لم تنفع الحرب التی یشنها التحالف الدولی، على الجماعات الإرهابیة فی سوریا والعراق، فی دفعها نحو التوحد من أجل المواجهة. لا بل ان الدعوة الأخیرة إلى هدنة فیما بینها لم تلق أی تجاوب من بعضها. الأمر الذی یطرح حوله علامات الإستفهام، خصوصاً أنها تتفق على أن العدو الأساس یتمثل بهذا التحالف.
الإنقسام الواقع فی صفوف هذه الجماعات لم یعد خافیاً على أحد، لا سیما بعد أن أعلن تنظیم "الدولة الإسلامیة" إقامة "الخلافة"، ما وضعه فی مواجهة مع جمیع الفصائل التی رفضت إعلان "البیعة" لزعیمه أبو بکر البغدادی، فما هی ملابسات هذه "المبادرة"، وما هی الإعتراضات علیها؟
المبادرة والتحالف الدولی
لم تأت هذه المبادرة من فراغ، فمنذ بدایة الإعلان عن التحالف الدولی لمحاربة المنظمات الإرهابیة، دعت بعض الشخصیات، التی تدور فی فلک المنظمات "الجهادیة" إلى التوحد من أجل مواجهته، دون أن تنجح فی تحقیق هذا الهدف، بسبب المعارک الکبیرة التی کانت قد وقعت بین الفصائل المختلفة فی سوریا والعراق فی الأشهر الأخیرة.
الدعوة إلى الهدنة، وضعت على قائمة أسبابها الموجبة ما وصفته بـ"الهجمة الصلیبیة على إخواننا المسلمین فی الشام والعراق". وذکرت بـ"موقف معاویة عندما راسله طاغیة الروم أثناء القتال الدائر بینه وبین علی فأرغمه معاویة وهدده بالصلح مع ابن عمه والمسیر إلیه".
هی تطلب بشکل أساسی من جمیع الفصائل کف القتال فیما بینها وإطلاق سراح الأسرى، على أن یبدأ ذلک فی موعد أقصاه لیلة عرفة، بینما تتولى "أنصار الدین" المرابطة على الحدود بین الجانبین.
وکان من المفترض أن تعلن جمیع الفصائل موقفها منها، خلال ثلاثة أیام من تاریخ الإعلان عنها، أی یوم الثلاثاء الماضی، إلا أن موقف الغالبیة کان واضحاً منذ البدایة. وبدا من المؤکد أن "الدولة الإسلامیة" سترفضها بشکل مطلق، کون أغلب الموقعین علیها هم ممن هی على خلاف معهم.
ویُنقل عن احدى الشخصیات الموقعة إمتعاضها من مواقف باقی الأفرقاء المعترضین، لأن موافقتهم کانت ستشکل دلیلاً على أن "الدولة" هی من ترید "إستمرار الإنقسام والفتنة فی الأمة". وهی تصف أغلب المعترضین بـ"الموتورین" لأنهم لا یفکرون إلا بمصالحهم الضیقة، لا سیما أن الإعتراضات بدأت بالصدور على مواقع التواصل الإجتماعی قبل الإطلاع علیها.
هذه الهدنة لم تطرح من قبل "المشایخ" الموقعین علیها. بل هی مبادرة تقدمت بها "أنصار الدین" وطلبت منهم إبداء الرأی فیها، وهم لم یجدوا ما یحول دون الموافقة، لا سیما أنها دعوة إلى وقف إراقة الدماء بین "المجاهدین"، فی ظل حرب معلنة علیهم من قبل عشرات الدول، وهی بحسب ما تم التأکید "موقتة"، هدفها الأساس مواجهة هذه الحرب.
أسباب الرفض
فی الأیام الأخیرة، أصدر زعیم جبهة "النصرة" أبو محمد الجولانی، تسجیلاً صوتیاً، تطرق فیه إلى موضوع التحالف الدولی لمحاربة الإرهاب، إلا أن المواقف التی أعلن عنها لم تلق أی ترحیب من أنصار "الدولة الإسلامیة"، بالرغم من أن الجولانی أکد على وقوفه بوجه هذا التحالف الذی یستهدف تنظیمه أیضاً. وقد تحدث هؤلاء بشکل صریح عن هذا الأمر، معتبرین أن المواقف التی عبر عنها الناطق باسم "الدولة" أبو محمد العدنانی أفضل بکثیر، ودعوا "الخائن" إلى العودة إلى البیعة التی فی رقبته لـ"أمیره".
بعد الإعلان عن المبادرة، وصفها هؤلاء بـ"المؤامرة" الجدیدة التی أطلقها أعداء دولة "الخلافة"، وبأنها "خطة "خبیثة" لإیجاد مبرر شرعی للدخول فی الحرب العالمیة ضد "الدولة" بغطاء خبیث لن یصدقه غیر مطموس البصیرة مریض القلب"، ومعتبرین أن قول الجولانی: "من تعذر بدفع صیال جماعة الدولة أو غیرها فلیقم بذلک دون أن یکون شریکا فی التحالف الصلیبی"، مما یعنی أنه "یتظاهر بالتحذیر من قتال الدولة بالتعاون مع الحلف الصلیبی علیها ویأمر بقتالها فی إطار آخر بعیدًا عنه"، ودعوا إلى العودة إلى مبادرة البغدادی السابقة: "کفّوا عنا نکف عنکم".
فی الجهة المقابلة، لم یکن الترحیب بالمبادرة على نطاق واسع، لا سیما بعد أن نفذ أحد أنصار "الدولة" عملیة إنتحاریة إستهدفت أحد الفصائل، بعد ساعات من الإعلان عنها، ورأى الکثیرون أنها ستکون مناسبة کی تلتقط "الدولة" أنفاسها من جدید، لتنکث بعد ذلک بالعهد من أجل شن عملیات واسعة علیهم، وبعد رفضهم لها لا بل الإستهزاء بها من خلال القول أنها بین فصائل فی حین أنهم "دولة".
فی المحصلة، فشلت مبادرة الهدنة التی تم الإعلان عنها من کبار منظّری التیار "السلفی الجهادی" فی العالم. لا بل هی کانت سبباً لمواجهة جدیدة بین المختلفین على مواقع التواصل الإجتماعی وفی المنتدیات "الجهادیة"، ما یؤکد أن أی توافق بینهم بات من المستحیلات.
المصدر: موقع النشرة