19 November 2024

نداء الإمام القائد آیة الله السید علی الخامنئی الى حجاج بیت الله الحرام فی موسم 1435هجریة

أوّل الحدیث هو أن تقدروا هذه النعمة الکبرى حقّ قدرها، وأن تجهدوا للاقتراب من أهداف هذه الفریضة الفریدة بالتأمل فی أبعادها الفردیّة والاجتماعیّة والروحیّة والعالمیّة، وأن تتضرّعوا الى المضیّف الرحیم القدیر أن یعینکم على ذلک.
رمز الخبر: ۶۰۲۹۶
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۲:۱۲ - 03October 2014

 نداء الإمام القائد آیة الله السید علی الخامنئی الى حجاج بیت الله الحرام فی موسم 1435هجریة

بسم الله الرحمن الرحیم

والحمدُ لله ربّ العالمین وصلى الله على محمد وآله الطاهرین
تحیّةَ شوقٍ وسلامَ تکریمٍ لکم أیها السعداء الذین لبیتم دعوة القرآن الکریم وسارعتم لضیافة بیت الله الحرام.
أوّل الحدیث هو أن تقدروا هذه النعمة الکبرى حقّ قدرها، وأن تجهدوا للاقتراب من أهداف هذه الفریضة الفریدة بالتأمل فی أبعادها الفردیّة والاجتماعیّة والروحیّة والعالمیّة، وأن تتضرّعوا الى المضیّف الرحیم القدیر أن یعینکم على ذلک.
وأنا معکم ـــ قلباً ولساناً ـــ أسأل الربّ الغفور والمنّان أن یتمّ نعمته علیکم، وأن یمنّ علیکم بأداء حجّ کامل کما منّ علیکم بتوفیق الرحال إلى حجّ بیته الکریم، وأن یتقبل منکم بکرمه ویعیدکم غانمین سالمین إلى دیارکم إن شاء الله تعالى.
فی الفرصة المغتنمة لهذه المناسک الغنیّة الفریدة، إضافة إلى التطهیر والبناء المعنوی والروحی الذی هو أسمى وأعمق معطیات الحج، فإنّ الاهتمام بقضایا العالم الإسلامی والنظرة الرفیعة الشاملة لما هو أهم وأرقى فی سلّم أولویات الموضوعات ذات الصلة بالأمة الإسلامیة هو فی صدر واجبات الحجاج وآدابهم.
إنّ مسألة اتحاد المسلمین وحلّ العقد المفرّقة بین أجزاء الأمة الإسلامیة من جملة هذه الموضوعات الهامة ذات الأولویة فی یومنا الراهن.
الحج مظهر الوحدة والتلاحم وساحة الإخاء والتعاضد. و على الجمیع أن یتلقوا درس الترکیز على المشترکات وإزالة الخلافات. فالسیاسات الاستعماریة وضعت بیدها الآثمة منذ القدم مهمة التفرقة فی قائمة أعمالها لتحقق مقاصدها الخبیثة . وبعد أن تبیّن للشعوب الإسلامیة الیوم بوضوح عِداء جبهة الاستکبار والصهیونیة بفضل الصحوة الإسلامیة واتخذت منها الموقف اللازم، قد ازدادت سیاسة التفرقة بین المسلمین شدّة وعنفًا . إنّ العدوّ المخادع باشعاله نیران الحروب الأهلیة بین المسلمین یستهدف جرّ مقاومتهم ومجاهدتهم إلى الانحراف، کی یبقى العدوّ الصهیونی وعملاء الاستکبار وهم الأعداء الحقیقیون فی هامش من الأمن، وإنّ تجهیز المجامیع الإرهابیة والتکفیریة وأمثالها فی بلدان منطقة غرب آسیا یأتی فی سیاق هذه السیاسة الغادرة.
إنّ هذا لهو تحذیر لنا جمیعاً أن نضع الیوم مسألة اتحاد المسلمین فی رأس قائمة واجباتنا الوطنیة والدولیة.
قضیة فلسطین هی الموضوع المهم الآخر إذ بعد مرور 65 عاماً على إقامة الکیان الصهیونی الغاصب والمنعطفات المختلفة التی مرّت على هذه القضیة الهامة والحساسة، وخاصة الحوادث الدامیة فی السنوات الأخیرة، فإن حقیقتین قد اتضحتا للجمیع. الأولى: أن الکیان الصهیونی وحماته المجرمین لا یعرفون حداً لفظاظتهم وقسوتهم ووحشیتهم وسحقهم لکل المعاییر الإنسانیة والأخلاقیة. یبیحون لأنفسهم کل جریمة وإبادة جماعیة و تدمیر وقتلٍ للأطفال والنساء والأبریاء العزل، بل کل اعتداء وظلم بمقدورهم ارتکابه، ثم هم یفخرون بما ارتکبوه. و المشاهد المبکیة فی حرب الخمسین یوماً على غزّة هی آخر نموذج من هذه الجرائم التاریخیة التی تکررت طبعاً فی نصف القرن الأخیر مراراً.
الحقیقة الثانیة هی إنّ هذه المجازر والمآسی لم تستطع أن تحقّق هدف قادة الکیان الغاصب وحماته. وخلافاً لما کان یجول فی ذهن لاعبی الساحة السیاسیة الخبثاء من آمال حمقاء بشأن سطوة النظام الصهیونی ومنعته فإن هذا الکیان یقترب یوماً بعد یوم من الإضمحلال والفناء. إنّ مقاومة غزّة المحاصرة و الوحیدة لمدّة 50 یوماً أمام کل ما أجلبه الکیان الصهیونی من قوّة إلى الساحة، وما حدث فی النهایة من فشل وتراجع لهذا ّ الکیان واستسلامه أمام شروط المقاومة، لهو مشهد واضح لهذا الضعف والهزال والانهیار.
إنّ هذا یعنی أنّ الشعب الفلسطینی یجب أن یزداد فیه الأمل أکثر من أی وقت مضى، وأن یزید المناضلون من الجهاد وحماس من سعیهم وعزمهم وهمّتهم، وأن تتابع الضفة الغربیة مسیرة العزّ الدائمة بقوة و صلابة أکثر، وأن تطالب الشعوب المسلمة حکوماتها اتخاذ مواقف مساندة حقیقیة وجادّة من قضیة فلسطین، وأن تقطع الدول الإسلامیة بصدق خطوات على هذا الطریق.
الموضوع الثالث المهم وذو الأولویة، هو ما ینبغی للناشطین المخلصین فی العالم الإسلامی أن یفرّقوا بنظرة واعیة بین الإسلام المحمدی الأصیل والإسلام الأمریکی، وأن یحذروا ویحذّروا من الخلط بین هذا و ذاک. لقد اهتمّ إمامنا الراحل لأول مرّة بالتمییز بین المقولتین. وأدخل ذلک فی القاموس السیاسی للعالم الإسلامی.
فالإسلام الأصیل هو إسلام النقاء والمعنویة، إسلام التقوى والسیادة الشعبیة، إسلام أشداء على الکفار رحماء بینهم. وإن الإسلام الأمریکی هو أن تقمّص العمالة للأجانب ومعاداة الأمة الإسلامیة بزی الإسلام!!
إن الإسلام الذی یشعل نیران التفرقة بین المسلمین ، و یضعُ الثقة باعداء الله بدلاً من الثقة بالوعد الإلهی، و یشنّ الحرب على الإخوة المسلمین بدلاً من مکافحة الصهیونیة والاستکبار ویتحد مع أمریکا المستکبرة ضد شعبه أو الشعوب الأخرى لیس بإسلام، إنه نفاق خَطرِ مُهلک یجب أن یکافحه کل مسلم صادق.
إن نظرة مقرونة بالبصیرة وعمق التفکیر توضّح هذه القضایا والموضوعات الهامة فی واقع العالم الإسلامی لکل باحث عن الحق، وتحدّد الواجبات والتکالیف الراهنة بلا غموض.
إن فی الحج ومناسکه وشعائره فرصة مغتنمة لاکتساب هذه البصیرة، ومن المؤمّل أن تحظُوا أنتم أیها الحجاج السعداء بهذه الموهبة الإلهیة بصورة کاملة.
أستودعکم الله العظیم جمیعاً، وأسأله تعالى لکم قبول الطاعات.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته
سید علی خامنئی
5 ذی الحجة 1435 هجریة قمریة
8 مهر 1393 هجریة شمسیة

 

رایکم
الأکثر قراءة
احدث الاخبار