تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22
عن خطر الطائفیة السیاسیة

الطائفیة قد بدأت تنفر المواطن من السیاسة والسیاسیین

ـ قال صاحبی : إن المجازر التی ارتکبتها الجهادیة التکفیریة قد غطت بسرعة على مآسی الاستبدادیة العربیة عقودا من الزمن، فلا غرابة إذن أن یصبح کثیر من الناس یترحمون على النظم التی ناضلوا لإسقاطها !
رمز الخبر: ۶۰۳۹۳
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۶:۲۵ - 06October 2014

الطائفیة قد بدأت تنفر المواطن من السیاسة والسیاسیین

 الحبیب الجنحانی

ـ قال صاحبی : إن المجازر التی ارتکبتها الجهادیة التکفیریة قد غطت بسرعة على مآسی الاستبدادیة العربیة عقودا من الزمن، فلا غرابة إذن أن یصبح کثیر من الناس یترحمون على النظم التی ناضلوا لإسقاطها ! 

ماذا ترید أن یستخلص المواطن العربی، وهو یشاهد یومیا صورا مفزعة من المستنقع الذی غرقت فیه أقطار ما سمی یوما «ربیعا عربیا» من الیمن شرقا إلى تونس غربا، ولا ننسى الإشارة فی هذا الصدد إلى أن أولویة الأولویات لدى المواطن العادی هی أمن أسرته ، وقوت أطفاله، فإذا شعر أن أمنه، وأمن وطنه مهددان فی کل لحظة فهل تبقى فیه ذرة عقل للتفکیر فی قیم الحریة ، ونعمها ، وفی الدیمقراطیة ، ومزایاها ؟ 
من المعروف أن هذه القضایا هی من شواغل النخب بالدرجة الأولى حتى فی المجتمعات التی رسخت فیها أسس الدیمقراطیة، فما بالک فی مجتمعات تشکو من الطائفیة الدینیة ، والعشائریة، ومن البؤس الاجتماعی المغذی لجمیع أنواع الزیغ والانحراف، وهو یمثل تربة خصبة لحشد القوى المعادیة للدیمقراطیة، وبخاصة إذا التحفت برداء الدین.
لا أکتمک سرا أننی فوجئت بطرحک هذا المفهوم الجدید «الطائفیة السیاسیة»، ولا شک أنه یکشف هاجسا جدیدا بعد أن شغلت «الدیمقراطیة الشکلیة» الرأی العام، ونسیت القضایا الوطنیة الکبرى، ولم نجد لها أثرا یذکر فی خطاب جل المهرولین نحو ربوة قرطاج ؟
ـ قلت: أبادر قائلا: إن ظاهرة النظام الطائفی السیاسی المعروف الیوم فی بعض أقطار المشرق العربی یعود بجذوره إلى إرث طائفی تاریخی کان له أثر بارز فی إثراء الحضارة العربیة الإسلامیة أیام ازدهارها ، وقدم فی بلاد الشام والعراق نموذجا للتعایش عندما ینتصر التفاعل الحضاری على توظیف الدین فی الصراع السیاسی ، وبعد میلاد الدولة تحول الإرث التاریخی إلى نظام طائفی سیاسی یمثل الیوم عاملا حاسما فی الصراع الدینی السیاسی الذی تعیشه بعض المجتمعات.
أما عندما نشهد میلاد «طائفیة سیاسیة» جدیدة فی بلدان یتمیز نسیجها الاجتماعی بغیاب الصراع الطائفی والمذهبی فذلک یطرح أکثر من سؤال، وفی مقدمة هذه الأسئلة، أین البرامج والرؤى، وقد بلغت حمى الانتخابات ذروتها ، ولم نسمع فی جل الحالات إلا ثرثرة، لا علاقة لها بالواقع المریر ، فهل تستغرب بعد ذلک أن یدب الیأس من الانتخابات ، ویسقط الأمل الأخیر! 
ـ قال صاحبی: کیف یبرز خطر الطائفیة السیاسیة فی الراهن الوطنی ؟
ـ قلت: إن المتابع للشأن السیاسی یلمس بوضوح کیف بدأت مرحلة الانتقال الدیمقراطی تؤسس لدیمقراطیة شکلیة هشة سرعان ما تسقط فی متاهات الصراع الفئوی ، والعشائری، ویزداد الأمر تعقیدا عندما تتضافر الطائفیة السیاسیة مع ذهنیة الجماعة الدینیة، ویتم کل ذلک على حساب مفهوم الدولة، والمجتمع المدنی ، ومفهوم المواطنة ، فقد أثبتت التجارب المعاصرة أن الطائفیة السیاسیة قد حولت الناس فی بعض البلدان من مواطنین إلى أقلیات وجماعات! یتساءل الناس عن أسباب فشل قیام تحالف وطنی انتخابی قادر على إنقاذ السفینة، وقیادة البلاد إلى مرحلة تاریخیة جدیدة عنوانها الأسمى والأبرز: دولة مدنیة دیمقراطیة منیعة؟
عندما تدقق النظر ستدرک بسهولة أن الطائفیة الحزبیة السیاسیة هی السبب الحاسم ، وبخاصة بعد أن نفخت فی روحها نرجسیة «زعامتیة» مقیتة تقوم فی جل الحالات على الأوهام.
إن هذه الظاهرة قد بدأت تنفر المواطن من السیاسة والسیاسیین، ولیس أخطر على التجارب الدیمقراطیة الفتیة من عزوف المواطنین عن الاهتمام بالشأن العام.

المصدر: جریدة الشروق التونسیة

رایکم
الأکثر قراءة