ماجد حاتمی
قضیة آیة الله الشیخ النمر باقر النمر ، الذی حکم علیه القضاء السعودی بالاعدام ، کانت حاجة أمنیة استشعرتها السلطات السعودیة ، عندما کانت المنطقة تموج على وقع ما سُمی حینها بالربیع العربی ، الذی اخذ یقترب من اطراف صحراء جزیرة العرب وبعد ان عبر جزیرة البحرین ، فرأت هذه السلطات ان تشدد قبضتها الامنیة والعسکریة کوسیلة لمواجهة تلک الظاهرة ، داخل السعودیة وخارجها. کان متوقعا ان ینتهی هذا الامر الى ممارسة المزید من القمع وازهاق المزید من ارواح الابریاء ، وهو ما حصل ، ففی الداخل تم قمع کل مظاهر التعبیر عن الرای وملاحقة الرموز الوطنیة المطالبة بالحریة والعدالة ، وفی مقدمة هذا الرموز الشیخ النمر ، وفی الخارج احتلت القوات السعودیة البحرین ، وقمعت التظاهرات السلمیة المطالبة بالتغییر والاصلاح هناک.
الممارسات القمعیة للسلطات السعودیة داخل السعودیة جاءت متأخرة عن تدخلها العسکری فی البحرین ومساعدتها للقوات الامنیة والعسکریة لال خلیفة على قمع الشعب البحرینی ، فالتدخل السعودی فی البحرین حصل فی اواسط اذار مارس من عام 2011 ای بعد شهر واحد من ثورة الشعب البحرینی ، الامر الذی اثار حفیظة وغضب قطاعات واسعة من ابناء الشعب السعودی وخاصة اهالی المناطق الشرقیة فی الاحساء والقطیف الذی تظاهروا دعما للشعب البحرینی ، وکذلک لمطالبة السلطات باطلاق سراح المعتقلین المنسیین التسعة فی سجون النظام السعودی الذی مضى على اعتقالهم اکثر من 16 عاما انذاک ، وکذلک طالب المتظاهرون الى انصاف اهالی المنطقة الشرقیة والکف عن ممارسة سیاسات تمییزیة طائفیة تهمیشیة ضدهم.
السلطات السعودیة وانطلاقا من رؤیتها الامنیة المتصلبة الرافضة لای مطالب شعبیة بالحریة حتى فی حدودها الدنیا ، تعاملت بمنتهى القسوة مع هذه التظاهرات السلمیة وخاصة تلک التی خرجت فی العوامیة فی تشرین الاول / اکتوبر 2011 ، والتی قام فیها الشیخ النمر بدور قیادی ومسؤول ، عندما منع من انزلاق التظاهرات نحو العنف ، حیث کان یدعو الشباب المتحمس الى التمسک "بزئیر الکلمة امام ازیز الرصاص" ، ولکن للاسف کانت السلطات عاقدة العزم على تشدید قبضتها الامنیة فاستخدمت السلاح الحی ضد المتظاهرین وسقط العدید من الشهداء والجرحى کما تم اعتقال المئات من المتظاهرین.
جریرتان لا تغتفران ارتکبهما الشیخ النمر واستحق علیهما الاعدام!!، الاولى هی جرأته على قول الحق دون خوف ، ومطالبته المستمرة للسلطات السعودیة للکف عن مصادرة الحریات والاستئثار بالثروات والمناصب وممارسة التمییز بین ابناء الشعب الواحد ، اما الثانیة فکانت سلاحه الذی رفعه فی وجه النظام ، وهو الکلمة والحراک السلمی ، فالشیخ النمر یعرف ان اکثر ما یغیظ السلطات السعودیة هو سلمیة الحراک الشعبی ، فهذا النهج یفسد على السلطات کل خططها الامنیة لقمع المتظاهرین ، لهذه الاسباب ، لم تتحمل السلطات السعودیة الشیخ النمر فشنت علیه حملة اعلامیة ظالمة انتهت باعتقاله بطریقة فی غایة القسوة ، ففی الثامن من شهر تموز /یولیو 2012 قامت وحدات من قوات الامن باطلاق النار علیه وهو فی سیارته على الطریق العام ، فأصیب على إثرها بأربع رصاصات فی فخذه الأیمن، وقامت باعتقاله وهو فاقداً لوعیه لتنقله إلى المستشفى العسکری فی الظهران وبعد ذلک إلى مستشفى قوى الأمن بالریاض ثم إلى سجن الحائر.
السلطات السعودیة تصورت حینها ، انها ومن خلال اسکات صوت الشیخ النمر ، تکون قد نجحت فی تغییب الصوت الذی ینظم ایقاع الاحتجاجات الشعبیة بالشکل الذی لا یخرجها عن سلمیتها ، حتى لا تکون لقمة سائغة لقوى الامن والشرطة السعودیة ، ولا تهدأ کی تتنفس السلطات السعودیة الصعداء ، الا ان الاحتجاجات الشعبیة استمرت ، لذلک لم تجد هذه السلطات من طریقة للتخلص من الشیخ النمر الا من خلال محاکمته ، وهی المحاکمة التی اکدت ، ولسوء حظ السلطات السعودیة ، مظلومیة الشیخ النمر وصوابیة نهجه.
التهم التی حُکم بسببها على الشیخ النمر بالقتل تعزیراً ، هی : الخروج بالسلاح على ولی الامر ، والدعوة للتظاهر ، ودعم الثورة فی البحرین ، ودعوته الى اعادة بناء مقبرة البقیع!، وهی التهم التی استند الیها مدعی عام المحکمة فی الجلسة الاولى من المحاکمة فی اذار /مارس عام 2013 للمطالبة بإقامة حد الحرابة (القتل والصلب) على الشیخ النمر.
صحیفة السفیر اللبنانیة اجرت قبل یوم من صدور الحکم على الشیخ النمر بالاعدام ، لقاءا مع الناشط السیاسی محمد النمر، وهو شقیق الشیخ النمر، اکد فیه رفض المحکمة استدعاء عناصر الفرقة التی ألقت القبض على الشیخ النمر، والتی ادعت زوراً علیه، بأنه واجههم بالسلاح، بالرغم من ان أقوالهم تشکل عنصراً اساسیاً فی الدعوى، لان الخروج بالسلاح على ولی الامر یشکل التهمة الاخطر، وبالتالی فإن عدم الاستجابة لمطلب الاستماع إلى الفرقة القابضة یمثل انتهاکاً خطیراً لحق الشیخ نمر بمحاکمة عادلة.
کما کشف النمر التناقض الموجود بین الأوراق الرسمیة المقدمة فی هذه القضیة، کالتناقض بین لائحة الاتهام التی جاء فیها ان الشیخ النمر اطلق النار على الشرطة التی کانت تطارده ، وبین وثیقة رسمیة اخرى تسلّمها فریق الدفاع فی بدایة المحاکمة، ذکرت ان الشرطة طاردت الشیخ النمر وعندما اوقفته ، نزل قائد الدوریة ومرافقیه للقبض علیه، وعندما رفض النزول، اطلق علیه النار ما ادى الى اصابته فی القدم ، واثناء إرکابه فی الدوریة جاءت مرکبتان ، وقفتا امام الدوریة، وحصل تبادل لإطلاق النار بین الطرفین.
اما جریمة التحریض على حمل السلاح ، فهو اتهام استند إلى المقاطع التسجیلیة المجتزأة، وهو مردود علیه بالتسجیلات ذاتها، وبباقی مواقفه التی کانت تدعو دوماً إلى التهدئة ونبذ العنف بأشکاله کافة. اما فی ما یتعلق بتهمة التحریض على التظاهر، فإن کلام الشیخ کان عن إباحته کعمل مشروع للمطالبة بالحقوق، فی مقابل حرمته عند علماء الوهابیة.
ان الاوضاع التی تمر بها المنطقة ومن ضمنها السعودیة ، تتطلب ان یطغى صوت العقل على کل الاصوات الاخرى ، فی التعامل مع القضایا الحساسة والتی یمکن ان تعقد الاوضاع اکثر وتدفع بالامور الى حافة الهاویة ، ففی ظل الظروف التی یهدد التکفیریون فیها جمیع المسلمین شیعة وسنة وجمیع اتباع الدینات الاخرى ، ویهددون امن واستقرار شعوب ودول المنطقة ، یجب ان تتضاعف مسؤولیة قادة دول المنطقة ، وخاصة الکبرى منها ومن بینها السعودیة ، ازاء دولها ومستقبل شعوبها ، عبر وقف انحدار المنطقة صوب المجهول ، الذی یسوقها التکفیریون والطامعون الیه ، والحکمة والمصلحة تتطلبان ان تقف السلطات السعودیة ملیا امام قضیة الشیخ النمر ، وتتعامل بنظرة اکثر عمقا مع الاوضاع التی تجری فی السعودیة و فی المنطقة ، فمثل هذه الاوضاع لا تتحمل ای مجازفة ، کما یصر البعض فی هرم السلطة فی السعودیة على رکوبها ، فنتائج هکذا مجازفة لن تکون فی صالح النظام السعودی فی ای حال من الاحوال ، بل انها ستدفع بالاوضاع فی السعودیة والمنطقة الى مزید من التصعید والتعقید.
المصدر: شفقنا