15 March 2025

التشییع الذی هز العالم

التشییع الذی هز العالم لم یکن مجرد وداع لشهداء، بل کان تجدیدًا للعهد مع المقاومة، إعلانًا عن وحدة الشعب، وتصمیمًا على مواصلة الطریق. کان تذکیرًا قویًا بأن المقاومة، بفضل جماهیر‌ها الثابتة، ستظل باقیة، وأن طریق الحریة والمقاومة هو الطریق الذی یسیر علیه کل من یعشق الحریة، وکل من یقف فی وجه الظلم والاحتلال.
رمز الخبر: ۶۹۱۷۲
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۰۹:۳۶ - 26February 2025

وكالة الدفاع المقدس للأنباء: نجاح محمد علی؛ لم یکن التشییع الذی جرى لشهداء حزب الله مجرد موکب حزن أو محاولة لرفع معنویات الحزب وأنصاره، کما یظن البعض، بل کان حدثًا یتجاوز کل ذلک لیصبح تجدیدًا للعهد وتصمیمًا على مواصلة الطریق. کان هذا الحدث أکثر من مجرد جنازة، بل کان استفتاءً شعبیًا صریحًا ورسالة واضحة تُسمع فی کل زاویة من زوایا المنطقة، مفاد‌ها أن المقاومة مستمرة، وأن شعب المقاومة لا یزال على العهد، متمسکًا بقیمه ومبادئه.

التشییع الذی هز العالم

إن ما حدث کان دلیلاً على صمود حزب الله فی مواجهة کل التحدیات والتهدیدات، وعلى براعته التنظیمیة التی تجعله فی طلیعة الحرکات المقاومة فی العالم. حزب الله لا یقف فقط على قدراته العسکریة، بل على قاعدته الشعبیة الصلبة التی تمثل العمود الفقری لکل حراک سیاسی وعسکری. هذه القاعدة لیست مجرد مجموعة من الأفراد المتعاطفین، بل هی شبکة مترابطة من الدعم الشعبی والسیاسی الذی یضمن للحزب قوة الصمود والتوسع فی التأثیر.

الحشود التی ملأت الشوارع فی هذا التشییع لم تکن مجرد أعداد حاضرة، بل کانت تعبیرًا حیًا عن الوحدة الشعبیة التی تمثل جوهر المقاومة. کانت هذه الجماهیر تؤکد من جدید على ارتباط‌ها العمیق بالمقاومة، على وفائ‌ها لشهدائها، وعلى إیمان‌ها الثابت بأن المقاومة هی الطریق الوحید نحو التحرر والسیادة. کان التشییع استفتاءً شعبیًا یعکس فهم الجماهیر لطریقها، ووعی‌ها بمن یقودها، وتأکیدًا على أن الشعب یعی تمامًا من یقف وراء مصلحته.

إن القاعدة الشعبیة لحزب الله تمثل القوة المحرکة التی تضمن له البقاء والاستمرار فی وجه کل محاولات التقویض، سواء کانت من داخل لبنان أو من الخارج. من خلال هذه القاعدة، یثبت حزب الله أن المقاومة لیست مجرد حرکات فردیة أو عسکریة، بل هی منظومة اجتماعیة سیاسیة تشمل کل فئات الشعب، تتجذر فیهم قیم الحریة والدفاع عن الأرض والشرف. وعلى هذا الأساس، یستمد الحزب قوته من هذه الوحدة الشعبیة ویجعل‌ها الرکیزة الأساسیة لنجاحه فی مقاومة الاحتلال والظلم.

فی کل تشییع، لا یقتصر الأمر على الوداع لشهداء، بل هو تجدید للعهد معهم، وتجدید للثوابت التی قام علیها حزب الله. التشییع هو إعلان عن التصمیم على مواصلة الطریق الذی رسمه الشهداء، والطریق الذی یراه الشعب طریقه. وهو تذکیر للجمیع بأن المقاومة هی جزء من الهویة الجماعیة للشعب، وأن أی محاولة لتقویض‌ها أو تجاوز‌ها ستواجه بالمقاومة الشرسة من أولئک الذین یعون دورهم فی هذا النضال.

ما یمیز حزب الله عن ... من الحرکات السیاسیة فی المنطقة هو هذا الارتباط العضوی بین الحزب وشرائح واسعة من الشعب اللبنانی والعربی. فالحزب لا یعتمد على دعم نخبة سیاسیة أو مجموعات محدودة، بل یتکئ على قاعدة جماهیریة عمیقة وواسعة، تظل ثابتة فی مواجهة کافة الصعاب. هذه القاعدة الشعبیة تضمن لحزب الله لیس فقط البقاء، بل الاستمرار فی تحقیق أهدافه وتوسیع دائرة تأثیره.

الکیان الصهیونی، من جانبه، تابَعَ بعنایة هذا المشهد، مدرکًا تمامًا أن المعرکة لم تنتهِ بعد. یخطئ الکیان الصهیونی إذا اعتقد أن غیاب القائد یعنی نهایة الطریق. أیتوهم أن الجماهیر التی زحفت فی هذا الیوم ستعود أدراج‌ها إلى الصمت؟ فی الحقیقة، ما شهده الکیان الصهیونی فی هذا المشهد کان بمثابة إعلان صریح من خصمه بأن الطریق لا یزال مفتوحًا وأن المقاومة قائمة. لا شک أن هذا الکیان المسکون بهاجس البقاء یرتجف أمام هذا الموقف الذی یعکس صلابة خصمه، الذی یبقى ثابتًا فی مساره مهما کانت الظروف.

الطریق واضح، والصوت واحد، والاستعداد دائم لکل مواجهة یفرض‌ها العدو. لکن السؤال یبقى: هل أنتم مستعدون أیضًا لما هو قادم؟ کیف لرئیس جمهوریة یدعی تمثیل جمیع اللبنانیین أن یغیب عن وداع السید نصر الله الذی قدم للبنان ما لم یقدمه أحد من قبل؟ کیف لرئیس یتجاهل جنازة قائد المقاومة أن یکون رئیسًا لکل اللبنانیین؟ کیف لمن یخشى مجرد الوقوف بین شعبه فی لحظة وفاء أن یقف لاحقًا فی أی معرکة استحقاق؟ کیف لرئیس یأتی فی لحظة فراغ وطنی أن یقود بلده إلى الحریة والسیادة؟

الکیان الصهیونی حلق فی السماء لیقول إنه لا یزال هنا، فجاء الرد من الأرض: نحن هنا أیضًا. القبضات ارتفعت، والهتافات علت فی الشوارع: “الموت للکیان الصهیونی! لبیک یا نصر الله! ” فهل ظن “السیادیون” أن هذه الطائرات هی حمائم سلام؟ أو ربما تجاهلو‌ها حتى لا تفسد علیهم حفلات الولاء للخارج؟ الکیان الصهیونی انتهک سماءنا کأن‌ها صاحبة القرار، تتصرف بحریة کأن الأجواء بلا سیادة. لکن هذا لیس ما یهمنا. نحن لا ننسى من یقف معنا، ولا نغفل عن من یلتزم بتقدیم السلاح والمال والدم، إیران التی وقفت إلى جانبنا، وأعادت إعمار الجنوب، وبنت القرى، وواصلت دعم‌ها لنا فی کل الظروف.

القائد العظیم السید حسن نصر الله کان المسجد الأقصى فی قلبه مزروعًا بالمحبة والإیمان، وحلمه کان دائمًا وأبدًا تحریر بیت المقدس. کان یعلم أن تحریر الأقصى هو جهاد فی سبیل الله، وأن هذا التحریر هو واجب على کل مسلم، وأن الله سیحاسب الذین یتخاذلون فی واجبهم تجاه مقدسات المؤمنین. کانت فلسطین، ببیت المقدس والمسجد الأقصى، هی القضیة التی طالما شغلت قلبه وعقله. کان السید نصر الله یرى أن تحریر القدس هو مسار النضال الذی یجب أن یتبعه کل أحرار الأمة، وکان یقود الأمة نحو هذا الهدف السام

فی دفاعه عن شعب فلسطین، کان السید نصر الله یجمع محاور المقاومة ویقیم تنسیقًا دقیقًا لدعم شعب فلسطین ضد العدوان الکیان الصهیونی. کان یراهن على أن الکیان الصهیونی زائل لا محالة، کما کان یبث الرعب فی قلب القیادات الصهیونیة، مثلما اعترف رئیس وزراء الاحتلال نتنیاهو. وکان یتحدث بوضوح عن قادم المعرکة، وعن دور الأمة فی هذا الصراع الطوی

فی النهایة، التشییع الذی هز العالم لم یکن مجرد وداع لشهداء، بل کان تجدیدًا للعهد مع المقاومة، إعلانًا عن وحدة الشعب، وتصمیمًا على مواصلة الطریق. کان تذکیرًا قویًا بأن المقاومة، بفضل جماهیر‌ها الثابتة، ستظل باقیة، وأن طریق الحریة والمقاومة هو الطریق الذی یسیر علیه کل من یعشق الحریة، وکل من یقف فی وجه الظلم والاحتلال.

انتهی/

رایکم
الأکثر قراءة
احدث الاخبار