تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22

«داعش» نمر من ورق: «جَرَفنا الصخر یا قاسم»

فعلها أبناء العراق أخیراً. تطلب الأمر لمسات على مستوى التنظیم والتکتیک یقدمها الجنرال قاسم سلیمانی لکی یصبح ممکناً القول إن «داعش» لیس قوّة لا تُکسر، وإنه «فزّاعة» جرى تضخیمها، وإنه لیس قدراً محتوماً... ومن یهمه الأمر فما علیه إلا السؤال عن «ملحمة» جرف الصخر، التی قلب العراقیون اسمها، رسمیاً، فأصبحت «جرف النصر»
رمز الخبر: ۶۱۴۵۳
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۷:۰۴ - 14November 2014

«داعش» نمر من ورق: «جَرَفنا الصخر یا قاسم»

محمد نزال
«داعش» لیس إلهاً. تنظیم لدیه قدرات قتالیة عالیة، صحیح، وآلاف المقاتلین المستعدّین للموت، صحیح أیضاً، لکنه لیس آلهة لا تُهزم. تلک «الفزّاعة» التی أرادت، وأرید لها، أن تکون أیقونة رعب عصیّة على الکسر، تم کسرها أخیراً، وتبیّن فی نهایة الأمر أنها نمر من ورق، ولکن شرط مواجهتها جدیّاً. هذا الأمر، قبل نحو 3 أسابیع، أثبت عملیاً فی العراق، فی منطقة جرف الصخر تحدیداً، التی باتت تُعرف الیوم بـ»جُرف النصر».

بالتأکید لن یجد الإعلام الأمیرکی، والغربی عموماً، نفسه معنیّاً بإظهار ما حصل هناک، ویلحق به طبعاً إعلام النفط العربی. لکن بحسب الوقائع التی تنقلها لـ»الأخبار» مصادر میدانیة من هناک، فإنه یمکن القول، ومن دون تردد، إن تلک «الملحمة» توازی فی أهمیتها ما حصل فی منطقة القصیر السوریة، قبل أکثر من عام، وربما فاقتها أهمیة على المستوى الاستراتیجی.
ما حصل فی جرف الصخر إنجاز تاریخی لرجال «الحشد الشعبی» العراقی، المؤلف من فصائل عسکریة عدة. أکثر تلک الفصائل قاتلت سابقاً الاحتلال الأمیرکی، وأبرزها: «کتائب حزب الله ــ العراق» و»عصائب أهل الحق» و»منظمة بدر» و»سرایا السلام» (التابعة للتیار الصدری) إضافة إلى فصائل أخرى. الجنرال قاسم سلیمانی، قائد فیلق القدس فی الحرس الثوری الإیرانی، کان «نجم المعرکة» بلا منازع. رجل الظل، الذی بدا أنه یخرج إلى الضوء، قلیلاً، فی الأشهر الأخیرة، انتشرت له بعض الصور التی قیل إنها من جرف الصخر. دور الرجل، فی المساعدة اللوجستیة للقوى العراقیة بل والمیدانیة، لم یعد خافیاً. درس جرف الصخر یُفهم منه أن فی الشعب العراقی قوّة لو نُظّمت وفُعّلت، کما یجب، لغیّرت الکثیر من الواقع «الداعشی» فی بلاد ما بین النهرین، ولاستطاعت، وهذا ما حصل، أن تسحق جحافل «داعش» فی جرف الصخر، إلى حد جعل قیادة التنظیم تُقرر الهرب کلیّاً من هناک. ربما هذا ما یتوافق مع ما قاله المرشد الأعلى للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، السید علی خامنئی، لرئیس الوزراء العراقی حیدر العبادی الشهر الماضی: «إننا نؤمن بأن العراق، حکومة وشعباً، ولا سیما شباب هذا البلد، لدیهم القدرة على دحر الإرهابیین وإقرار الأمن، ولا حاجة إلى الوجود الأجنبی فی البلاد».
ماذا تُمثّل جرف الصخر وما الذی حصل حقیقة هناک؟ تلک الناحیة، الواقعة ضمن محافظة بابل التی تمتاز بغابات النخیل والمسطحات المائیة الاصطناعیة الشاسعة، کانت بالنسبة إلى قادة «داعش» تمثّل قاعدة ارتکاز للزحف باتجاه الجنوب الشیعی. تقع جرف الصخر فی الوسط بین بغداد وکربلاء، وهی أقرب إلى الثانیة، کما أنها تشکل امتداداً جنوبیاً لقضاء الفلوجة، الذی یمثل إحدى البؤر الأساسیة لتنظیم القاعدة ومن بعده «الدولة الإسلامیة» فی العراق، ولذلک کان یطلق على هذه الرقعة الجغرافیة اسم «مثلث الموت».
بعد عام ألفین وثلاثة تحولت هذه المنطقة إلى أحد أهم معاقل التنظیمات المسلحة فی العراق (القاعدة)، وکانت منطلقاً للسیارات المفخخة فی بغداد. وفی 2010 أصبحت تعرف بعاصمة ولایة الجنوب لتنظیم داعش، ومن هناک استمر الانتحاریون فی ضرب التجمعات المدنیة فی المسیب والاسکندریة والحلة وکربلاء وبغداد. وبعد سقوط الموصل، کان تنظیم داعش یعتبر جرف الصخر «خنجراً فی خاصرة الشیعة، ومنها سیکون سقوطهم المدوّی» فی بغداد وبابل وکربلاء والنجف وصولاً إلى البصرة.
لذلک قام التنظیم بتعزیز حضوره العسکری فی القرى والأریاف التابعة لناحیة جرف الصخر، بل إنه شرع فی شهر آذار الماضی بالزحف باتجاه مرکز قضاء المسیب ووصل حتى بعد مئات الأمتار من الدوار الشهیر فی المدینة الذی یشکل معبراً باتجاه مدینة کربلاء جنوباً، فکان أن تصدت له مجموعات شیعیة منظمة وحدّت من تقدمه.
ولا تکاد تحصى الاعتداءات التی طالت زائری المدینة الشیعیة المقدسة على ذلک الطریق، فسقط مئات الأبریاء بتفجیر عبوات ورمایات رشاشة وذبح وصلب. مجازر کثیرة سجّلتها ذاکرة العراقیین من أبناء تلک المنطقة، لکن لم تسجلها وسائل الإعلام، فظلت طیّ الکتمان. ذات مرّة قطعت مجامیع «داعش» الطریق المذکور، وکذلک جسر المسیب، فتحوّل سیر الزوّار والعابرین اضطراراً إلى طریق جرف الصخر. هناک حصلت، بحسب ما نقلت لـ «الأخبار» مصادر معنیة، أفظع الجرائم بحق العجز والأطفال والنساء والرجال. بعض النساء کنّ یغتصبن، بعد سبیهن کجوار، ثم یقتلن بعد مدّة. تاریخیاً، فی زمن صدّام حسین، عُرفت جرف الصخر کملاذ آمن للعصابات المنظّمة، وکان ینشط فیها تجّار الممنوعات و»مافیات» القتل الجنائی. حتى صدّام تحاشاها ولم یُسجل أنه اقتحمها بقواته مرّة.
قبل تحریر الجرف، وبحسب ما تنقل المصادر، فإن الجیش الأمیرکی أبلغ الجانب العراقی عجزه عن شن أی هجوم هناک. بالنسبة إلى الأمیرکی، فإن «عقدة جرف الصخر یصعب حلّها عسکریاً، وذلک لأنها أرض کثیفة بأشجار البلح القدیم، ولداعش قوّة حاضرة فیها، وبالتالی هناک تداعیات استنزاف». هکذا، ما عجز عنه الأمیرکی، أو بالأحرى ما خاف منه ولم یحاول فیه أصلاً، فعلته قوات الحشد الشعبی العراقیة مدعومة من «قوة القدس» فی الحرس الثوری الإیرانی برئاسة الجنرال قاسم سلیمانی الذی یقال إنه کان شریکا قیادیاً فی إدارة المعرکة، کما حصل فی مناطق عراقیة أخرى سابقاً ویحصل الیوم أیضاً.
تمتد ناحیة جرف الصخر طولیاً نحو 25 کلم بعرضٍ متوسطه 4 کلم. بدأ الهجوم من 3 محاور أساسیة، حیث أُمطر الجرف بنیران تمهیدیة قویة لحوالى نصف ساعة، قبل أن یبدأ التقدم المیدانی من المحاور الثلاثة. المحور الأول: من جهة قریة الفاضلیة، ومهمته تطویق المنطقة وعزلها عن عامریة الفلوجة شمالاً، وألقیت مسؤولیة العملیات فیه على «عصائب أهل الحق». المحور الثانی، وهو الجنوبی، الذی یتصل ببلدة الجرف مباشرة التی أوکلت مهمة التوغل إلیها انطلاقاً من قریة البهبهان إلى «کتائب حزب الله». أما المحور الثالث، وهو فی منطقة الوسط، فمهمته کانت السیطرة على مجموعة قرى یتموضع فیها داعش أیضاً من بینها عبد ویس والفارسیة. اشتعلت المعرکة، واحتدمت المواجهات عن قرب، وجهاً لوجه مع مقاتلی «داعش». مقاتلو الحشد الشعبی رأوا بأعینهم کیف کان «الداعشی» یسقط أرضاً، ومن بقی حیّاً یجهد للفرار من المنطقة. فی البدایة دافع إرهابیو «داعش» عن خط دفاعهم الأول بالقنص والعبوات الناسفة التی کانت مزروعة بکثافة بین أشجار النخیل. لکن سرعان ما تهاوى هذا الخط بعد الهجوم المرکّز والمحکم التنظیم لمقاتلی الفصائل العراقیة (وهؤلاء بالمناسبة غیر مدربین تدریباً عالیاً، لکنهم منظمون، وقد وضعت لهم خطّة محکمة). وفی غضون ساعات بدأ التوغل داخل مناطق داعش الذی فوجئ مقاتلوه بالإطباق علیهم وقطع خطوط الإمداد عنهم. کل المحاولات «الداعشیة» للصمود کانت یائسة، وفی غضون أقل من 48 ساعة تم تحریر المنطقة التی استعصت على الاحتلال الأمیرکی ومن بعده على القوات الرسمیة العراقیة على مدى نحو عقد من الزمن.
تنقل مصادر واکبت مجریات المعرکة، نقلاً عن مسؤولین أمنیین، أن البغدادی، بعد تلقّیه أخباراً عن مجریات المیدان وما ألمّ بجماعته، أمر بعدم السماح بأن یؤسر مقاتلون من تنظیمه، وبالتالی جرى «إحراق عشرات الجثث أو رمیها فی النهر»... وهذا ما حصل بالفعل. وصلت رسالة البغدادی إلى مقاتلیه بالتزامن مع هربهم من الجرف، وذلک بالضبط عندما التقت فصائل محور هجوم الوسط مع فصائل محور الجنوب فی نقطتی «الشهبان» و»الحجیر». ترکت المجامیع «الداعشیة» خلفها 4 ملالات و3 آلیات هامر، ولم یکن باستطاعتهم الانسحاب إلا سیراً على الأقدام، أو بمعنى أدق: هرولة سریعة.
هکذا، وفیما تجمع الولایات المتحدة حلفها الدولی، ضد «داعش» فی العراق وسوریا، ولا تتمکن من تحریر قریة واحدة سواء فی العراق أو فی سوریا، تطل وحدات الحشد الشعبی العراقیة على تنوع تسمیاتها الفصائلیة لتعلن إمساکها بزمام المبادرة المیدانیة فی أکثر من منطقة عراقیة، کما حصل قبل جرف الصخر فی ناحیة آمرلی (الواسعة النطاق) وکما یحصل الیوم فی منطقة سد العظیم وناحیة جلولاء والسعدیة. وترى مصادر معنیة أن أهم ما یمکن استخلاصه من معرکتی آمرلی وجرف الصخر هو أن المعنویات فی العراق، الیوم، عند الفصائل المقاتلة «لداعش» عالیة جداً، وذلک جراء انکسار الحاجز النفسی الذی بناه هذا التنظیم بالأعمال الوحشیة التی یمارسها فی حق أعدائه. وتؤکد المصادر أن المقبل من الأیام سیکشف أکثر عن هذا الأمر.
بعد «ملحمة» جرف الصخر، وانتشار صور سلیمانی من قلب المیدان مبتسماً، أرسل أحد مقاتلی الفصائل رسالة إلى أحد معارفه فی الخارج لیطمئنه عن الوضع. رسالة مقتضبة جداً: «لقد جَرَفنا الصخر یا قاسم».
القوات العراقیة تلامس مصفاة بیجی

کشف مصدر أمنی عن «اقتراب القوات الأمنیة والحشد الشعبی من مصفى النفط فی قضاء بیجی» شمالی مدینة تکریت مرکز محافظة صلاح الدین. وذکر المصدر لوکالة «کل العراق» أن «القوات الأمنیة والحشد الشعبی وصلت إلى جسر منطقة البجواری الذی یبعد فقط 500 متر عن مصفى النفط»، مرجحاًَ «دخول القوات إلى المصفى خلال الساعات القلیلة المقبلة». من جهة أخرى، أعلن رئیس مجلس ناحیة عامریة الفلوجة شاکر محمود، أن القوات الأمنیة تمکنت من تحریر منطقتین تقعان بین محافظتی الأنبار وکربلاء. وقال محمود، فی حدیث إلى موقع «السومریة نیوز»، إن «القوات الأمنیة مسنودة بالعشائر وقوات الحشد الشعبی وطیران الجیش، تمکنت من تحریر منطقتی الرزازة والآبار غرب ناحیة عامریة الفلوجة (23 کلم جنوبی الفلوجة)». من جانب آخر، بیّنت صور لتقریر بثه موقع «السومریة نیوز» وصول قوة من عملیات بغداد بإمرة قائد العملیات الفریق الرکن عبد الأمیر الشمری إلى مناطق متاخمة لناحیة عامریة الفلوجة.

المصدر: جریدة الأخبار

رایکم
الأکثر قراءة