تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22
أرشیف کلمات و خطب سماحة القائد/19

کلمة الإمام الخامنئی فی لقائه جماعة من النسوة النموذجیات فی البلاد بمناسبة ذکرى ولادة الزهراء (ع)

أولاً أرحب بالسیدات، و أبارک الولادة السعیدة للسیدة فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) و أسبوع المرأة و یوم تکریم الأمّ. کما قالوا (1) فإن اقتران هذه المناسبة الاجتماعیة و المهمة فی البلاد بولادة السیدة فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) - و خصوصاً فی هذه السنة، حیث یتذکر شعب إیران هذه السیدة الجلیلة مرتین خلال هذا العام، مرة فی بدایة السنة و مرة أخرى فی نهایتها، و یقیمون المجالس لذلک - إنما هی فرصة لفهم حیاتها و الاستهداء بها.
رمز الخبر: ۶۱۲۱۶
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۹:۳۷ - 06November 2014

کلمة الإمام الخامنئی  فی لقائه جماعة من النسوة النموذجیات فی البلاد بمناسبة ذکرى ولادة الزهراء (ع)

بسم الله الرحمن الرحیم
أولاً أرحب بالسیدات، و أبارک الولادة السعیدة للسیدة فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) و أسبوع المرأة و یوم تکریم الأمّ. کما قالوا (1) فإن اقتران هذه المناسبة الاجتماعیة و المهمة فی البلاد بولادة السیدة فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) - و خصوصاً فی هذه السنة، حیث یتذکر شعب إیران هذه السیدة الجلیلة مرتین خلال هذا العام، مرة فی بدایة السنة و مرة أخرى فی نهایتها، و یقیمون المجالس لذلک - إنما هی فرصة لفهم حیاتها و الاستهداء بها.


أولاً المراتب المعنویة للسیدة فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) تعدّ ضمن أرقى المراتب المعنویة لعدد قلیل من أفراد البشریة. فهی معصومة، و العصمة شیء خاص بعدد قلیل من المختارین من قبل الله بین أبناء البشر. و هذه الإنسانة الجلیلة - فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) - من هذه الفئة، خصوصاً فی ضوء حقیقة أن هذه المرأة المسلمة المجاهدة فی سبیل الله لم تعش أکثر من نحو عشرین عاماً - طبعاً على اختلاف الروایات التی تترواح ما بین ثمانیة عشر عاماً و خمسة و عشرین عاماً - فهی امرأة شابة لها هذه المرتبة العلیا فی مصاف الأولیاء و الرسل و أمثالهم، و تتلقب من قبل الرسل الإلهیین بـ «سیدة نساء العالمین». إلى جانب هذا المقام المعنوی فإن الخصال الممتازة و الأداء الفذ فی الحیاة الشخصیة لهذه السیدة الجلیلة تعد کل محطة فیها درساً. تقواها و عفتها و جهادها و حسن تبعلها و حسن تربیتها للأبناء و فهمها السیاسی و مشارکتها فی أهم میادین حیاة الإنسان خلال ذلک العهد - سواء فی فترة الحداثة و الطفولة أو فترة ما بعد الزواج - کل شیء فی حیاتها کان درساً، و هو لیس درساً لکنّ فقط أیتها السیدات، بل هو درس لکل الإنسانیة. إذن، هذا الاقتران هو فرصة لنا، فیجب التدقیق فی حیاة فاطمة الزهراء (ع) و معرفة هذه الحیاة بنظرة جدیدة و فهمها و جعلها نموذجاً و قدوة بالمعنى الحقیقی للکلمة.


أما بخصوص قضیة المرأة فی نظام الجمهوریة الإسلامیة و فی بلد إیران و فی مجتمعنا، فأولاً أقول إننی فی أغلب الأحیان حین ألتقی السیدات المسلمات و النساء المؤمنات و المتخرجات بهذه المناسبة، أشکر الله من الأعماق، فهذه من أکبر مفاخر النظام الإسلامی حیث یوجد فی مجتمعنا فی ظل النظام الإسلامی کل هؤلاء النسوة الواعیات و المتعلمات و الخریجات و الحسنات التفکیر و الممتازات من النواحی الفکریة و العلمیة. إنها لنعمة کبیرة جداً و مبعث فخر و اعتزاز. 

فی هذا الیوم تحدثت هذه السیدة المحترمة فقط، و لکن کانت لدینا جلسات و اجتماعات عدیدة تحدثت فیها سیدات عدة، و ألقت کل واحدة منهن کلمة فتحت على ذهن الإنسان کوّة من نظرات و أفکار جدیدة. حینما ننظر الیوم نجد أن أسماء النساء الإیرانیات تتألق على ناصیة العدید من الکتب - الکتب العلمیة و الکتب البحثیة و الکتب التاریخیة و الکتب الأدبیة و الکتب السیاسیة و الکتب الفنیة - فکتابات السیدات الإیرانیات هی من أفضل الکتابات و الإنجازات الکتابیة الحالیة فی النظام الإسلامی سواء على شکل بحوث و مقالات و دراسات أو على شکل کتب، و هذا بحق مبعث فخر و اعتزاز. إنه شیء غیر مسبوق فی تاریخنا، فلقد شهدنا فترات متنوّعة و کنا على معرفة بالأجواء الثقافیة فی بلادنا، و لم یکن لنا أبداً کل هذا العدد من الشخصیات المتمیزة فی مجالات متعددة سواء فی ما یتعلق بالشؤون الحوزویة أو الشؤون الجامعیة.


و هناک إلى جانب ذلک البروز و الظهور الواضح جداً لهویة المرأة الإیرانیة و شخصیتها المستقلة، فی مجالات الجهاد، بما فی ذلک ملحمة الدفاع المقدس و ما تستتبعه من أمور إلى یومنا هذا، فهنالک زوجات الشهداء و زوجات المعاقین و أمهات الشهداء و المتبقین المبرزین للذین جادوا بأرواحهم فی سبیل الله، و إنهن بإرادتهن القویة و عزیمتهن الراسخة و صبرهن یفرضن على أی إنسان الخشوع و الخضوع أمامهن. إننی کل ما ألتقیت بهؤلاء النسوة المبرزات أشعر بالخضوع أمامهن. إننی کثیراً ما ألتقی بأمهات الشهداء و زوجات الشهداء و زوجات المعاقین.

هذه السیدة المضحیة التی تضحی عمراً کاملاً لإدارة حیاة معاق و تحسین وضعه و حیاته فی سبیل الله، لیس هذا بالشیء الصغیر، إنما هو سهل حین نذکره باللسان. تلک الأم التی قدمت ولدین أو ثلاثة أولاد أو أربعة أولاد فی سبیل الله و لا تزال تقف قویة و توصینا بأن نقف بقوة! إن المرء لیشعر بالخشوع حقاً أمام کل هذه العظمة. هذه حقائق عن نساء مجتمعنا على جانب کبیر من الأهمیة و تبعث على کثیر من الفخر. طیّب، هذا و الحمد لله هو الجانب المشرق و الوضاء من قضیة المرأة فی البلاد.


أما قضیة المرأة فی العالم المعاصر بما فی ذلک بلد إیران فهی من القضایا التی لا تزال جدیرة بالمتابعة و التأمل و العمل و التفکیر لوجوه و أسباب عدة. أولاً نصف سکان البلدان هم النساء، فکیف یمکن الاستفادة بشکل سلیم من هذه الإمکانیات و الطاقات و المواهب العظیمة لصالح أی بلد بما فی ذلک بلدنا؟ ثانیاً کیف یمکن لقضیة الجنسین و هی من أکثر قضایا الخلقة حساسیة، أن توضع لخدمة تسامی الإنسان و رفعته، و لیس لانحطاط البشر و تدنّیه الأخلاقی؟ ثالثاً بسبب الفوارق الطبیعیة بین جنسی المرأة و الرجل کیف یمکن - سواء فی البیئة الاجتماعیة أو فی البیئة العائلیة - مأسسة السلوکیات و تکریسها بحیث لا یقع ظلم على المرأة؟ هذه قضایا مهمة جداً. لو جعلنا هذه القضیتین أو الثلاث محوراً للتفکیر و التأمل و البحث و العمل فسوف یستتبع ذلک مجموعة من المساعی و الأعمال البحثیة و العملیة. لا یظنن أحد أن قضیة تعرض المرأة للظلم حالة تختص بالمجتمعات المتأخرة أو المجتمعات الوحشیة مثلاً، لا، فی المجتمعات التی تسمّى المتحضرة الیوم، إذا لم یکن هذا الظلم ضد المرأة أکثر من سائر المجتمعات، فإنه لیس بأقل یقیناً. طیّب، هذه قضایا مهمة و یجب متابعتها و بحثها و مناقشتها.


لقد کانت هناک آراء جیدة فی کلمة السیدة، و قد أشارت إلى أغلب النقاط التی تعتمل فی ذهن الإنسان. لقد قالت بأننا سبق أن قلنا إننا بحاجة فی البلاد إلى مرکز عال، خارج نطاق السلطات الثلاث، یبحث و یعمل فی هذه القضیة المهمة. هذه هی قضایانا الأساسیة.. قضیة المرأة و قضیة العائلة، و طبعاً لا یمکن تفکیک قضیة المرأة عن قضیة العائلة. هذا بدوره شیء ینبغی أن نشدد علیه، فإذا أراد شخص الفصل بین قضیة المرأة و قضیة العائلة، و مناقشة کل واحدة منهما على حدة، یکون قد وقع فی إرباک فی الفهم و تشخیص العلاج. یجب النظر لهاتین المسألتین إلى جانب بعضهما، مع أنهما مسألتان اثنتان. طیّب، من الضروری وجود مثل هذا المرکز و هو لم یتأسس لحد الآن. کنا قد تحدثنا و طرحنا الموضوع، و قلنا إننا یعوزنا مثل هذا المرکز البحثی و العملی الذی یناقش استراتیجیة صحیحة و شاملة حول قضایا المرأة - ترتبط بهذه الموضوعات التی ذکرت و موضوعات أخرى - و یتابعها و ینفذها. یجب تأسیس هذا المرکز و له طبعاً لوازمه و ضروراته.


ما أروم أن أقوله لکنّ الیوم عبارة عن نقطتین أو ثلاث نقاط: من هذه النقاط إننا إذا أردنا - سواء فی هذا المرکز الذی أشیر له، أو فی أی مؤسسة أو إطار آخر - أن نفکر بصورة صحیحة فی قضیة المرأة و نتحرّک بطریقة صائبة و لا نقع فی الخطأ، فیجب أن نفرّغ أذهاننا تماماً من الکلام النمطی للمنتجات الغربیة. لقد أساء الغربیون فهم قضیة المرأة، و أساءوا العمل و التصرف، و طرحوا نفس فهمهم السیّئ هذا و أعمالهم المضللة و المهلکة عملة رائجة فی العالم. و أجهزتهم الإعلامیة الواسعة تثیر الضجیج و اللغو ضد أیّ شخص یتکلم بخلاف رأیهم، و لا یفسحون المجال لأحد بالتحدّث و الکلام. إذا أردتم أن تجدوا الاستراتیجیة الصحیحة حول قضیة المرأة، و إرفاق هذه الاستراتیجیة بأعمال تنفیذیة و بإلزاماتها الأساسیة، و تتحرکوا على المدى البعید و تصلوا إلى نتائج فیجب أن تفرغوا أذهانکم من الأفکار الغربیة بشأن المرأة.

و لا نقول هنا أننا یجب أن نکون غیر مطلعین، لا، إننا لسنا من أنصار عدم المعرفة و عدم الاطلاع، إننی من أنصار الوعی و المعرفة و الاطلاع، لکننی أرفض مرجعیة تلک الأفکار رفضاً قاطعاً. أفکار الغربیین و نظریاتهم بخصوص قضایا المرأة لا یمکنها على الإطلاق أن تؤدی إلى سعادة المجتمع الإنسانی و هدایته. أولاً أفکارهم أفکار قائمة على المعرفة المادیة و غیر الإلهیة، و هذا بحد ذاته خطأ. أی جهاز علمی و فکری یقوم على أساس المعرفة المادیة و العقیدة المادیة فهو طبعاً على خطأ.
ینبغی معرفة حقائق الخلقة و فهمها و متابعتها بنظرة معرفیة إلهیة و على أساس الاعتقاد بوجود الله و الإیمان بقدرته و حضوره و ربوبیته. إذن، لأن أساس و جذر الأفکار الغربیة أساس مادی، فهی خاطئة. هذا أولاً و ثانیاً هناک فی المنحى الغربی بخصوص قضایا المرأة - کما یلاحظ المرء ذلک بکل وضوح فی تاریخ الثورة الصناعیة - نظرة تجاریة و مادیة و اقتصادیة. بمعنى أنه فی أوربا التی لم یکن للمرأة فیها حق الملکیة، و کانت ممتلکات المرأة تحت تصرف الرجل و الزوج، و لم یکن لها حق التصرف بممتلکاتها، أو عندما بدأت الدیمقراطیة فی الغرب لم یکن من حق المرأة الاقتراع، فی مثل هذا العالم فجأة طرحت قضیة الثورة الصناعیة و المعامل و مشارکة العمالة النسویة المؤثرة فی المصانع بتکالیف أقل لأصحاب الرسامیل. عندئذ قرروا منح المرأة حق الملکیة لیستطیعوا جرّها إلى المعامل و إعطائها أجوراً أقل، و طبعاً کان لدخولها ساحة العمل إلزاماته و تبعاته إلى یومنا هذا. إذن، فضلاً عن أن النظرة للمرأة کانت نظرة مادیة و غیر إلهیة، فإن أساس السیاسات التی تقوم علیها الأوضاع الراهنة فی أوربا و العالم الغربی هو أساس مصحوب بنظرة تجاریة و مادیة و اقتصادیة.


وجه آخر من الوجوه التی تدعونا لتحاشی النظرة الغربیة لقضیة المرأة هو أن المرأة فی النظرة الغربیة وسیلة لإطفاء الشهوة، و هذا شیء لا سبیل لإنکاره أو کتمانه. إذا قیل هذا فقد یثیر البعض الضجیج و یقولون: لا یا سیدی، لیس الأمر کذلک. و لکن حین ینظر المرء فی حیاتهم یجد أن هذه هی النظرة السائدة. کلما کان احتشام المرأة فی البیئات الاجتماعیة أقل کلما کان ذلک مطلوباً و محموداً بالنسبة لهم. إنهم لا یقولون بمثل هذا بالنسبة للرجل، ففی الضیافات و الاحتفالات الرسمیة یجب أن یحضر الرجل بکامل ثیابه و بفراشة عنقه و بذلته و ربما ثیابه الرسمیة، أما المرأة فی هذه الضیافات الرسمیة فیجب أن تظهر بشکل آخر، و هذا ما لا سبب و لا فلسفة له سوى تمتیع العیون الشهوانیة للرجال. هکذا هو الوضع فی العالم الغربی الیوم. و الظلم الأکبر الذی یقع حالیاً على المرأة فی العالم الغربی هو من هذا القبیل.


إننی لست من هواة جمع قصاصات الجرائد، و لکن بالأمس أو قبل أمس شاهدت شیئاً فی الجریدة فوجدته مهماً جداً فجئت به إلى هنا لأقرأه علیکنّ. صدر کتاب لجیمی کارتر رئیس جمهوریة أمریکا الأسبق عنوانه «طلب مبادرة» تناول فیه موضوع انتهاک حقوق الإنسان و الاعتداءات الوحشیة على النساء. یقول جیمی کارتر فی هذا الکتاب: فی کل عام تباع فی أمریکا مائة ألف فتاة کرقیق. المکان الذی یستطیع فیه صاحب المبغى شراء فتاة، هی عادة من أهل أمریکا اللاتینیة أو أفریقیا، بثمن یناهز الألف دولار. کما یشیر إلى الاعتداءات الجنسیة التی تحصل فی أطراف الکلیات و الجامعات، حیث لا ترفع التقاریر حول ذلک إلّا لحالة واحدة من بین کل خمسة و عشرین حالة. و یذکر کارتر أیضاً أن واحداً بالمائة فقط من الذین یرتکبون الاعتداءات الجنسیة فی الجیش یحاکمون. یشعر المرء بالبکاء و بالعبرات تخنقه! تجدون الکثیر من هذا القبیل فی الصحف، و أنا أیضاً أجد الکثیر. إننی لا أستند على هذه الأرقام و الإحصائیات أبداً، و لکنها بالتالی واقع.

و جیمی کارتر بالتالی شخصیة معروفة، و الکتاب من تألیفه. فأیّ وضع هذا فی العالم؟ أیّ تکریم للمرأة هذا؟ یکتب کاتب غربی مشهور و معروف روایة لأجل أن یطرح عمل الدعارة باعتباره شغلاً شریفاً! و قد ترجم للفارسیة أیضاً. طبعاً فی ذلک الکتاب إشارة إلى کیف یعمل سماسرة الجنس فی بلدان أمریکا اللاتینیة فیعدون الفتیات بحیاة هائنة و یأخذونهن فیبیعوهن لتلک الدور و المراکز. و طبعاً الأمر هنا یتعلق بأوربا و لیس بأمریکا. بالطبع انصبّت المحاولة فی هذا الکتاب و هذه الروایة على إظهار عمل الدعارة باعتباره عملاً شریفاً. هذه هی ثقافة الغرب تجاه المرأة، و هذا هو احترامهم للمرأة.


إذا أردنا أن تکون نظرتنا لقضایا المرأة نظرة سلیمة و منطقیة و دقیقة فالشرط الأول هو أن نخلی أذهاننا تماماً من هذا الکلام الذی یطلقه الغربیون حول المرأة، بخصوص العمل و الإدارة و المساواة الجنسیة. من أکبر أخطاء الفکر الغربی حول المرأة هو شعار «المساواة الجنسیة». العدالة حق، و المساواة قد تکون أحیاناً حقاً و قد تکون فی بعض الأحیان باطلاً. لماذا یجب بالنسبة للإنسان الذی خلق بطبیعته - سواء من الناحیة الجسمیة أو من الناحیة العاطفیة - لمساحة خاصة من حیاة الإنسانیة، أن یفصل عن تلک المساحة الخاصة و یؤخذ لمنطقة خاصة أخرى أعدت لبنیة أخرى و لترکیبة أخرى خلقها الله تعالى؟ لماذا؟ أی منطق عقلائی فی هذه الممارسة، و أی إخلاص فی هذا؟ لماذا یجب تکلیف المرأة بعمل رجولی؟ أیّ فخر للمرأة فی أن تعمل الأعمال الرجولیة؟ إننی آسف حین أجد أحیاناً النساء و السیدات أنفسهن یشددن على هذه القضیة و یقلن: و ما هو فرقنا عن الرجال؟ نعم، فی الکثیر من الأمور لا یوجد أیّ فرق. نظرة الإسلام للمرأة و الرجل هی نظرته للإنسان، ففی الجانب الإنسانی و الارتقاء فی المراتب المعنویة و المواهب الفکریة و العلمیة الکثیرة لا یوجد أیّ فرق، بید أن القالبین متفاوتین: فهناک قالب لأعمال و نوع من الأعمال، و القالب الثانی لأعمال أخرى. و طبعاً توجد أعمال مشترکة.


هل من الخدمة أن نخرج أحد هذین القالبین من منطقته الخاصة و نأخذه إلى منطقة خاصة بالقالب الثانی؟ هذا ما یفعله الغربیون. الکثیر من هذه المعاهدات الدولیة و العالمیة تتغیّا هذه المقاصد. و قد أفسدوا حیاة الإنسانیة و خرّبوها من منطلق هذه الفکرة الخاطئة، و أفسدوا أنفسهم و یریدون إفساد الآخرین. أنتنّ أیتها السیدات عالمات و الحمد لله، و فاضلات و شخصیات بارزة، و أنا أحترمکنّ. کلما تحدثت النسوة فی جلسة أو اجتماع استفدت من حدیثهن. فی هذا المکان الذی نجتمع فیه الآن عقد اجتماع الأفکار الاستراتیجیة حول قضیة المرأة و العائلة، و تحدثت بعض السیدات، و قد استفدت من حدیثهن دون مجاملة، و انتفعت من الآراء التی طرحنها. اعتقد أنکن إذا أردتن التفکیر فی قضیة المرأة و هی من القضایا الأساسیة و حول معضلات المرأة و المشکلات التی یعانیها المجتمع النسوی فی کل مکان - بما فی ذلک بلادنا - فالشرط الأول هو إنقاذ أنفسکن و أذهانکن من الأفکار الغربیة و هی أفکار نمطیة خاطئة متحجّرة تتظاهر بالجدة - ظاهرها جدید و باطنها متحجّر، و قشورها الإخلاص بینما لبابها الخیانة - و أن تفکرنّ تفکیراً مستقلاً عن الأفکار الغربیة.


الإلزام الثانی هو أن تراجعوا النصوص الإسلامیة. استمدوا الأصول و الرکائز من القرآن الکریم و من السنة و من الأحادیث و من الأدعیة و من النصوص الإسلامیة و من کلمات الأئمة و سلوکهم. إنه الوحی، و الوحی وحی الله، و الله هو خالقی و خالقکم. لا أقول إن على الإنسان أن یقبل کل ما تقوله الأفواه على أنه دین، لا، لیکن الاستقاء و الاستفادة من الدین الصحیح الذی یستنبط بالأسالیب الصحیحة و من قبل أهل الخبرة و الاختصاص. یجب الاستفادة حقاً من کتاب الله و سنة الرسول (ص) و من أسلوب الأئمة المعصومین و کلماتهم، لنرى أیّ استراتیجیة یجب أن نتخذها بخصوص قضایا المرأة، و ینبغی اغتراف الخطوط الأساسیة من تلک المصادر.


اعتقد أن هاتین عملیتان أساسیتان. و هناک عملیة ثالثة هی أن ننظر عند إحصاء قضایا المرأة للقضایا الأساسیة و المهمة حقاً، و لیس لقضایا من الدرجة الثانیة. من القضایا الأساسیة قضیة العائلة و خصوصاً قضایا الصحة و الأمن و السکینة و الاستقرار و تکریم المرأة فی البیئة العائلیة. لدینا عدة قضایا أصلیة و هذه من القضایا الأصلیة.


انظروا ما هی عوامل و أسباب سلب الاستقرار و السکینة الروحیة للمرأة فی العائلة؟ اسعوا لرفع هذه العقبات عن طریق القانون و بالأسالیب الإعلامیة المتنوّعة. هذا هو أساس القضیة. المرأة فی البیت مبعث استقرار و هدوء، إنها سبب سکینة الرجل و سکینة الأبناء من أولاد و بنات. إذا لم تتمتع المرأة نفسها بالاستقرار و السکینة الروحیة و النفسیة فلن تستطیع منحها لعائلتها. المرأة التی تتعرض للإهانة و الإذلال و ضغوط العمل لا یمکنها أن تکون سیدة البیت، و لا تستطیع أن تکون مدیرة للعائلة، و الحال أن المرأة مدیرة العائلة. هذه قضیة أصلیة. هذه من جملة تلک القضایا الأهم و الأخطر و التی لا تحظى فی بیئاتنا الحیاتیة - سواء البیئات القدیمة أو البیئات الجدیدة - بالاهتمام اللازم، و یجب أن تحتل درجة أکبر من الاهتمام.


التصور عن المرأة فی المنزل تصور عن مخلوق من الدرجة الثانیة من واجبه تقدیم الخدمة للآخرین. هذا تصور موجود بین الکثیرین - و البعض یذکرون ذلک باللسان، و بعضهم لا یذکره علانیة، لکنها فکرة موجودة فی قلوبهم - و هذا على الضد تماماً من الشیء الذی قاله الإسلام. لقد کررتُ مراراً الحدیث المعروف القائل: «اَلمَرأَةُ رَیحانَةٌ وَ لَیسَت بِقَهرَمانَة» (2). القهرمان فی التعبیر العربی الدارج یعنی الموظف أو المأمور، کأن یقال مثلاً: «اَمَرَ قَهرِمانَهُ بِکذا». أی إن صاحب الأملاک الکثیرة فلان أمر قهرمانه، أی الشخص الذی یتولى أمور ممتلکاته.

هذا هو الشخص الذی یسمّونه قهرمان. یقول فی هذا الحدیث لا تتصوروا أن المرأة هی موظفتکم داخل البیت و یجب علیها أداء أعمال البیت. لیس الأمر کذلک. لاحظوا أن هذا بحد ذاته فصل تتشعب منه عدة فصول.. قضیة احترام حدود عمل المرأة فی البیت و عدم إکراهها، و قابلیة هذه الأعمال المنزلیة للشراء، أی قابلة تبادلها بالمال.. هذه تعالیم موجودة فی الإسلام و فی الفقه الإسلامی. و کما أشارت السیدة فإن فقهنا فقه تقدمی ممتاز فی الحقیقة. البعض یأخذون منه بعض الأشیاء و ینسون بعض الأشیاء، و یغیرون بعض الأشیاء و یقلبونها رأساً على عقب من أجل التناغم مع الأفکار الغربیة الغوغائیة.. هذه حالات شهدناها هی الأخرى.


البعض و من أجل أن لا یستاء الغربیون یغیّرون بعض حقائق الأحکام الإسلامیة و واضحات الأحکام الإسلامیة. یقول القرآن الکریم: «وَ اِن تُطِع اَکثَرَ مَن فِى الاَرضِ یضِلّوک عَن سَبیلِاللهِ اِن یتَّبِعونَ اِلّا الظَّنَّ وَ اِن هُم اِلّا یخرُصُون» (3). یجب عدم الجری وراء الأفکار الشائعة فی عالم الجهل و الخرافة، بل ینبغی العثور على الفکر الإسلامی و السیر على هداه حتى لو أساء البعض القول فینا. هذه بدورها قضیة.. إذن ینبغی تشخیص القضایا الرئیسیة الأصلیة. اعتقد أن القضیة الأصلیة، أو إحدى القضایا الأصلیة، هی قضیة المنزل و العائلة: أمن المرأة فی البیئة العائلیة، و فرص المرأة فی المناخ الأسری، و إدارة المنزل من أجل تفجیر الطاقات و المواهب، فلا تکون هناک عقبات تحول دون أن تقرأ المرأة و أن تطالع و تدرس و تفهم و تکتب - بالنسبة للمرأة الراغبة فی هذه الأمور - و توفیر الأرضیة و الساحة الملائمة لمثل هذه الأعمال. هذا هو أساس القضیة.


قضیة عمل المرأة لیست من القضایا الأصلیة. طبعاً نحن لا نعارض عمل المرأة، و أنا لا أعارض عمل المرأة و لا تولیها مواقع إداریة طالما لم یتعارض ذلک مع تلک الشؤون و القضایا الأصلیة. فإذا تعارض الطرفان فهذا الطرف مقدم على ذاک. من الأعمال التی یجب أن تتم على هذا الصعید الثالث الذی ذکرناه هو طبعاً أن ینظروا و یروا ما هی الأعمال و المهن التی تناسب هذه الخصوصیة لدى المرأة. بعض الأعمال لا تناسب بنیة المرأة، فلا یجروا وراءها. و من الأعمال فی هذا الباب أن لا یفروضوا على المرأة الفروع الدراسیة المؤدیة إلى تلک المشاغل و المهن. قضایا الجامعات و الدراسة و ما إلى ذلک التی یثیر البعض الضجیج حولها و یقولون إن هناک تمییزاً فی الدراسة.. هذا التمییز لیس سیئاً فی کل المواطن. التمییز إذا کان على الضدّ من العدالة فهو سیّئ.

و إلّا لنفترض فی فریق لکرة القدم إذا وضعتم لاعباً للهجوم و لاعباً للدفاع و لاعباً وضعتموه کحارس مرمى، سیکون هذا تمییزاً بالتالی. و إذا وضعوا اللاعب الذی یجب أن یکون فی خط الدفاع على خط الهجوم فسوف یخسر الفریق. و اللاعب المناسب للهجوم إذا وضعوه حارس مرمى و هو لا یجید هذه المهمة، فإن الفریق سیخسر. هذا تمییز و لکنه تمییز یمثل کبد العدالة. یضعون واحداً هنا و یضعون واحداً هناک و یضعون ثالثاً هناک. إذن، یجب أن ننظر ما هی الدروس المناسبة للسیدات فی ضوء تلک الأهداف العلیا، فنوفر لهن تلک الدروس، لا أن نجبرهن و نقول لأنکِ شارکتِ فی امتحان دخول الجامعات بهذا الشکل، و کانت درجاتک کذا و کذا، لذا یجب علیک حتمیاً أن تدرسی الفرع الفلانی، و ذلک الفرع لا یتناسب مع طبیعتها النسویة و لا مع الأهداف العلیا المنشودة، و لا المهنة التی ستمنح لها تبعاً لهذا الفرع الدراسی متناسبة مع طبیعتها. اعتقد أنه ینبغی أخذ هذه الأمور بنظر الاعتبار فی ما یتعلق بعمالة المرأة و مشاغلها. و باختصار فإن عدم قدرة المرأة على تولی کل المشاغل التی یتولاها الرجل یجب عدم اعتباره عاراً أو منقصة.. لا، الشیء السیّئ هو الذی لا یتناسب مع الطبیعة التی أودعها الله فی البشر. هذا هو ما نرید أن نقوله، و طبعاً هناک نقاط و أمور أخرى سجّلناها، و لکن أعتقد أن هذا القدر یکفی.


قضیة المرأة قضیة مهمة، و أفضل من یستطیعون متابعة هذه القضیة و معالجتها هم النساء أنفسهن. و لسن قلائل السیدات الإیرانیات المتعلمات و الخریجات و صاحبات الأفکار الجیدة و الموهوبات و صاحبات الأقلام و القرائح الحسنة. إنهن کثیرات فی بلادنا الیوم و الحمد لله. و ذکرنا أنه لم یکن فی تاریخ بلادنا لحد الآن کل هؤلاء النسوة المتخرجات و الواعیات و المتمیزات، لا فی البیئات الحوزویة و لا فی الأجواء الجامعیة. لم یکن لدینا سابقاً کل هؤلاء الکاتبات و کل هؤلاء الشواعر و کل هؤلاء الباحثات و المحققات فی مختلف الفروع و الحقول. و هذا شیء قد تحقق الیوم بفضل النظام الإسلامی. هذا شیء تحقق بفضل الإسلام و ببرکة الجمهوریة الإسلامیة، و بفضل تلک النظرة المشرقة للإمام الخمینی لقضیة المرأة التی أشاروا لها (4). لم یکن لدینا مثل هذا الوضع فی البلاد أبداً. یجب أن نشکر الله و نحمده على توفیقاته و نسأله زیادة هذه التوفیقات و النجاحات، و أن نشکر هذا التوفیق. و الشکر هو ما قلناه: النظر للهدایة و الإرشاد الإلهی و عدم النظر للتوجیهات المادیة التی یرفع رایتها فی الوقت الحاضر الغربیون و الأمریکان، و هم شدیدو الوقاحة و یطالبون بکل شیء، و هم إلى ذلک غوغائیون إذا خالف أحد آراءهم أثاروا الضجیج و الهجمات الإعلامیة ضده، و لکن ینبغی عدم الاکتراث لذلک، و التقدم إلى الأمام إن شاء الله.
و السّلام علیکم و رحمة الله و برکاته.

الهوامش:
1 - السیدة شهیندخت مولاوردی معاونة رئیس الجمهوریة لشؤون المرأة و العائلة.
2 - نهج البلاغة، الکتاب رقم 31 .
3 - سورة الأنعام، الآیة 116 .
4 - السیدة مولاوردی. 

 المصدر: http://arabic.khamenei.ir

رایکم
الأکثر قراءة