19 November 2024

عذراً بیت المقدس .. قتال القریب أولى

جولة سریعة فی الجماعات المسلحة على الساحة السوریة، تکشف أن أیاً منها لم یحمل فی خطابه ولا أدبیاته مفهوم الجهاد فی فلسطین المحتلة ضد الصهاینة، بل على العکس، فقد أعربوا عن استعداهم للتحالف مع الکیان الإسرائیلی ضد الدولة السوریة، وقالوا هذا أمام شاشات التلفزة، وفی المؤتمرات الدولیة.
رمز الخبر: ۶۱۵۰۹
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۹:۱۷ - 16November 2014

عذراً بیت المقدس .. قتال القریب أولى

احمد فرحات
عند حدود فلسطین المحتلة، وقفت مشاریع التکفیریین "الجهادیة"، وجفت معاجم قیادات هذا النهج، فلم یعد فی قاموس هذه الجماعات أی ذکر لفلسطین، ولا للمقدسات، وکأنها محکومة بالهدم، کما هدمت العدید من مقامات الأنبیاء فی سوریا والعراق، ونبشت قبور الأولیاء والصالحین.

لم یعد المسجد الأقصى مهددا فقط من قبل الصهاینة، بل من أتباع النهج التکفیری أیضاً، وسط تساؤلات، ماذا إن وصل هؤلاء إلى القدس، وماذا سیکون مصیر مقدساتها، هل ستهدم هی الأخرى، وهل سینفذ هؤلاء ما یهاب فعله الکیان الإسرائیلی منذ عشرات السنین؟

طبعاً، دخول هذه الجماعات التکفیریة إلى فلسطین المحتلة، لن یحصل طالما بقی تحت الإحتلال الإسرائیلی، حیث لم نسمع دعوات إلى "النفیر" و"الجهاد" فی فلسطین المحتلة، بل أن هذه الدعوات وجهت إلى معظم البلدان الإسلامیة، لحرب المسلمین والسیطرة على أملاکهم، وهدم دیارهم.

وفی حساب الجغرافیا، وعلى سبیل المثال، فإن القدس المحتلة أقرب من سوریا، بالنسبة إلى آلاف التونسیین الذین قدموا للقتال فی دیر الزور والرقة وحلب ودمشق وغیرها من الأماکن، کما أن الضفة الغربیة المحتلة من قبل الصهاینة على مرمى حجر لمسلحی "الحرکة السلفیة" فی الأردن، الذین یقتالون فی سوریا بهدف تحریر بیت المقدس فی مرحلة لاحقة، حسب ما یزعمون.

زعیم تنظیم داعش وفی رسالته الأخیرة، وجه دعواته للقتال فی السعودیة، والیمن، ومصر، ولیبیا، والجزائر، وتونس، والمغرب، ولم یأت على ذکر فلسطین، ولا حتى تلمیحاً، فی تعطیل واضح لفریضة الجهاد ضد العدو الأول للمسلمین، المنتهک للمقدسات الإسلامیة.

البغدادی لیس الوحید الذی یستثنی فلسطین المحتلة من دائرة "جهاده"، فزعیم النصرة أبو محمد الجولانی، وفی مقابلته الأخیرة مع مؤسسة المنارة البیضاء التابعة للجبهة، غیَّب فلسطین المحتلة قصداً، وغیب الجهاد هناک. وقال بحسب نص المقابلة " ... لا ننسى أن نذکر أیضًا أن هناک حساسیة بلغت مبلغها بعد وصول المجاهدین إلى الشریط الحدودی بینهم وبین إسرائیل، فهذا لا شک یثیر المخاوف عند إسرائیل وهی التی یسعى لحمایتها کل الأطراف المتنازعة أو التی تتحالف وتتصارع للسیطرة على ساحة الشام بشقیها، لو قلنا الأمریکی والروسی، فالساحة الشامیة نستطیع أن نقول: قد اجتمع علیها الأبیض والأسود، اجتمعت علیها أمم الکفر شتى".

لم یستخدم الجولانی کلمة فلسطین المحتلة عند الحدیث عن الحدود، بل قال حدود "اسرائیل".

لماذا لم یکمل مسلحو جبهة النصرة حربهم نحو الأراضی المحتلة لتحریرها، ألیس هذا هو هدفهم کما یدعون؟ أم أن جبهة النصرة التی تتصارع على ساحة الشام هی الأخرى تسعى لحمایة دول الإحتلال أیضاً؟

وهل أن جبهة النصرة مستعدة للتقدم نحو الأراضی المحتلة، والاستغناء عن الخدمات "الإنسانیة" التی یقدمها الجیش الإسرائیلی لها من قصف مدفعی لنقاط الجیش السوری وعلاج الجرحى فی مستشفیاته؟

إضافة إلى هاتین الجماعتین، هناک مجموعة تحمل إسم "جند الأقصى"، لکن على ما یبدو أنها لا تعرف الطریق إلى القدس المحتلة، فراحت تقاتل فی ادلب، ودمشق وغیرها من المناطق، وکأن الطریق إلى القدس مجهول، أو أن حلیفتها التی باتت تسیطر على معبر حدودی مع فلسطین المحتلة، تمنعها عن ذلک.

جولة سریعة فی الجماعات المسلحة على الساحة السوریة، تکشف أن أیاً منها لم یحمل فی خطابه ولا أدبیاته مفهوم الجهاد فی فلسطین المحتلة ضد الصهاینة، بل على العکس، فقد أعربوا عن استعداهم للتحالف مع الکیان الإسرائیلی ضد الدولة السوریة، وقالوا هذا أمام شاشات التلفزة، وفی المؤتمرات الدولیة.

لماذا التوحش ضد المسلمین، والتصالح مع المحتلین؟

قتال القریب
فی عقیدتهم مفاهیم وفتاوى تبرر عدم الجهاد فی فلسطین المحتلة ضد الصهاینة، أقلها فی المرحلة الحالیة، أبرزها أن قتال العدو القریب مقدم على قتال العدو البعید، والقریب بحسب مفاهیمهم هو کل من یقیم فی بلاد المسلمین، ولا یتوافق مع رأیهم، فیما الظروف لیست مؤاتیة حتى الآن لتحریر الأقصى، رغم تزاید الإعتداءات علیه، بحسب اعتقادهم.

ویقول زعیم تنظیم القاعدة أیمن الظواهری، وهو المنظر الأساسی لهذا التنظیم حتى قبل مقتل اسامة بن لادن:
"بل فی حساب الإسلام وأصول شریعته یُقدّم قتال هؤلاء الحکام المرتدین على غیرهم من الکفار الأصلیین لثلاثة أسباب، الأول: أنه قتال دفع متعیّن وهو مقدّم على قتال الطلب لأن هؤلاء الحکام المرتدین عدوٌ تسلط على بلاد المسلمین... الثانی: أن المرتد أغلظ جرماً من الکافر الأصلی... الثالث: لأنهم العدو الأقرب...".

ورغم أن الظواهری تحدث هنا عن الحکام، غیر أن ما یجری على الحکام یجری على المخالفین لرأیه، فتقدیم العدو الأقرب على البعید، هو فی صلب عمل هذه الجماعات التکفیریة، ویقول فی هذا السیاق المنظر التکفیری هانی السباعی "العدو القریب مرض خبیث یسری فی جسد أمتنا فتکاً وتدمیراً فهو أس الداء وأصل کل بلاء والقضاء علیه فریضة شرعیة". ویقصد السباعی هنا الأفراد ولیس الحکام.

إذاً وبحسب هؤلاء، فإن قتال المسلمین هو فریضة شرعیة، قدمت على تحریر الأقصى، والدفاع عن المقدسات، وخلقت لتهجیر المسلمین وذبحهم تبریرات شتى، وعلى العکس من ذلک، أصدرت فتاوى تجیز التعامل مع دولة الإحتلال الصهیونی، وعلى سبیل المثال فتوى الشیخ عبدالعزیز بن عبدالله بن باز مفتی المملکة السعودیة من عام 1992 حتى وفاته عام 1999، والذی أجاز التعامل مع العدو الإسرائیلی، فقال إنه إذا رأت الدولة "أن من المصلحة للمسلمین فی بلادها الصلح مع الیهود فی تبادل السفراء والبیع والشراء، وغیر ذلک من المعاملات التی یجیزها شرع الله المطهر، فلا بأس فی ذلک".

مستشار مفتی مصر الدکتور ابراهیم نجم شدد على أن التنظیمات الإرهابیة تستخدم آیات القرآن الکریم وأحادیث الرسول صلى الله علیه وآله وسلم والآیات والأحادیث التی تدعو إلى الجهاد فی غیر موضعها، وأشار إلى أن هذه الجماعات التکفیریة "تحاول أن تبین أنها تدعو إلى الجهاد وتقوم بتطبیق شرع الله فی الأرضی حسب زعمهم، رغم أن ما تقوم به هو إرجاف وإرهاب وهم فی ذلک یحرفون الکلم عن مواضعه".

وإنطلاقاً مما سبق، نجد أن الجماعات التکفیریة تمد ید الصلح الى دولة الإحتلال، فیما ترفع السیف بوجه المسلمین وجلهم یحملون لواء فلسطین، ویدافعون عن المقدسات، وفی ذلک دلیل على انحرافهم العقائدی، وعلى شبهات کثیرة تحیط بأهدافهم القریبة والبعیدة.

وعلى هذا النهج، یسیر أتباع الفکر التکفیری، "مهاجرون" إلى جبهات القتال فی أفغانستان وباکستان وفی والعراق وسوریا والیمن وفی الشیشان والصومال والمغرب العربی، والعودة لتحریر فلسطین تکون بعد الإنتهاء من قتال "الروافض" و"النصیریین" و"النصارى" و"المرتدین" و"العلمانیین"، ... وبعد إبادة "الممتنعین"، ... وبعد إلغاء الآخرین من أتباع مدرستهم فی معارکهم الداخلیة. وعندها لن یکون لأمة الإسلام قائمة، إلا ما رحم رب العالمین.

المصدر: موقع قناة المنار

رایکم
الأکثر قراءة
احدث الاخبار