تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22

عندما ینفی جو بایدن اعتذاره لإردوغان ویتهم البیت الأبیض بالتزویر

نشرح أکثر ونقول أن الإدارة الأمریکیة أضعفت المعارضة السوریة المسلحة ومزقت صفوفها بسبب سوء تقدیرها وفهمها لهذه المعارضة ومنطلقاتها الإیدیولوجیة، فضربها لمواقع "جبهة النصرة" جنباً إلى جنب مع مواقع "الدولة الاسلامیة"، أحدث انشقاقاً واسع النطاق داخل صفوف هذه المعارضة، کما دفع بعلاقاتها مع داعمیها وخاصة فی ترکیا إلى التوتر.
رمز الخبر: ۶۱۱۸۳
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۲۱:۵۱ - 05November 2014

عندما ینفی جو بایدن اعتذاره لإردوغان ویتهم البیت الأبیض بالتزویر

عبد الباری عطوان
 
لا نحتاج إلى قراءة افتتاحیة صحیفة الـ"واشنطن بوست" أو غیرها من الصحف الأمریکیة لکی نصل إلى نتیجة مفادها فشل الاستراتیجیة الأمریکیة فی سوریة والمنطقة العربیة بأسرها، فیکفی متابعة تطورات المعارک فی "عین العرب ـ کوبانی" السوریة، وحالة القلق والرعب التی تسود اوساط حلفائها لکی نعرف هذه الحقیقة دون عناء التفکیر والتحلیل.
فإذا کانت الضربات الجویة الأمریکیة المکثفة تهدف، مثلما تقول التصریحات الرسمیة إلى تحجیم "الدولة الاسلامیة" تمهیداً للقضاء علیها نهائیاً، فإنه بعد شهرین من القصف، وفی أکثر من موقع فی سوریة والعراق، ما زالت هذه "الدولة" قویة وتتقدم، بدلیل استمرار حصارها للمدینة السوریة المذکورة ذات الأغلبیة الکردیة، ونجاحها فی الاستیلاء على أکبر حقول الغاز فی منطقة حمص، وسیطرة حلیفتها "غیر المعلنة" أی "جبهة النصرة" على معظم مدینة إدلب الشمالیة.
لا نشک مطلقاً فی انحیاز الولایات المتحدة للمعارضة السوریة المسلحة، وتمسکها بإسقاط النظام السوری باعتباره "مصدر الإرهاب" فی المنطقة حسب تصریحات الناطقین بإسمها، ولکن طریقة تطبیق سیاساتها على الأرض تعطی نتائج عکسیة تماماً ودون أن تقصد حتماً.
 
***
 
نشرح أکثر ونقول أن الإدارة الأمریکیة أضعفت المعارضة السوریة المسلحة ومزقت صفوفها بسبب سوء تقدیرها وفهمها لهذه المعارضة ومنطلقاتها الإیدیولوجیة، فضربها لمواقع "جبهة النصرة" جنباً إلى جنب مع مواقع "الدولة الاسلامیة"، أحدث انشقاقاً واسع النطاق داخل صفوف هذه المعارضة، کما دفع بعلاقاتها مع داعمیها وخاصة فی ترکیا إلى التوتر.
الکثیر من قادة الفصائل الاسلامیة السوریة المتشددة بات ینظر إلى الجیش السوری الحر کجیش "عمیل" بسبب قتاله فی "کوبانی" إلى جانب البشمرغة وتحت أجنحة الطائرات الأمریکیة ضد قوات "الدولة الاسلامیة" التی تحاصرها.
سوریون کثر التقیتهم أثناء مشارکتی فی مؤتمر الکُتاب العالمی فی دبی، وزیارتی إلى الشارقة للمشارکة فی فعالیات معرض کتابها الدولی، أعربوا لی عن قلق کبیر تجاه أوضاع بلادهم، وحالة الخذلان تجاه أمریکا والغرب عموماً، ویرون أنهم وقعوا فی مصیدة خدیعة کبرى نصبت إلیهم وبلادهم بشکل محکم، فی المقابل هناک سوریون، وبسبب عدائهم المطلق للنظام، وتحمیله مسؤولیة الدمار والضحایا یرون عکس ذلک، ولکن عدد هؤلاء یتراجع، وکذلک حدة عدائهم، فالثورة التی بدأت سلمیة تغیرت خریطتها کلیاً، وتحولت إلى صراع على السلطة بین أکثر من ألف فصیل من ناحیة والنظام من الناحیة أخرى.
ومن المفارقات التی صادفتها فی الأشهر الأخیرة أن نغمة اتهام "الدولة الاسلامیة" بأنها أحد أذرعة النظام بدأت تعود إلى السطح بقوة، وکذلک عدم جدیة التصریحات الأمریکیة بإسقاطه، أی "النظام"، وعندما نسأل وماذا عن قطع رؤوس المئات من جنود النظام بعد الاستیلاء على قاعدة اللواء 93 فی منطقة عین عیسى فی الریف الشمالی لمحافظة الرقة، وغرسها فی قمة قضیان حدیدیة، والطلب من جنود آخرین بحفر قبورهم الجماعیة بأنفسهم قبل إعدامهم، وهناک صور وشهادات تثبت ذلک، یقولون لک أن هذا "تمثیل"!.
إنها حالة الیأس والإحباط من حدوث انقلاب فی معادلات القوة والضعف، واستمرار النظام طوال السنوات الأربع الماضیة، وتماسک الجیش، وتوقف الانشقاقات فی صفوفه، وتغیر الأولویات الأمریکیة من إطاحة النظام إلى اجتثاث "الدولة الاسلامیة".
 
***
 
التخبط الأمریکی بات حقیقة، فحکومة حیدر العبادی العراقیة التی جاءت بدیلاً لحکومة السید نوری المالکی الطائفیة لم تنل ثقة معظم أبناء الطائفة السنیة العراقیة ولم تنجح فی إنهاء الانقسام وتقدیم نفسها کمظلة توحیدیة تکرس الهویة العراقیة الجامعة، وحلفاء أمریکا العرب، مثل السعودیة وقطر والإمارات ومصر یترددون فی المساهمة بأی قوات أرضیة لقتال "الدولة الاسلامیة"، کما أن حکومة العبادی وبإیعاز ایرانی لا ترحب بهم وقواتهم.
ولعل أبرز مؤشرات هذا التخبط خروج جو بایدن نائب الرئیس الأمریکی على شاشة "سی إن إن" وتأکیده بأنه لم یقدم أی اعتذار للرئیس الترکی رجب طیب إردوغان لاتهامه لترکیا بدعم "الدولة الاسلامیة" وغیرها من الجماعات "الإرهابیة"، وقال ما معناه أن البیت الأبیض حرّف موقفه وأقواله لإرضاء الحلیف الترکی وامتصاص غضبه.
السیاسة الأمریکیة تتخبط لأن التدخل العسکری لم یعد فاعلاً مثلما کان علیه الحال فی مرات سابقة، فالقوى المضادة لهذا التدخل باتت أقوى، والشعوب العربیة الاسلامیة لم تعد تثق بمثل هذه السیاسات وتنظر إلیها بعین الریبة والشک، ولهذا تأتی احتمالات فشلها أکبر بکثیر من احتمالات نجاحها.

المصدر: صحیفة رأی الیوم

رایکم
الأکثر قراءة