کتب المحرر السیاسی
أراد البیت الأبیض نفی أی علاقة له بالدولة السوریة، وأی سعی لتعویم العلاقة بالرئیس بشار الأسد، وتأکید الموقف الرافض لشرعیته، رداً على الانطباعات التی تولدت لدى حلفاء واشنطن من جراء تصریحات وزیری الدفاع والخارجیة الأمیرکیین، لجهة الإصرار على حل تفاوضی فی سوریة، والقول إن الحکومة والجیش فی سوریة یستفیدان من حرب التحالف الدولی ضدّ «داعش» و«النصرة».
اضطر البیت الأبیض للاعتراف أنّ موقفه المبدئی الرافض للعلاقة بالحکم فی سوریة، لا یملک خریطة طریق واقعیة، للذهاب إلى أبعد من القطیعة، فإسقاط النظام لم یعد ممکناً واقعیاً والتحدیات تغیّرت، والحلّ السیاسی یتضمّن من زاویة واشنطن تنحّی الرئیس الأسد، کما تقول المعارضة، التی تعیش فی الکنف الأمیرکی، لکن فی النهایة التفاوض موازین قوى، فمعارضة تتلاشى وتفقد مواقعها، لا تملی الشروط وبالکاد تنال مقعداً حجزه لها الحضور الأمیرکی العسکری فی المنطقة، بمثل ما حجز لها، مکاناً فی الصورة التذکاریة فی عین عرب.
البیت البیض لم یعد معنیاً بامتلاک خریطة طریق وأهداف تتصل بمستقبل سوریة، هذا هو جوهر ما یقوله البیت الأبیض، والحرب على الإرهاب هی السیاسة الوحیدة لواشنطن فی الشرق الأوسط، وفی هذه الحرب حلفاء واشنطن لا یملکون أفضلیة لدیها إلا بمقدار مساهماتهم فی هذه الحرب، والمعارضة السوریة المعتدلة هدف نظری سیبقى موضع دعم واشنطن، لکن لا تملک أمیرکا إعادة زمن المعجزات لتدبّ الحیاة فی هذا الجسد المیت وتتحوّل الفانتازیا إلى أکثر من تمنیات وأحلام.
انتهى زمن الحدیث عن إسقاط النظام فی سوریة، ولیست واشنطن من فرض هذه النهایة لحرب الثلاث سنوات، بل الذین جعلوا أوهامهم بالرهان على الإرهاب سیاسة رسمیة لحلف الحرب على سوریة، وسایرتهم واشنطن بعدم استدراک مخاطر هذه الأوهام والرهانات قبل فوات الأوان، ووقوع المحظور، ولم تعد قضیتها الجواب عن سؤال وماذا عن إسقاط النظام، الذین یریدون المقایضة بین شراکتهم فی الحرب على الإرهاب بسماع جواب واشنطن على هذا السؤال، یضعون أنفسهم خارج الحلف مع واشنطن.
هذه الرسالة الأمیرکیة، جاءت لکلّ من الریاض وأنقرة وفقاً لتأکیدات مصادر الحرکات الإسلامیة الوثیقة الصلة بالرئیس الترکی رجب أردوغان، وأکدت المصادر صحة ما نقلته صحیفة «واشنطن بوست» عن استئناف ترکیا لتورید نفط «داعش» عبر أسواقها والسماح بدخول المقاتلین والسلاح، کما أکدت المصادر أنّ بیان البیت الأبیض التوضیحی حول النظرة لسوریة جاء تأکیداً للرسالة التی تبلغتها أنقرة، کما جاء الکلام المسهب للمبعوث الدولی ستیفان دی میستورا عن لقائه وتفاهمه مع الرئیس الأسد تعبیراً عن موقف ضمنی لواشنطن ولیس مجرّد اجتهاد شخصی.
بالتوازی کانت الحلحلة تطلّ برأسها على طاولة التفاوض الأوکرانی مع روسیا، حول ملف الغاز والمتأخرات المالیة المترتبة على أوکرانیا، تعهّدت أوروبا بتسدید أوکرانیا للمستحقات، تلبیة لطلب روسی بالضمانة الأوروبیة، لیتمّ استئناف ضخ الغاز الذی توقف عن أوکرانیا وأوروبا معاً منذ حزیران الماضی.
التفاهم حول الغاز کلمة سرّ لمجموعة تفاهمات، تتصل بالأزمة الأوکرانیة من جهة، وبالعلاقات الأمیرکیة ـ الروسیة والأوروبیة ـ الروسیة من جهة أخرى، ولم یکن التفاهم النووی الإیرانی مع مجموعة 5 + 1 بعیداً عن هذه الحلحلة، حیث قالت مصادر روسیة أنّ العقد کلها نحو انفراج لن یجعل تمدید المهل مطروحاً، لأن الاتفاق سیبصر النور فی الموعد المقرّر.
مناخ الحلحلة، یعبّر عن لحظة دولیة وإقلیمیة یفقد فیها حلفاء واشنطن حیویتهم لحمل لواء الحرب على الإرهاب، بینما یتقدم خصومها ساحات المواجهة ویحققون النجاحات من لبنان إلى سوریة والعراق وصولاً إلى الیمن، ومثلما لا یقیم الجمیع حساباً للکلام الترکی عن الشراکة فی الحرب على الإرهاب، ویتبسّمون سخریة عند سماع الکلام الترکی بعدما حملت أنباء الأمس دخول ألف مقاتل عبر الحدود الترکیة لحساب «داعش» فی العراق وسوریة.
کذلک لا ینتظر المشارکون فی هذه الحرب، موقف السعودیة، التی ترتبک یمنیاً وتشجع التمدید للمجلس النیابی لبنانیاً، بینما فاتها قصب السبق فی المعرکة اللبنانیة الحاسمة مع «داعش» و«النصرة» التی شهدتها طرابلس، قبل أن یصل السلاح الموعود بالهبات المقرّرة التی تأخرت أو تبخرت کما یقول النائب ولید جنبلاط.
بینما یستعدّ الحوثیون فی الیمن للدعوة إلى مؤتمر تأسیسی ووضع دستور جدید، إذا استمرت المماطلة بتشکیل حکومة الشراکة الحقیقیة بناء على التعلیمات السعودیة، وعین الحوثیین على الحرب على «القاعدة»، یستعدّ اللبنانیون لجلسة تمدید للمجلس النیابی، وعینهم على مفاوضات غامضة یجریها الموفد القطری حول مصیر العسکریین المخطوفین، وإجراءات نوعیة یتخذها الجیش شمالاً یتوقع أن تحمل نتائجها مفاجآت أمنیة، بینما القلق مما سیفعله مسلحو الجرود الذین یسجنهم الثلج وموسمه المتقدم بسرعة، سواء شمال البقاع أو جنوبه.بینما بقی مصیر التمدید عالقاً على «المیثاقیة» بحسب مفهوم رئیس المجلس النیابی نبیه بری والمفقودة حتى الآن، واصل الجیش التصدی للحرب الأمنیة مع التنظیمات الإرهابیة فی طرابلس وعکار، من خلال حملات الدهم لمخابئ الأسلحة التی لا تزال تتدفق على طرابلس وتعطیل المتفجرات المعدة لاستهداف الجیش فی مناطق شعبیة.
والبارز فی هذه الحرب الجدیدة، دهم الجیش منزل والدیّ رئیس «جمعیة اقرأ» الشیخ بلال دقماق فی منطقة أبی سمرا فی طرابلس، ومصادرته کمیة من الأسلحة. وفیما قال دقماق الموجود فی ترکیا، إنّ الأسلحة «قدیمة وبالیة» وموجودة منذ مدة، أوضحت قیادة الجیش أن قوة من الجیش رصدت فی محلة أبی سمرا لیل أول من أمس، «تحرکات مشبوهة لأشخاص یقومون بنقل صنادیق مجهولة المحتوى وبطریقة مریبة، فتمت مداهمة المکان حیث عثر على کمیات کبیرة من الأسلحة المختلفة، وقواذف آر بی جی».
وإذ أعلن دقماق أنه سیتابع الموضوع «مع قائد الجیش العماد جان قهوجی، و«الصدیق» العمید عامر الحسن، رئیس فرع المخابرات فی الشمال». أکدت مصادر شمالیة لـ«البناء» أن دقماق أجرى اتصالاً من ترکیا بمخابرات الجیش، أبلغها فیه أن الأسلحة التی صادرها الجیش فی منزل والده لا تعود له إنما لطرف آخر». وإذ رفضت المصادر تحدید هویة هذا الطرف، أکدت «أن دقماق على علاقة وثیقة وقویة بداعی الإسلام الشهال ووزیر العدل أشرف ریفی». فی حین أشارت مصادر أخرى إلى «أن هذه الأسلحة تعود لـدقماق الذی یقود تنظیماً مسلحاً شارک إلى جانب التنظیمات الإرهابیة الأخرى فی استهداف طرابلس».
وفی اتصال لـ«البناء» مع ریفی لاستیضاحه ما قالته المصادر عن علاقته بدقماق، قال وزیر العدل: «لا تعلیق لا تعلیق»، مکتفیاً بالإشارة إلى «أن دقماق على علاقة جیدة بالجمیع».
صاروخ مفخخ ومتفجرات
وفی الموازاة، «عثرت قوة من الجیش أثناء قیامها بدوریة تفتیش فی محلة سوق الخضار فی مدینة طرابلس، على صاروخ عیار 107 ملم مفخخ، و5 عبوات ناسفة معدة للتفجیر عن بعد، قدرت زنتها بحوالى 23 کلغ، کان قد وضعها المسلحون لاستهداف وحدات الجیش، أثناء تنفیذ العملیات العسکریة الأخیرة فی المدینة»، بحسب بیان للقیادة.
ولفت مرجع بارز فی حدیث إلى «البناء» إلى أن «ما یقوم به الجیش من مداهمات واکتشافه العدید من مخابئ الأسلحة فی طرابلس وعکار وآخرها فی منزل دقماق یؤکد أنه کانت هناک خطة معدّة من قبل المجموعات الإرهابیة استبقها الجیش اللبنانی بالحملة الأخیرة وتطهیر المدینة وبعض المناطق العکاریة». وشدد المرجع «على أهمیة المعرکة الأمنیة التی یواجهها الجیش»، مشیراً إلى أنها توازی المعرکة العسکریة.
العین على الجولان وشبعا والمخیمات
وفی ظل الترابط بین المشهدین السوری واللبنانی، تتجه أنظار الجیش السوری وحزب الله إلى منطقة الجولان السوریة، بسبب مخاوف من تحولات سیاسیة وعسکریة خطیرة فی تلک المنطقة قد ترتد سلبیاً على المناطق اللبنانیة فی شبعا وکفرشوبا وحاصبیا من جهة، وتحرکات باتجاه قوسایا ومجدل عنجر وقرى شرق زحلة من جهة أخرى.
وأشارت مصادر مطلعة إلى أن حزب الله تلقى تحذیرات من أعمال عسکریة متطورة ستشهدها مناطق الجولان، وتمتد باتجاه المناطق اللبنانیة بتحریک وإشراف من ضباط إسرائیلیین ومن خلال دور فاعل ستلعبه التنظیمات الأصولیة وأبرزها «جبهة النصرة» فی فتح معرکة عسکریة فی مناطق حاصبیا وشبعا من خلال الخلایا الأصولیة النائمة التی تتکاثر فی کفرشوبا وشبعا.
خلایا «داعشیة» فی شاتیلا وبرج البراجنة
کما تحدثت المعلومات عن تنشیط لـ «خلایا داعشیة» فی مخیمی شاتیلا وبرج البراجنة، قوامها المئات من المسلَّحین الذین تسللوا إلى لبنان وسط النازحین الفلسطینیین من مخیم الیرموک، بانتظار الضوء الأخضر لافتعال تفجیر خطیر ضد حزب الله .
الموفد القطری ینتظر مطالب «النصرة»
على صعید آخر، واصل الموفد القطری المکلف التفاوض مع خاطفی العسکریین، جولاته المکوکیة بین مواقع «جبهة النصرة» و«داعش» فی جرود عرسال والقلمون لتسلّم مطالبهما من أجل إطلاق المخطوفین.
وعلم أن الوسیط حصل على لائحة مطالب من «داعش» وهو ینتظر تسلم مطالب «النصرة» من أمیرها أبو مالک التلة، ثم سیجتمع مع مدیر عام الأمن العام اللواء عباس إبراهیم لتسلیمه اللوائح وانتظار قرار الحکومة فی شأنها».
المیثاقیة لا تزال غیر متوافرة
سیاسیاً، لا تزال جلسة الأربعاء النیابیة المتعلقة بالتمدید مفتوحة على کل الاحتمالات فی ظل عدم توافر ضمانة ملموسة لنجاح التصویت على التمدید إذ یصر رئیس المجلس النیابی نبیه بری على تأمین الغطاء المسیحی اللازم لهذه العملیة انطلاقاً من المیثاقیة، بینما لم تعط الکتل المسیحیة الرئیسة أجوبة ایجابیة فی هذا الصدد.
وعلمت «البناء» أن بری کما أکد سابقاً لن یکتفی باحتساب الحضور لتأمین المیثاقیة بل یرید تصویتاً صریحاً لصالح التمدید من قبل المکونات المسیحیة أو على الأقل قسم منها، وتحدیداً، إما «التیار الوطنی الحر» أو القوات اللبنانیة بالإضافة إلى النواب المسیحیین مع الکتل الأخرى، وقد أبلغ هذا الموقف إلى المعنیین، مع العلم أن مصادر التیار تؤکد أن قرار التصویت ضد التمدید متخذ ولا رجوع عنه، وأن «القوات»، حتى الآن، تتجه إلى الموقف نفسه فی إطار المزایدة التی تعتمدها لإرضاء جمهورها.
القوات تذکّر بری بـ«تأدیب» النساء
وفیما تجنبت مصادر «القوات» الرد على ما قاله الرئیس بری عن أن التمدید لن یکون میثاقیاً ما لم توافق علیه المکونات المسیحیة، أکدت لـ«البناء» أن «موقف القوات سیعلن فی الأیام القلیلة المقبلة»، مذکّرة «بالجلسة العامة فی نیسان الماضی التی صادق فیها المجلس النیابی على مشروع قانون حمایة النساء من العنف الأسری، الذی انقسم حوله النواب بین مسیحیین ومسلمین، حیث صوت «النواب المسیحیون» ضد التأدیب، فی حین صوت المسلمون لصالحه».
أما النائبان بطرس حرب ودوری شمعون، فأکدا «سیرهما مرغمین فی شأن التمدید لأن ثمة إشکالیة تواجه النظام السیاسی ککل ما یحقق أهداف المؤامرة لإسقاط کیان الدولة». واعتبر حرب فی مؤتمر صحافی مشترک مع شمعون أن «الجمیع مقتنع باستحالة إجراء الانتخابات بدلیل أن کل الأفرقاء امتنع عن القیام بأی نشاط انتخابی فی کل الدوائر». وقال: «نفهم موقف مسیحیی 14 آذار فی شأن رفض التمدید للضغط على معرقلی الانتخابات الرئاسیة، لکن لا یمکننا فهم القوى المسیحیة الأخرى التی ترفض التمدید من دون تقدیم مبادرة جدیة».
فی غضون ذلک، برز موقف سعودی مؤید للتمدید، إذ اعتبر السفیر السعودی علی عواض عسیری أنّ قرار التمدید أصبح ضرورة، معرباً عن ارتیاحه «لأنّ هذا القرار سیتخذه اللبنانیون بأنفسهم».
کما أکد أنّ بلاده لا تضع فیتو على أی مرشح للرئاسة فی لبنان.
الحکومة لم تحترم الطائف
إلى ذلک، وفی ظل الجمود الذی یسیطر على الاستحقاق الرئاسی، أکد رئیس تکتل التغییر والإصلاح النائب میشال عون أن «الانتخابات الرئاسیة ستحصل عندما یقر الجمیع أن للمسیحیین الحق بصحة التمثیل بمجلس النواب کما فی موقع الرئاسة».
وتطرق عون خلال رعایته عشاء هیئة محامی التیار الوطنی الحر، إلى الحرب فی سوریة وانعکاسها على لبنان جراء عدم تطبیق الحکومة سیاسة النأی بالنفس فترکت «الحدود سائبة یجتازها من یشاء وینقل عبرها من یشاء وفقدت الدولة سلطتها»، لافتاً إلى أنه «هکذا تنازل لبنان عن المادة الثامنة من میثاق الجامعة العربیة التی تنص على احترام کل دولة نظام الحکم فی الدول الأخرى وأن لا تعمل على تغییر ذلک النظام فیها، ولم یتم احترام ما ورد بالطائف الذی ینص على أن لا یکون لبنان ممراً أو مستقراً لما یمس أمن وأمان سوریة»، معتبراً أنه «کان الأجدى بالحکومة أن تحترم المواثیق ولا تترک أرضها سائبة وهکذا تعرض جیشنا إلى القتل وشرعت أبواب الحدود أمام الأحداث التی نعالج نتائجها الیوم».
المصدر: جریدة البناء