وافادت وكالة الدفاع المقدس للأنباء نقلا عن العهد، انه يظهر من تصرفات وزير الخارجية الامريكي جون كيري ان ادارة اوباما الراحلة بعد أربعين يوما من الآن تعتمد منذ البداية استراتيجة تقطيع الوقت.
وقد أشار الى ذلك بشكل غير مباشر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي قال إن الأمريكيين يعدون بأمر ثم يتراجعون عنه في اليوم التالي.
وسخر لافروف من الامريكيين عندما قال ان "هناك موعد اجتماع للجنة متابعة الاتفاق حول حلب ولا ندري اذا كان الامريكيون سوف يحترمون الموعد ويحضرون الاجتماع ام لا".
في بداية الحرب السورية، شكلت الفصائل التكفيرية المسلحة في سوريا رهان أمريكا وحلفائها في سعيهم لاسقاط نظام الرئيس السوري بشار الاسد، وكان أساس هذا الرهان كثرة هذه الفصائل عدديا وانتشارهم على كامل المساحة السورية وخصوصا على الحدود مع تركيا ما سهل عملية تسليحهم وامدادهم، لذلك كان الظن ان النظام في سوريا لن يستمر طويلا وهذا ما صرح به مسؤولو البنتاغون وقادة تركيا وفرنسا ودول الخليج الفارسي، لكن هذا الرهان بان فشله.
بعد أحداث العراق وتشكيل الحشد الشعبي واضطرار أمريكا للقبول به كقوة أساسية في معارك التحرير في كل مدن ومناطق الانبار، بدءا بالرمادي مرورا بالفلوجة وصولا الى الموصل، استوعب الامريكيون أخيراً أن فرص سيطرتهم في العراق أقل منها في سوريا، لذلك ركزت الادارة الامريكية على دعم الفصائل السورية المسلحة عبر حلفائها العرب والأتراك.
وركزت دبلوماسيتها جلّ اهتمامها على المحافظة عليهم بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا وظهر الارتباك الأمريكي جليا بعدما عبر الاكراد الى شرق الفرات ودخل الاتراك عسكريا لوقف الزحف الكردي، فالطرفان حليفان بالنسبة لواشنطن، تركيا واكراد جبل قنديل الذين يشكلون القوة العسكرية الكردية الاساس منذ معركة عين عرب حتى معارك شرق الفرات.
كل ذلك تبعه التقدم السريع للجيش السوري وحلفائه في حسم معركة حلب دون مقاومة كبيرة من جبهة "النصرة" وسائر الفصائل التي راهنت عليها أمريكا وحلفاؤها ما وضع الأمريكي في موقف ضعيف أمام روسيا. خصوصاً أن ادارة أوباما الراحلة تتصرف بطريقة ثأرية في سوريا بعد خسارة الديمقراطيين الانتخابات الرئاسية في أمريكا واتهام روسيا بالتسبب بها عبر تسريب مراسلات كلينتون لترامب، وعدم تحقيق أوباما أي نصر معنوي لا في العراق ولا في سوريا. وسيذكر أن فترة حكمه كانت الاكثر دموية في العالم ما دفعه ونظيره التركي الى العودة للاستعانة بورقة تنظيم "داعش" لوقف التقدم السوري الروسي في حلب عبر فتح معركة في محيط مدينة تدمر في البادية السورية شرقي حمص.
ما هي الأهداف من فتح معركة تدمر؟
لا تعرف "داعش" من أين تتوالى الضربات في الآونة الأخيرة، فهي تقاتل على أكثر من جبهة في العراق وسوريا. وتأتي معركة الموصل لتكشف ظهر تنظيم "داعش" الإرهابي بعدما اقترب وصول الحشد الشعبي والجيش العراقي الى الحدود السورية، وبعدما أصبحت البشمركة الكردية شرقا في وضع هجومي ولا يمكن للتنظيم التقدم الى مناطقهم لاتخاذها ملجأ له. وهذا ما أدخل التنظيم في معركة دفاعية وتراجع مستمر في سوريا بعد العراق.
وعلى الصعيد السوري، أصبح الامر أكثر تعقيداً بالنسبة للتنظيم، حيث يمكن اختصار الوضع بالنسبة له بكلمة تشكل حبل النجاة هي (تدمر). بعد خسارته معركة الحسكة بداية هذا العام وتراجعه المستمر شمال حلب منذ تشكيل قوات درع الفرات يخوض "داعش" المعارك على ثلاث جبهات.
المراقب لخريطة الميدان السوري، يكتشف بسهولة أن لتنظيم "داعش" ثلاث مناطق نفوذ فى سوريا، كلها تقع شمالا على خط الحدود مع تركيا:
1- منطقة الشمال الغربي، وهي منطقة معرضة للخسارة السريعة لقربها من جبهات حلب.
2- في وسط الحدود الشمالية، عين العرب وريفها. وهي منطقة شكلت قاعدة انطلاق لشن هجوم كردي مدعوم غربيا على ريف الرقة، وتشكل المحور الأساس للهجوم الذي تريده أمريكا باتجاه الرقة.
3 - منطقة تدمر، وهي الاكبر حجما وقوة وخطورة.
وتتميز تدمر بقربها من الحدود مع العراق وتواصلها مع ريف حمص الشرقي وريف دمشق الشرقي وما حولها. وهي تشكل الركن الجنوبي الشرقى من سوريا المفتوح على العاصمة دمشق وعلى حدود ثلاث دول هي العراق، الاردن ولبنان، فضلا عن اتصالها بالمنطقة الوسطى. لذلك تجدها "داعش" المنطقة الاكثر ملاءمة لحماية نفسها وتواجدها بسبب انكفائها في العراق وشمال وشرق سوريا، وسقوط تدمر بيد "داعش" يؤمن لها ملاذا يغنيها عن الرقة.
وتعتقد أمريكا أن سيطرة "داعش" على تدمر تحقق لها وللتنظيم ما يلي:
1- قطع خطوط امداد مهمة للجيش السوري وحليفه حزب الله نحو العراق تحديدا، وفتح خطوط امداد لـ"داعش" مع مناطقه في الجانب العراقي مما يعد استثمارا امريكيا في معركة الانبار والموصل.
2 – يؤمن "داعش" المعابر الحدوديه مع محافظة الانبار في العراق ومناطق خلفية للاسناد والتموين والامداد والانسحاب.
3 - تشكيل مركز انطلاق (مستقبلي) كبير وآمن يمكن ان يتخذه التنظيم كنقطة انطلاق ثابته لفتح جبهات جديدة في حمص والقلمون غربا، ومن ثم دمشق.
4 - التهيئة لسيطرة "داعش" على كافة المعابر الحدوديه مع الأردن في الجنوب السوري.
يظهر مما سبق أن أمريكا وتركيا بدفعهما "داعش" لفتح معركة في تدمر تحاولان وضع الجيش السوري وحلفائه امام خيارات صعبة. فاما الاستمرار في معركة حلب وترك تدمر، أو ارسال قوات لتدمر وبالتالي التخفيف عن حلفائهما في حلب، وهذا ما تسعيان اليه.
أضف الى ذلك أن فتح معركة تدمر سوف يسهل على الامريكي والتركي خوض معركة الباب وبعدها معركة الرقة كون تنظيم "داعش" سوف يرسل قواته من الرقة الى تدمر التي أصبحت جبهة مصيرية لبقاء "داعش" بينما يتراجع دور الرقة لتصبح جبهة هامشية بتوافق بين التنظيم وتركيا وامريكا.
من هنا يمكننا تصنيف جبهات "داعش" في سوريا الى جبهات مصيرية وجبهات استنزاف ومشاغلة، حسب المعطيات الحالية والتي تغيرت مع معركة تدمر وقد تتغير مستقبلا.
الجبهات المصيريه : جبهة تدمر (وما سيتبعها في الاتجاه الغربي).
جبهات استنزاف ومشاغلة: جبهة الرقة والباب.
وبالتالي فإن الجبهة المصيرية سوف يكون لها دوران:
1- اشغال الجيش السوري وحلفائه بمعركة في تدمر في وقت اقترب فيه نصرهم النهائي في حلب.
2- انسحاب غالبية قوات" داعش" من الرقة وبالتالي تسهيل المهمة على الامريكي والتركي واظهار اوباما بمظهر المنتصر على "داعش" قبل خروجه من السلطة في العشرين من شهر كانون الثاني المقبل.
انتهی421/