تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22

حصانة الضاهر و «الخیمة الزرقاء»

غاب "النبی المبشّر به" عن الاضواء هذه الایام، تارکاً الدفة لزملائه، وکلاء الدفاع فی کتلته، یجهدون ویجتهدون بالمرافعة عن حصانته، ضد التهم التی ضبط متلبساً بها.
رمز الخبر: ۶۱۱۲۳
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۳:۳۴ - 03November 2014

حصانة الضاهر و «الخیمة الزرقاء»

علی عوبانی

غاب "النبی المبشّر به" عن الاضواء هذه الایام، تارکاً الدفة لزملائه، وکلاء الدفاع فی کتلته، یجهدون ویجتهدون بالمرافعة عن حصانته، ضد التهم التی ضبط متلبساً بها. لیست قرائن اتصالات او "داتا" اتصالات وحسب، انما اتصالات ثابتة ومؤکدة بارهابیین وفبرکة انشقاقات واحداث شرخ فی المؤسسة العسکریة، وتورط مقربین منه باطلاق النار على الجیش خلال احداث طرابلس الاخیرة، جرائم أقلها یلف حبل المشنقة حول  رقبة مرتکبها. غاب الضاهر مطمئناً الى عدالة ریفی المنشغلة بتسویات تحمی وتغطی میلیشیات طرابلس، وبمحاکمة شبان احرقوا رایة "داعش"، وترک المنابر والشاشات لزمیله احمد فتفت یحاضر فیها بالعفة والحصانة.
 
ینشغل الضاهر فی غیابه باستجداء الجیش والتزلف لقیادته، یحاول اعادة فتح قنوات معها، عبر تمریر رسائل شبه یومیة لتبییض سجله الاسود معها. یجری اتصالات طالباً لقاءات وواعداً باعتذارات، لکن القیمیین على الجیش یدیرون الاذن الطرشاء له ویؤکدون انهم لیسوا فی وارد الاستجابة لمثل هذه الطلبات وانهم یدرسون طلب رفع الحصانة عنه فی مجلس النواب. 

المحاولة لیست الاولى سبقتها محاولات اخرى مشابهة ابرزها ضد زمیله النائب معین المرعبی على خلفیة استهداف الاخیر وحملاته ضد الجیش، لکنها بقیت فی ادراج المجلس ولم تسلک طریقها الى القضاء، ما یطرح تساؤلات الیوم حول امکان عبور رفع الحصانة عن الضاهر  مساره القانونی والقضائی ام ان فوقه "خیمة زرقاء" تحول دون ذلک!.

البحث فی طلب رفع الحصانة، یقود بلا شک مباشرة الى السؤال عن ماهیة ما ارتکبه النائب الضاهر وما اذا کان یشکل جرماً یعاقب علیه القانون فعلاً او انه یندرج فی سیاق مهامه وحقه فی التعبیر عن الرأی الذی کفله الدستور والقانون، وتکفلت الحصانة النیابیة بحمایته.

حصانة الجیش فی القانون

یعتبر الجیش المؤسسة الضامنة والضنینة بالوطن، لذا اولته القوانین اهتماماً خاصاً، فکان قانون الدفاع الوطنی، وقانون القضاء العسکری، وقانون العقوبات العسکری...، کل ذلک هدف لتحصین تلک المؤسسة واعلاء الحس الوطنی لدیها لابعادها عن ای تجاذبات سیاسیة، فمنع على افرادها وقیاداتها الانخراط فی صفوف التنظیمات والاحزاب، او ممارسة حق الانتخاب، ووضعت قواعد صارمة لتحقیق الانضباط والانتظام العام داخل المؤسسة والحفاظ على وحدتها.

مع تطور الاحداث الامنیة فی لبنان فی السنوات الاخیرة، تعرضت المؤسسة العسکریة للکثیر من حملات التجنی التی لم توفر قیادتها وکافة اجهزتها، ومع ارتفاع وتیرة التحریض، تحول الاشتباک السیاسی معها الى استهداف عسکری نتج عنه سقوط عدد کبیر من الشهداء والاسرى، واذا کان ذلک متوقعاً کونه یندرج تحت عنوان الشرف والتضحیة والوفاء، الذی خطه الجیش لنفسه، وینسجم مع تاریخه المعطاء، فان ما لیس متوقعاً هو ان یلجأ البعض وممن هم فی سدة المسؤولیة الى محاولة ضرب وزعزعة کیان المؤسسة ومعنویاتها عبر استنساخ تجارب عایشتها جیوش الدول المجاورة من خلال فبرکة انشقاقات لشق صف الجیش وشرخه تحت عناوین مذهبیة وطائفیة بحتة، وهو ما ثبت مؤخراً تورط نائب "التیار الازرق" خالد الضاهر فیه حتى النخاع، ما یطرح تساؤلات حول ماهیة هذا السلوک، وما اذا کانت القوانین قد لحظت نصوصا رادعة وعقوبات بحق مرتکبیه.   
 
"المؤامرة" هی التوصیف القانونی الدقیق لما اقدم علیه النائب الضاهر، وجرى تصویره بانه عملیات انشقاق عن الجیش، وهو ما نجد مصداقه فی المادة  110 من قانون العقوبات العسکری، التی نصت على ان عملیات "الفرار إلى العدو والفرار إلى المتمردین أثناء تعقبهم، عقوبتها الأشغال الشاقة المؤبدة. وترتفع العقوبة الى الاعدام (المادة 112  إذا حصل الفرار فی زمن الحرب بمؤامرة أمام العدو، اما رئیس المؤامرة فیعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة".

انطلاقاً من ذلک یتضح لنا ان ما اقدم علیه النائب الضاهر، یعنی اننا امام فعل جرمی یتخطى حدود التعبیر عن الرأی الذی کفله الدستور اللبنانی لنواب الامة، فعل جرمی یندرج تحت عنوان الجرائم الکبرى والخیانة العظمى، خصوصاً وانه لیس صادراً عن شخص عادی انما عن نائب فی البرلمان انتخب لیمثل الامة جمعاء وفق ما تقتضیه مصالح الوطن ولیس وفق ما ترتئیه اهواؤه ومصالحه الحزبیة الضیقة، جریمة او جرائم وصل سقف عقوباتها الى الاعدام. فتوهین المؤسسة العسکریة واضعافها من الداخل عبر التشجیع على الانشقاقات فی صفوفها وفرار عناصرها کما فعل الضاهر فعل جرمی یتماهى مع جرم العمالة للعدو، لانه یسعى لضرب الامن القومی للبلد واضعاف مناعته افساحاً فی المجال للاعداء للانقضاض على مقدرات البلد وتحقیق مؤامراتهم ومخططاتهم.

هل ترفع الحصانة عن الضاهر؟

منح المشترع اللبنانی النائب حصانة لحمایته فی أداء مهامه النیابیة بحریة واستقلال. فنصت المادة 39 من الدستور على أنه «لا یجوز إقامة دعوى جزائیة على أی عضو من أعضاء المجلس بسبب الآراء والأفکار التی یبدیها مدة نیابته». غیر ان هذه الحصانة للنائب لیست مطلقة وتنحصر فقط بالآراء والأفکار التی تصدر عنه وتکون متصلة بعمله النیابی وبدون تجاوز.

ومیزت المادة 40 من الدستور بین حالتین: وجود مجلس النواب فی دور الانعقاد، والجرم المشهود. فإذا اقترف النائب جرماً جزائیاً یعاقب علیه القانون، وکان مجلس النواب فی دور انعقاد، لا یجوز اتخاذ أیة إجراءات جزائیة بحقه أو إلقاء القبض علیه، إلا بإذن المجلس. على ان یقدّم وزیر العدل طلب الإذن بالملاحقة الى رئیس المجلس، مرفقاً بمذکرة من النائب العام لدى محکمة التمییز، تشتمل على نوع الجرم وزمان ارتکابه، وعلى خلاصة عن الأدلة، على ان یتخذ قرار رفع الحصانة داخل المجلس بغالبیة أصوات الأعضاء الحاضرین .

اما فی حالة الجرم المشهود (الجریمة التی تشاهد عند وقوعها او یقبض على فاعلها أثناء أو فور ارتکابها) فتسقط معها حصانة النائب، ویجوز ملاحقته جزائیاً وإلقاء القبض علیه، من دون الحصول على إذن المجلس.

وازاء ذلک یتضح ان ما اقدم علیه النائب الضاهر تنطبق علیه حالة ارتکاب جرم جزائی خلال دورة عادیة لمجلس النواب ما یتطلب لملاحقته رفع الحصانة عنه، وهو ما قد تلجأ الیه قیادة الجیش لاحقاً، رغم ان دونه عقبات اولها ان یبقى الطلب فی ادراج وزیر العدل اشرف ریفی المنتمی الى نفس الفریق السیاسی للنائب الضاهر، وثانیها عدم التمکن من توفیر اغلبیة الاصوات لاقراره فی مجلس النواب بسبب الاعتبارات السیاسیة، التی توفر للبعض غطاء وحصانة تفوق الحصانة النیابیة، وتجعله بمأمن من العقاب رغم ارتکابه لجرائم فادحة بحق الوطن والدولة ومؤسساتها.  
 
فی الخلاصة، فإن سلوک النائب الضاهر تجاه الجیش یکشف زیف شعارات تیار "المستقبل" السیادیة الداعمة له، فلیس من السیادة بشیء ضرب هیبة الدولة ومؤسساتها الامنیة والعسکریة، ولا یکون "لبنان اولاً" حینما یجری دعم وتحریض مجموعات مسلحة من خارج الحدود على استهداف الجیش حامی الوطن واستقلاله، ولا تکون المناداة بحصریة السلاح الشرعی بید الجیش من خلال تمویل وتسلیح میلیشیات لا هم لها الا ضرب الجیش.

فالیوم قضیة الجیش قضیة بحجم الوطن کل الوطن وهی لا تعنی فرداً او تنظیماً بعینه وتتطلب رجال دولة فعلیین على قدر المسؤولیة.

 اول القرارات المنتظرة هو من زعیم تیار "المستقبل" نفسه قبل البرلمان، فالامور اضحت على "المکشوف" ولم یعد بالامکان التلطی کما فی السابق خلف الحصانة النیابیة، المطلوب من تیار "المستقبل" رفع الغطاء السیاسی عن النائب الضاهر وکل من یثبت تورطه باضعاف الجیش وذلک عبر اصدار قرار رسمی بفصل هؤلاء من صفوف التیار، والا یصبح التیار نفسه شریکاً فی المؤامرة والتحریض ضد الجیش ومشترکاً فی الافعال الجرمیة التی یرتکبها نوابه، فلا یصح ان یدافع "المستقبل" عن متهمین بالخیانة، او ان یقف صامتاً متفرجاً الا اذا کان ثمة توجهاً لدیه بذلک ونائبه الضاهر احد مدلولات ذاک التوجه.

المصدر: موقع العهد الإخباری

رایکم
الأکثر قراءة