تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22

السوید والاعتراف بـ«دولة فلسطین».. من؟ ولماذا؟

السوید ماضیة إلى الاعتراف بدولة فلسطین، بفضل سیاسة حکومتها الجدیدة. لن یغیر ذلک الشکوک التی أثیرت حول قدرة الحکومة الجدیدة على إنجاز الاعتراف، أو إمکانیة أن تثنیها ضغوط واشنطن وحلفاء أوروبیین آخرین.
رمز الخبر: ۶۰۴۵۰
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۱:۴۲ - 08October 2014

السوید والاعتراف بـ«دولة فلسطین».. من؟ ولماذا؟

 وسیم ابراهیم

السوید ماضیة إلى الاعتراف بدولة فلسطین، بفضل سیاسة حکومتها الجدیدة. لن یغیر ذلک الشکوک التی أثیرت حول قدرة الحکومة الجدیدة على إنجاز الاعتراف، أو إمکانیة أن تثنیها ضغوط واشنطن وحلفاء أوروبیین آخرین. خطوة الاعتراف سیکون لها أهمیة رمزیة کبیرة، لکنها أیضاً ستضیف صوتاً أکثر دعماً للفلسطینیین یمکنه التأثیر فی مواقف الاتحاد الأوروبی من الصراع ومحاباة إسرائیل.
حالما یتم الأمر، ستکون السوید أول عضو فی الاتحاد الأوروبی یعترف بدولة فلسطین. الشکوک التی أثیرت فی إمکانیة إنجاز ذلک رکزت على أن الأحزاب المشکلة للحکومة لا تتمتع بالغالبیة فی البرلمان.
ولدت الحکومة الجدیدة یوم الجمعة الماضی، لتسمى «حکومة أقلیة»، بعدما شکلها تحالف الاشتراکیین الدیموقراطیین مع «حزب الخضر». هذه الأحزاب لم تحصل على الغالبیة البرلمانیة، التی تحتاج إلى 175 مقعداً من أصل 349.
لکن وزارة الخارجیة السویدیة تؤکد أن قضیة الاعتراف تقع خارج هذه الحسابات. هذا ما قاله روبرت رایدبرغ، رئیس إدارة الشرق الأوسط وشمال افریقیا فی وزارة الخارجیة السویدیة، خلال حدیث إلى «السفیر». أوضح رایدبرغ أن «مسألة الاعتراف بالدول هی من اختصاصات الحکومة، لذلک الاعتراف بدولة فلسطین هو قرار رسمی یصدر عن الحکومة». وبالنسبة إلى دور البرلمان فی هذه العملیة، والشکوک التی أثیرت، یبین المسؤول السویدی أن «أعضاء البرلمان سیتم إبلاغهم واستشارتهم، لکن القرار سیتم اتخاذه عبر الحکومة، ولا یحتاج إلى تصویت فی البرلمان».
هناک أهداف عدة أرادتها حکومة السوید من هذه الخطوة، یلخصها رایدبرغ بالتالی: «نرید دعم عملیة تفاوضیة بین إسرائیل وفلسطین، ونرید تقویة الفلسطینیین عبر جعلهم شریکاً على قدم المساواة فی تلک العملیة، کما نرید دعم القیادة الفلسطینیة المعتدلة المهتمة بالتفاوض حول حل الدولتین».
سیاسیون سویدیون تحدثنا معهم بینوا أن الخطوة ما کان ینبغی أن تفاجئ أحداً. ذکّروا بأن حزبی «الاشتراکیین» و«الخضر» لطالما أعلنوا فی البرلمان الوطنی دعمهما للخطوة، لکن حزب المحافظین (المسیحیون الدیموقراطیون) منع ذلک خلال حکمه المتواصل لثمانی سنوات. أخیراً سقط هذا العائق بعدما خسر المحافظون الانتخابات الأخیرة، ولو بفارق ضئیل لصالح الاشتراکیین الذین أصروا على تشکیل الحکومة بائتلاف یقودونه.
حالما أعلنت الحکومة الجدیدة عن مبادرة الاعتراف بدولة فلسطین، قوبلت بالانتقادات من أطراف متوقعة. الولایات المتحدة اعتبرت الخطوة «سابقة لأوانها»، فیما استدعت حکومة الاحتلال الاسرائیلی السفیر السویدی للاحتجاج.
الاتحاد الأوروبی تعامل مع الخطوة السویدیة بحذر، نظراً إلى أن الموقف المشترک لدوله یعارض الخطوات «الأحادیة الجانب»، مکرراً المطالبة بحلول على طاولة المفاوضات وبموافقة الطرفین.
لکن الاتحاد الأوروبی لا یمکنه توجیه انتقادات علنیة لموقف السوید. المتحدثة باسم وزارة الخارجیة الأوروبیة کاثرین مایا کوتشیانشیش قالت لـ«السفیر» إن «السوید هی دولة من أعضاء الاتحاد الأوروبی الثمانی والعشرین، وقضیة الاعتراف بالدول هی مسألة تتعلق بالدول الأعضاء».
بخصوص إعلان السوید، اعتبرت المتحدثة الأوروبیة أنه لتحقیق حل الدولتین المدعوم أوروبیاً «یجب أن تستأنف المفاوضات المباشرة فی أقرب وقت ممکن»، موضحة أن «الاتحاد الأوروبی لطالما قال إنه سیعترف بدولة فلسطین حینما یکون ذلک مناسباً. الاعتراف بحد ذاته مسألة من اختصاص الدول الأعضاء».
هناک منظمات حقوقیة عدیدة تنتقد محاباة الموقف الأوروبی لإسرائیل، خصوصاً أنه یقول إن الدولة الفلسطینیة یجب أن تکون «قابلة للحیاة». هذا الشرط لم تتوقف الحکومة الإسرائیلیة عن تجاوزه، والأوروبیون أنفسهم اعتبروا أن استمرار الاستیطان «یقوض حل الدولتین». المفارقة أنه فی نفس الیوم الذی علقت فیه الخارجیة الأوروبیة على إعلان السوید، کانت مضطرة لإصدار بیان تدین فیه خطوة استیطانیة متقدمة. اعتبرت بروکسل إعلان حکومة الاحتلال عزمها بناء 2610 وحدة استیطانیة فی القدس الشرقیة «خطوة أخرى شدیدة الأذى تقوض فرص التوصل إلى حل الدولتین وتشکک فی التزام إسرائیل بالتوصل إلى تسویة سلمیة مع الفلسطینیین».
لکن حتى الآن، وبرغم حساسیة قضیة الاستیطان فی القدس المحتلة، لم یتخذ الاتحاد الأوروبی خطوات صارمة للدفاع عن الحل الذی یدعمه، والضغط على إسرائیل کی تتوقف عن تدمیر قابلیته للحیاة. یحدث ذلک برغم أن الاتحاد الأوروبی لا یعدم وسائل الضغط، فهو الشریک التجاری الأول لإسرائیل، کما لم یتردد فی استخدام سیاسة العقوبات الاقتصادیة فی أزمات عدة، آخرها ضد روسیا بخصوص أوکرانیا.
وسط هذه الأجواء، سرت شکوک أیضاً بإمکانیة أن تؤدی الضغوط إلى تراجع السوید، بما أن الأمر حتى الآن لا یزال فی إطار التعهد السیاسی. لکن الخارجیة السویدیة تؤکد أن هذه الضغوط لن تؤدی إلى التراجع عن اتخاذ قرار الاعتراف بدولة فلسطین، وهو ما قاله رایدبرغ بکلمات أخرى: «نعرف أن الولایات المتحدة لا تدعم الاعتراف بدولة فلسطین، لذلک فموقفهم لم یفاجئنا بالطبع».
وزیرة الخارجیة السویدیة الجدیدة مارغروت مالستروم رفضت الانتقادات الأمیرکیة، معتبرة أنه «کان من المتوقع أن نتعرض لانتقادات جراء اقتراحنا، لکن السیاسة السویدیة الخارجیة لا یمکن أن تقرر من قبل واشنطن».
صحیح أن هناک دولاً أخرى فی الاتحاد الأوروبی تعترف بالدولة الفلسطینیة، مثل المجر وبولندا وسلوفاکیا، لکنها قامت بذلک حینما کانت خارج الاتحاد الأوروبی. لم تکن وقتها داخل دائرة ضغوط أحزاب «الدیموقراطیین المسیحیین»، الحاکمة فی غالبیة الدول الأوروبیة والتی تعارض خطوات أحادیة خارج طاولة المفاوضات.
دیبلوماسی أوروبی مطلع على نقاشات هذه القضیة قال لـ«السفیر» إن خطوة السوید «لن یکون لها تأثیر على سیاسة الاتحاد الأوروبی الموحدة»، مذکراً بأن «السوید لیست الدولة العضو الوحیدة التی قامت بهذه الخطوة».
لکن هذا التقدیر یخالفه سیاسیون أوروبیون، یلفت بعضهم إلى أن هناک محاولات داخل الاتحاد الأوروبی لجعل موقفه أکثر تأییداً لإسرائیل. لهذا السبب یشددون على أهمیة وجود حکومات أوروبیة داعمة للفلسطینیین، خصوصاً لأن قرارات الاتحاد الأوروبی تتخذ بالاجماع ویمکن لأی دولة التأثیر فیها.
هذه المسألة تشدد علیها البرلمانیة الأوروبیة بودیل سیبالوس، وهی سیاسیة سویدیة من «حزب الخضر» الموجود فی الائتلاف الحاکم الجدید. فی حدیث إلى «السفیر» تقول إن «هناک بعض الدول فی الاتحاد الأوروبی مترددة جداً فی اتخاذ أی خطوات مع فلسطین أو ضد اسرائیل»، قبل أن توضح أن «الموقف الأوروبی قوی کما هو الآن، لکن هناک محاولات لإضعافه، لا یمکننا السماح بإضعافه بل علینا تقویته».
من حیث المبدأ، یعتبر الموقف الأوروبی متقدماً على نظیره الأمیرکی بأشواط. بروکسل منذ العام 2009 ترى أن حل الدولتین یجب أن یقوم على حدود العام 1967، على أن تکون القدس عاصمة مشترکة، وهذا الموقف لطالما رحبت به السلطة الوطنیة الفلسطینیة.
السیاسیة سیبالوس تعتبر أن خطوة بلادها جاءت فی وقتها، مبینة أنه «لا یمکننا الانتظار لوقت أطول، وترک الأمور کما هی تسیر إلى أسوأ، فی حین لا شیء یحدث لجعلها تتحسن. إذا لم یفعل ذلک الاتحاد الأوروبی، والولایات المتحدة لا تقوم بذلک طبعاً، فمن سیقوم به؟». ترى أن الخیار الحل للخروج من هذا الوضع هو «وضع الکثیر من الضغط على إسرائیل لأنها الجانب القوی، إنهم الطرف المحتل، وهم من یرفضون دائماً تطبیق قرارات الأمم المتحدة، لذلک یجب الضغط لجعلهم یعودون إلى طاولة المفاوضات».
من جهته، یلفت مسؤول الشرق الأوسط فی الخارجیة السویدیة إلى أمل بلاده فی أن تتبع دول أوروبیة أخرى خطوتهم. یقول إن ذلک لیس مستبعداً: «هناک نقاش الیوم فی دول أوروبیة عدیدة حول إمکانیة الاعتراف بفلسطین، ولن أکون متفاجئاً إذا رأینا دولاً أخرى تتخذ الخطوة نفسها».

المصدر: جریدة السفیر

رایکم
الأکثر قراءة