هائل وعملیة استنزاف طویلة، تعید المدینة الى الحاضنة السوریة، على غرار ما جرى مثلا فی حمص القدیمة، وهو تطور من شأنه أن یعزز حصانة النظام على الأبواب المحتملة لاستئناف مسیرة جنیف الباردة.
2- استغلال التطویق العسکری المحکم لتشجیع المصالحات التی یعتبرها النظام من أولویاته. وهناک بالفعل جهود تبذل منذ اکثر من عام، ووفود من فعالیات المدینة تزور دمشق بین الحین والآخر لمتابعة الملف، وهی عملیة تتلقى زخماً کلما خرجت تظاهرات محلیة ضد سطوة علوش ورجاله. وقد تلقى هذه الجهود نجاحاً بعدما نُقل عن علوش نفسه القول مؤخراً بأنه «یوافق على ما یوافق علیه اهل العقد».
تلتقی فکرة المصالحات مع مسألتین: رغبة النظام فی تعزیز حالة النقمة الشعبیة فی المدینة على المسلحین، کما جرى فی العدید من البلدات السوریة الملتهبة، واشتداد حمى المنافسة بین الفصائل المسلحة فی دوما، ومع الطرح الجدید الذی قدمه المبعوث الأممی ستیفان دی میستورا قبل یومین بشأن «تجمید» الاشتباکات فی مناطق محددة لإطلاق عجلة التسویات المحلیة، والتی أبدت دمشق ترحیباً أولیاً بها.
وبعیداً عن معرکة عین العرب فی الشمال السوری، وما یجری فی الجبهة الجنوبیة من تطورات میدانیة اظهرت دور العامل الاسرائیلی، یتابع المراقبون ثلاث جبهات لا تقل خطورة ولها أبعاد إستراتیجیة فی مخاض الحرب السوریة: دوما وما تمثله بالنسبة لمعرکة دمشق، معرکة مورک وتداعیاتها فی ریف حماة الشمالی، ومعرکة حلب التی یواصل الجیش تقدمه حولها لاستکمال عزلها عن المسلحین فی ریفها.
ومن مؤشرات أهمیة ما یجری فی شمال حلب، الإعلان المریب من جانب الرئیس الفرنسی فرانسوا هولاند بالامس بأن حلب هی «المدینة الرئیسیة» فی المعرکة ضد تنظیم «داعش»، لا عین العرب.
وکانت صحیفة «رادیکال» الترکیة نقلت عن مصادر أن مجلس الأمن القومی الترکی، برئاسة رجب طیب اردوغان، بحث مصیر حلب. وذکرت أن «أنقرة لیست فقط قلقة من سقوط حلب بید داعش، بل إنها تحولت إلى کابوس لدى الحکومة الترکیة»، مشیرة الى ان انقرة تراهن من خلال الترکیز على مصیر حلب، على تعزیز مطلب أنقرة إقامة «منطقة عازلة» ومنع الطیران السوری من ضرب وإضعاف «الجیش الحر» الذی تراهن أطراف غربیة وإقلیمیة علیه، لا لمقاتلة عصابات «داعش» وحده، وإنما الجیش السوری ایضاً، بتمویل وتسلیح من السعودیة مجدداً!

المصدر: جریدة السفیر

 

رایکم
الأکثر قراءة
احدث الاخبار