وکالة الدفاع المقدس للأنباء: في قلب تاريخ الشرق الأوسط المضطرب، حيث تختلط رياح المناخ ذي الفصول الأربعة بأنات الألم الموجعة، وقعت جريمة لا تُنسى لا تزال جروحها غضة على جسد إيران العزيزة. فنظام البعث العراقي، بأيدٍ ملطخة بأسلحة الدمار الشامل، وجه ضربةً إلى جسد هذه الأرض القديمة آلمت روح الأمة.
فقد نُشرت مقالة في عام 2014 في الدورية الفصلية "Chinese Journal of Traumatology" تناولت بالفحص والاستقصاء العميق الهجمات الكيميائية التي بدأت في 23 دي (الشهر العاشر) من عام 1359 (هجري شمسي) واستمرت حتى نهاية الحرب المفروضة في دي من عام 1366. هذه الرواية لا تقتصر على الإحصائيات والأرقام فحسب، بل هي قصة معاناة وصمود؛ حيث يمثل كل رقم رمزًا لحياة تحطمت.
في 23 دي من عام 1359، بينما كان العالم لا يزال غارقًا في سبات الغفلة، ألقى الجيش العراقي قنابله الكيميائية الأولى على حلبجة في جنوب غرب إيران. كانت هذه بداية طريق مظلم ومعبّد بالدماء، سهله العراق باستخدام غازات الأعصاب (NAs) والغازات الخردل الكبريتية (SM). في البداية، كانت الهجمات محدودة، لكن القصف اشتد اعتبارًا من مرداد (الشهر الخامس) من عام 1362، بعد حل المشاكل التقنية في القنابل، واستمر حتى دي من عام 1366.
ظلت إيران تحت وابل هذه السموم المميتة لأكثر من خمس سنوات. وفي إسفند (الشهر الثاني عشر) من عام 1363، استخدم العراق كمية هائلة من هذه القنابل الكيميائية ضد العسكريين والمدنيين الإيرانيين، حيث لوثت سحب الخردل الصفراء الهواء وأخذت الأنفاس.
كانت مدينة سردشت، إحدى المدن الكردية في شمال غرب إيران، في تير (الشهر الرابع) من عام 1366 وخرداد (الشهر الثالث) من عام 1367، هدفًا لقنابل زنة 250 كيلوغرامًا من غاز الخردل، مما أدى إلى إصابة 8025 شخصًا من أصل 12000 نسمة يسكنون تلك المنطقة، واستشهاد 130 شخصًا. وفقًا لما ذكره خبراء الأمم المتحدة، كانت هذه الجريمة رمزًا للعنف المستهدف والمخطط له.
في بهمن (الشهر الحادي عشر) من عام 1366، تعرضت إشنوية لهجمات كيميائية من قبل نظام البعث، نتج عنها إصابة 2680 مدنيًا. لقد شمل تقويم الموت إيران من الجنوب إلى الشمال، مخلفًا أكثر من 20 ألف شهيد و400 ألف جريح؛ جراحًا احتاجوا إلى رعاية طويلة الأمد.
كما تجلت مذابح نظام البعث العراقي الوحشية في ساحات القتال، حيث كانت غازات الأعصاب تُزهق أرواح المقاتلين في أقل من 30 ثانية. ويذكر الباحثون أن حوالي 100 ألف إيراني تلقوا العلاج بسبب التلوث بهذه الغازات الكيميائية، ومع ذلك يُقدّر أن حوالي 25 ألف مدني لم يتم تحديد هويتهم كجرحى كيميائيين.
يتميز غاز الخردل، بمعدل وفيات حاد يتراوح بين 2 إلى 3 في المئة، بنسبة وفيات أقل، لكنه يخلق إعاقات مزمنة. الجرعات العالية من هذا السلاح الكيميائي (200 ملليغرام عن طريق الفم أو 3-5 غرامات عبر الجلد) تؤدي إلى موت مؤلم من خلال التسبب في "الوذمة الرئوية" (تراكم السوائل في الرئتين). في المقابل، كانت غازات الأعصاب مثل "التابون" و"السارين"، التي أكدت الأمم المتحدة أن تركيبها يحتوي على 75% تابون و12% كلوروبنزين، تسبب أعراضًا مثل التعرق والغثيان والتشنجات والشلل التنفسي من خلال التحفيز المفرط للمستقبلات المسكارينية والنيكوتينية.
هذه السموم، التي عُثر عليها حتى في عينات الدم والجلد والبول من الشهداء، جعلت الموت فوريًا ومُعذّبًا. لكن هذه الإحصائيات ليست سوى جزء بسيط من هذه المصيبة التاريخية. فالوفيات المتأخرة، مثل تلك التي حدثت في حلبجة (حwhere استشهد 5 آلاف شخص وأصيب 7 آلاف)، تظهر عمق المأساة.
كانت الآثار الجسدية لتلك الجروح الغائرة التي أحدثها العراق في جسد إيران واسعة النطاق ومستمرة. غاز الخردل، العامل الأكثر شيوعًا، كان يدفع الخلايا إلى حافة الموت من خلال إتلاف الحمض النووي، وتقليل الجلوتاثيون، وتفعيل العوامل الالتهابية. كانت المشاكل التنفسية مثل "التهاب الشعب الهوائية المزمن" و"التليف الرئوي" و"الوذمة الرئوية" التي تقيد الأنفاس، أكثر الآثار شيوعًا بنسبة 42.5% بين 34 ألف جريح. العيون، في 39% من الحالات، عانت من أضرار لا رجعة فيها مثل الالتهاب المزمن والجفاف وحتى العمى. الجلد، بنسبة 24.5% من الإصابات، تحمل أضرارًا مؤلمة تتراوح من الاحمرار البسيط إلى النخر الشديد، حيث كانت البثور تشتعل مثل النار تحت الجلد.
التغيرات المناعية، مع كبت المناعة الخلوية والخلطية، جعلت الجسم عرضة للعدوى وزادت من احتمالية الإصابة بسرطانات مثل سرطان المعدة والجلد. كما تسببت غازات الأعصاب، بآثارها المباشرة على الجهاز العصبي المركزي، في حدوث صداع وأرق وارتباك وغيبوبة. هذه الآثار أدت إلى إرهاق الجسد وحولت حياة الضحايا إلى جحيم دائم.
لكن هذه المعاناة لم تقتصر على أجساد الجرحى؛ فنفوس الإيرانيين - تلك الروح الصامدة لكن المجروحة - انحنت تحت وطأة هذه الجرائم. كانت الاضطرابات النفسية أكثر شيوعًا بين مصابي الحرب الكيميائيين مقارنة بعموم السكان: فالقلق كان يلاحقهم كظل، والاكتئاب يطمس نور الأمل، واضطراب الكرب التالي للصدمة كان يبقيهم في رعب دائم.
الهجرة القسرية من المناطق الملوثة - كما حدث في سردشت وحلبجة - مزقت الأسر العائلات وفرضت ضغوطًا عاطفية عميقة على النساء والأطفال. تظهر الدراسات أن هذه الهجمات أحدثت أكثر من 150 نوعًا من الأمراض والاعتلالات، وتسببت حتى في آثار اجتماعية-اقتصادية.
بعد 25 عامًا من انتهاء الحرب، لا يزال 45 ألف إيراني يتصارعون مع آثار استنشاق غاز الخردل، بينما يعيش الآلاف الآخرون بأمراض مزمنة. إن نظام البعث العراقي، بهذه الهجمات، لم يسرق الأرواح فحسب، بل سرق مستقبلًا مشرقًا من شعب إيران. هذا التقرير، بالاعتماد على البيانات العلمية، هو صرخة تجاه جروح لم تلتئم.
انتهی/