"کم من فئة قلیلة غلبت فئة کثیرة بإذن الله والله مع الصابرین". هذا ما حدث بالضبط مع الشهید المجاهد إیاد راضی أبو ریدة الملقب بـ "النجم" الذی قاد برفقة ثلة من المجاهدین الأخیار معرکة بطولیة ضد أعتا قوة فی منطقة "الشرق الأوسط" فی خضم معرکة "البنیان المرصوص"، فکانت بلدته خزاعة وبالتحدید منطقة "أبو ریدة" مسرحاً لواحدة من أقوى العملیات البطولیة التی تکبد العدو الصهیونی فیها خسائر بشریة فادحة.
موقع الإعلام الحربی لسرایا القدس ینشر الیوم الحلقة الخامسة من حلقات "حکایا المیدان".. مع بدء العدوان البری، الساعة العاشرة مساءً من یوم الثلاثاء الموافق 24 رمضان 22 یولیو2014م، طلب الشهید المجاهد إیاد من أفراد مجموعته الاستعداد وتجهیز کل العتاد العسکری الذی بحوزتها، وتفقد مرابط العبوات الناسفة، وتجهیزها، حیث تم تفعیل عبوات ناسفة کانت تعمل بنظام المسطرة لاستهداف الآلیات المدرعة، إلى جانب عبوات ناسفة وضعت فی بعض المناطق التی کان یتوقع دخول العدو منها، ولکن ما حدث أن العدو افتعل اشتباک وهمی من جهة "منطقة النجار" شرق بلدة خزاعة، فیما التفت عشرات الآلیات العسکریة من منطقة بوابة عسل شراب، مروراً بأرض أبو دراز، والعمور، وأبو طعیمة، وصولاً إلى منزل ماجد العنید وارض أبو مطلق، وتمرکزوا فی محیط جمیزة أبو حنون، لیغلق بعد ذلک مدخل خزاعة بالکامل وأصبحت بلدة خزاعة معزولة عن أی امتداد جغرافی لها بأی من البلدات المحیطة بها کعبسان الکبیرة، والفخاری ...
ویقول أحد الأخوة المجاهدین لـ"الإعلام الحربی" ممن کانوا مع الشهید المجاهد "إیاد" حتى اللحظات الأخیرة، انه انقطع بهم الاتصال مع الإخوة فی غرفة العملیات العسکریة ومع باقی أفراد المجموعة، بسبب استهداف کافة نقاط الاتصال، وحینها أدرک الشهید "إیاد" أن المعرکة مع العدو الصهیونی، وصلت إلى مرحلة المواجهة وجهاً لوجه، فاخبر إخوانه المجاهدین انه فی حال لم یبقى معهم أی ذخیرة علیهم حمل العبوات الناسفة التی بحوزتهم وتفجیرها فی القوات الصهیونیة.
ولکن العدو الصهیونی لم یدخل بلدة خزاعة بعد إحکام حصاره لها کما کان متوقع، بل أطلق العنان لدباباته وطائراته لقصف البلدة بصورة جنونیة، ضمن سیاسة التعامل مع الأرض المحروقة التی تتبعها الجیوش الفاشلة، وهنا من أصر من المواطنین على البقاء داخل بلدته أخذ یبحث على أی وسیلة للهروب والنجاة بحیاته وأسرته من القصف العشوائی العنیف، وفی الیوم التالی ومع بدایة بزوغ نور الفجر تمکن السکان من إیجاد ممر آمن، خرجوا من خلاله إلى قلب المدینة.
الشهید المجاهد إیاد أبو ریدة عاهد الله وإخوانه المجاهدین بالثبات وعدم الخروج من أرض المعرکة والعمل الجاد بکل الوسائل المتاحة على قتل وخطف جنود الاحتلال إن مکنه الله. وخلال المعرکة التقى المجاهد إیاد باثنین من مجاهدی کتائب القسام، وعرض علیهم العمل المشترک فی سبیل الله، فوافقوه الرأی على الفور، وطلبوا منه توفیر قطعة سلاح لمجاهد ثالث کان معهم، فأعطاهم قطعة سلاح وأبقى معه قطعتین وکمیة کبیرة من الذخیرة معه ومع مجموعته وتقاسمها معهم فیما بعد، ــــ حسب شهادة المجاهد الناجی الوحید من المعرکة ــــ .
ساعات وکانت بلدة خزاعة خالیة من أی شکل من أشکال الحیاة التی یقطع سکونها بین الفینة والأخرى أصوات القذائف والصواریخ التی کانت تسقط على البیوت التی باتت خالیة من الحیاة، فقرر الشهید والمجاهدین الذی ثبتوا معه، التمترس داخل احد البیوت استعداداً لأی مواجهة مباشرة مع القوات الصهیونیة.
وظل الشهید إیاد ومن معه قرابة الخمسة أیام یکمنون لجنود جیش الاحتلال، زادهم ذکر الله والدعاء بالنصر والتمکین، یتبادلون فیما بینهم ما تبقى معهم من طعام.
وجاءت لحظة الحسم، حین سمع المجاهدون أصوات جنود الاحتلال، وهم یتجولون فی أزقة أحیاء بلدة خزاعة دون خوف ووجل، لأنهم اعتقدوا ان قذائف دبابتهم وصواریخ طائرتهم أتت على من تبقى فی البلدة من أحیاء، لکن تفاجئوا حینما خرج علیهم الشهید المجاهد "إیاد" ومن معه بوابل من الرصاص والقنابل وصیحات الله أکبر، فضاقت علیهم الأرض بما رحبت، وأصبحوا یبحثون عن مکان یختبئون فیه، لکن هیهات هیهات، فسقط منهم القتیل والجریح، تحولت ضحکاتهم إلى صراخ ووعیل، من الموت المحتم الذی کان یلاحقهم فی کل مکان یفرون إلیه، وفی تلک الأثناء تمکن الشهید "إیاد" من سحب قاذف صاروخ "لاو" من على ظهر احد الجنود القتلى الذین قتل بعضهم خلال الاشتباک المسلح، ومن بقیّ من الجنود على قید الحیاة قاموا بالفرار إلى المبنى المقابل للمکان الذی کان یکمن فیه الشهید "إیاد" ومن معه من المجاهدین.
ودخلت المعرکة مرحلتها الثانیة، حیث بدأ الاشتباک بین المجاهدین وجنود الاحتلال الذین استدعوا وحدات إضافیة لمواجهة المجاهدین، من منزل لمنزل، وحینها استخدم المجاهد "إیاد" قاذف "لاو" لیقتل الجنود بسلاحهم ویکون سلاحهم حسرة علیهم، مصداقاً لقوله تعالى:"إن الذین کفروا ینفقون أموالهم لیصدوا عن سبیل الله فسینفقونها ثم تکون علیهم حسرة ثم یغلبون والذین کفروا إلى جهنم یحشرون".
وواصل المجاهدون قتالهم بثبات واستبسال، فیما استدعت قوة صهیونیة آلیات مدرعة للمکان، وقام طیران الاستطلاع الصهیونی باستهداف مکان تواجد المجاهدین بأکثر من صاروخ، حینها قرر احد المجاهدین من کتائب القسام الخروج، بعد أن استشهد رفیقیه، لکن الشهید "إیاد" أصر على مواصلة القتال حتى نفذت ذخیرته، فکمن لجنود الاحتلال الذین ظنوا أنهم قضوا على المجاهدین، فاقتحموا المکان بالیاتهم التی قامت بهدم جزء من المبنى، فخرج علیهم الشهید "إیاد" بسکینه الذی وجد بالقرب من جثمانه، فکان استشهاده تأکید على مقولة الدکتور الشهید فتحی الشقاقی "تقدیم الواجب قدر الإمکان"، حیث أنه حین نفذت ذخیرته لم یستسلم بل قاوم جنود الاحتلال بالسلاح البیض "السکین".
وما یؤکد هذه الروایة تصریحات جیش الاحتلال الذی أکد فیها تعرض قوات صهیونیة خلال العملیة البریة على غزة للهجوم بالسلاح الأبیض وأسفر ذلک عن إصابة ضابط صهیونی کبیر.
ویؤکد المجاهد لـ"الإعلام الحربی" الذی استطاع الخروج من المنزل بعد قصفه بأعجوبة، أنهم قتلوا 4 جنود صهاینة على الأقل، فیما وقع باقی أفراد القوة جرحى وبقوا أکثر من ساعتین دون أن یستطع جنود الاحتلال التقدم نحو المبنى الذی احتموا بداخله لانتشالهم.
ویشیر المجاهد إلى أن العدو جن جنونه بعد الاشتباک فأخذ یُلقی بحممه نیرانه بکثافة لیرتقی الشهید إیاد واثنان مجاهدی کتائب القسام المهاجمین، وینجو هو بأعجوبة، حیث تمکن من الانسحاب قبل هدم المبنى بالکامل على المجاهدین.
لیرتقی الشهید المجاهد إیاد أبو ریده الملقب بـ "النجم" ومعه شهیدین آخرین وهما معتز أبو ریدة وبلال قدیح الملقب بـ "ادهم" عصر یوم الاثنین أول أیام عید الفطر بتاریخ 28/7/2014، بعد معرکة ضاریة بدأت الساعة الثانیة والنصف ظهراً حتى الساعة الرابعة عصراً . مسجلین بدمهم الطاهر أروع صور التضحیة والفداء فی سبیل الله فی معرکة هی بحق "البنیان المرصوص"، محققین قوله تعالى "واعتصموا بحبل الله جمیعاً ولا تفرقوا". وقوله تعالى " إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الَّذِینَ یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِهِ صَفّاً کَأَنَّهُم بُنیَانٌ مَّرْصُوصٌ"
المصدر: الموقع الرسمی للإعلام الحربی التابع لسرایا القدس