تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22

المقاومة الشعبیة الفلسطینیة تستعید زخمها... بدایة انتفاضة ثالثة؟

أمام الممارسات العنصریة الإسرائیلیة فی القدس والاقتحامات المتکررة للمسجد الأقصى کان لا بدّ للمقدسیین أن یتحرکوا ولو بأسالیب بدائیة وفق الظروف المتاحة لهم للتصدی للاحتلال.
رمز الخبر: ۶۱۴۳۰
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۷:۲۴ - 13November 2014

المقاومة الشعبیة الفلسطینیة تستعید زخمها... بدایة انتفاضة ثالثة؟


أمام الممارسات العنصریة الإسرائیلیة فی القدس والاقتحامات المتکررة للمسجد الأقصى کان لا بدّ للمقدسیین أن یتحرکوا ولو بأسالیب بدائیة وفق الظروف المتاحة لهم للتصدی للاحتلال. عملیات دهس وطعن فی القدس وتل أبیب والضفة الغربیة فی إطار المقاومة الشعبیة، شهدتها الأیام الماضیة فی مشهد یرى المراقبون أن رقعته ستتسع ممهداً لانتفاضة جدیدة على الرغم من التحدیات الکثیرة.  


کان إبراهیم، الرجل المقدسی الثلاثینی یتابع عبر التلفاز مشاهد اقتحامات المستوطنین للمسجد الأقصى. هو المشهد نفسه یتکرر مجدداً. المستوطنون یدنّسون المکان بحمایة قوات الاحتلال فیما یُمنع الفلسطینیون من دخوله. هذه المرة کانت الأکثر استفزازاً، الاحتلال أغلق المسجد بالکامل لأول مرة منذ احتلاله القدس عام 1967 على خلفیة محاولة اغتیال یهودا غلیک، الحاخام المتطرف الذی دأب على تنظیم الاقتحامات المتکررة للأقصى.

لم ینتظر إبراهیم طویلاً، کان یدرک أن المشهد مستمر وفق التالی: ممارسات إسرائیلیة عنصریة لا تنتهی، مصادرة منازل وأراضٍ لم تبقِ للفلسطینیین من القدس سوى 13%، تقسیم المسجد الأقصى مکانیاً وزمانیاً کما حصل للحرم الابراهیمی فی الخلیل، اعتقالات یومیة، انسداد الأفق السیاسی وفشل الرهان على المفاوضات، وصمت عربی لم تنجح الدعوات والنداءات المتکررة لنصرة الأقصى والقدس من اختراقه..
غادر إبراهیم المنزل مسرعاً.. لحظات وتوالت الأخبار العاجلة فی أسفل الشاشة: فلسطینی من القدس یدهس عدداً من المستوطنین.. مقتل جندی وإصابة 13 آخرین.. استشهاد الفلسطینی الذی دهس المستوطنین برصاص الاحتلال.. بطل عملیة الدهس فی القدس یدعى الشهید إبراهیم العکاری..

ما هی إلا ساعات قلیلة حتى نفذت عملیة دهس أخرى لجنود إسرائیلیین، هذه المرة فی الخلیل، ما هی إلا أیام قلیلة حتى نفذت عملیتا طعن قتلت خلالهما مستوطنة وجندی وجرح آخرون فی تل أبیب وغوش عتسیون. استنفرت إسرائیل. سارعت إلى الإعلان جهاراً عن أنها لا تنوی إجراء تغییر على الوضع القائم فی القدس. تداعى أعضاء الکابینیت للاجتماع، القرار اتخذ بتدمیر منازل "المخربین". الجیش الإسرائیلی عزز قواته فی الضفة الغربیة وکثف من حواجزه وقرر تعمیق الجهد الاستخباری...   

یبدأ المشهد بالتغیّر. ینتقل سریعاً إلى الأراضی المحتلة عام 48 من خلال تظاهرات ومواجهات فی أکثر من قریة وبلدة. تتسع دائرة المنخرطین فی هذه المقاومة الشعبیة بشکل مطّرد. وفق إحصائیات أخیرة فإن 83% من سکان القدس المحتلة یقاطعون المنتوجات الإسرائیلیة والمؤسسات والمراکز التجاریة الإسرائیلیة. لم یعد الحدیث عن مبادرات فردیة فقط بل عن قطاعات جماهیریة وطلابیة تحاول تنظیم ذاتها.

تسترجع الذاکرة الجماعیة الفلسطینیة مرحلة الانتفاضة الأولى عام 1987 یوم کان السلاح حجراً رمى بالإسرائیلی على طاولة مفاوضات لم یکن یریدها سوى لإجهاض هذه الانتفاضة. لم یعد الحدیث عن انتفاضة ثالثة مبالغاً به، أحد أعضاء الکنیست قالها بوضوح "علینا تسمیة الصبی باسمه.. ما نعیشه الیوم هو انتفاضة ثالثة". انتفاضة بطلتها "المقاومة الشعبیة". أسالیبها سیارة وسکین ومنجنیق وتظاهرات عند حواجز الاحتلال ومقاطعة البضائع الإسرائیلیة.

یستعید عضو المجلس الوطنی الفلسطینی صلاح صلاح التأثیر الذی أحدثته انتفاضة الحجارة لیؤکد على أهمیة المقاومة الشعبیة التی تشهدها القدس وبعض مناطق الضفة وأراضی 48، على اعتبار "أنه تجب مواجهة العدو الإسرائیلی بکافة أشکال النضال وفق الظروف التی یعیشها کل تجمع من تجمعات الشعب الفلسطینی". فالظروف القائمة فی غزة التی تتیح للمواجهة أن تأخذ بعداً عسکریاً مسلحاً لیست نفسها فی الأراضی المحتلة عام 48 أو القدس حیث الاحتلال جاثم على الفلسطینی، أو فی الضفة الغربیة حیث تبرز إشکالیة أخرى عنوانها "التنسیق الأمنی".   

یرى صلاح أنه "یکفی الشعور بعدم الأمان الذی یحدثه هذا النوع من المقاومة لدى الإسرائیلی الذی یعیش الیوم کابوس أن تدهسه سیارة أو أن یتلقى طعنة سکین فی  لحظة ما". یتحدث عن ردع من نوع آخر لا مکان فیه لمنظومات القبة الحدیدیة ومثیلاتها، حیث یقول الفلسطینی للإسرائیلی الیوم "إن حالة القلق والرعب انتقلت إلى ضفته من خلال أسالیب بدائیة".

فی معرض قراءته لآفاق هذه المقاومة الشعبیة، یجزم صلاح صلاح أن ما یجری الیوم مختلف عن المرات السابقة حیث کان یقتصر الأمر على بعض ردود الفعل المحدودة والمؤقتة. یؤکد أن "ما یجری الیوم هو مؤشر على انتفاضة جدیدة ستتسع رقعتها" بما یؤکد للإسرائیلی "أن محاولاته التی بدأها قبل 66 عاماً لأسرلة الشعب الفلسطینی وعزله عن قضیته لم تنجح" وبما "یوجه صفعة للقیادات الفلسطینیة التی کانت تحاول أن تکرس أن الشعب الفلسطینی هو فی مناطق الضفة وغزة متجاهلة القدس وأراضی 48 وقضیة اللاجئین، من خلال التأکید على أن الشعب الفلسطینی واحد فی الضفة وغزة والقدس والشتات لا یمکن تجزئته أو فصله، وأن ارتباطه بقضیته الوطنیة وأرضه أبدی وأزلی".

هل تجهض "الانتفاضة الثالثة" قبل ولادتها؟


على الرغم من التشابه بین انتفاضة الحجارة وما یجری الیوم إلا أن ثمة قطعة "بازل" لا تزال ناقصة لیتطابق المشهدان. "فبعد قرابة الشهرین أو الثلاثة على اندلاع الانتفاضة عام 1987 لحقت بها قیادات الفصائل الفلسطینیة فی الوطن المحتل، یقول الباحث الفلسطینی دکتور غسان عبد الله. یشیر إلى أن الکرة الآن فی ملعب هذه القیادات التی علیها التقاط هذه الهبّة الجماهیریة من أجل دفعها إلى الأمام وتصویبها والأخذ بیدها لما فیه مصلحة المقاومة الشعبیة وإلا فستجد نفسها فی مؤخرة الصف خصوصاً أن قیادة منظمة التحریر بحاجة لإثبات وجودها على الساحة الفلسطینیة لنیل الدعم الشعبی المطلوب لتحرکاتها الدبلوماسیة فی أروقة الامم المتحدة".

تحد آخر لا یقل أهمیة یبدو ماثلاً أمام هذه المقاومة الشعبیة، انتقالها إلى مرحلة الانتفاضة یربطه البعض باتساع رقعتها إلى الضفة الغربیة حیث یبرز "التنسیق الأمنی" کأحد أبرز المعوقات وفق ما یقول عبد الله الذی یصف ما یجری فی الضفة بأنه "عملیة إحکام السیطرة لمنع أی تحرکات نوعیة ضد المستوطنین وممارسات الاحتلال". یضاف إلى ذلک الانقسام الفلسطینی المستمر والذی من شأنه إضعاف هذه التحرکات الشعبیة.

أمام هذه التحدیات ینقسم المراقبون للمشهد الفلسطینی بین من یقول إنها قد تساهم فی إجهاض الانتفاضة قبل أن تولد وبین من هم أکثر تفاؤلاً بالمنحى الذی قرر المقدسیون السیر فیه. فی هذا السیاق یقول عبد الله "إن ما یجری من هبّة شعبیة فی القدس غیر قابل لحالات الجزر بل على العکس، هو قابل لحالات المد أکثر وأکثر لاسیما وأن ممارسات الاحتلال تتزاید یوما بعد یوم"، مؤکداً "أن المقدسی بغض النظر أکان مسلماً أو مسیحیاً وبمعزل عن انتمائه الفکری لن یسمح بعد الآن بمواصلة اجراءات الاقتحام وتدنیس الأقصى".

مزاوجة العمل السیاسی والمقاومة الشعبیة


نتحدث هنا عن مرحلة جدیدة إذاً، ما بعدها لن یکون کما قبلها حتى على صعید المفاوضات فی حال استؤنفت. یجزم الدکتور غسان عبد الله "أن نمط المفاوضات الذی کان قائماً قد ولّى ولیست لدیه أیة ارضیة أو دعم جماهیری أو حتى سیاسی. وما سنشهده فی الساحة الفلسطینیة هو عودة مزاوجة العمل السیاسی والمقاومة الشعبیة التی ستزداد رقعتها فی الضفة الغربیة متخذة أشکالاً وأنماطاً مختلفة" على حد قوله.

فی منطقة شمال غرب القدس عند جدار الفصل العنصری ابتدع الشباب الفلسطینیون مؤخراً أسلوباً جدیداً فی المقاومة الشعبیة.. یدأبون منذ أیام على فتح ثغرات فی ذاک الجدار، یسدها الاحتلال، ثم یعودون لفتحها مجدداً.. من یدری ربما لکثرة تکرار هذا الفعل یتصدع الجدار ویسقط یوماً.. ففی قلوب هؤلاء من الإیمان والعزیمة ما یجعلهم متیقنین أن هذا الاحتلال یمکن مواجهته بشتى الوسائل، حتى لو بمعول.

المصدر: المیادین نت

رایکم
الأکثر قراءة