تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22

استراتیجیة أوباما فی العراق وسوریا.. انعدام الیقین بعد التردد

ومن الواضح ان تهدید هذا التنظیم لمنابع النفط فی شبه الجزیرة العربیة، اضافة الى العراق وسوریا، یمثل قفزة له فی المجهول تعید الى الأذهان تجربة صدام حسین فی الکویت عام 1990
رمز الخبر: ۶۰۰۱۸
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۷:۵۲ - 24September 2014

استراتیجیة أوباما فی العراق وسوریا.. انعدام الیقین بعد التردد

علی عبادی- اختیار الرئیس الأمیرکی باراک اوباما تاریخ الحادی عشر من ایلول/ سبتمبر للإعلان عن استراتیجیته للتصدی لتنظیم "داعش" یمثل إعادة وصل لما انقطع مع عهد الرئیس جورج بوش الإبن. إنه تحول عن "استراتیجیة" العزوف عن الدخول فی حرب جدیدة فی الشرق الأوسط والتی اتخذها منذ أن أخرج قوات بلاده من العراق نهایة العام 2011 بدعوى الخشیة من عواقب سلبیة وإدراک وجود "حدود لأی عمل عسکری أمیرکی". لماذا الآن یقف اوباما هذا الموقف؟ وما مدى  عزمه على الذهاب الى النهایة فی هذا التحرک المعقد المتعدد الجوانب فی بیئة متحرکة؟

على صلة بالتوقیت، هناک نقطة تتعلق باقتراب موعد انتخابات التجدید النصفی للکونغرس فی تشرین الثانی/ نوفمبر، حیث یحتاج الرئیس الى إزالة ما علق فی الأذهان من أفکار بشأن أداء إدارته المتعثر، (بحسب استطلاعأجرته جامعة کوینیبیاک ونشر فی تموز/یولیو الماضی، فان الرئیس اوباما یحتل مع سلفه جورج بوش أسفل القائمة شعبیة ًمن بین 12 رئیساً تعاقبوا على رئاسة البلاد منذ الحرب العالمیة الثانیة، وان مؤشرات التأیید له متدنیة فی مجالات السیاسة الخارجیة ومکافحة الارهاب والاقتصاد وبرنامج التأمین الصحی، الى درجة ان 33 بالمئة ممن شملهم الاستطلاع یرون اوباما أسوأ رئیس خلال هذه الحقبة یلیه بوش). وتحتاج الحملة الانتخابیة للحزب الدیمقراطی الى تزخیم یقوده الرئیس شخصیاً لتعزیز حظوظ مرشحی الحزب فی الانتخابات. وتمثل العودة "القویة" لصورة الإدارة أمراً ضروریاً من وجهة النظر هذه، مع الاشارة الى ان اوباما قرر شن الحملة فی الشرق الأوسط باسم الحفاظ على الأمن الوطنی الأمیرکی، بعد ذبح "داعش" الصحفیَیْن الأمیرکیَیْن جیمس فولی وستیفن سوتلوف وحدیث أوباما عن تهدید تتعرض له القنصلیة الأمیرکیة فی أربیل وعناصر القوات الخاصة الأمیرکیة المنتشرة فیها وکذلک السفارة فی بغداد.

 

ولا بد من القول إن أوباما حصل فی النتیجة على قدر کبیر من المساندة الداخلیة لحملة عسکریة ضد تنظیم "داعش" (أظهر إستطلاع لرویترز/ إبسوس أن 64 فی المئة من الأمیرکیین یؤیدون قرار اوباما مقابل معارضة 21 فی المئة)، قد تماثلُ الى حد ما تلک التی حصل علیها جورج بوش بعد هجمات 11 ایلول/ سبتمبر 2001. واذا کان تنظیم القاعدة وفـّر الذریعة لإدارة بوش لغزو أفغانستان ومن ثم العراق فی صورة طرحت "نظریة المؤامرة"، فإنه لیس من الواضح لماذا قدّم تنظیم داعش خدمة جُلّى لأوباما "المتردد"، حین عمد الى إعدام الصحفیَیْن الأمیرکیَیْن بطریقة استعراضیة أیقظت مشاعر الغضب والإستفزاز لدى شریحة واسعة الأمیرکیین لا تحبذ فی الأساس الارتباط بحرب عسکریة جدیدة فی الشرق الأوسط.

تناقضات

سبق ان اعترف أوباما قبل أسابیع قلیلة بأنه لیست لدیه استراتیجیة فی العراق وسوریا، انعکاساً لتردد طویل یستند الى نهج یقوم على تجنب المخاطرة، فکیف ظهرت لدیه استراتیجیة فجأة؟ 
ونذکّر بأنه فی شهر یونیو/حزیران الفائت، طلب اوباما من الکونغرس 500 ملیون دولار لتدریب وتسلیح المعارضة السوریة المسلحة، ثم استبعد أن تحقق هذه المعارضة نجاحاً فی مسعاها لإسقاط النظام، معتبراً أنها لا تتسم بالفاعلیة!
وعلى ضوء ما انتهى الیه مشروع الحرب على سوریا فی ایلول/ سبتمبر 2013 من انعطافة حادة مفاجئة ادت الى وقف المباشرة بها، فإنه لمن المشروع التساؤل عما اذا کانت لدیه الإرادة الکافیة للمضی فی محاربة "داعش" لتحقیق الأهداف الکبیرة المعلنة. وتبدو الاستراتیجیة الامیرکیة المعلنة مفککة العناصر وغیر مضمونة النتائج. فهی تقوم على: تکثیف الغارات الجویة فی العراق، دعم القوات العراقیة والکردیة تدریبا وتجهیزا، ضرب معاقل تنظیم داعش داخل سوریا، وتدریب وتسلیح المعارضة السوریة "المعتدلة" للحلول محل داعش فی حال هزیمتها. لکن الأهم یبقى مستقبل الوضع السیاسی: هل تفتح الحرب على داعش الأفق لحل سیاسی فی سوریا والعراق یضیّق مجال العمل أمام هذا التنظیم، ام انها ستزید الامور تعقیدا؟ أوباما توقف عند هذه النقطة مراراً فی الماضی، ویبدو انه لم یحصّل یقیناً بعد فی هذا المجال.

شکوک

وهناک شکوک تتمحور حول النقاط التالیة:

-    توصیف الادارة الامیرکیة للحملة التی تعدّ لها، فهی "معرکة واسعة النطاق لمکافحة الارهاب"، کما یقول وزیر الخارجیة الامیرکی جون کیری، وهی "حرب بکل ما للکلمة من معنى"، کما یقول البیت الابیض. من نصدّق یا ترى؟  
-    أهداف الحملة: لا یتفق المسؤولون الأمیرکیون على أهداف واقعیة للحملة، فدحر داعش الى الوراء شیء، والقضاء علیها شیء آخر (تجربة الحرب على القاعدة وطالبان فی افغانستان لیست مبشّرة على نحو مُرضٍ)، بل ان صحیفة واشنطن تایمز تقول إن البنتاغون یرید القضاء على أیدیولوجیة تنظیم "الدولة" ولیس مجرد تدمیره بحد ذاته، وهذا یحتاج الى مجهود طویل المدى وتعاون فعال من الحکومات الاقلیمیة والأجهزة الدینیة المعنیة وتجفیف المنابع المالیة، وکل ذلک مشکوک فی استدامته لأسباب عدة.

-    مدة الحملة: هناک کلام صریح لمسؤولین أمیرکیین بأنها ستستغرق على الأرجح اکثر مما تبقى من عمر ادارة اوباما، ای ما یزید على عامین. مما یعنی ان اوباما قد لا یبقى لیرى نتائجها، کما ان ای ادارة جدیدة قد تکون لها حسابات مختلفة.

-    الأطراف المشارکة فیها: تعتمد الحملة على حلفاء الولایات المتحدة من عرب وأتراک وأوروبیین، وتستبعد أطرافاً معنیة وفاعلة، تحدیداً الحکومة السوریة وایران. ومن المسلَّم به ان بعض الحکومات الاقلیمیة متورطة فی شکل او آخر فی تسهیل تمویل المتطرفین ومرورهم عبر اراضیها، وهی تلعب لعبة الباب الدوّار الذی یقفل من جانب ویفتح من جانب آخر، الأمر الذی یثیر علامات استفهام حول مدى تعاونها على المدى المتوسط او البعید بمجرد تخفیف الضغوط عنها. کما ان استبعاد دمشق وطهران سیؤجل فحسب مواجهة استحقاقات میدانیة ستبرز عاجلاً او آجلاً. ویسلّم مسؤولون أمیرکیون بأن دحر داعش یستلزم ضربها فی سوریا حیث تحظى بملاذ خلفیّ واسع وموارد کبیرة مالیاً وبشریاً، وهذا التوسع قد یتطور الى مواجهة مع الجیش السوری وحلفائه، والموقف الأمیرکی من هذا الإحتمال مبهم حتى الآن، ومن شأن تطور کهذا ان یعقّد المشهد الاقلیمی، فی ظل استمرار مناوشات امیرکا مع ایران والاشتباک الامیرکی- الروسی الساخن حول اوکرانیا.

-    توزیع الأدوار وطبیعة المخاطر: من هی المعارضة السوریة "المعتدلة" التی یتوجب دعمها أمیرکیاً وسیکون على عاتقها الحلول محل "داعش" فی حال هزیمتها عسکریاً؟ هل سیکون لـ"جبهة النصرة" وارکان "الجبهة الاسلامیة" دور فی استراتیجیة مکافحة الارهاب والتطرف، والجمیع یعرف ان هذه الاطراف لا تؤمن بالدیمقراطیة والانتخابات وتتصارع على النفوذ وتتبع لجهات اقلیمیة متنافسة او لأجندات تتخطى القـُطر السوری؟ کیف یمکن إحلال تسویة سیاسیة فی سوریا - وفق تصورات اوباما- من دون تنسیق او تفاهم مع الحکومة السوریة التی یرفضها هؤلاء من منطلق ایدیولوجی او طائفی، او من دون التعامل مع الرئیس بشار الاسد الذی یرى الرئیسُ الامیرکی انه لا مجال للتعامل معه؟ هل سیحیی الخیار العسکری آمال حلفاء امیرکا فی إسقاط النظام فی سوریا ویعید الأزمة الى المربع الأول، وکیف یمکن تلافی عودة ظهور التنافس الضارّ بین السعودیة من جهة وقطر وترکیا من جهة أخرى حول "الکعکة" السوریة؟

أما فی العراق فهناک حسابات أخرى: المقاربة الامیرکیة تقوم على تهمیش دور الحکومة العراقیة،  وهی تعتمد تقویة الأکراد بوصفهم "العنصر الأکثر انسجاماً وتماسکاً"، ولهذا رأینا ان جُلّ المساعدات العسکریة الامیرکیة والاوروبیة تحطّ فی کردستان ولیس فی بغداد، الأمر الذی یضعف حضور الحکومة العراقیة ومکانتها فی التعامل مع کردستان مستقبلاً، ولا یمکن ان یکون هذا التعامل غیر مقصود. کما ان الخبراء الأمیرکیین الذین وفدوا ویفدون الى العراق ینسجون علاقات مباشرة مع "العشائر السنیة" فی غرب العراق من دون التنسیق مع الحکومة التی تمثل کل المکونات العراقیة، وهذا سلوک یشی بعودة مشروع إحیاء قوات "الصحوات" المحلیة، خاصة مع تعیین الجنرال جون آلن منسقاً لجهود التحالف الدولی فی مواجهة تنظیم "داعش"، وهو الذی لعب دوراً فی تشکیل "الصحوات" فی العراق التی قاتلت تنظیم القاعدة. کیف یمکن إعادة اللُحمة الى العراق بعد دحر "داعش" ووفق أیة رؤیة، بینما تغذی التدخلات الغربیة الآن مطامح الاطراف فی وجه الحکومة المرکزیة التی یُحسب أنها فی وضع ضعیف وعلیها تقدیم تنازلات، إلا اذا افترضنا ان الفدرلة هی الدواء الناجع للعراق، کما یدفع الى ذلک جوزیف بایدن نائب الرئیس الامیرکی؟
غموض

یختصر وزیر الخارجیة الامیرکی جون کیری الغموض الکامن فی هذه الاستراتیجیة المرتجلة بالقول: "من السابق لأوانه کثیراً ومن غیر الملائم صراحة فی هذه المرحلة ان نبدأ فی توضیح ما ستقوم به کل دولة على حدة"! الأمر الذی دفع دبلوماسیاً فرنسیاً رفیعاً للقول، وفق ما نقلت وکالة رویترز: "یتعین ان یتسم هذا التحالف بالکفاءة وان یکون محدد الهدف، ...الامیرکیون لم یوضحوا لنا نوایاهم حتى هذه اللحظة". 

لکن الرئیس الامیرکی، مضافاً الى العوامل الداخلیة، یجد نفسه - بالرغم من ذلک کله- مدفوعاً الى القیام بعمل عسکری فاعل فی العراق وسوریا لحسابات تتصل بالدور القیادی الامیرکی الذی تعرض لنکسات متتالیة هزت ثقة الحلفاء العرب والاسرائیلیین به، وأیضاً لحمایة المصالح الأمیرکیة. وقد کانت مناشدة الملک السعودی مؤخراً للمسؤولین الامیرکیین والاوروبیین للتحرک قبل وصول المتطرفین الى امیرکا وأوروبا محط اهتمام اوباما الذی اتصل لاحقاً بالملک عبدالله لإطلاعه على "الاستراتیجیة" التی أقرها للوقوف فی وجه "داعش".

ومن الواضح ان تهدید هذا التنظیم لمنابع النفط فی شبه الجزیرة العربیة، اضافة الى العراق وسوریا، یمثل قفزة له فی المجهول تعید الى الأذهان تجربة صدام حسین فی الکویت عام 1990. مرة أخرى یعود التساؤل هنا: أی خدمة غیر مباشرة تقدمها "داعش" للادارة الامیرکیة للعودة عسکریاً الى العراق والمنطقة، نتیجة إحساس طاغ لدى التنظیم بالقوة غیر العاقلة؟ 

وللکلام صلة بإذن الله 

مصدر: موقع المنار

وکالة الدفاع المقدس للأنباء غیر مسئول عن النص و ما ورد فیه و هو لا یعبر الا عن وجهة نظر کاتبه.

رایکم
الأکثر قراءة