وکالة الدفاع المقدس للأنباء: في الوقت الذي تجاوزت فيه الحرب في غزة عامين، نلاحظ أن القطاع لم يعد له أي شبَه بالمدينة، حيث دُمرت بالكامل تقريبًا جميع المرافق والمباني والبنى التحتية الحضرية تحت القصف الوحشي وغير الإنساني والمتواصل للنظام الصهيوني.
في هذه الظروف، نرى وسائل الإعلام الغربية تتحدث عن دعم واشنطن لوضع مشروع يتولى بموجبه "توني بلير" رئيس الوزراء البريطاني السابق رئاسة هيئة انتقالية في غزة. هذا الإجراء، الذي يُطرح ظاهريًا بهدف "إدارة المرحلة الانتقالية السياسية وإعادة إعمار غزة"، يواجه ردود فعل ومعارضة واسعة على مستوى المنطقة وحتى العالم.
لكن مشروع "دونالد ترامب" رئيس الولايات المتحدة الأمريكية لإدارة قطاع غزة، والذي بموجبه سيكون "توني بلير" حاكمًا مؤقتًا لغزة لمدة خمس سنوات، يُطرح بسبب أن رئيس الوزراء البريطاني السابق خدم كمبعوث خاص للشرق الأوسط من عام 2007 إلى عام 2015. لكن هذه الخدمة كانت مرتبطة بالظلم والجرائم ضد الشعب الفلسطيني لدرجة أن شخصه يواجه الآن كرهًا شديدًا من قبل الكثير من الفلسطينيين.
كما أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن البيت الأبيض يدعم مشروعًا يتولى بموجبه "توني بلير" - في البداية دون تدخل مباشر من السلطة الفلسطينية - رئاسة حكومة مؤقتة في قطاع غزة. وفقًا لهذا الاقتراح، سيتولى بلير قيادة هيئة تسمى "هيئة الحكم الانتقالي الدولية لغزة" (GITA) والتي ستكون "أعلى سلطة سياسية وقانونية" في غزة لمدة تصل إلى خمس سنوات.
إذا أردنا العثور على الجذور والنموذج الذي تم التخطيط والتصميم لهذا المشروع على أساسه، يجب علينا الاطلاع على تقرير صحيفتي "هآرتس" و "تايمز أوف إسرائيل" الصهيونيتين، والذي ذكر أن مشروع ترامب لإدارة قطاع غزة بواسطة "توني بلير" يستند إلى نموذج الحكومات التي أشرفت على المراحل الأولى من الانتقال في تيمور الشرقية وكوسوفو نحو التحول إلى دولة.
في إطار هذا المشروع، يُقترح أن يقع المقر الرئيسي لمنظمة الحكم الانتقالي الدولية لغزة في البداية في مدينة "العريش" (قرب الحدود الجنوبية لغزة مع مصر)، ثم يدخل قطاع غزة مع قوة متعددة الجنسيات تكون في غالبيتها عربية وبدعم من الأمم المتحدة. يهدف هذا المشروع إلى "الاتحاد النهائي لكافة الأراضي الفلسطينية تحت مظلة السلطة الفلسطينية".
وفقًا لهذا المشروع، لن يضطر الشعب الفلسطيني لمغادرة قطاع غزة. ولكن في حال إقرار هذا المشروع نهائيًا، سنشهد رئاسة "توني بلير" لأمانة عامة مكونة من 25 شخصًا، وسيكون هناك مجلس إدارة مكون من سبعة أعضاء للإشراف على هيئة تنفيذية تدير غزة. وهو الأمر الذي يثير بالفعل ضجة كبيرة حول منح أي دور لرئيس الوزراء البريطاني السابق.
النقطة شديدة الأهمية والحساسية في هذا الصدد هي أن أبرز المنتقدين يعتقدون أن مثل هذا المشروع هو في الممارسة إعادة إنتاج لنوع من الاستعمار الحديث في قلب الشرق الأوسط. لأن بريطانيا، التي لعبت خلال القرن الماضي دورًا أساسيًا في أزمة فلسطين بسياساتها الاستعمارية، بما في ذلك إصدار "وعد بلفور"، تعود الآن مرة أخرى كلاعب رئيسي إلى مسرح تطورات المنطقة.
من ناحية أخرى، يعتقد العديد من الخبراء والمحللين، نظرًا للتاريخ الطويل والمظلم للاستعمار البريطاني والخلفية الإمبريالية لأمريكا في العالم، أن هذا المشروع المشترك لـ "دونالد ترامب" و "توني بلير" هو محاولة مخططة وهادفة لإحياء النفوذ التقليدي لبريطانيا في معادلات المنطقة وفرض الوصاية السياسية على شعب وأمة فلسطين.
ولكن في هذا السياق، فإن أهم قضية هي أن الدعم الأمريكي العلني لهذا المشروع يظهر أن الولايات المتحدة لا تزال تسعى لفرض حلول خارجية لحل القضية الفلسطينية. لأن اتباع هذه السياسة من قبل أمريكا يعني تجاهل إرادة ومقاومة شعب غزة وترسيخ هيكلية تشبه الاستعمار الجديد أكثر من كونها آلية ديمقراطية لإدارة مستقبل هذا القطاع.
حتى أن بعض الخبراء والمحللين يؤكدون أن هذا المشروع لن يواجه معارضة شديدة من الفصائل الفلسطينية فحسب، بل قد يؤدي إلى خلق توترات جديدة على مستوى المنطقة. ويعتقدون أن عودة شخصية مثل توني بلير - الذي أصبح مكروهًا بشدة بسبب دوره المباشر في احتلال العراق عام 2003 - تقدم رسالة واضحة من الغرب لشعوب المنطقة، وهي إعادة إنتاج النفوذ والسيطرة تحت غطاء "الإدارة الانتقالية".
وفي الختام، يمكن تقييم دعم أمريكا لمشروع "توني بلير" في غزة ليس كبرنامج لإعادة الإعمار، بل كمرحلة جديدة من عودة الاستعمار البريطاني إلى المنطقة؛ استعمار يظهر هذه المرة في قالب آليات سياسية ومؤسسية، وسيواجه معارضة من شعوب المنطقة أكثر من أي وقت مضى.
انتهی/