وکالة الدفاع المقدس للأنباء: مفهوم "الشعب المختار" في اليهودية وتأثيره النفسي والاجتماعي على الصراع الإسرائيلي-الفلسطينييعد مفهوم "الشعب المختار" في اليهودية قضية معقدة ومتعددة الأبعاد، تتطلب تحليلًا دينيًا ونفسيًا وسياسيًا متعمقًا. ينبع هذا المفهوم من النصوص العبرية المقدسة، خاصة سفر التثنية (Deuteronomy) وسفر الخروج (Exodus)، حيث يُوصف الشعب اليهودي بـ"عام سجولا" (شعب الكنز) و"جوي كادوش" (الشعب المقدس). تشير هذه المصطلحات إلى علاقة خاصة وعهد بين الله والشعب اليهودي، نشأ عبر عهود إبراهيم وموسى. على عكس التفسيرات السطحية التي ترى في هذا المفهوم تفوقًا عرقيًا، تؤكد النصوص الربانية والتفسيرات الفلسفية اليهودية، مثل أعمال موسى بن ميمون، أن "الاختيار" لا يعني تفوقًا ذاتيًا، بل مسؤولية أخلاقية وروحية لتنفيذ الوصايا الإلهية ونشر العدل. ومع ذلك، قامت بعض التيارات الصهيونية المتطرفة بتفسير هذا المفهوم بطريقة تعزز الشعور بالتفوق العرقي أو الحق الحصري في الأرض. وقد ساهم هذا التفسير المشوه، خاصة في السياق السياسي والاجتماعي للكيان الصهيوني، في تبرير أعمال العنف ضد الفلسطينيين.
تتفاعل هذه التفسيرات المتطرفة لمفهوم "الشعب المختار" مع عوامل نفسية واجتماعية متعددة، مما يؤدي إلى تصعيد العنف. فالصدمة التاريخية والجماعية لليهود خلقت شعورًا عميقًا بعدم الأمان وحاجة للبقاء في المجتمع الإسرائيلي. وفقًا لعلم النفس الاجتماعي، خاصة نظرية الهوية الاجتماعية (تاجفل وتورنر)، فإن الهوية الجماعية القوية في مجتمعات الصدمة يمكن أن تؤدي إلى "تغيير الآخر"، حيث يُنظر إلى الفلسطينيين كـ"تهديد" للجماعة، مما يقلل التعاطف معهم ويبرر العنف ضدهم.تعزز وسائل الإعلام الإسرائيلية هذه الرواية من خلال تصوير الفلسطينيين كتهديد أمني، مما يسهم في تطبيع العنف وتقليل الحساسية الأخلاقية. كما تلعب نظرية "الانحياز التأكيدي" دورًا في قبول المعلومات التي تدعم المعتقدات الموجودة مسبقًا، مما يعزز اللامبالاة تجاه معاناة الفلسطينيين.
طرح "ألبرت باندورا" مفهوم "الانفصال الأخلاقي"، الذي يشرح كيف يمكن للأفراد تبرير السلوك غير الأخلاقي عبر آليات مثل "تجريد الخصم من إنسانيته" أو إلقاء اللوم على الضحية. في الهجمات الإسرائيلية، يتم تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم عبر مصطلحات مهينة أو تصويرهم كتهديد موحد، مما يجعل العنف ضدهم يبدو "ضروريًا" أو "عادلًا".كذلك، تُظهر نظرية "الصدمة المُنتقلة" كيف يمكن أن تنتقل الآثار النفسية للصدمات بين الأجيال، مما يعزز الحاجة إلى "الدفاع الاستباقي". هذا الشعور بعدم الأمان، إلى جانب العسكرة المكثفة في إسرائيل، يقلل التعاطف ويُعّد العنف. فخدمة التجنيد الإلزامي والحضور العسكري الدائم في الحياة اليومية، خاصة في المناطق المحتلة، يقللان التعاطف ويعززان الشعور بالقوة تجاه الفلسطينيين.
تقدم تقارير الأمم المتحدة والعفو الدولية وهيومن رايتس ووتش صورة مروعة للعنف الإسرائيلي. وفقًا لوزارة الصحة في غزة، من أكتوبر ٢٠٢٣ إلى نوفمبر ٢٠٢٤، استشهد أكثر من ٥٨ ألف فلسطيني، نصفهم من النساء والأطفال. كما دُمرت مساحات شاسعة من غزة، مما أدى إلى نزوح ٩٠٪ من السكان. في الضفة الغربية، استشهد ٧١٩ فلسطينيًا، معظمهم بسبب استخدام القوة المفرطة، بما في ذلك الغارات الجوية والطائرات المسيرة.لا تقتصر الانتهاكات على القتل الجماعي، بل تشمل الاعتقال التعسفي والتعذيب. كما بلغ عنف المستوطنين ذروته في ٢٠٢٣، بمعدل ٣ حوادث يوميًا، غالبًا بتواطؤ القوات الإسرائيلية.
لا يقتصر العنف على القتل العسكري، بل يمتد إلى حرمان الفلسطينيين من الاحتياجات الأساسية. تواجه غزة مجاعة حادة، حيث تُتهم إسرائيل باستخدام الجوع كسلاح حرب. أدى نقص الوقود إلى تعطيل المستشفيات وشبكات المياه، بينما يحصل الفرد على أقل من ٥ لترات ماء يوميًا. دُمر ٨٤٪ من المرافق الصحية، وزادت حالات الإجهاض بنسبة ٣٠٠٪ بسبب نقص الرعاية الطبية.
يشكل المزيج بين التفسير المتطرف لـ"الشعب المختار" والصدمة التاريخية والعسكرة والآليات النفسية مثل الانفصال الأخلاقي، بيئة خصبة للعنف في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. تؤكد التقارير الدولية حجم الكارثة الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان، مما يتطلب تدخلًا عاجلًا من المجتمع العالمي ومراجعة الروايات والسياسات التي تغذي هذه الحلقة المفرغة من العنف.
انتهی/