تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22

"داعش" و"المرحلة الجدیدة": "الخلافة" من المحیط إلى الخلیج!

وإذا کان إعلان أوباما عن المرحلة الجدیدة تزامن مع خبر مقتل قادة "داعش"، فقد کان لافتاً أنه بعد ساعات فقط من هذا الإعلان، جاءت مفاجأة غیر متوقعة من مصر، حیث أعلنت جماعة "أنصار بیت المقدس"، عبر تسجیل صوتی، مبایعتها للبغدادی وانضمامها إلى صفوف "الدولة الإسلامیة". والغریب فی هذه البیعة أنها جاءت بعد أیام فقط من نفی "أنصار بیت المقدس" بیعتها للبغدادی، عقب نشر بیان مکتوب على مواقع التواصل الاجتماعی یعلن ذلک.
رمز الخبر: ۶۱۳۹۵
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۷:۰۹ - 12November 2014

عبدالله سلیمان علی
 
أعلنت الولایات المتحدة عن انتهاء المرحلة الأولى من الحرب ضد تنظیم "الدولة الإسلامیة فی العراق والشام" - "داعش" والبدء بمرحلة جدیدة "هجومیة"، بالتزامن مع الإعلان عن مقتل بعض قادة التنظیم وإصابة زعیمه أبی بکر البغدادی. وإذ لم یصدر عن "داعش" أی رد فعل على الأنباء الواردة عن استهداف قادته، فقد جاءت المفاجأة من مصر، حیث أعلن فیها عن مبایعة جماعة "أنصار بیت المقدس" للبغدادی، وانضمامها إلى "الدولة الإسلامیة"، لیتوالى بعدها إعلان البیعات من کل من الیمن والجزائر والجزیرة العربیة توالیاً لافتاً أثار التساؤلات حول أسلوبه الاستعراضی.
وبدا واضحاً أن الإدارة الأمیرکیة أرادت أن یشکل الإعلان عن استهداف بعض کبار قادة "داعش" مرتکزاً قویاً لها للشروع فی ما أسمته "مرحلة جدیدة"، تتمثل فی الهجوم على التنظیم المتشدد، بدلاً من محاولة وقف تقدمه فقط، فی خطوة تهدف، کما یبدو، إلى إعطاء هذا الإعلان زخماً إعلامیاً کبیراً من شأنه التغطیة على حقیقة غیاب التطورات النوعیة على الأرض، القادرة على رسم حدود بین مرحلتین.
ومع ذلک بقیت المعلومات حول استهداف قادة "داعش" متضاربة، وتفتقر إلى أدلة تسند مصداقیتها، الأمر الذی قد یشیر إلى أن الرئیس الأمیرکی باراک أوباما اضطر إلى الاستعجال لبدء مرحلة جدیدة تحت تأثیر ضغوط، قد لا یکون للساحة العراقیة أو السوریة علاقة بها. ومن غیر المستبعَد أن یکون لذلک صلة باستحواذ الجمهوریین على غالبیة مقاعد الکونغرس، ورغبة أوباما فی وضعهم أمام الأمر الواقع، لا سیما أن ذلک ترافق مع إرسال دفعة جدیدة من الجنود الأمیرکیین إلى العراق، لیتضاعف عددهم هناک ویصل إلى حوالی 2900 جندی.
وخلافاً لمسارعته فی حزیران الماضی إلى الإقرار بمقتل القائد العسکری لـ"غزوة الموصل" أبو عبد الرحمن البیلاوی، لاذ "داعش" بصمت مطبق، وتکتم شدید، تجاه التقاریر الإعلامیة التی تحدثت عن مقتل عدد من کبار قادته وإصابة زعیمه، فلم یصدر عنه أی نفی أو تأکید لهذه التقاریر.
وبالرغم من أن هذا الصمت سمح للروایة الوحیدة المتوافرة بأن تحتلّ وسائل الإعلام، ومن ثم التعاطی مع الخبر على أنه صحیح، إلا أن ذلک لا ینفی أن أصحاب هذه الروایة لم یستطیعوا حتى الآن تقدیم ما یثبت صحة روایتهم، مع أنهم یتداولون أسماء محددة، ولها وزنها فی التنظیم، مثل أبو مهند السویداوی وأبو زهراء المحمدی وأبو علاء العفری، علاوة على تأکید بعضهم إصابة زعیم "داعش" أبو بکر البغدادی.
وسواء صحت هذه الأنباء أم لم تصحّ، فإن تأثیرها سیبقى فی إطار الساحة الإعلامیة والحرب النفسیة، ولن یتعدى ذلک، إذ من غیر المتوقع أن یترک خبر مقتل البغدادی، فضلاً عن إصابته، آثاراً سلبیة کبیرة على بنیة التنظیم أو هیکلیته القیادیة، وذلک لسببین رئیسیین: الأول أن التنظیم خلال السنوات العشر الماضیة تعرض إلى مقتل الکثیر من قادته، أهمهم أبو مصعب الزرقاوی، الأب الروحی له ومؤسسه الحقیقی، وکذلک کلٍّ من أبو عمر البغدادی، أول "أمیر" لـ"دولة العراق الإسلامیة" ووزیر حربیته أبو حمزة المهاجر (أبو أیوب المصری)، ولم یؤد ذلک إلى انهیار التنظیم أو تزعزع أرکانه.
والثانی أن مجلس شورى "الدولة الإسلامیة"، مستفیداً من تجربة شغور منصبین مهمین فیه بعد مقتل أبو عمر وأبو حمزة، أدخل تعدیلاً مهماً على هیکلة التنظیم القیادیة، من خلال استحداث منصب "نائب الأمیر"، والذی یشغله حالیاً شخص لا یجری تداول اسمه کثیراً، هو أبو عبدالله البغدادی، وبالتالی فإن مقتل أبی بکر البغدادی لن یؤدی إلى إحداث شغور فی القیادة، حیث سیتولاها مباشرة نائبه أبو عبدالله إلى أن یتسنى لمجلس الشورى الاجتماع بحسب الظروف واختیار "أمیر" جدید.
ومن غیر المستبعَد فی حال عدم صحة مقتل أو إصابة قادة "داعش"، أو أن یکون من جرى استهدافهم من درجة أخفض فی درجات القیادة، أن یستغل التنظیم التکفیری هذا الأمر لنصب کمین إعلامی، عبر ترک وسائل الإعلام تسترسل فی الحدیث عن مقتل قادته وتأثیر ذلک علیه، ثم یقوم بنفی ذلک عبر مقاطع مصورة تقلب السحر على الساحر، خاصة أن بعض الأسماء المذکورة تکرر خبر مقتلها أکثر من مرة خلال الأشهر الماضیة، مثل أبو مهند السویداوی.
وإذا کان إعلان أوباما عن المرحلة الجدیدة تزامن مع خبر مقتل قادة "داعش"، فقد کان لافتاً أنه بعد ساعات فقط من هذا الإعلان، جاءت مفاجأة غیر متوقعة من مصر، حیث أعلنت جماعة "أنصار بیت المقدس"، عبر تسجیل صوتی، مبایعتها للبغدادی وانضمامها إلى صفوف "الدولة الإسلامیة". والغریب فی هذه البیعة أنها جاءت بعد أیام فقط من نفی "أنصار بیت المقدس" بیعتها للبغدادی، عقب نشر بیان مکتوب على مواقع التواصل الاجتماعی یعلن ذلک.
وبالرغم أن الحساب الرسمی (الاحتیاطی) للجماعة على "تویتر" نشر التسجیل الصوتی، الأمر الذی یؤکد صحته مبدئیاً، إلا أن ثمة ملاحظات من شأنها إثارة بعض الشکوک حوله، أهمها أن التسجیل الصوتی صدر من دون إیضاح هویة المتحدث فیه وصفته ضمن الجماعة. وکان واضحاً أن الصوت لا یعود إلى أبی أسامة المصری، مسؤول الإعلام الخارجی فی الجماعة، والذی صدر له أکثر من تسجیل من قبل، بالرغم من أن الأصول تقتضی أن تکون "بیعة" أی جماعة صادرة عن "أمیرها العام" لتشمل کل أفراد الجماعة.
وعطفاً على الإرباک الذی حصل الأسبوع الماضی، حیث صدر بیان مکتوب یعلن "بیعة أنصار بیت المقدس" للبغدادی، وصدور نفی رسمی من الجماعة بعدم صحة هذا البیان، ثم صدور التسجیل الصوتی المجهول الهویة - لکن عبر الحساب الرسمی - فإن کل ذلک قد یشیر إلى وجود خلافات، وربما انقسامات، داخل "أنصار بیت المقدس" من موضوع "البیعة".
کذلک صدر، أمس، عن "مؤسسة البنیان"، الذراع الإعلامیة لـ"مجاهدی الیمن المؤیدین للدولة الإسلامیة"، تسجیل صوتی، یعتقد أنه للشیخ مأمون حاتم، یجدد فیه "البیعة" لأبی بکر البغدادی. کما صدر تسجیل صوتی فی لیبیا یعلن المتحدث فیه "بیعة" کتائب وألویة عدة - من دون تسمیتها - فی برقة وفزان وطرابلس، للبغدادی. وأعلن "أمیر جند الخلافة فی الجزائر" خالد أبو سلیمان تجدید "بیعته" للبغدادی عبر تسجیل صوتی نشرته مساء أمس "مؤسسة الفتح الإعلامیة"، لیصدر بعدها بقلیل بیان عن "مجاهدی الجزیرة العربیة" یعلن کذلک "البیعة" للبغدادی. وشدّد جمیع المبایعین على مطالبة المسلمین بتأیید "دولتهم" والالتفاف حول "خلیفتهم".
ونظراً للکثافة غیر المعهودة فی صدور "البیعات" خلال یوم واحد، استبعد مصدر مقرّب من "الدولة الإسلامیة" أن تکون هذه "البیعات" صدرت من دون تنسیق مع قیادة "داعش"، معرباً عن اعتقاده أنها تمهید لخطوة یجری التخطیط لها لمواجهة ما أسماه "المکر الأمیرکی". ولم یستبعد المصدر أن تشهد الأیام القلیلة المقبلة نشر تسجیل صوتی لأحد قیادات "الدولة" أو حدوث أمر ما یکون ترجمة لـ"بیعات" أمس.
وفی الواقع فإن توالی "البیعات"، الذی أخذ شکلاً استعراضیاً على مواقع التواصل الاجتماعی، یطرح تساؤلاً مهماً: هل توارد الإعلان عن "البیعات" فی هذا التوقیت، بغض النظر عن صحتها من عدمه، یهدف إلى تغطیة "داعش" على الأنباء التی تتحدث عن استهداف قادته، أم أنه یأتی فی سیاق الردّ على إعلان واشنطن عن "المرحلة الجدیدة"، وبالتالی التهدید بتوسیع المواجهة لتشمل أراضی أخرى غیر العراق وسوریا؟

المصدر: صحیفة السفیر

رایکم
الأکثر قراءة