تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22
قرائة دقیقة لما یدور فی المنطقة

إیـران: لـن نسمـح بتقسیـم العـراق ولا بإسقـاط الأسـد

وما أن أعلن ‘أوباما’ عن هذه المقاربة القدیمة الجدیدة والفاشلة، حتى سارع محور المقاومة لتشکیل جیش سوری ردیف من الشباب المتحمس بلغ عدیده حتى الآن 100 ألف مقاتل، وتدریبه على تقنیات حرب العصابات التی یعتبر حزب الله والحرس الثوری وحرکات المقاومة فی المنطقة مدرسة متطورة على مستوى العالم فی هذا المجال.
رمز الخبر: ۶۰۵۲۰
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۵:۰۶ - 11October 2014

 إیـران: لـن نسمـح بتقسیـم العـراق ولا بإسقـاط الأسـد

أحمد الشرقاوی

شریحة واسعة من مناصری محور المقاومة تعتقد أن العراق بات بحکم المقسم الى ثلاث دویلات، کردیة، سنیة، شیعیة، والسؤال الذی یطرحه هؤلاء بقلق کبیر هو: – هل یرید تحالف واشنطن تطبیق نفس التقسیم فی الجمهوریة العربیة السوریة؟!.. وماذا سیفعل محور المقاومة تجاه هذا المخطط التدمیری الذی یستهدف کل مکوناته، من فلسطین إلى الیمن مرورا بلبنان وسوریة والعراق؟!..

هذا سؤال کبیر لم یکن الجواب عنه واضحا حتى الیوم، وإن کان المؤمنون بعقیدة وقدرة ودهاء محور المقاومة، لهم قناعة راسخة بأن تکتلا متماسکا من هذا النوع والحجم ومدعوما من روسیا والصین، یدافع عن الحق وعن النفس، وفق رؤیة تؤمّن للشعوب المستضعفة الوحدة والسیادة والمناعة ضد الأطماع الإستعماریة الجدیدة والتخریب الصهیونی للحمة الأمة.. لا یمکن إلا أن ینتصر بإرادة رجال الله التی هی من إرادة الله.. إلا أن هاجس الخوف کان یتملک الجمیع، خصوصا لجهة غموض الدور الروسی والإیرانی الرسمی قبل الیوم.

وواقع الحال، أنه لم یکن من الممکن أن یعلن محور المقاومة المواجهة مع أمریکا وحلفها قبل أن یتبین بالملموس على الأرض، الجانب المظلم من إستراتیجیة ‘أوباما’ للحرب على الإرهاب.. لذلک، کان المسؤولون الإیرانییون والروس أیضا، یرحبون بأی تحالف دولی یکون هدفه محاربة الإرهاب قولا وفعلا، لکن تحت قیادة الأمم المتحدة لا أمریکا.. وفی هذا رسالة لإدراة ‘أوباما’ مؤداها، نحن نشک فی نوایاکم وأهدافکم الحقیقیة، خصوصا وأن حلفکم تشکل من الدول التی مولت وسلحت ودعمت الإرهاب، ولم یأخذ بالإعتبار الدول التی تحارب الإرهاب بالفعل على الأرض.. وإذا شأتم محاربته بمعرفتکم وشروطکم، فلا مانع لدینا، لکن أن یکون ذلک بقرار من مجلس الأمن أو ترخیص رسمی من سوریة التی تقولون أنکم تریدون محاربة الإرهاب فوق أراضیها، غیر ذلک، سیعتبر إنتهاکا للسیادة وعدوانا على دولة تعتبر عضوا مؤسسا للأمم المتحدة، ما سیکون له تداعیات وخیمة على الأمن والسلم فی المنطقة والعالم.

هذا الخطاب السهل الممتنع، اعتبر رسالة شاملة جامعة مانعة تقول ما لا تعلن، وتعلن ما لا تقول.. وبالتالی، وضعت ‘أوباما’ وإدارته وتحالفه أمام معضلة کبیرة، تبین على إثرها أن ‘أوباما’ لا یملک إستراتیجیة ولا من یحزنون، وأنه أدخل بلاده مقامرة قلب خرائط المنطقة إعتمادا على من مولوا الإرهاب ودعموه، لیساعدوه على تنفیذ مشروعه بأموالهم وقواعدهم ومقاتلیهم، بل وحتى بجیوشهم فی حال تطورت الأمور لمستوى الخطر الشدید، وهو بذلک (أی أوباما)، یشبه العُقاب العجوز العاجز، الذی ینتظر من الوحش الضاری إسقاط الفریسة على الأرض، لینقض هو علیها وهی جریحة منهکة، لا قدرة لها على للدفاع عن نفسها.

وبعد شهر من التجربة على الأرض، اتضحت الصورة بجلاء، وتبین أن 450 صاروخ بالیستی من نوع “توما هوک” تم إطلاقه حتى الآن، والنتیجة قتل 11 إرهابی من داعش.. فکم کلف کل داعشی بالدولار، خصوصا إذا أضفنا لهذا الرقم 341 طلعة جویة وآلاف الواریخ جو – أرض التی استعملت، ویقال أنها قتلت حوالی 80 بین مدنیین وإرهابیین؟.. وهو ما دفع بالمسؤولین العراقیین للقول أن النتیجة الأولیة لحرب حلف واشنطن على الإرهاب فی العراق هی صفر، وأن أمریکا تخلت عن معقل دولة “داعش” فی العراق وراحت تضرب مواقع فارغة فی سوریة، ما یؤکد أن الهدف من الحملة الصلیبیة الجدیدة، هو إسقاط سوریة من البوابة العراقیة فی الشرق، والترکیة فی الشمال، والأردنیة – الإسرائیلیة فی الجنوب.

النتیجة الإیجابیة الوحیدة لما تحقق حتى الآن، هو ما أعلنه لوبی صناعة السلاح فی أمریکا الجمعة، حیث قال، أن الحرب على الإرهاب فی العراق وسوریة شکلت فرصة ذهبیة للصناعة العسکریة الأمریکیة، والنتائج مرشحة لأن تکون أفضل کثیرا حین تبدأ الولایات المتحدة ودول الخلیج وترکیا بتجدید تراسناتها العسکریة التی ستستنفذها فی هذه الحرب الطویلة.

لکن الفضیحة التی انفجرت فی وجه أمریکا وحلفها “السنی” کما أرادته أن یکون، هی قضیة الأکراد فی ‘عین العرب’، والذین ترکوا لقدرهم یواجهون الموت والحصار، بل وثبت الجمعة، أن “داعش” استقدمت تعزیزات وأسلحة جدیدة من مخازن بالشمال السوری إلى ‘عین العرب’ تحت أنظار قوات التحالف “الدولی” دون أن تحرک هذه الأخیرة ساکنا، واکتفى وزیر الخارجیة الأمریکی بالقول “إنها مأساة، لکنها لا تؤثر على إستراتیجیتها فی المدى البعید”، وهذا یعنی بالسیاسة أن ذبح الأکراد لا یمس مصالحنا بل یخدمها ویتیح لترکیا تفریغ المنطقة العازلة منهم، لتحویلها إلى قواعد تدریب وانطلاق للمعارضة السوریة الجدیدة.

وعلیه، تؤکد واقعة “عین العرب”، أن “السنة” الذین تحالفت معهم أمریکا هم “التکفیریون الوهابیون” و”الإخوان المجرمون”، وأن السنة الأکراد کما الإیزیدیین والمسیحیین وغیرهم… لیس من أولویاتها حمایتهم، ولا یهمها مصیرهم حتى لو ذبحتهم “داعش” کالنعاج.. لأن أمریکا لیست جمعیة خیریة، وهذا أمر واضح، ویمثل منتهى الوضاعة والخسة والإنتهازیة الفجة..

ثم تصاعد الحدیث عن مناطق عازلة فی الشمال السوری والجنوب السوری – اللبنانی، وبدأت طبول الحرب البریة تقرع فی ترکیا وباریس، فدخل الحلف الأطلسی على الخط، لدراسة کیفیة المشارکة فی هذا التدخل وحمایة ترکیا فی نفس الوقت من أی تعادیات على أمنها بالمظلة الأطلسیة.. والخطورة، تکمن فی تصریح البیت الأبیض الجمعة، والذی قال فیه أن وفدا من کبار المسؤولین العسکریین سیتجهون الأسبوع المقبل إلى ترکیا، لدراسة قضیة تدریب المعارضة المسلحة المعتدلة، ما یعنی ضمنا، التحضیر للمنطقة العازلة، لکن بدل إقامتها من خلال التدخل العسکری الترکی البری، یمکن إقامتها بالوکالة من خلال تمکین المعارضة المسلحة من فرضها على الأرض بإسناد الحلف بعد إعلان ترکیا رسمیا الإنضمام إلیه، وبذلک یتحقق شرطها بطریقة غیر مباشرة.

وکان وزیر الدفاع الترکی قد حذر قبل یومین کل من یهمه الأمر، أن ترکیا ستطالب بتفعیل البند 50 من إتفاقیة الحلف الأطلسی للدفاع عنها فی حال تعرضت لهجوم.. لکن، فات هذا الوزیر الغبی، أن إعتداء ترکیا على أرض الغیر یجعلها خارج هذه الحمایة، وأن تفعیل إیران وروسیا لإتفاقیة الدفاع المشترک مع سوریة، هو حق یمارس فی إطار القانون الدولی وشرعة الأمم المتحدة، ولا یستطیع ‘الناتو’ المغامرة خارج الشرعیة لما ستجلبه علیه هذه المقامرة من إحتجاجات شعبیة فی أمریکا وأوروبا، ولما قد یکون لمثل هذا التدخل من تداعیات على المنطقة والعالم، لأنه یبشر باحتکاک عسکری مباشر بین الکبار، وهذا لعمری خط أحمر حتى الآن على الأقل، ولا یرغب أحد فی تجاوزه مهما کانت الظروف.

هذا التقویم الأولی لشهر من الحرب على الإرهاب، کشف بعضا من معالم مشروع ‘أوباما’ للمنطقة، وقد سبق لسماحة السید أن وضع تصورا قاتما لما سیکون علیه الوضع فی خطابه ما قبل الأخیر.. وبالتالی، أن یقول سید المقاومة أننا مقبلون على معرکة وجود ومصیر، فهذا یعنی، أننا دخلنا فی أتون فتنة مذهبیة تحضر للمنطقة، لن یکون بمقدور المسلمین سنة وشیعة، النهوض منها بعد ذلک.. حینها، قد یعود الإسلام غریبا کما بدء غریبا، فطوبى للعرباء کما قال الرسول الأعظم (ص)، ما دام الکلام الذی یروج الیوم هو عن حروب دینیة تدوم لعقود على شاکلة الحروب الدینیة فی أوروبا، بعد أن نجحوا فی التسلل إلى عقیدة المسلمین البسطاء والعبث بها، بفضل السلفیة الوهابیة وتعالیم الإخوان المجرمین.

وإذا کانت إیران وروسیا یشککان علنا فی نوایا التحالف ویقولان أن الإستراتیجیة الأمریکیة تتسم بالغموض، إلا أنهم کانوا، ومن باب العقلانیة السیاسیة، ینتظرون بدایة تنفیذ الخطة على الأرض، قبل إتخاذ قرار المواجهة بناء على معطیات المیدان، التی تعتبر ترجمة فعلیة للأهداف الأمریکیة الحقیقیة.

منذ البدایة، کان واضحا أن القصف الجوی لن یکون فاعلا ولا ناجعا فی القضاء على الإرهاب، وأنه من دون جیش قوی على الأرض، لا یمکن الحدیث عن شیىء إسمه محاربة الإرهاب. وهو الأمر الذی اعترف به جنرالات أمریکا وعدید الساسة والخبراء فی الغرب، ما اضطر ‘أوباما’ للعودة إلى نغمة تدریب “المعارضة السوریة المسلحة المعتدلة” التی اثبتت فشلها خلال ما یناهز الأربع سنوات من الخراب.

وما أن أعلن ‘أوباما’ عن هذه المقاربة القدیمة الجدیدة والفاشلة، حتى سارع محور المقاومة لتشکیل جیش سوری ردیف من الشباب المتحمس بلغ عدیده حتى الآن 100 ألف مقاتل، وتدریبه على تقنیات حرب العصابات التی یعتبر حزب الله والحرس الثوری وحرکات المقاومة فی المنطقة مدرسة متطورة على مستوى العالم فی هذا المجال.

العراق سبق سوریة، وشکل جیشا ردیفا لا یعلم إلا الله عدیده، مساند من قبل فصائل المقاومة الإسلامیة ولجان الدفاع الشعبی والعشائر. والمدهش فی العراق الذی تعتبره إیران عمقا إستراتیجیا لن تسمح لأمریکا بالسیطرة علیه، أن المستشارین الأمریکیین الذی جابوا البلاد بحثا عن متطوعین من العشائر السنة لتشکیل جیش وقوات أمنیة تکون تابعة للقیادة الأمریکیة لا الحکومة العراقیة، فشلوا فشلا ذریعا فی المهمة.. والسبب، أنهم اکتشفوا أن الذی یقاتل الإرهاب على الأرض بعد إنهیار الجیش العراقی، هو جیش ردیف، عبارة عن خلیط متجانس ومتناغم من عناصر الجیش العراقی الموثوق بهم، وفصائل المقاومة الإسلامیة، ولجان الدفاع الشعبی، بتأطیر من مستشارین إیرانیین ومن حزب الله یخوضون المواجهات مع الإرهاب باللحم الحی.

هذا الوضع جعل العشائر یشترطون للدخول فی اللعبة الأمریکیة أن تطلب أمریکا من إیران والحکومة العراقیة “إنسحاب الشیعة من القتال”، وهذا أمر مستحیل المنال، ودونه إشعال المنطقة بمرتها.. بمعنى، أن إیران لم تترک لأمریکا وعملائها رقعة أرض یعملون فیها بأمان.. وکلما ضرب الطیران فلولا لـ”داعش” فی مکان ما إلا وملأه العراقیون الشرفاء.. وهذه هی لعبة جحى الإیرانی والحمار الأمریکی.. والتی تعنی، أنتم صنعتم الإرهاب وزرعتموه فی المنطقة، فانزعوا أشواککم من الفضاء، أما الأرض فمحرم علیکم وعلى عملائکم السیطرة علیها.

أما فی سوریة، فسیطبق نفس سیناریو أحجیة جحى الشامی مع نفس الحمار الأمریکی والبعیر السعودی والقرد الترکی، وستکون مهمة هذا الجیش الردیف الجدید المشکل من 100 ألف مقاتل على شاکلة جند الله فی المقاومة، مطاردة “داعش” وأخواتها فی المدن والقرى والأحراش والمجاریر، وخصوصا بمنطقة الشمال، لإجتثات شرهم وإفشال محاولة أمریکا إحتلال سوریة بجیش العملاء الذین قالت أنها ستبحث عنهم وتدربهم وتشکل منهم جیشا موازیا للجیش العربی السوری.

وهذه الإستراتیجیة العملیة والذکیة لمحور المقاومة، ستمکن الجیش العربی السوری من التفرغ لمواجهة التصعید، أو لنقل صراحة التفجیر المرتقب مع “إسرائیل” من بوابة الجولان والذی أصبح داهما لا مفر منه بعد أن نضجت ظروفه وتوفرت شروطه.. لأن خطورة المشروع الأمریکی الجدید لسوریة، لم یعد یقبل بإسقاط الرئیس “الأسد” فقط من دون المؤسسة العسکریة، بل یستهدف هذا الحصن المنیع الذی أثبت کفاءته وجدارته فی المیدان، وأمریکا وأزلامها وعلى رأسهم إسرائیل، لا یقبلون بجیش أثبت ولائه لقائده الأعلى ‘بشار الأسد’، ولشعبه ووطنه وتاریخه وحضارته وقیمه النبیلة، ویشکل خطرا داهما على الکیان الصهیونی المحتل.. لذلک، خططوا لإستبداله بجیش على شاکلة الجیش العراقی بعقیدة أمریکة، لیکون فاشلا، وتقتصر مهمته على لعب دور رجال الأمن فی حفظ النظام والإستقرار وحمایة العهد الصهیوأمریکی الجدید.

نفس اللعبة تلعب فی لبنان، لکن بالسیاسة کمقدمة قبل التفجیر، لأنه ما أن أعلنت إیران عن تقدیم هبة لوجستیة عسکریة للجیش اللبنانی حتى ثارت ثائرة واشنطن، وهددت الحکومة البنانیة بقطع المساعدات الأمریکیة والأوروبیة عن لبنان إذا قبل بهبة من دولة علیها حصار إقتصادی، متناسین أن الهبة لمحاربة الإرهاب لیست عملیة تجاریة، بل منحة مجانیة لا تشملها قواعد الحصار التجاری. وفجأة أیضا، أعلنت فرنسا أنه تم تفعیل هبة 3 ملیار دولار، وأعلن الحریری أیضا أنه باشر تنفیذ هبة ملیار دولار، وأن السلاح سیصل لبنان قریبا.. کل هذا، لعدم تمکین الجیش اللبنانی من وسائل الدفاع عن لبنان بأسلحة إیرانیة، لسبب بسیط، وهو أن مشروعهم یستهدف حرق لبنان وإعادة إنشائه، لیعود الحریری إلى بیروت کالدیک المنفوش من مطار دمشق.

أما لماذا قبل 14 سمسار بالهبة السعودیة ورفض الإیرانیة بالرغم من أن رئیس الحکومة قبل بها ساعة زیارة السید ‘شمخانی’ الأسبوع المنصرم، فلأن الهبة السعودیة تقوی الجیش والدولة وتمکن من نزع سلاح الملیشیات بمن فیها حزب الله، أما الهبة الإیرانیة فستحول الجیش اللبنانی إلى جیش ردیف لحزب الله.. وهذه لعبة لن تنجح حتى لو أتوا للجیش اللبنانی بالسلاح من المریخ، لا أحد یستطیع تغییر عقیدة جیش بناه رئیس مقاوم ترک بصمته الشریفة فی تاریخ لبنان، ونقصد بذلک الرئیس النزیه الذی رفض رشوة بـ 500 ملیون دولار من قطر کراتب، شریطة أن یجعل الجیش فی مواجهة حزب الله.. وهذا هو ذات المشروع الذی تعمل علیه السعودیة الیوم، خدمة لمصالح أمریکا وأمن “إسرائیل” کما أصبح معلوما للجمیع.

ومن المهم التذکیر هنا، أنه وبعکس الإنسجام والتماسک والوفاء الذی یمیز محور المقاومة، تکمن معضلة التحالف الأمریکی فی أنه یفتقد للإنسجام بین مکوناته بسبب إختلاف الرؤى السیاسیة وتضارب الأهداف.. ففی الوقت الذی یتفق فیه الجمیع على متلازمة “إسقاط الأسد”، یختلفون فی الدور وآلیات التنفیذ، حیث تعتبر السعودیة الإخوان المجرمین جماعة إرهابیة، وترید تدریب 5 ألف معارض على أراضیها کل ستة أشهر لإدخالها إلى سوریة من الحدود الترکیة لملأ الفراغ الذی سیخلفه قصف “داعش” وفق ما یتوهمون، لکن ترکیا ترفض رفضا قاطعا أن تفتح حدودها وتشارک فی عملیة بریة لمساندة فلول الوهابیین السعودیین الجدد، وهی التی حاربتهم وقصمت ظهرهم فی سوریة بمعیة قطر، حین وجّهوا “داعش” وجبهة “النصرة” لسحق “الجبهة الإسلامیة” و “الجیش الحر” و”أحرار الشام” وبقیة الفصائل الأخرى التی تدعمها مملکة الإرهاب والظلام.

وتشترط ترکیا للمساهمة فی حرب أمریکا الإستعماریة الجدیدة، القبول بأن یتولى “الإخوان المجرمین” مهمة السیطرة على الأرض بدعم وغطاء ناری من الجیش الترکی بعد إنشاء منطقة عازلة تکون بمثابة محطة إنطلاق وإمداد وضخ لفلول الإخونجیة، وتتعهد أنقرة فی حال وافقت واشنطن على مشروعها بأن تسقط الأسد بحرب بریة، یتبعها بعد ذلک القضاء على داعش وغیرها فی سوریة.. لما تمثله سوریة بالنسبة لمشروعها الوهمی، بعتبارها البوابة الضروریة لبسط نفوذها على العالم العربی، ولعب دور الشرطی الأطلسی القوی القادر على حمایة مصالح أمریکا والسهر على أمن “إسرائیل”..

فی حین، تعارض السعودیة هذا التوجه، وتشترط للإستمرار فی التحالف وتمویله أن یملأ الفراغ من ستدربهم على الولاء بمعرفتها، لتکون سوریة والعراق ولبنان من ضمن نفوذها، لا نفود أردوغان الذی یعنی نهایة آل سعود من الوجود.

ویبدو من إعلان البیت الأبیض إرسال بعثة أمریکیة عالیة المستوى إلى ترکیا لمناقشة خطة تدریب المعارضة، هو نوع من الترضیة التی تقدمها أمریکا لترکیا، وفی حال لم تعترض السعودیة وقبلت بالإستمرار فی تدریب المعارضة على أراضیها، فقد یکون توجه هذه الأخیرة إلى سوریة من الأردن و”إسرائیل”، ما یجعلها أقرب إلى دمشق.. ومعروف عن أمریکا أنها تلعب بالجمیع وتخدع الجمیع وتفرض فی النهایة رؤیتها للتغییر السیاسی والجیوبولیتیکی وتوازنات القوى فی المنطقة.

والآن نصل إلى المعادلة الجدیدة التی أرساها محور المقاومة، وکانت عملیة الشهید ‘حیدر’ فی مزارع شبعا المحتلة، منصة لإطلاق مجموعة رسائل تحدثنا عنها بتفصیل فی المقالة السابقة، وقلنا فی النهایة، أن الرسالة الأهم إن لم تکن الأخطر، هی التی تقول، أن التفجیر فی سوریة سیقابله التفجیر فی “إسرائیل”، لأنه إذا قررتم حرق الشجرة فی سوریة فسنحرق من تحت أقدامکم الغابة فی کل المنطقة.

ما ذهبنا إلیه بالتحلیل هنا، جاءت الرسالة الإیرانیة الیوم الجمعة، وعلى لسان مساعد وزیر الخارجیة الایرانی للشؤون العربیة والافریقیة السید ‘حسین أمیر عبد اللهیان’، الذی أعلن على هامش ملتقى العراق والتحالف الدولی ضد داعش، الذی أقیم یوم الخمیس فی معهد الدراسات الاستراتیجیة للشرق الاوسط بالعاصمة طهران: “تقسیم العراق والتغییر السیاسی فی سوریا من مدخل محاربة الإرهاب سیترتب علیه تبعات کثیرة”..

وللإشارة، فتصریحات المسؤولین الإیرانیین من جیش وساسة بشأن قضایا المنطقة، تدخل فی إطار الکلام السیاسی الذی یعبر عن رأی هذه المؤسسة أو تلک، لکن، عندما یصدر إعلان عن وزارة الخارجیة الإیرانیة، فالأمر هنا یختلف تماما، لأنه یعبر عن الموقف الرسمی للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة.

السید ‘أمیر عبد اللهیان’ أکد بذات الإعلان، أن العراق یمثل عمقا إستراتیجیا لإیران لن تسمح بالتلاعب بجغرافیته لتقسیمه، أما بالنسبة لسوریة، فالرسالة التی کشف عنها المسؤول الإیرانی تحمل نبرة تحدی تصعیدیة لا لبس فیها، ومفادها: “اذا کان من المقرر ان تجری سیاسة تغییر النظام السوری عبر اداة مکافحة الارهاب فان الکیان الصهیونی سوف لن ینعم بالأمن”.

وتزامن هذا التصریح مع تحذیر رسمی أیضا، وجهته إیران لترکیا من تداعیات تدخلها فی سوریة عسکریا، أو الإستمرار فی ضخ المقاتلین عبر حدودها لزعزعة الأمن والإستقرار فی سوریة والمنطقة.

هذا الکلام المرموز یعنی.. أن زر التفجیر بید حزب الله، بدلیل عملیة الشهید ‘حیدر’ التی أسقطت معادلة الأمن على إمتداد الحدود الجنوبیة من الجولان المحتل إلى مزارع شبعا.

والسؤال الذی یطرحه المراقبون الیوم بعد التحذیر والإعلان الإیرانی الواضح والصریح، هو: – هل ستغامر أمریکا وتضرب الجیش السوری فجأة بموازات تدخل بری من “المعارضة المسلحة” من الجنوب والشمال للإطباق على دمشق، ما سیؤکد النظریة التی تقول أن الحدیث عن حرب طویلة هی مجرد خدعة، وأن الوضع السیاسی والأمنی والعسکری والإقتصادی الأمریکی لا یسمح بهکذا مغامرة قد تسرع بسقوط إمبراطوریة روما الجدیدة؟..

الأیام القلیلة القادمة کفیلة بالجواب عن هذا السؤال، لکن المؤکد أن الإعلان الإیرانی قد وضع خطوطا حمراء لترکیا ولحلف واشنطن لا یمکنهم تجاوزها من دون المقامرة بمصالح أمریکا وترکیا فی المنطقة وأمن “إسرائیل”.. ولا نستبعد فی ضوء تطور الموقف الأمریکی أن نسمع أخیرا الموقف الروسی الرسمی، والذی نراهن على أنه سیکون تصعیدیا أکثر من موقف حزب الله والموقف الإیرانی..

أما الرئیس السوری.. فیبدو هادئا، یزاول مهامه ویبتسم لزواره معبرا عن ثقته بجیشه وشعبه ودعم حلفائه اللامحدود لبلاده، وهو یرى ترکیا تنفجر من الداخل، تماما کما توقع قبل سنتین، حین قال أن العامل الکردی هو الذی سیفجر الصراع فی ترکیا”… فتأمّـــل.

المصدر: باناروما الشرق الأوسط

رایکم
الأکثر قراءة